أنا م.م 18 سنة، طالب وداخل أولى كلية، إنسان عايش عصر السبعينات، بحب الحاجات الهادئة رغم إن أنا عصبي، أحياناً يلقبني الناس بالمجنون بعشق التحدي، بحب القراءة أوي، انطوائي شويه.. لأ شويتين؛ بس كل ده مش مشكلة. المشكلة إن أنا مجنون فعلاً ساعات بابقي قاعد ومش عارف أنا كنت فين ولا جيت منين، وساعات بالاقي نفسي لابس هدوم عجيبة مش استايل لبسي خالص، ساعات أروح أماكن أبقى متأكد إني عمري ما رحته؛ بس فجأة أحس إن عقلي الباطن مصرّ ومصمم إني شفت المكان ده قبل كده، وكمان قعدت فيه؛ بس عقلي الواعي بيرفض الفكرة تماماً، ساعات باحس إني باشوف أحداث أنا متأكد إن عمري ما شفتها؛ بس عقلي الباطن بيبقى عارفها وعارف إيه اللي هيحصل بعد كده. رومانسي زيادة عن اللزوم، مندفع أحياناً، الناس بتقول عليّ غبي؛ بس أنا متأكد إني ذكي، بدليل إني باقرأ كتب استحالة هم يعرفوا أساساً معنى عنوانها، والعجيب إني لما أحاول أناقش مع شباب في سني في الموضوعات دي يكون الرد كالعادة: إنت مجنون كبر دماغك، ويؤكدوا لي أنهم أغبياء من الدرجة الأولى، وأحياناً؛ بل معظم الأوقات أفقد الثقة في نفسي تماماً، وأشعر أني ضعيف الإرادة، ماذا عساني أفعل؟؟ أتجه إلى حياتهم وتسقيط البناطيل وقلة الأدب وابقى مقطّع السمكة وديلها عشان أعجب الناس، وابقى شاب؟ فيها إيه يعني لما أكون ما ليش علاقات ببنات، ومش بحب الخروجات وبحب البيت، وباخاف لما أطلع منه وأحس بالأمان جواه، وعمري ما أزهق وأنا قاعد في البيت؟ فيها إيه لما أكتفي بحب واحد في حياتي ومش كل يوم مع بنت؟ لازم أكون سافل عشان حياتي تبقى فريش؟ أكيد هم غلط بس رأي المجتمع يغلب رأي الفرد، وإذا شاع الخطأ كان صحيحاً. أرجوكم أنا هاتجنن بجد، والله إيه الحل؟ أنتحر ولا أعمل إيه؟ أنا مش عايز أغيّر نفسي، عايز أفضل محترم يا ترى ده غلط ولا المجتمع غلط ولا إيه؟ طولت عليكم وشكلكم زهقتم مني؛ بس أعمل إيه؟ أنا لي أربع إخوات، عمري ما كلمتهم ولا فضفضت لحد، وما صدقت ألاقي حد يسمعني من غير ما يتتريق على كلامي، مش مهم يرد عليّ المهم يسمعني، يحسنني إني عايش وموجود، لي ذات وكلامي له أهمية، يقلق عليّ، عارف إن زمانكم بتقولوا عليّ مجنون؛ بس أنا كده خلقت لأجد نفسي هكذا، ما الخطأ يا ترى. أنا في حاجة إليكم في أسرع وقت قبل ما انتحر، أهو أعرف رأيكم فيّ؛ بس أرجوكم بصراحة ووضوح. إمضاء م.م
صديقي العزيز: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أعجبني كثير مما أوردت في رسالتك، ولم يعجبني بعض ما ورد بها؛ فتعالَ معي نتحاور فيما أعجبني: ما أعجبني هو حبك للحاجات الهادئة على عكس الشباب الذي يميل لكل شيء صاخب، والهدوء محمود طالما أنه يدفعك للرؤية والتأمل والتعلم، أما الهدوء الناتج عن عدم الرغبة في المبادرة وعدم الثقة بالنفس فهو أمر سلبي؛ لأنه يبعث على الانزواء والانطواء. وأعجبني أنك تحب القراءة؛ فالقراءة تعلّمنا الكثير؛ خاصة متى تخيّرنا المصادر الموثوق بها، والاهتمام بالقراءة أمر نادر الحدوث بين شباب هذا الجيل الذي يحصل على كل المعلومات بنظام التيك أواي والوجبات السريعة من على الإنترنت؛ فيتحدث في أي موضوع يفتح أمامه؛ لكنه خاوٍ وجائع. وأعجبني أيضاً عشقك للتحدي؛ فهو أمر محمود؛ طالما أنه يبعث على تحدي الصعاب من أجل تحقيق الأهداف؛ لكنه أمر سلبي متى كان يقصد به التهور والاندفاع. أما ما لم يعجبني في رسالتك هو ترددك وعدم ثقتك في صحة أفعالك، وكذلك اعتقادك أن "الخطأ إن شاع يكون صحيحاً"؛ لأنه دائماً لا يصح إلا الصحيح فلا تغالط نفسك، مهمتك صعبة في أن تقبل نفسك على اختلافها بين أقرانك، وألا تهتز قيمك أمام انحلال المجتمع؛ لأنك لو فعلت ستفقد هويتك وسيضيع معها الكثير... تحدث إلى نفسك بالرسائل الإيجابية هكذا (أنا كده – ما اعرفش أكون غير نفسي- أعرف أكون زيكم - بس أنتم ما تعرفوش تكونوا زيي - ربنا يهديكم) رسالة يومية لابد أن تخاطب بها عقلك، ولو كان هذا ما تقصده من مقولة عصر السبعينات الذي لم يعرف كلمة (فريش)؛ فهنيئاً لعصر السبعينات؛ بل ما قبله أفضل؛ فلقد شهد هذا العصر أيضاً بعض الموضات التي كانت مرفوضة؛ لكن لم يكن الانحلال موضة كما في عصرنا... عزيزي.. أنت مازلت في مرحلة المراهقة، وأشرفت على توديعها وهي مرحلة تمتلئ بالقلق والتوتر حيال المتناقضات بين ما يتربى عليه الطفل وبين ما يراه بعد ذلك في الحياة. والتكيف وخلق التوازن بين ركام القيم ومثيرات الحياة أمر صعب؛ لكن كلما كان لديك القدرة على اجتيازه كلما قويت شخصيتك واشتد عودك لمواجهة الحياة فيما بعد ولعل وصف أصدقائك لك بالمجنون نابع من أنك تتعصب بين الحين والحين؛ لأنك مازلت تتأرجح بين بقائك على قيمك ورغبتك في أن يراك الآخرون شاباً (فريش) أو (روش). إنها مرحلة وستمر بسلام إن شاء الله، وعليك أن تحرص دائماً على شغل وقت فراغك مع الجماعات المنتجة في ممارسة الرياضة والأعمال التطوعية مثلاً، وممارسة الهوايات المفيدة بوجه عام، هذا بجانب الدراسة.. أما ما ذكرته عن شعورك بأنك رأيت الأشخاص أو الأماكن التي تراها لأول مرة وكأنك تعرفها أو رأيتها من قبل؛ فإن هذا أمر يحدث لكثير منا، ويسمى بظاهرة الألفة أو انخداع الألفة، وهناك الكثير من النظريات التي تحاول تفسيره مثل وصول مثيرات بصرية من أحد العينين للمخ قبل العين الأخرى؛ فيشعر المخ بالألفة حينما تصل النبضات العصبية للعين الأخرى، وهو أمر يحدث مع كثرة الإرهاق الذهني، ويزداد مع التوتر والقلق أحياناً؛ فلا تنزعج منه؛ لكن اجعله في نفسك ولا داعي أن تحدّث فيه من لا يفهمه أو يجربه؛ حتى لا ينعتك من لا يفهم بالجنون. وفقك الله.