"حازم ؟!!.." نطقتها مريم بصوت مبحوح من أثر المفاجأة .. نطقتها بمزيج من الدهشة والحزن والمرارة .. ها هو حازم .. حبيبها الأول .. يقف على بعد عشرون مترا منها فقط .. بعد كل السنين التي فرقت بينهما .. بعد ابتعاده وتخليه عنها بلا سبب واضح .. واستدار اليها .. انتبه اليها برغم أن صوتها كانت لا تكاد تسمعه .. ربما لأن صوتها وصل الى قلبه قبل أذنيه .. ربما لأنه أحبها يوما .. ربما .. ونظر اليها وعينيه ملؤهما الدهشة .. واقترب منها وقال : "مريم ..؟! " لم ينتظر الجواب .. كانت عيناها كفيلتان بالرد .. وكان قلبه يعرف الرد .. ومد يده وصافحها .. وظلت راحتها في راحته وكأنه يخشى أن يفقدها مرة ثانية .. وبعد فترة من الصمت قال لها : - لم أكن أتوقع أن أراك هنا في الأسكندرية .. بعدما انتقلتم للعيش في القاهرة .. ردت عليه بخفوت : - جئت لزيارة عمتي فهي مريضة .. أومأ برأسه ايجابا وظل ينظر اليها مبتسما دون أن يدري ماذا يقول .. حاولت أن تقول شيئا فسألته : - متى عدت من أوروبا ؟ أجابها قائلا : - الاسبوع الماضي .. ثم نظر الى أصابعها في لهفة قائلا : - ألم تتزوجي بعد ؟ كادت تصرخ من صميم قلبها .. كيف يتوقع منها أن ترتبط بشخص غيره .. كيف ؟! .. كان من العسير عليها أن تحب كما أحبته هو .. ولذلك كانت ترفض أن تظلم شخص آخر معها .. سحبت يدها في هدوء وقالت له دون أن تنظر اليه : - كلا .. ثم استطردت تسأله في فضول : - وأنت ؟ قال في همس وكأنه يتحدث من قلبه : - لم يكن في استطاعتي أن أتخيل فقط وجود أخرى في حياتي غيرك أنت .. نظرت إليه هذه المرة في دهشة .. وحيرة .. وغضب .. إن كان قد أحبها بهذا الشكل .. فلماذا سافر .. لماذا لم يسعى للارتباط بها .. فقد كانت جارته .. بل كانت أمه صديقة لأمها قبل أن توافيها المنية وترحل تاركة قلبها الحزين .. لذا فلم يكن من العسير عليه حتى أن يلمح لحبه لها في ذلك الحين ! ظلت تنظر إلى وجهه محدقة .. فقال لها وكأنه عرف ما يدور في وجدانها : - اسمحي لي أن أدعوك لزيارة منزلنا .. بالطبع مازلت تذكرينه ..إن أمي ستسعد بك كثيرا.. قالت: إنني بالفعل أود رؤية والدتك كثيرا .. لم تستطع مريم النوم طيلة تلك الليلة التي قابلت فيها حازم ، تقاذفتها أفكارها ككرة بين أقدام الذكريات .. دون أن تصل لمرمى الإجابة على السؤال الذي مزقها دون شفقة.. لماذا تركها .. ولماذا لم يرتبط بغيرها .. ولماذا فعل كل هذا طالما أنه يحبها.. تسلل ضوء الصباح من النافذة ليدفئ من برودة ليلتها القاسية .. فكرت أنها لن تستطيع أن تصبر على جمار قلبها أكثر من ذلك.. وقررت أن تذهب لزيارة والدته كما أخبرها.. حملت الرياح عبير أيامها الجميلة الماضية وداعبت وجهها كأنها تعاتبها على غيابها الذي لم تكن تريده .. وطفقت عيناها تسبح بين أغصان ورق الشجر المتراقص والطريق المفروش بورود الذكريات التي أخذت تتجاذبها وتسير مع خطواتها.. ها هي مدرستها الحبيبة ما زالت كائنة في نفس موقعها تطل عليها بنظرة اشتياق.. "أراك دوما يا مريم في ثوب النقاء والبراءة كاسمك ، حافظي عليه .. أنت لست كالأخريات .." تذكرت مريم هذه العبارة من 'معلمتها العزيزة والتي كانت تراها تسير مع زميلاتها وكن يسايرن الشباب العابث بعد انتهاء اليوم الدراسي وخروجهن من المدرسة وهي تضم الكتب وكأنها تهاب ذلك الجو المحيط بأكمله .. فقط حازم من كان يملأ كيانها .. وتشعر معه بالأمان .. كان عليها أن تواجه الصراع دوما بين عواصف مشاعرها.. وبين شدة حيائها الذي جعل حبها مقيد في عينيها.. تنبهت من ماضيها لتجد نفسها أمام مستقبلها .. الآن تقف أمام منزله.. وتصاعد توترها إلى ذروته وسؤال لماذا يأبي أن يتركها .. وابتسمت في حنين إنها الآن في المكان الذي طالما لعبت فيه مع أخت حازم التي تزوجت منذ فترة.. ومع لمسات والدة حازم الدافئة تذكرت والدتها .. كم اشتاقت إليها .. حتى إن الوقت مر سريعا وهي لا تدري وأفاقت على صوت حازم وهو يناديها ويمد يده إليها بكتاب .. نظرت إليه في دهشة فقال لها مبتسما : -افتحيه .. فتحت الكتاب لتجد فيه خطابا .. قال لها حازم : - هذا الخطاب كتبته اليك عندما كنت في الثامنة عشر .. أبث اليك شوقي وحبى وأطلب منك الرد علي بخطاب مثله إن كنت تشعرين نحوي بنفس المشاعر .. ثم استطرد : - وعندما لم تردي علي حزنت حزنا كبيرا وابتعدت عنك .. حتى انني لم أحاول محادثتك ولو بكلمة واحدة وكل من حولي اندهش من تصرفاتي تلك حتى أنت إلا انني لم أستطع الحياد عن موقفي .. الى أن سافرت ونضجت واختلطت ببيئة العمل .. وقتها فقط أدركت كم أنك فتاة نقية ملتزمة .. لم تحاولي أن تكتبي كلمة واحدة لشاب تردين عليه فيها .. رغم ما كنت ألمحه من نظرات حب في عينيك .. لمعت الدموع في عينيها وهي تنظر اليه .. وقال لها هو في هيام : - لم أستطع محو حبك من قلبي أبدا صدقيني .. ثم ضحك وهو يقول : - لكن أتعلمين .. سبحان الله .. أن ذلك كان درسا لي .. كيف أمكن لي أن أتخيل أنك ستكونين كأبطال الأفلام التي امتلأ بها عقلي في سنوات مراهقتي الساذجة .. أنت أطهر وأرق فتاة يمكن لإنسان أن يقابلها في حياته .. ثم قال لها وكأنه تذكر شيئا : - الرواية التي أهديتها لي ما زلت أحتفظ بها .. لم أكن أستطيع أن أردها اليك .. كما انني لم استطع قراءتها كنت كلما حاولت ذلك يحجب مرآك رؤية السطور .. قالت له في لهفة : - وأين هي الآن .. بحث عنها في مكتبته ثم مد يده بها اليها .. فأخذتها بأصابع مرتجفة فسقطت منها رغما عنها .. انحنى حازم ليلتقط الكتاب ولمح ذلك الشئ الذي خرج منه اثر سقوطه .. لقد كان خطابا يحمل اسمه .. وبتلقائية فتحه .. ليجدها تبثه شوقها وهيامها وتصارحه بأنها تحمل له مشاعر جارفة أكثرمما يحملها هو لها .. وأنها من فرط حبها له رهن اشارته.. وهنا فقط أدرك سر لهفتها على استرجاع الرواية .. وسر ارتعاشة يدها وهي تمسك بها .. لقد أرادت أن تخفي عنه خطابها القديم و تحتفظ بحبها الذي ذهب منها حتى لا يذهب مرة أخرى .. ولكنه هذه المرة ذهب أيضا .. وبلا رجعة .. إيمان حسني التعليق: الكاتبة تمتلك القدرة على الكتابة والقص، لديها اسلوب رقيق ودقيق رغم بعض الأخطاء النحوية، لكن بالقصة بعض الإطالة بسبب الرغبة في الحكي، كما إنها تعتمد على منطق المصادفة في اللقاء. أما النهاية فهي غريبة جداً، فليس لها أي مبرر طوال القصة، ولذلك أرى أنه يمكن حذف السطرين الأخرين. د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة