«العشري» يدعو الحكومة للاجتماع بالمصنعين ومراجعة قرار فرض رسوم الإغراق على البليت    مداهمة مفاجئة تكشف الإهمال.. جمعية زراعية مغلقة وقرارات حاسمة من وكيل الوزارة    محلل سياسي عن لقاء السيسي ورئيس كوريا: مصر مركز جذب جديد للاستثمارات    فلسطين.. آليات الاحتلال تطلق نيرانها صوب المناطق الشرقية لمدينة خان يونس    شيكو بانزا يوضح سبب تأخر عودته للزمالك    الصورة الأولى لعروس المنوفية التي لقيت مصرعها داخل سيارة سيارة الزفاف    مصرع سيدة وابنتها في حادث تصادم بالطريق السياحي في الهرم    محمد التاجي يكشف سر اعتذاره عن مسلسل «حكاية نرجس»    ليبيا.. مقتل صانعة محتوى شهيرة بنيران مسلحين مجهولين    تعرف على أسعار اللحوم البلدي اليوم فى سوهاج    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الأحد في الدوري الممتاز    مارسيليا يتصدر الدوري الفرنسي مؤقتا بفوز ساحق على نيس    ممداني: الدعم الأمريكي لإسرائيل يساهم في إبادة جماعية.. ويجب أن تكون الأولوية للمواطنين    خطة السلام بأوكرانيا.. ماذا قال عنها ترامب وبوتين وزيلينسكي؟    مصرع شابين وإصابة 3 في حادث تصادم على طريق بنها–كفر شكر بالقليوبية    الجيزة: تعريفة ثابتة للسيارة بديلة التوك توك ولون موحد لكل حى ومدينة    تعرف على حالة الطقس اليوم السبت فى سوهاج    ترامب: نعمل مع لبنان لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ونمارس ضغوطًا لنزع سلاح حماس    مصطفى حجاج يكشف حقيقة الخلاف بينه وبين هاني محروس    وزير الثقافة يعلن ختام فعاليات الدورة السادسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ويُكرم الفائزين بمسابقاته    مى عز الدين تنشر صورا جديدة تجمعها بزوجها أحمد تيمور    مها الصغير أمام المحكمة بسبب انتهاك حقوق الملكية الفكرية | اليوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    القاهرة الإخبارية تكشف تفاصيل العملية الانتخابية في الرياض وجدة    مسئول إسرائيلى: سنحصل على الشرعية لنزع سلاح حماس إذا لم ينجح الأمريكيون    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب: ممدانى رجل عقلانى جدا ونتفق فى الغاية وهو ليس جهاديا.. طوارئ فى فرنسا استعدادا لحرب محتملة مع روسيا.. وزيلينسكى عن الخطة الأمريكية للسلام: نواجه لحظة حاسمة    تباطؤ إنفاق المستهلكين فى كندا خلال الربع الثالث بسبب الرسوم الأمريكية    أخبار × 24 ساعة.. السياحة: 1.5 مليون سائح ألمانى زاروا مصر منذ بداية 2025    اكتشاف عجز 44 طن سكر داخل مضرب بكفر الشيخ.. وضبط أمين المخازن    رمضان صبحي أمام المحكمة في قضية التزوير| اليوم    بسبب ركن سيارة.. قرار هام في مشاجرة أكتوبر    إعدام كميات كبيرة من الأغذية والمشروبات غير الصالحة بالمنوفية    مصر تتصدر جلسات الاستدامة في معرض دبي للطيران 2025    أحمد حسن يكشف أسباب عدم ضم حجازى والسعيد للمنتخب الثانى بكأس العرب    محلل أداء الأهلى السابق: الفريق استقبل أهدافا كثيرة بسبب طريقة لعب ريبيرو    فالنسيا يكتفي بهدف أمام ليفانتي بالدوري الإسباني    أحمديات: برنامج دولة التلاوة رحلة روحانية مع كلمات الله    محمد أبو سعدة ل العاشرة: تجميل الطريق الدائري يرتقى بجودة حياة السكان    صلاح بيصار ل العاشرة: أحمد مرسي علامة كبرى في الفن والأدب السريالي    قائمة بيراميدز - عودة جودة وغياب مصطفى فتحي أمام ريفرز    11727 مستفيدًا في أسبوع سلامة الدواء بالمنوفية    رئيس جامعة المنيا يناقش إعداد الخطة الاستراتيجية للجامعة 2026–2030    الترسانة يتعادل مع المنصورة في ختام الأسبوع ال13 بدورى المحترفين    جعجع: لبنان يعيش لحظة خطيرة والبلاد تقف على مفترق طرق    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    بسبب رسامة فتيات كشمامسة.. الأنبا بولس يطلب من البابا تواضروس خلوة بدير العذراء البراموس    إقبال كثيف وانتظام لافت للجالية المصرية في الأردن بانتخابات النواب 2025    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    المصري الديمقراطي يطالب خطوات "الوطنية للانتخابات" لمنع تكرار مخالفات المرحلة الأولى    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    دعاء يوم الجمعة لأهل غزة بفك الكرب ونزول الرحمة.. اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم فرّج عن أهل غزة فرجًا عاجلًا    السفير المصري بنيوزيلندا: انتخابات النواب تسير بسهولة ويسر    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    اسعار الدواجن اليوم الجمعه 21 نوفمبر 2025 فى المنيا    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    مرشحون يتغلبون على ضعف القدرة المالية بدعاية إبداعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة منها
نشر في بوابة الشباب يوم 25 - 05 - 2010

هذه رسالة أخري أبعث بها إليك ... وهذه الكلمات ليست إلا أوراقا تتساقط من شجرة حياتي ... حياتي في فصل الخريف ...
كل ما اذكره اليوم أن هناك مسافة بيننا ... هذه المسافة لم تختف قط ...
كانت في البداية ومازالت في النهاية ... اذا كنت نسيتها فأنا اذكرك بها فأنت تنسي وكل الرجال ينسون ... أما نحن فلا ننسي شيئا ... لمعة العين نذكرها ... لمسة اليد نذكرها .. لاننسي الكلمة التي يقولها الرجل في الوقت المناسب ... لاننسي اللهفة التي يبديها الرجل .. في الوقت العسير ... أما أنتم أيها الرجال فتنسون دائما ...
أنتم ... لا ... ترون المسافة التي بيننا وبينكم .. انكم تحاولون تقريب المسافات بين الرجل والمرأة .. بالود .. بالعنف .. بالخطف .. بالعدوان ... بالحب . أنتم تكرهون المسافة .. أنتم الذين اخترعتم القاطرة ... والطائرة والصاروخ ... انها وسائل للقضاء علي المسافة بين الناس .. بين البلاد .. بين الكواكب .
أما نحن فنري المسافة وننساها ونؤمن بالمعجزة ... نؤمن بأن الحب هو أكبر معجزة ..
هو أسرع من الصاروخ ... هو أقوي من الرجل الذي صنع الصاروخ .. أنتم تقطعون كل مسافة بالصاروخ .. ونحن نقطعها بالحب .. أنتم تريدون الوصول إلي القمر بالعقل .. نحن نصله بالقلب .. يكفي حبي لأحد المخترعين لأسافر معه في صاروخ ظل يصنعه في عشرات السنين .. وحبي لم يستغرق سوي ثانية .. هذه المسافة التي كانت بيني وبينك من البداية هي السن .. أنت في الثلاثين وأنا في العشرين ... انني لا أنسي ذلك اليوم ... الذي رأيتني فيه ونظرت .. كان علي وجهي تاريخ ميلادي .. كأنك تريد ان تعرف الساعة التي ولدت فيها .. لقد كنت سعيدة أنني صغيرة السن .. وازددت صغرا .. ان أعظم تحية تتلقاها امرأة هي أن تنقص سنها ووزنها .. وقد تلقيت منك هذه التحية .. ولكنك رفعت عينيك بالتحية ومضيت ..
عرفت في تلك اللحظة ان الرجال في سنك يشعرون بأنهم كبروا ويكرهون أنهم كبروا .. ولكني أحب الرجل الذي يكبرني .. بعقله .. بتجاربه .. أحب الرجل الذي يشعرني أنني صغيرة ... أصغر منه وأصغر من أي إنسان ... المهم ان صغرت ... يضعني في جيبه .. ويضعني في عينه .. لقد احسست بهذه المسافة بيننا .. واستغرق احساسي لحظة واحدة ..
ومشيت أنت .. ومشيت أنا ... أنت إلي طريقك وأنا إلي المدرسة .. وتشاء الصدفة ان انتقل إلي بيت يجاور بيتك ورأيتك كثيرا ... وفكرت فيك كثيرا ... ولا أعرف ماالذي كان يدور في رأسك ... لكني أراك تطبق عينيك عندما تراني ... كأنك تطبق كتابا لاتريد أن تقرأه ... كأنك تقفل نافذتك في وجهي .. كأنك تطفئ نور الأمل أمامي ...
وكانت بيننا هذه المسافة وكانت الدهشة هي التي توسع هذه المسافة ... وفي يوم بلغني انك سألت عني .. ولم يبلغك عن مشاكلك ... بل إنني سمعتك وأنت تنادي بصوت منخفض علي والدتك ... ثم ارتفع صوتك .. ثم ارتفع وانقطع .. وعرفت أنك وجدت بيجامتك علي الأرض أمام سريرك ..
لا أستطيع أن تتصور ماالذي شعرت به في تلك الليلة ...
تمنيت أن أراك في ملابسك .. أن أري وجهك الساخط الغاضب ... وتمنيت أن أري وجهك وقد ارتاح علي المخدة كطفل صغير .. وتمنيت أن أضع يدي تحت خدك ... واضع خدي علي خدك كأنك ابني .. وتخيلت نفسي أدق بابك ...
وتخيلتك تمشي علي أطراف أصابعك تفتح الباب ..
وتخيلت أمك تصحو علي صوت الباب .. وشعرت بالفزع ونظرت إلي وجهك ... وتطلعت الي كلمة تخرج من فمك .
تنقذني من حيرتي . وسمعت من فمك كلمات كثيرة ... أخرجتني من حيرة .. وادخلتني في حيرة ... ونمت ودموعي مثل رأسك .
تمددت علي المخدة .. ونمت ونامت علي وجهي تلك الصور .. جامدة بلا حركة .. كأنها فيلم أخرجناه من الكاميرا .. والقيناه علي الأرض .. فيلم أسود جاف ... بارد وميت .. بلاحركة .
ويلغني أنك عرفت أن هناك مسافة أخري بيننا هي الدين ... دينك .. وديني .. الدين لله ..
القلوب ليس لها دين ... نظراتي إليك ليس لها دين ... حيرتك ليس لها دين ... الشوق ليس له دين ... الحزن ليس له دين ... الاحساس بالحرارة وبالبرودة .. الخوف والفرح ليس لهما دين .. ولكن القدر هو الذي وضع هذه المسافات .. هذه النقط بيني وبينك ..
وأنا لا أعرف معني القدر .. ماهو القدر ... هو الذي يفصل بيننا لماذا؟ من الذي يستفيد من هذه الفرقة ... من الذي تسعده تعاستنا .. من الذي يفرحه شقاؤنا ... انه القدر نفسه ... انه يريد أن يبين لنا أنه قوي ... بس كده ... ان أي شيء أقوي منا ...
ان الحائط الحجري الذي يفصل بيننا أقوي منا .. ان شهادة ميلادي ... وشهادة ميلادك أقوي منا ... ان مخاوفنا سد بيننا .. أنا لا أعرف هذا القدر ... لماذا يقرب بيننا .. ويبعد بيننا .. لماذا يجعلنا أصبعين في يد واحدة .. لماذا يجعلنا يدين في جسم واحد .. لماذا يجعلنا توءما في دنيا واحدة .. انه القدر .. انه الشيء القوي الذي نحسه .. ولانعرفه .. ونعرفه ولانحبه ..
وجاء القدر مرة أخري وألقي في طريقي شابا فيه ملامحك ..
وفيه شيء أقوي من ملامحك .. فيه التعبير عن هذه الملامح .. كل ملامحه تتكلم وتريد .. كل ملامحه أن تمتد ناحيتي .. وتناديني وتهزني .. تهز قلبي النائم وتوقظه وتفزعه .. ثم تهدهده ... ثم تعانقه ثم تجعله ينام ويحلم .. وفي أحلامه تفزعه .. وتخيفه .. توقظه وتثيره وتسخره لينام . شيء أقوي من ملامحك .. وكان هذا الشاب هو أحد أصدقائك ...
لا أعرف لماذا تحب الفتاة شابا كان صديقا لشاب آخر كانت تريده أو تحبه .. ربما لأنه قريب منه .. ربما لأنه قريب منه وبعيد عنه .. وأحببت صديقك .. لقد انتقلت خطوة بالقرب منك فأخذت رجلا قريبا منك ...
اخترته ووقفت إلي جواره ولكن بعيدا عنك ... انه بيني وبينك .. وأنا أقول إنني ازددت قربا منك ...
وأنت تقول بل ازددت بعدا ...
أنا أقول إنني أحب صديقك ... يعني أحب كل ماهو شبيه بك ... أحب كلمات صديقك الذي أعرف أنك ترددها .. أحب كلام صديقك عنك ... أحب اثنين في وقت واحد ...
الرجل الذي اختارني والرجل الذي لم يخترني ... وانما اخترته أنا .. وكان في استطاعته أن يجعلني له لو أراد ..
وأنا أقول لنفسي : كان يقدر اذا أراد .. كان يريد اذا أحب ... كان يحب اذا تشجع ... كان يتشجع اذا أحب ..
كان يقدر اذا تكلم .. وكان يتكلم اذا تشجع .. كان يستطيع .. كان يستطيع لو انه تكلم ..
ولكنه لم يتكلم .. نعم لم تتكلم .. وأنا لا أعرف السبب ..
وجاء القدر الذي حرت في أمره .. جاء القدر باعد بيني وبينك .. بين صديقك وبينك .. وسافرنا إلي مكان بعيد .. سنة . وسنة .. وفي كل سنة يكون لنا طفل .. صورة مصغرة من صديقك .. صورة مصغرة من صديقك الذي هو صورة منك .. ان أولادي هم أحفادك .. تصور أنك الآن جد أولادي .. وكنت أحلم بأن أكون أمك .. وبعدت المسافة بين الأم الحالمة وابنها الجاد الشارد .. بعدت مئات الأميال .. وألوف الأيام تفصل بيننا ..
الي أن كان ذلك الذي لا أنساه .. أنت لا تعرفه .. ولكنني عشته وبكيته ولا أزال أبكي .. في ذلك اليوم لم أكن أحلم بأن أكون هكذا قريبة منه .. ولم أكن أحلم بأن أكون هكذا بعيدة عنك .. انه يوم مروع يا سيدي ..
لم يكن في نيتي أن أخرج من البيت .. في تلك الليلة .. شعور غريب كان يشدني إلي البيت .. شعور غريب نعرفه نحن النساء .. وكلنا نحسب له .. أنتم لا تعرفونه .. فنحن أحيانا نشعر كأن هناك صفيرا في الأذن يحذرنا من شيء .. كأن هناك يدا تلتف حول قلوبنا .. أو حول أعناقنا من داخلنا .. ونشعر نحن النساء انه يجب أن نبقي في البيت .. ان ننتظر هذا الشيء الكريه .. ان نتفادي الالتقاء به في الطريق .. ألا نعطيه الفرصة فينفرد بنا .. هذا الشعور لم اكترث له .. هززت كتفي فسقط مني هذا الشعور الثقيل .. كأنه تراب نفضته بعيدا عني .. ونزلت من البيت .
وفي الشارع عاودني هذا الصفير وهززت أذني وطردت هذه البعوضة بعيدا عني ..
وعلي النيل جلست مع زوجي .. ونصب الظلام حولنا خيمة .. وفي الخيمة تعلقت فوانيس .. والفوانيس لها رموش من الضوء .. والرموش لا تهتز إنها جافة .. والفوانيس عيون لا تتحرك .. كأنها مدفأة كبيرة حمراء .. وكأنني في حلم .. لقد نظرت في نار الفانوس .. ورأيت الرموش تلتف حولي .. وتسحبني الي داخل الفانوس وأمشي في طريق طويل .. سرداب ملتهب .. وامشي بلا هدف .. ولكن السرداب يهبط بي .. واتصبب عرقا .. ولا أسمع حولي أي شيء .. ولكن قلبي يعلو ويهبط ..
كل هذا وأنا جالسة إلي جوار زوجي .. وفي السرداب ازداد الظلام .. وضاق السرداب .. وكنت اسمع من يناديك تماما كذلك اليوم منذ سنوات .. يوم سمعت من يناديك .. والتفت أنت فوجدتني وابتسمت .. كأنني أنا التي ناديتك ومددت يديك وسلمت .. وسألتني عن زوجي وعن أولادي .. واخذت يدك بسرعة .. قبضت يدك .. كأنك قبضت روحي .. اننا نحن النساء أرواحنا في ايدينا .. في اظافرنا .. يدك تقتلني وتحييني .
وعينك تميتني وتبعثني .. ما أسهل حياتنا وما أسهل موتنا .
ولكنكم أيها الرجال لا تصدقون .. وفي السرداب سمعت من يناديك .. واتجهت أنا ناحية الصوت .. وانطلقت بأقصي سرعتي وسقطت .
وسقطت علي صدر زوجي .. وسمعت زوجي يتلهف علي يدي .. وعلي صدري وعلي فمي .. ويهزني يوقظني .. كم تمنيت أن أفعل هذا أمامك .. أن افتعل هذا معك .. ان أرمي نفسي تحت قدميك .. ان أسقط من النافذة وأري الفزع في عينيك .. ان أجعلك تري دموعي .. آه لو عرفت لهفة دموعي ليدك .. تمنيت أن أبكي فلا تجد منديلا معك .. فتمسحها بيدك .. وصحوت من حلمي من غيبوبتي .. ان هذا المرض يعاودني من حين إلي حين .. انه فقر الدم يجعلني انتقل من الواقع إلي الخيال .. في لحظة واحدة .. فأنا نصف حية .. ونصف غارقة .. ونصف واعية .. ونصف حالمة بك .. واعتدلت في جلستي لأري الفوانيس مصفرة جامدة .. كأنها حبات خرز واخذت تكبر وأري ضلوعها السوداء .. واري في ظلالها البعيدة شبحك .. رأيتك بوضوح .. هذا وجه .. وهذه جلستك .. ثم هذا صوتك .. كان معك عدد من الرجال .. وكانت تجلس إلي جوارك فتاة .. وكاد عقلي يضيع مني بحثا عن ملامح هذه الفتاة .. ورجع لي عقلي .. عندما عرفت ان هناك مسافة بينك وبين هذه الفتاة .. انها تجلس بالقرب منك علي منضدة .. واعتدلت أنت في جلستك .. وكدت أفقد عقلي عندما نظرت ناحيتي .
وتمنيت ان أقوم وأحطم هذه الفوانيس .. التي سلطت أضواءها علي عينيك وجعلتك تضع هذا المنظار الأسود .. وطلبت من الجرسون ان يرفع هذه الفوانيس .. والآن أراك بوضوح .. وأنت تراني بوضوح .
وكدت أجن .. انك تنظر ناحيتي ولا تراني ..
انني لم أتغير إلي هذه الدرجة .. نهضت أنا من مكاني ومررت بالقرب منك ..
ناديت الجرسون بالقرب من أذنيك .. كدت ارتطم بك ..
وتمنيت أن اسقط إلي جوارك .. ولا أعرف لماذا امسكت نفسي حتي لا أسقط .. ليتني فعلت ..
عدت إلي زوجي ونبهته الي انك هناك .. ونهض زوجي ووقف بالقرب منك ونظرت إليه ولكنك لم تفعل أي شيء ..
ونظر زوجي إلي الأكواب التي أمامك .. ليست خمرا ..
ووضع يده علي كتفك ..
وأمسك رأسك .. وأدني رأسه من وجهك .. وهنا فقط نهضت تعانق زوجي وأنا أغمض عيني .. أنت تعانق زوجي وتقبله ..
أما أنا فنظرت إلي الفوانيس .. ووجدت نفسي في السرداب ..
وسمعت زوجي يحدثني .. ويحدثني عنك .. وعرفت ان مسافة أخري قد أضيفت الي المسافات الطويلة السابقة ..
ان نظرك قد ضعف .. نظرك قصير لا يراني .. كأنني في نهاية الدنيا .. لم أعد إصبعا في يد .. ولا قدما في جسم .. وانما إصبع قطعت .. والقيت علي الأرض .. إصبع بلا حياة .. وعرفت أخيرا ونهائيا معني القدر .. عرفت انه يعيش علي تعذيب الآخرين .. المحبين !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.