صرح د.أحمد زكى بدر وزير التعليم في تصريحات أدلى بها أمام لجنتي التعليم والشباب بمجلس الشورى، بأنه تعرض للضرب أثناء فترة دراسته، وقال أن المدرس فقدَ هيبته بعد أن صدر قرار بمنع الضرب في المدارس، حيث قال بالنص إن المدرس قد أصبح "ملطشة"، واعترض الوزير على إقدام أولياء الأمور على تحرير محاضر للمدرسين عند تعرض أولادهم للضرب وهو الأمر الذي أدى -من وجهة نظره- إلى تخريب العملية التعليمية. وبالطبع فإن ردود الفعل على هذه التصريحات بلغت ذروتها خلال الأسبوع الماضي، فمنذ توقيع مصر على اتفاقية "مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة" التابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 1986، ونفاذ العمل بها في عام 1987، والضرب في المدارس محظور، وإن كان حتى ذلك الوقت لم يتم تعميم الأمر، حتى وقعت مصر على اتفاقية "حقوق الطفل" عام 1990 ودخلت حيز النفاذ عام 1991. وهنا أصبح كل طفل في أي مدرسة يعلم جيدًا حقه في ألا يُضرب، وأن الضرب ممنوع في المدارس، وأصبح لولي الأمر الحق في الاعتراض رسميًا على ضرب ابنه، بل وتحرير محضر للمدرس الذي يقوم بذلك.. لم يأتِ هذا القرار بالتوقيع على هذه الاتفاقيات عبثًا؛ فقبل هذا التاريخ كانت هناك حالات كثيرة لأطفال أصابهم الضرر حتى الوصول إلى إصابتهم بعاهات مستديمة في بعض الأحيان، بسبب الضرب والعنف تجاه التلاميذ.. ولذلك كانت الأغلبية من المثقفين في الإعلام والصحافة ضد تصريح الوزير، وترى أن مثل هذه الخطوة تعتبر عودة للوراء، بل طرح الكثيرون في أعمدتهم الصحفية في الأيام التالية للتصريح سؤالا واحدا ظل يتكرر: "هل هذه هي رؤية الوزير الجديد للتطوير التعليم؟ وهل هكذا يرى الوسيلة التي ستعيد للمدرس هيبته؟" ولكننا في خضم كل هذا اللغط أردنا أن نعرف أراء المعنيين بالخبر وهم (الطلاب والمدرسون وأولياء الأمور).. آراء أولياء الأمور وعندما سألنا عزة نجاتي أم لطفلة في الصف الرابع الابتدائي، بمدرسة خاصة للغات، عن رأيها في تصريحات الوزير وفي فكرة عودة الضرب بالمدارس.. احتدّت عزة بشدة، وقالت إنها تشعر بالغيظ الشديد منذ سماع هذه التصريحات؛ فهم لا يذهبون بأولادهم إلى المدارس ليتم ضربهم، وأضافت أنها لا تتبع في تربية ابنتها الضرب كوسيلة للعقاب، وتعتبره عقابا بدنيا لن يؤدي إلا لإصابة طفلتها بعُقَد عديدة، وأن التربية الحديثة استبعدت تمامًا مثل هذه الأساليب، فهل تتبع هي نظاما لتنشئ طفلتها تنشئة نفسية سليمة، ثم تأتي المدرسة بعد ذلك لتفسده؟؟ أما أميمة مختار أم لطفل في الصف الثالث الإعدادي في مدرسة حكومية، فتؤكد هي الأخرى رفضها التام لتصريحات الوزير، وتتساءل أميمة: "لو طبقت هذه القوانين فهل ستطبق على أبناء المقتدرين في المدارس الخاصة؟؟ وهل سيرتضون أن يدفعوا أموالا ليُضرب أولادهم؟، أم سيُكتفى بتطبيقها على أبناء الفقراء في المدارس الحكومية؟" على العكس تمامًا جاء جواب مدحت عبد الله ولي أمر طفلين أحدهما في الصف الثاني الابتدائي والثاني في الصف الأول الإعدادي، فاتفق مدحت مع تصريحات الوزير مؤكدًا أنه تربى هكذا، وأن التساهل مع الأطفال وعدم تخويفهم بالضرب أدى لفساد العملية التعليمية، وأنه يتمنى أن يعود الضرب في المدارس مرة أخرى ليعود الحزم واحترام المدرّس. آراء المدرسين في ذات الوقت عند الحديث مع المدرسين فوجئنا بأن ردود أفعالهم كلها واحدة، وهي رفض القرار رغم توقّعنا العكس.. أ/ ع.ه مدرس لغة إنجليزية بمدرسة حكومية، يرى أنه من باب أولى للوزير أن ينظر لحال المدرس وراتبه الذي لا يكفي أن يقيم أسرة بأي شكل، ويتابع "ع" قائلاً: "سأتكلم بمنتهى الصراحة أنا أعطي دروسا خصوصية، وأستطيع أن أؤكد أن هذه الدروس هي السبب الأول في ضياع هيبة المدرس أو تحويله ل"ملطشة" كما صرح الوزير، فالطالب يعتاد على المدرس الذي يدخل بيته، والذي يمد يديه ليأخذ ثمن الحصة منه، والمدرس يمتنع عن الحزم وتعنيف الطالب بسبب أنه مصدر رزقه الوحيد، ولو شدّد عليه سيقوم أهله باستبعاد المدرس من الأساس، وتغييره بمدرس آخر، ولكن ما الذي يضطر المدرس لإهانة نفسه في بعض الأحيان؟ وهل يحب المدرس أن يبذل كل هذا الجهد في الانتقال بين المنازل وضياع حياته في إعطاء الدروس؟!" ويضيف "ع" بمرارة: "إن ضيق ذات اليد هو ما يدفعنا لذلك؛ فلو كان الراتب عادلا ويقيم أسرة، لاكتفى المدرس به، وقضى هذا الوقت مع أسرته، وفي ذات الوقت استطاع أن يستعيد شخصيته في الفصل مع التلاميذ". أما أ/ عايدة الشريف مدرسة الرياضيات في مدرسة لغات، قالت إنها ضد تصريحات الوزير وترى أنه جانبه الصواب، وتضيف أن ضرب الطلبة سيؤدي لكثير من المشاكل ليس فقط للطالب ولكن للمدرس نفسه، فقد تقع حوادث بشكل خاطئ تضيع حياة المدرس، وتؤثر في حياة الطالب، وكذلك فإن الطفل الذي يتعود على الضرب كوسيلة للتربية ينشأ طفلا مقهورا لا رأي له، وهذا بالتأكيد آخر ما يراد من العملية التعليمية أن تؤديه للأطفال، وتشير إلى أن في كافة دول العالم الأول تمنع العقوبة البدنية تمامًا، ويعاقَب من يقوم بها". آراء الطلاب وإذا ذهبنا إلى الطرف الأساسي في هذا الإشكال وهو الطالب الذي سيُضرب، سنجد أن محمد كامل فوزي طالب بالصف الثالث الإعدادي في مدرسة حكومية، يرى أن القرار خاطئ، وأنه لن يقبل أبدًا أن يضربه مدرس، وقال إنهم كطلبة عندما يهدد مدرس الآن بالضرب فهم يهددونه بأن يشتكوه فيتراجع، ولكن لو سُمح بالقرار فستتحول المدارس لمجازر، فطلبة هذا الجيل ليسوا مثل الأجيال السابقة، ولن يرتضوا الإهانة بدعوى أن المدرس مربِّي أجيال، وأنه مثل الأب، وهذا الكلام القديم، إنه مدرس وظيفته التعليم فقط، والأب في البيت وظيفته التربية، لذا لن يصمت أي طالب على مدرس يضربه خاصة طلبة الإعدادي والثانوي". تتفق معه منار ح طالبة في الصف الثاني الإعدادي بمدرسة تجريبية، وتؤكد أنها لن تسمح لأي أحد أن يضربها، فوالداها لا يضربانها، فهل ستسمح لغريب بأن يهينها ويضربها؟؟ وتضيف: إن مثل هذا القرار لو عاد فهذا سوف يعني أن تقوم بالتحويل لنظام المنازل وتدرس من المنزل، فهي على أي حال تأخذ دروسا خصوصية وليس للمدرسة أهمية، وتتساءل منار: هل ستصبح المدرسة عديمة الأهمية في الأصل مصدرا للإزعاج والإهانة أيضًا؟" وكنتيجة للثورة التي أثارتها تصريحات الوزير فقد قرر التراجع عنها خلال المؤتمر القومي للشباب بالأقصر، وأكد "رفضه القاطع لعودة الضرب إلى المدارس المصرية، احتراما لكل الطلاب والطالبات"، ورغم هذا التراجع الذي يعني عدم تنفيذ الفكرة رسميًا، لكن ستظل تصريحات الوزير السابقة دليلا على طريقة التفكير في إدارة وزارة التعليم في السنوات القادمة.