مبارك بن شافي الهاجري حول ما يحدث في الكويت.. هناك اختلاف كبير بين الناس، هذا الاختلاف كان من الممكن أن يُستثمر وأن يُنتج فكرا سياسيا جديدا، يقود الكويت إلى مزيد من الديمقراطية، لكنه -مع الأسف- يفعل غير ذلك، نظرا للعنف الذي يواجه به المختلفون بعضهم البعض. أنا هنا لا أتحدث عن العنف الذي تمارسه قوات الأمن على الناس، وإنما عن شكل آخر انتشر بين المواطنين، وصار يتحكم في مشاعرهم ويطغى على كل حواراتهم. لا يمكن أن تتطابق أفكار الناس في كل شيء، لكن الحاصل في الكويت أن كل صاحب رأي يريدك أن تحمل رأيه أو سوف يكون عدوا لك، "يجتويك وتجتويه" كما يقول الشاعر الجاهلي المثقب العبدي. هل أنت مع المعارضة؟ إن قلت لا فإنك تضع نفسك في خانة الأعداء، وستكون انبطاحيا وغير حر و.. و.. وإن كنت ترى أن الحكومة مخطئة وأن المراسيم الأخيرة غير شعبية، فإنك أيضا ستكون في خانة الأعداء، وفي عداد المعارضين، وربما توصف بصفات أخرى أقلها أنك غير وطني! هذا العنف يمارسه الطرفان على بعضهما البعض، وعلى الآخرين الذين لا ينحازون لأي منهما! وكلٌ منهما أيضا يدّعي بأنه يحمي الديمقراطية! إذا كانت الديمقراطية هي السعي لإلغاء الآخر، فما النتيجة؟ لا بد أن يكون هناك تفهّم للطبيعة الإنسانية، لا يمكن أبدا أن أكون أنا أنت، ولا يمكن أن تكون أنت أنا، يجب أن نختلف، ومن المفيد أن نختلف كي يصحح بعضنا أخطاء بعض. ما زال العنف في الكويت لفظيا، من ناحية الناس على الأقل، لكنه سوف يتطور ويتحول إلى شكل آخر إذا استمرت نبرة الخلاف في الارتفاع بهذا الشكل، قل: المعارضة أخطأت في كذا وكذا، وانظر واسمع كم من الغضب الذي سوف تُرشق به من أعين الناس وأفواههم! لا يمكنك أن تتبنى رأيا لا يريدونه! حاولت أن أحلل هذا الواقع لأعرف أسبابه، فلم أجد سببا وجيها غير غياب الثقافة. نعم.. إن الأمة التي يقسمها الاختلاف بهذا الشكل العنيف أمة غير مثقفة؛ على الدولة أن ترعى الثقافة، وأن تنظر إليها على أنها ركيزة أساسية من ركائز التنمية، وليست ترفا أو نشاطا عارضا نشارك به في المحافل الدولية. في سنين مضت كان العاملون في السياسة على اختلاف مواقعهم ومناصبهم، يتجهون إلى الكتابة في الشعر والمسرح والقصة، وبعضهم يتجه إلى الفن التشكيلي، الآن صار المثقفون والكتّاب والشعراء والفنانون ينخرطون في السياسة، أصبح المجتمع كله سياسيا وصار الناس كلهم يتحدثون في السياسة. إلى أين نحن ذاهبون؟ لا أدري. نشر في جريدة الوطن الكويتية