حوار النخبة مع فائز الحداد شاعر الثلاثية المقدَّسة وال "مدان في مدن" الحلقة الرابعة عشرة – ناظم السعود
الحلقة الرابعة عشرة: وفيها يجيب الشاعر فائز الحداد على أسئلة الأديب الصحفي والناقد العراقي ناظم السعود. ( تجد في نهاية الحلقة نبذة موجزة للتعريف به)
أ. د. إنعام الهاشمي – الولاياتالمتحدة : أرحِّبُ بالأديبِ الصحفيِ والناقد القدير ناظم السعود ضِمنَ المشاركين في حوارِ النخبة. كتبَ ناظم السعود في النقدَ َ والمقالةَ ونشَرَ في صحفٍ ومجلاّتٍ عربيَّةٍ كثيرة ، وفي مواقعَ الكترونيَّةٍ عديدةٍ، ولديه عددٌ من الاصداراتِ والمخطوطاتِ في هذا المجال، كما وعملَ في مختلف ِ المسؤولياتِ الصحفيَّةِ والمهنيَّةِ في عدَدٍ كبيرٍ من الصحفِ والمجلاّتِ العِراقيَّةِ محرِّرًا مسئولاً عن صفحاتٍ وأقسامٍ ثقافيَّةٍ و مشرِفاً على ملاحِقَ و مديراً ثمَّ رئيساً للتحرير. ورغمَ إصابتِه الخطيرةِ بالجلطةِ القلبيِّة ثم بالجلطةِ الدماغيِّة إلاّ أنَّهُ بقوَّةِ إرادَتِه وعزيمَتِهِ واصلَ السيرَ في طريقِهِ المهنِيِّ حتى آخِرِ مسؤوليَّةٍ تسلَّمَها وهيَ رئاسةُ القِسمِ الثقافيِّ في وكالةِ الأنباءِ العراقيَّةِ المستقِلَّةِ في تشرين الأول 2011 ولم يزل.
الأستاذ الأديب ناظم السعود ، تقبَّل منّي ترحيبيِ بكَ، وكعادَتِنا مع ضيوفِنا مِنَ النخبةِ، ، نمدُّ لكَ البساطَ السومريَّ الأحمر الفاخرَ، ونهديكَ باقة زهورٍ جميلةً احتفاءً بِكَ و وتقديراً لمقدمِك الموقَّر.
الشاعر فائز الحداد - العراق : ابتداء أرحب بك أخا وصديقا صدوقا وأديبا وكاتبا رصينا يكفي أنك حاضر هنا بقوة في حوار النخبة يا شيخ الصحفيين والنقاد كما اصطلح عليك بمحبة المثقفين بشاهدة المنجز الحق واستحقاق الاسم الراكز.. فألف أهلا بك يا صديقي .
الأديب ناظم السعود - العراق : هذه أسئلتي أمام الشاعر والناقد فائز الحداد ناظم السعود الحوار
سؤال 113 – الأديب ناظم السعود : في ديوانك الأول ( قبعة الأفعى ) الذي تشرفت بكتابة مقدمته لاحظت انك ، بالضد من كثير من أقرانك ، تعوّد المتن على الاحتفاء أو حتى التصادم بالواقع المنظور أو اللابد في الذاكرة المفجوعة وتسعى لرفع هذا الواقع إلى مستوى الواقعة وفي المقابل لا تعول كثيرا على الرموز والتاسطرات شرقيها وغربيها .. هنا أسالك إن كان للواقع العراقي المعيش في تلك الفترة أثره أو سطوته في حصر الخطاب بزاوية الرصد الشعري للفواجع المتكالبة خارج الذات الشاعرة ؟
جواب 113 - الشاعر فائز الحداد : الحمد لله ( وشهد شاهد من أهلها ) ببراءة حرفي ونبضي مما أوكل على عاتقي من ترهات القول فأنت كنت من أقرب الناس إلي .. الشاعر كإنسان استثنائي هو العين السحرية الثاقبة والراصدة للواقع ينقل الحقيقة كالتقاطة الكامرة يحملها روحا فيجسدها فعلا شعريا في كلمة لها صدى بركان ثائر فتجده في مقدمة الأدباء الرافضين لكل ما هو مسيء وجائر بحق الإنسان والمجتمع .. يا عزيزي كلنا عاش الواقع المزري الذي وصل إليه حال العراق في ظل الحصار الاقتصادي الجائر والوضع السياسي المحتقن حيث الجوع والحرمان ومنع الرأي ومصادرة الحريات العامة .. وتتذكر واقع المثقف المزري وواقع الثقافة الممغنطة والأدب المسيس وهروب الكثيرين من أصدقائنا الأدباء خارج العراق بسبب هذه الأوضاع فعانوا من غربتين غربة الوطن وغربة الكتابة .. لقد شرفت ديواني الأول ( قبعة الأفعى ) بمقدمتك الرائعة والذي وقفت عليه بهذا التقييم النقدي المنصف .. فإذا كان هناك من رصد دقيق فهذا الرصد لا يخرج في الحقيقة عن الذات الشاعر الذي يعيش دقائق الأمور وفي تفاصيلها المملة فارجع إلى أول نص في الديوان ( سينات الزنوج ) الذي يدعو إلى الثورة على الظلم وكذلك نصوص أخرى فهل أن هذا الديوان بقي حوالي أربعة أشهر ينتقل بين رقيب ورقيب دونما إجازة تصدر به للنشر وأخيرا وقع بيد الشاعر الكبير الراحل يوسف الصائغ الذي أعطى الموافقة عليه وأطلقه طيرا في سماء النشر .. وهنا لا بد من التذكير كيف احتفلنا بناظم السعود الأديب والإنسان وقرأنا بحقه شهادات تعبيرية وقصائد محنة متحدين السلطتين الثقافية والسياسية ولا أعتقد كان بإمكان المؤسسة الثقافية من تحشيد نخبة ممتازة من أدباء ومثقفي وشعرا العراق في أي من أماسيها ومهرجاناتها كما احتفينا بك. أما عن سمة المغايرة والاختلاف فاعتقد أنت من أول النقاد قلت بأنني أحمل خطابا مختلفا خاصا وليس هناك من شواهد تأثر بشاعر آخر وهذا ما كرره قولا في نقده للديوان الدكتور الناقد شاكر مجيد سيفو إذ قال ( فائز الحداد يؤسس إلى ما يشبه مشهدية شعرية جديدة ) في كتابه المنهجي ( جمرة الكتابة الأخرى .. أبحاث في المشهد الشعري العربي ) ..
سؤال 114 – الأديب ناظم السعود : اتصالا مع السؤال السابق وجدتك تفضل استخدام الضمير الأول ( أو الأنا المتكلم ) في عدد كبير من قصائد الديوان المشار إليه حتى ليمكن القول إن متن الديوان هو مجموع البوح الذاتي الذي مررته خلال الضمير الأول مع تراجع الاعتماد على الضمير الثاني ( المخاطب أو أنت ) وكذلك الثالث ( الغائب أو هو ) واجزم انك تعلم إن اللجوء إلى ضمير المتكلم من قبل الكاتب ( شاعرا أو ساردا) يأتي لأسباب ثلاثة : _ إما أن يكون الكاتب في لحظة الكتابة قد فقد عزيزا _ أو أن تكون ذاته قد دفعت لأعلى سلم الإحباط _ وإما إن يكون في حالة تشاكل مع العالم فيلتجئ إلى أناه وقد لا تكون هذه العوامل الثلاثة واضحة تماما في ذهن الكاتب وهو في لجة الخلق ( والأغلب أنها تدفع من قبل اللاشعور ) فتحيله إلى نهج الكتابة بهذا الضمير أو ذاك ، وهنا أصل إلى السؤال : كيف تسوغ استجلاب الضمير الأول لنصوصك الشعرية أكثر من سواه ؟ وهل تجد هناك توافق بين ما ذكرناه من أسباب أوجبت الإتيان بالضمير الأول وبين المحفزات الباعثة للتدوين لحظة الخلق أو الكتابة ؟ جواب 114 - الشاعر فائز الحداد : اعتقد أن الشعر حصرا من أدخل الضمير في خانة الرمز وأطلقه ضميرا متغيرا في المخاطبة حسب مقتضيات البوح ولسنا بصدد البحث في الضمائر ( أنا وأنت وهو وهي ) وما ينصرف عنها في المثنى والجمع .. لكن التحويل في صيغ التعبير يأخذ شكل المنحى الصوري والتعبيري المباشر والانعكاسي غير المباشر في آن وغالبا ما يجنح الشاعر إلى البوح بإخفاء ( أنا ه ) في ( هو .. كامنة ) ولكن مقاصد البوح في معناها الحقيقي تعبر عن أنا الشاعر وإن تحايل في بوحه تورية أو خوفا والمهم في كل ذلك كيف تحسن إيصال ثيمتك في جملة نافذة وسديدة ؟ .. ولا تنس يا صديقي بأننا كنا نكتب همنا الكتابي تحت شفرة السيف وأعين الأمن والرقيب والآن نكتب أيضا وننفخ في قراب مثقوبة كالذي خرج من حفرة ووقع في بئر .. إن احتمالاتك الثلاثة في السؤال كهاجس تلخص أصل المعانات التي عشناها بحلوى الصاب موتى على قيد الحياة والإبداع .. والآن و حيال ما يجري من مخاطر من المفروض أن تكون الثقافة أهلاً لتجاوز هذا المأزق التاريخي والاضطلاع بمهمة الإصلاح والبناء، لأننا حتى الآن ما زلنا عند خط الشروع في مواجهة المحنة بع الاحتلال ومحنة الاحتراب والتمزق ومحنة مصادرة المثقف. وكي لا ينحدر خط الثقافة البياني أكثر مما انحدر إليه وتراجع للأسباب الأنفة لا بد من يقظة حقيقية ووقفة حازمة إزاء ما كرسه مشروع الاحتلال الثقافي من ترهات ومخاطر أجلها التشبث بالظواهر والمظاهر البراقة والكاذبة لخدمة أهدافه، بعيداً عن تحقيق أي هدف وطني يحسب له حساب تحت لافتة (الديمقراطية الكاذبة والدفاع حقوق الإنسان) التي انطلت على الكثيرين و لم يجن منها الشعب سوى الجوع والموت والتشرد.. وبعيدا عن كل أدوات اللغة سيبقى العراق ضميري الأول دونما أي أنويات فهو أنا وأنت وهو وهي .. لهذا نلهث لكي نكونه بجراحه في استجلاء همه الكبير ولا نعول إلا عليه فالقادة بغال الطارئين دائما وإلى الأبد .
سؤال 115 – الأديب ناظم السعود : يرى سارتر أن المضمون الجديد يحتاج إلى شكل جديد فهل كانت هذه الرؤية حاضرة حين طرحت مضامينك الجديدة الملتزمة بفكرة الاختلاف ؟ وهل تراك توصلت إلى شكل شعري جديد يستوعب الرؤى والمضامين التي تدعو إليها؟ جواب 115 - الشاعر فائز الحداد : الافتراض .. أن نبحث عن مقدار الشعرية في النص بعيدا عن هيئة الشكل ولكن في خلاف ذلك ستتغير المعادلة فهماً وتعبيرا .. فالعلاقة بين الشكل والمضمون علاقة تبادلية تترادف وتتغاير وهي من تلخص إشكالية البت في جماليات النص ، فإذا كان الشكل يقيد المضمون بقيود قانونية رياضية مسبقة كالتي في القصيدة الكلاسيكية سيكون مقدار الانزياح الشعري في المعنى والجمال مقيدا أيضا لذلك كان الخروج على الشكل الشعري مبررا ولو بحدود فيما جاءا به نازل الملائكة والسياب في ( التفعيلة ) وما سبقه في الشعر الفرنسي والغربي أيضا في الخروج على قواعد إيقاع الأوزان الشعرية ولو فيما يخصنا ظلت التفعيلة تدور في فلك الأوزان الخليلية ولم تشكل خروجا نوعيا أصاب جسد القصيدة إلا في اكسسوارات تجميلية . . المسألة يا صديقي هي مسألة نص شعري يجب أن يواكب تطور الحياة في أدق تفاصيلها المملة ويعبر عنها روحا وقالبا في الفكرة واللغة والبناء صوب معنى وجمال مضارع لكل ما هو جديد ومبتكر .. النص الشعري كائن حي له علينا وعلينا له وفي بيان جماعة اختلاف أردت أن أوصل رؤيتي كشاعر بلغة ما نعينها باللغة الشعرية الجديدة فاللغة التي تورثناها هي إبداع أسلافنا وتمثل شخصيتهم .. فمتى نؤسس لغتنا التي تعبر عن شخصيتنا المعاصرة مع الحفاظ على رياضياتها .. فلينا إذا ً أن نعيد النظر في ممنوعاتها ولماذا هذه الممنوعات ولماذا وضعوا الجوازات الكثيرة في الشعر الكلاسيكي وحرموها على الشاعر الحداثي لذلك أنا لم ألتزم في نصوصي في الممنوعات وأصرف ما لا يصرف وأخالف الجزم وأسعى إلى أن أكتب مثلما اقرأ وأعتقد بأن زميلتي العزيزة د إنعام لها رأي مكتوب بصدد ذلك . خلاصة للقول .. إذا بقينا ندور في فلك ما يراه ( جندرمة اللغة ) والممنوعات والجوازات ونجامل الرأي في التمسك بكل ما هو قديم بشكل متحجر فاقرأ على الشعر السلام ولن تكون هناك لا حداثة ولا ما بعد الحداثة فهذا كله هراء .. الحقيقة إن هناك شعر حر له شخصيته الحقيقية ومصدريته الخاصة المغيبة و يجب الاعتراف بها وسيكون هذا الاعتراف قائما الآن أو في المستقبل .
سؤال 116 – الأديب ناظم السعود : في قصيدة لك تقول (لتنجب رسولا ، لا يكره الشعراء ) والإشارة الموجهة تخص السماء التي " تبصمني على طابع الأرض" أريد منك بصراحتك المعهودة إن تدون ترسيمة كاشفة لحدود العلاقة الظاهرة أو الخفية بين الثلاثي الإشكالي : السماء والأرض والشاعر وهل يأتي يوم تتساوق العلاقة أم تراها باقية على احتدادها إلى الأبد ؟ وهل شعرت فعلا أن رسل السماء يكرهون الشعراء ؟ جواب 116 - الشاعر فائز الحداد : سؤالك هذا ذو حدين وله ارتدادات معرفية واسعة في البوح والدلالات بهدف الكشف واستكشاف معا وتستهدف المعرفي بعين الحقيقي والحقيقي بعين المعرفي الشاك . أنت تعرف يا صديقي وجود الشاعر كإشكالية قائمة منذ ( كونوش ) ثم جلجامش مرورا بعروة بن الورد ومن على شاكلته إلى عبد الأمير الحصيري والرتل سيتمر ، فلنترجل من قطار الشعراء الصوفيين كي نكمل من خلال وخلل سؤال خطير .. كم واجه الصوفيون من جرائم التكفير والتزندق ؟؟! ولا أدل على ذلك أكبر مما واجهه جدك الحلاج المؤمن المبصر . لنحكم إذاً بأن الشاعر كائن استثنائي لا أرضي وغير عادي إطلاقا لا في الرؤية ولا في الرؤيا ولا يشترك مع الأرضيين إلا فيزيائيا لذلك ظل مثار جدل قائم وسيبقى هكذا حتى تصيح الساعة .. أما أتهم الأنبياء بأنهم شعراء ؟ .. ألم يدعي المتنبي ب( النبوة ) وقيل بأن المتنبي قال ( أنا النبي لا ) ناسخا قول النبي محمد ( ص ) ( لا نبي من بعدي !!؟ ) وربما أدعى غيره ( النبوة ) أيضا ، فإذا فهمنا جدل هذه المعادلة على حقيقتها سندرك سر العلاقة المتباينة والمتذبذبة بين الرسل والشعراء .. وبالمناسبة هذا ينجر على علاقة الشاعر بالحاكم تاريخيا أيضا فإن تبنى الشاعر مشروع الحكم سينال الجزاء وإذا خالفها سيلقى مصيره المظلم .. وعليه فهي علاقة مضطربة تحكمها المنفعة والمنفعة الحدية وكذلك المركز والجاه والسلطة ولا تتساوق العلاقة بين أطرافها نهائيا والذي تغير هو أن لا أنبياء بعد ولكن هناك شعراء صلاتهم في علاقة السماء أكثر ما لهم في علاقات الأرض . لقد قلت يا صديقي في أحد النصوص( لولا الأنبياء لاختار الله الشعراء ) وهذا القول مأخوذ على جنح الافتراض كتنتظير والمجاز كتعبير .. وأنت تعرف دلالات ( لولا ) في اللغة والشعر لكنني ممعن في قولي إيمانا مني في مكانة الشاعر التي يعرفها الخالق سبحانه وتعالى وإلا لماذا خصه بنبوءة الشعر كموهبة دون غيره .
سؤال 117 – الأديب ناظم السعود : السؤال السابق يدفعني إلى أخر في ذات المحور : هل أنا مصيب لو قلت انك تنتمي ( على الأقل شعريا ) إلى ما اسميه ب ( الصوفية العلمانية ) بانفتاحها وتوازنها مقابل ( الكهنوتية الرثة) تلك المتمسكة بظاهر النصوص واستماتتها في الدفاع عن الحكام حتى القتلة والمفسدين منهم .. ترى ما صحة هذا التوصيف وهل يجد صدى داخليا عندك . جواب 117 - الشاعر فائز الحداد : نعم .. لسؤالكم هذا صدى كبير في فهمي وإيماني فالصوفية بمعناها التخصصي الأدبي هي فلسفة أهل الشعر وحقيقتها أن تعلم الموقف الشريف إزاء الكلمة المؤمنة بقدريتها في التعبير الأمثل ثم نعمل بهديها لاكتساب الموقف والصدق بالاستعانة بالإيمان والعكوف عن إسفافات البوح السطحي ونفايات النصوص فلا تصوف شعري بدون دلائل نص يعبر عن روحه حقا . لقد توهم الكثيرون بأنهم يكتبون شعرا صوفيا وفي حقيقة الأمر هم يكتبون نصوصا تنتمي أما إلى الواقعية السحرية القريبة من (التصوفية) المزاوجة بين الخيال والواقع أو البراغماتية البعيدة عن ظواهر ( الصوفية ) والحقيقة هم بعيدون تماما عن الصوفية الشعرية بكل أبعادها مسافة سنة ضوئية ولدي قلامات سأنشرها دحضا لرؤية الكذب التي يدعونها والظاهر باستغلالهم طريقة النشر المجاني صاروا يتبادلون التعكز على بعضهم للإعلان المجاني بمعنى ( عكاز النقد وعكاز الشعر ). . أما ما يسمى بالصوفية العلمانية فلها فلسفتها التي تقوم على النص الصوفي العلماني حقا والذي يزاوج بين المقدس السماوي والرسلي تاريخيا وبين المقدس الحياتي الأرضي ( ولو نحن في عصر السرقات والانتحال ) !؟. لقد كتبت في إطار هذا المفهوم نصوصا متعددة أبرزها ( يوسف والمجدلية وأقبلك في الصلاة ) وغيرها وأشار إلي بذلك أدباء لهم اسمهم نقدا وترجمة وتعليقا ولكن البعض نسخه عني مدعيا له وهو مؤشر أيضا بالاسم والكنية وشاهده التقليد لي والسرقة مني ولكنه بقي يدور في فلك النسخ والنسخ المقلوب فأين النقدية المنصفة إزاء السرقات والتقليد الأعمى ؟ أنت مصيب يا صديقي تماما وتتوافق في الرأي مع من يرى ذلك في ( الصوفية العلمانية ) من خلال تحليل نصوصي وأهمها ( الثلاثية المقدسة ) والتي نحن بصددها وفي ظلها كان حوارنا هذا .. ولكنني أود أن أنوه بأن النص الصوفي العلماني ليس له تناص سلبي مع النص الديني الطائفي أو المذهبي فهو يتضارع و روح الدين المبصر ويتخالف مع ( الكهنوتية الرثة ) التي تضع الإنسان في تبعية الإنسان الآخر الذي يفوض لنفسه الحكم بدل الخالق ولا أدل على رثتها وسلفيتها المقيتة غير التحزبيات التي ظهرت على السطح بمباركة جهات مشبوهة وفي مقدمتها الماسونية ويهودية ( إسلاميي الدونمة ) فهم يدعون الصوفية أيضا في حدود تشويههم للحقائق .
سؤال 118 – الأديب ناظم السعود : في بيانك حول الاختلاف طالبت بإلغاء مصطلح قصيدة النثر واعتماد تسمية الشعر الحر بدلا عنه فماذا نفعل هل نلغي مصطلحا ظل يمور بالحياة أكثر من نصف قرن؟!! وإذا كان السياب ونازك قد أطلقا الشعر الحر على قصيدة التفعيلة التي ابتكراها وها أنت تدعو إلى أن يكون الشعر الحر بديلا لقصيدة النثر ألا يسبب هذا ارتباكا وتناقضا في استعمال المصطلح؟ جواب 118 - الشاعر فائز الحداد : أنت تعرف كم كتبت عن إشكالية المصطلح وخصوصا ( التجييل ) وملابساته والله لا يوفق من شمر المصطلح كحصى عمياء في بركة الشعر النقية وغادر ويعرف العواقب مسبقا والذي لم نستفد منه كثيرا غير سلبياته فهو كوجود ( التقية ) في المذاهب التفريقية للدين الواحد ( هذا يرى كذا والآخر يرى غير ذلك ) والحقيقة الاثنان لا رؤية لهما غير الترديد الببغاوي وإذا هناك من كلمة تقال كحق فيجب أن نقولها بحق الناقد والمترجم الدكتور ( عبد الواحد لؤلؤة ) الذي أنار لنا الكثير في ترجمته للمصطلح الوافد . إن الشعر الحر فيما أرى ليس له علاقة بما جاء مرافقا لشعر التفعيلة فقد اعتبروه ( حرا ) لأنه تخارج على نمطية ( الشطر والعجز ) صوب الجملة المفتوحة التي لا تشترط توازنا بين متكافئين في تفعيلات الإيقاع العروضي فهو حر في زمنيته المكانية كجديد شكلي لا مضموني لكنه بقي في ذات الوقت بذيليته ويرتبط بمشيمة الوزن والموسيقى الخليلية ولم يحد عنها . وما قيل عن الشعر الحر لم يكن موفقا في تقديري فكيف نسميه بالحر وهو المقيد بتفاعيل أوزان تابعة إلى نظام مسبق ومعرّف وغير قابل لتجاوزه .. هذا ليس شعرا حرا في تقديري إلا في الخروج على الروي أو القافية وفي حدود مقيدة . الفرق ما بين الشعر الحر وشعر التفعيلة كفرقه عن القصيدة العمودية مشبها بالفرق ما بين طيرين الأول في الأسر والثاني في الأفق وكالفرق بين السجين والطليق .. فالشعر الحر كوجود وحقيقة هو ما نكتبه الآن تحت عنوان ما اصطلح عليه جزافا ( قصيدة النثر ) وهذه التسمية لم تكن بريئة أبدا لا من قريب ولا من بعيد والهدف منها إلغاء شعرية الشعر الحر بإلغاء شعريتها تحت هذه التسمية الجائرة ومن ثم أحالتها إلى النثر كالنثر الصوفي أو النثر الفني أو ربما إلى نوع من أنواع السرد كي يقال إن ( ما نكتب ليس شعرا ) ويبقى تعريف الشعر في تعريفه البائس والمتخلف بأنه ( الكلام الموزون والمقفى ) وهذه المؤامرة الكبيرة بالمناسبة قد ساهم فيها المعنيون بسلفية القديم الشعري شكلا ومضمونا وبعض الأكاديميين الفاشلين الذين جاءوا إلى النقد دون موهبة حقيقية فدعوا إلى التمسك بالقديم كمقدس وتناسوا قدسية الشعر غير المشروط بشيء .
سؤال 119 – الأديب ناظم السعود : اتصالا بالسؤال السابق فان هناك من يعيب على النقاد العراقيين كسلهم وعدم اجتهادهم في نحت مصطلحات أو مفاهيم نقدية جديدة مستنبطة من اشتغالاتهم وخطاباتهم النقدية والبحثية.. باعتبارك ناقدا بارزا كيف تنظر إلى هذه التهمة وهل يبقى الاستلاف من الغرب منهجا ثابتا ومسيرا للاشتغال النقدي؟ جواب 119 - الشاعر فائز الحداد : قبل أكثر من عقد ونصف أزجيت إلي بلقب ( ناقد ) بعد مجموعة بحوث وقراءات نشرتها أنا في جريدة العرب اللندنية وقلت هذا في أكثر من محفل لكنني لست بناقد وليس لدي منهج نقدي وما كتبته هي رؤية شاعر في منجز زملائي الشعراء فشكرا لك وإليك .. أما ما يتعلق بسؤالك أقول : إن من يعجز عن إملاء حيزه المعرفي يميل إلى التقليد أو النسخ أو حتى السرقة وهذا ما حصل فعلا على صعيد النقدية لا العراقية فحسب بل والعربية أيضا وما يقال بحق الاستلاف من الغرب من مفاهيم واصطلاحات شاهد كشاهدة سلبية على ضعف وتخلف النقد ، فنقادنا تتعالى أصواتهم كضجيج العصافير في خصوماتها المفتعلة سرعان ما تهدأ وتتوقف بمجرد رؤية ظلال الصقر . لقد قلت في حلقة سابقة من حوار النخبة رأيي فما جاءنا كتقليد أعمى عن الغرب عن طريق الترجمة وما تداوله النقاد كتابة ونشرا أصبغ خطاب الحداثة الشعرية العربية بألوان النسخ فتعالت بعدها التهم علينا بالتغريب والتبعية والإساءة للأصالة وغير ذلك من التسطيح المعرفي والحقيقة غير ذلك تماما .. ولكي نرد التهمة بمعرفية صحيحة على من يتهم أن يرجع تماما إلى مصدرية قصيدة النثر والتطور الطبيعي للشعر العربي وأشير بذلك إلى ما جاء به أدباؤنا من شواهد وأدلة وفي مقدمتهم الشاعر الكبير محمد علي الخفاجي وكذلك رأيه في النقد العراقي خاصة حيث قال " النقد العراقي ، وخاصة الستيني منه ، لم يترك لنا إرثا قيما ومهما فهو لم يؤسس له مدرسة ولم يخط له نهجا وعلى هذا ،فهو لم يقدم شيئا مستقلا لأنه ظل لدى محترفيه نشاطا تعقيبيا وتابعا لما يفد من مدارس يردد محفوظاته النقدية ويكرر ملفوظات سبق أن قيلت وهو بمجرد اطلاعه على الجديد من المدارس يغادر أحكامه ومفردات صيغه سريعا دون سلوك علمي لمراحل التطور كالذي حدث في انتقالاته إلى المدارس الألسنية الحديثة مفاجأة.لقد توقف النقاد العراقيون مذهولين أمام بنيويات الشكل مرهفين السمع لما يمليه عليهم البنيويون الغربيون الشرقيون(مدرسة براغ والشكلانيون الروس وغيرهم.. " هذا القول من عشرات ما قيل عن ببغاوية نقدنا وتبعيته العمياء.. فمتى تتلبسنا الشجاعة لنقول هذا ما قاله عبد الواحد لؤلؤة أو علي جواد الطاهر أو الجواهري الكبير دون ذيلية تثاقفية لما ننقله عن غير أعلامنا ؟ سؤال 120 – الأديب ناظم السعود : ما قولك في جهود بعض زملائك العراقيين الذين اجترحوا مصطلحات ومفاهيم جديدة لاشتغالاتهم النقدية مثل : الدكتور حسين سرمك في ( علم نفس الإبداع ) وياسين النصير في المكان والاستهلال والصيانية والتدمير، ومحمد الجزائري في النقدية .. وغيرهم؟ وهل يمكن القول انك ابتكرت مفهوما أو مصطلحا خاصا وموسوما باسمك ثم أطلقته في دوائر النقد؟ جواب 120 - الشاعر فائز الحداد : أنا احترم رؤية أي ناقد في اختيار منهجه النقدي كتخصص معرفي لتطبيق رؤيته النقدية وفق سياقه الكتابي المنشود على أن تصبح مزية كي تنحى منحى العروض أكثر من النقد والتشخيص كما نقرأ الآن .. لكن المهم في رأيي ليس أللافتة التي يكتب بظلها الناقد وإنما منجزه الخارج عنه في تناول النص في التشريح والتحليل النقدي.. فإذا كان هناك من رؤية لي في العمل النقدي فهي الدعوة إلى تأسيس منهجية جديدة لما أسميته ب(شعرية النقد ) أي خلق نص محايث يضطلع بدراسة الآثار الشعرية برؤية ( شعر_ نقدية ) تعتمد على قراءة منتجة نموذجية واعية لتضاعيف النص يكون أساسها فهم النص ومن ثم الكتابة عنه لا إسقاط النظريات الجاهزة عليه فيما لا يحتمله وتكون النتائج بعيدة عن روح النص في مسبباتها الخاطئة . إنني يا صديقي لي رؤيتي في المناهج الوافدة إلى الشعر من الضروب المعرفية الأخرى وقد قلت رأيي فيها وتضمن جزءا منها بيان الاختلاف الذي اطلعت عليه وملخص ما أفيدك به قولي .. " أهل كربلاء أدرى بشعابها " .
سؤال 121 – الأديب ناظم السعود : هل صحيح انك دعوت يوما إلى تأسيس نقدية شعرية عراقية يكون أساسها الشعراء ؟ وعلى ماذا تنهض هذه النقدية؟ ولماذا استبعدت النقاد من دخولها ؟!
جواب 121 - الشاعر فائز الحداد : اعتقد أن هذا السؤال يحمل أجابته في السؤال السابق وما ورد في الإجابات السابقة فعذرا .
سؤال 122 – الأديب ناظم السعود : في حوار منشور لي مع الشاعر خزعل الماجدي ذكر فيه انه يطالب بدحر وموت الحداثة التي أصبحت بلدوزر تقنيات , أصبحت كائنا تكنولوجيا مخيفا لابد من كبح جماحه و إلا تحول شعرنا كله إلى ( صناعة ) و ( موضات ) و ( العاب تسلية ) ، بمعنى أن الماجدي أراد إرجاع الحداثة إلى حركة واحدة من عدة حركات .. أي طالب بإلغاء إيديولوجيا الحداثة ( الموديوتزم ) و تحويلها إلى حركة حداثة ( موديرنتي ) كيف ترى دعوة الماجدي؟ وهل تشعر أن الحداثة أصبحت تمثل طوقا يؤسر حريتك؟
جواب 122 - الشاعر فائز الحداد : ما قاله الشاعر الكبير خزعل الماجدي قاله أدونيس قبله .. ولا أعرف لماذا هذا الارتداد بعد أن ركب موجة الحداثة والثورة على القديم منذ عقد السبعينات .. أنا مع الحداثة التي تتناول الحياة بمعاصرة حقيقية مستمرة دون تصنيفها أو تسميتها رغم أن بعض ما قاله الزميل خزعل الماجدي يجد صدى كبيراً في رؤيتي في موضوع الصناعة والألعاب والموضات ولكن ليس كتعميم فأين نصوص الماجدي الحالية كي يقترن القول بالدليل النصي . إن الحداثة في اعتقادي لا تقترن بزمن مجدول حسابيا بإيقونات مؤقننة ولا هي مرحلة وتنتهي كما يخال للبعض .. ولأنني لا أؤمن بما يسمى ( ما بعد الحداثة ) أجدها كفعل تاريخي يرتبط بتطور الزمن كفعل لمضارع المستمر فلحد الآن تعبر قصائد المتنبي عن حداثتها خارج المصطلح في الزمنية والتجييل رغم مرور أكثر من ألف سنة عليها وكأنها كتبت لشاعر معاصر بينما تجد قصيدة لشاعر معاصر كأنها كتبت في العصر الحجري وليس لها من مقومات الحداثة إلا في تاريخ كتابتها. الحداثة كحالة خلاقة بمقوماتها والمختلفة عن القدامة ستبقى هي الحداثة وتتطور وفق تطور العوامل المحركة للكون والأرض والحياة وهذه الجدلية باقية وستبقى حتى فناء الأرض .
سؤال 123 – الأديب ناظم السعود : قضيت الشطر الأكبر من عمرك داخل العراق فكيف تعايشت مع المؤسسات الثقافية القائمة ؟ وماذا ترى في دور المؤسسات الثقافية القائمة فعلا هل تساعد في إسناد الأدباء والمثقفين أم ليس لها من اثر محدد ومفهوم في هذا المجال؟ ولماذا تقوم أصلا ؟!
جواب 123 - الشاعر فائز الحداد : المؤسسة كمصطلح تتعارض مع الثقافة تماما في التكوين والتوجه فالمؤسسة سلطة قمعية عمرها ما اضطلعت بمهمة الثقافة الجماهيرية بقدر تعبيرها عن ثقافة السلطة والترويج لها فيكف والحال وصل إلى حد الثقافات الحزبية التجزيئية في الطائفة والقوم ؟.. فهي ثقافة الأدلجة السياسية والأدب السياسي المعبر عن مشروع الحكم وفلسفته السياسية لا الفكر الثقافي الأدبي التاريخي النير لذلك دائما ظلت علاقة المثقف بالمؤسسة علاقة ( الحية والبطنج ) ولك أن تعيد الذكرى إلى تاريخ الأدباء المؤسساتيين والديكتاتورية التي اتبعوها بحكم ( زمئهم ) وكم استفادوا هم لا غيرهم لطبع ونشر وإعلان منجزاتهم البائرة والمعروضة الآن على الأرصفة وبجوارها القراءات النقدية التافهة التي كتبت عنها وإذا كنت من محبي ( الحمص والحب ) ستظفر حتما بقصيدة ربما وبمجرد أن تقرأ صاحبها سترميها وقشور ( الحب ) بعد فراغ الكيس !؟ أتعرف ، قد التقيت قبل سنتين بوكيل وزارة الثقافة الأسبق في مهرجان عربي في دمشق بمعية الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد ولم أبادله التحية وعتب علي الأستاذ أبو خالد حينها فتذكرت تهديده لنا ( بأن يقطع ألسنتنا لأننا نكتب ضد الثقافة العراقية آنذاك ) .. أرسل لنا تهديده أنا والشاعر الكبير سلمان داود محمد وأبلغنا به القاص حمدي مخلف الحديثي .. وما جرى سابقا يجري الآن فيما يخص اتحاد الأدباء العراقيين كمؤسسة في تعاملاته المزدوجة مع الأدباء وهذا ما يقال أيضا عن وزارة الثقافة التي أسمع عنها ما لا يسر و ما هو مخز ٍ جدا..!؟ فيا عزيزي الثقافة يجب تسبق السياسة في الأهمية والاعتبار فالثقافة ضمير والمؤسسة وظيفة وشتان ما بين الوظيفة والضمير .. و الحمد لله بأنني غير مؤسساتي نهائيا ولن سأكون يوما ، لا بالاسم ولا بالمعنى .
سؤال 124 – الأديب ناظم السعود : واجه مشروعك القائم حول الاختلاف ردودا متفاوتة بين القبول والرفض بل إن بعضهم ندد بلغة الإقصاء والطرد المركزي وذكر ان نظرية قتل الآخر أبعد ما تكون عن الشعرية.. كيف استقبلت هذه الردود؟ وهل تشكلت مجاميع من المناصرين لدعوتك؟
جواب 124 - الشاعر فائز الحداد : يا أخي أنا لا أشكل نقابة أو حزب كي أكون بحاجة إلى مناصرين أو أدعو لأتباع رغم أن البعض أراد أن يكون معي في بيان الاختلاف بل بعضهم ادعى المعرفة والتخطيط والإضافة جزافا وكذبا ولم يكن له أي دور سوى الجعجعة والنفخ في الفراغ وحين انفرط العقد برفضي لهم لمنجزهم الضعيف صاروا ضدي وانظموا إلى المستهلكين السلفيين وأعداء الحداثة وأضاعوا ( الرقصتين ) ولكن والحق يقال هناك شعراء ونقاد احترمهم عبروا بإيجابية كبيرة عن المشروع ورحبوا به وأرادوا له أن يتسع كمجموعة ولكنني أرى بالمشروع الشعري مشروعا فرديا بحتا يعبر عن رأي الشاعر في كل تضاعيفه .. وأنت تعرف بأن كل عمل جديد يستهدف الرؤية الجديدة يواجه الاعتراض والقبول وعلى الواثق أن لا يلتفت إلى الوراء أبدا فهو المعنى به لوحده وعليه مواجهة عواقبه بكل تفاصيلها بروح الأنبياء.
سؤال 125 – الأديب ناظم السعود : أذا كان لكل نص ظهير فلسفي يقومه ويسوغ متنه وإشاراته فما هو الظهير الفلسفي الذي تستند عليه نصوصك؟
جواب 125 - الشاعر فائز الحداد : في قناعتي الشاعر هو الفيلسوف الأول على صعيد الأدب والحياة بل هو أبو الفلسفة ويجب أن يؤخذ هذا الاعتبار بجدية النظر إليه فأول نص شعر كان قد كتب شعرا .. والنص الشعري الحديث في حقيقته إنما يقوم على الفلسفة أساسا في الثيمة والبناء ناهيك عن المعنى والمعنى المضاعف والجماليات المبثوثة عبر جمله المركبة في الجملة الواحدة واسترساله كدائرة كاملة . إن ظهيري الفلسفي في الكتابة الشعرية هو الواقع والكون ومرجعيات تكويني الثقافي والأدبي وإيماني العلمي بأحادية الخالق خارج الأقننة المذهبية والتحزبية ولا أريد أن أستشهد بمكانة الشعراء عند الفلاسفة لأنها معروفة في بيانها عند جمهورية أفلاطون كدليل على مكانتهم القيمة وهو غير متفضل بالمناسبة فالشاعر أصدق من يدون التاريخ ويؤرخ الحياة .. وعليه سبيقى الشعر أكبر من أي فلسفة بالنسبة إلي وتبقى الفلسفة والمعرفيات تأخذ من الشعر كمعين لا ينضب لها .. أما ما يخص التفصيل الحرفي لا الرقمي كفلسفة فيما أتناوله في الشعر فإن المرأة فلسفتي الكبيرة جدا وتأتي بعدها الفصول بإيناعها الكثيرة.
سؤال 126 – الأديب ناظم السعود : العديد من كتاب ومنظري قصيدة النثر يذكرون ان فيها "ايقاعا داخليا" في حين يرى نقاد آخرون ( مثل شكيب كاظم سعودي) إن لا وجود للإيقاع الداخلي في قصيدة النثر بل وصفها بالخرافة باعتبارك من كتاب هذه القصيدة ومنظريها أتراك تؤمن فعلا بوجود إيقاع داخلي لهذه القصيدة وما البر هان على ما تقول؟
جواب 126 - الشاعر فائز الحداد : أنا أحترم كثيرا رأي صديقي الناقد العزيز شكيب كاظم لكن ( قصيدة النثر ) ليست بالخرافة كما يدعي !؟.. وهنا يجب أن أذكره بأن أنضج رأي نقدي حصيف بل حتى التخصصي منه أيضا يبقى محمولا على محمل الرأي الشخصي فهو ليس بتنزيل .!! فيا أخي المهم أن نجد مقدار شعرية مقنعة على الأقل في النص وليس البحث عن مزمار أو طبلة إيقاع أو ( دنبك ) ليرقص عليها الشاعر ويتغنى أو يرقص على إيقاعها القارئ، فليست هذه مهمة الشعر كرسالة معرفة ومشروع حياة . فمعادل الإيقاع في الشعر القديم هو الإيقاع الموسيقي بمعنى ليس هناك من معادل إيقاعي لقصيدة العمود غير الغناء فهي غنائية وسيبقى الغناء من يحفظ هيبتها واستمرارها بينما معادل الشعر الحر في الكتب القيمة وفي مقدمتها الكتب السماوية والملاحم والمدونات القديمة وكذلك الشعر والنثر الصوفيين وبتقديري يجب أن يكون الشعر بمنأى عن كل ما يقيده بحجة الإيقاع والوزن ورياضيات التقنين ناهيك عن المصطلح والأدلجة وما يلتحق بها . فالنص الشعري مكون إنساني واسع ويدخل في أدق تفاصيل الحياة المبدعة فما بالك في شعرية اللوحة وشعرية الموسيقى وشعرية النحت والتمثيل الصامت ولغته في خرير الماء ومخيلة الليل وقبلة الحبيبة تمثيلا لا حصرا وغير ذلك الكثير والكثير .. فيجب أن ننظر إلى الشعر بقدسية المعبر المثالي عن الإنسان الحرية .
سؤال 127 – الأديب ناظم السعود : سؤالي الأخير يخص مقالة الدكتورة والناشطة الثقافية انعام الهاشمي حول ديوان ( مدان في مدن ) طالبت فيها " من يتقدَّم لدراسَةِ هذا الديوان وغيرِه من نِتاجاتِ فائز الحدّاد أن يغتسِلَ من كلِّ ما علِقَ به من تعصُّبات، فإن من الظلمِ والإجحافِ أن يقدِّمَ النقدَ للشِعرِ الحديثِ من عُرِفَ بتعصُّبِهِ لكلاسيكيّةِ الشِعرِ، والعموديّ منه بالذات؛ فمن يبحثُ في نقدِ الحديثِ المختِلفِ عليه أن يتوجَّهَ له بذِهنٍ خالٍ من التعصُّباتِ والأحكامِ المسبقةِ " ترى هل وجدت النقود والكتابات حول هذا الديوان أو شعرك عموما متسقة مع دعوة الهاشمي؟ وهل وجد ( الشعر الحديث المختلف) مكانه وحظوته بين سدنة التعصبات والأحكام المسبقة ؟ مع فائق تقديري ناظم السعود الهندية / كربلاء
جواب 127 - الشاعر فائز الحداد : أنا في هذا السؤال أرجع سؤالك بسؤال .. هل يحتاج المؤمن للتيمم بعدما توضأ بزمزم بغية الصلاة ؟ وقس على هذا في نظرة فلسفية بين منجزين يتبادلان القبل برهاوة رغم خلل التعصبات وعصابات المنع والشرطة الثقافية الجديدة متحدية لها !!؟! أنا لست بصدد التأييد لموقف كتابي معين سواء يخصني أو يخص غيري ولكنني أعرف من هي د. إنعام ويعرفها قبلي كل الدائرين حول أو في العملية الثقافية والأدبية لكنني ألخصها بجملة ربما عجزت عنها السياسة في تطبيق المعنى كموقف وسلوك بأنها ( رئيسة عدم الانحياز الأدبي ) رغم أنني أختلف معها في الكثير والكثير لكنها ستبقى ضميرا يعبر عن نفسه فيما يرى ويبصر ويؤمن وهذا ما يجب أن نحترمه فيها . إن مشروعي الشعري على تواضعه بالنسبة لي يشكل قدرا قد تجاوزت خارطتي به ومن خلاله نفسي قبل الآخر .. فهل يجب كقيد فرض أن أذعن لما يراه كفرا من يكره إيماني ؟! فالذي يريد اعتبارا لمنجزه فليؤمن أن لا يشتم ويتبع الإساءة بالتعليق والغمز أو إرسال الرسائل المثيرة للضغائن الطائفية والسياسية والمناطقية بغية التحشيد ضد مشروع شعري مطروح .. وهنا أضع هذا السؤال بحضن من تعنيهم .. فلماذا لم يتعرضوا لمنجزي نقديا أو كتابيا ؟ .. لماذا مر بيان الاختلاف بتعليقات حافلة وصمتوا ؟! .. ولماذا لم يتصدوا الآن إلى حوار النخبة _هذا الحوار النوعي_ بشخصياته الأدبية والنقدية بالسلب ؟ هو يا سيدي كصديد القيء لا يصيب إلا صاحبه بالغثيان والوسخ .. وهنا إذا كان من نافلة للقول فأقول : إن ما أنا عليه في توجهاتي يلقى صدى عربيا كبيرا بينما تنحصر الإساءة مع الآسف عند أبناء جلدتي من ( الحساد والمنافقين ) حصرا .. ولا أريد هنا أن أستشهد بالشعر الكثير الذي يحمل مثل الشكوى .. ولن أخفيك سرا الأمر لن يتجاوز الغيرة والحسد من فنية النص الجديد المختلف ولا يتعدى بؤس منجزهم المستهلك الآيب إلى الوراء . وختاماً : في نهاية حواريتك الجليلة هذه يشرفني يا شيخ النقاد الأستاذ الكاتب الكبير ناظم السعود أن أشيد بنوعية الأسئلة القيمة التي احتوت عليها وأملي أنني قد كنت في مستوى الإجابة التي تستحقها.. وعلى أمل اللقاء معك دائما على طريق الأدب الرصين . تقبل حبي وتقديري الكبير. فائز الحداد العراق
تعقيب: أ. د. إنعام الهاشمي – تعقيباً على سؤال – 127 الذي جاء فيه من تساؤل الناقد القدير ناظم السعود ما يلي: ( ترى هل وجدت النقود والكتابات حول هذا الديوان أو شعرك عموما متسقة مع دعوة الهاشمي؟ وهل وجد ( الشعر الحديث المختلف) مكانه وحظوته بين سدنة التعصبات والأحكام المسبقة ؟) أولاً أقولُ لكَ وأنتَ شيخُ النقّاد وواحداً في قِمَّةِ مَن أشهَدُ لهم بنَصاعَةِ الكَلِمَةِ وطُهرِها إني لأفخر أنَّكَ قد أعطيتَ ما قلتُهُ عن ديوانِ فائز الحداد وشِعرِهِ عموماً أهميِّةً في قِراءاتِك وذاكِرتِكَ بينَ ما قيلَ ويقالُ عنه. أما عنِ الاغتسالِ فيبدو أنَّ الماءَ شحيحٌ في بعضِ الأماكنِ وليسَ في متناوَلِ يَدِ البعضِ ممَِّن تأخُذُهُم العِزَّةُ بالإثمِ عما يصحّ، وما زلتُ أرى البعضَ يتَمَسَّكُ بأفكارِهِ القديمَةِ التي أكَلَ الدهرُ عليها وشَرِبَ بمختَلَفِ الأعذارِ والأسبابِ والمسبِّبات! ففي وقتِنا الحالِيَّ الذي تذبذَبَت فيهِ الأفكارُ والتبَعِيّاتُ والمفاهيمُ والمُمارساتُ التي أظهرَت مِن كلِّ نفسِِ ما أخفت، يكفي صَمتُ البعضِ وِقاءً من شرورِ ما قد تنطق به ألسنتهم. أما الضجيجُ الذي يقيمُهُ البعضُ حولَ الأشباهِ والمتشبِّهينَ بشِعرِ فائز الحداد فقد وجدتُ فيه شهادَةً تكفي أنَّ الاختلافَ الذي يقودُه الشاعِرُ الحداد قد جَعَلَ مِنهُ مدرَسَةً يتبعُها الآخرونَ، وما المديحُ الذي يكيلُهُ البعضُ للمتشبِّهينَ بِهِ إلاّ شَهادَةً منهُم دونَ عِلمِهِم لصالِحِهِ! أمّا البعضُ الذي رَفَعَ صوتَهُ شتماً بالحداثَةِ فجأةً، فإنّي أرى فيما يفعلونَه ويفتَعلونَه من ضجيجٍ استغاثةَ مَن يشعرُ بالخَطَرِ المُحدِقِ بِهِ، وفيمن يضعُ مكبِّراتِ الصوتِ لبَثِّ صرخَتِهِ مثالاً لِمَن لا يملكُ الوَسيلةَ لإغاثَتِه! أرى أنَّ على هؤلاءِ أن يحفظوا ماءَ الوجهِ بتفَهُّمِ التطوُّرِ وحركاتِ التجديدِ التي يمثُّلها الحداد، فلا الحديثُ يقلُّ من قيمَةِ القديمِ من الشِعر الجيِّد الذي يمثله المتنبّي والمعرِّي وامرئ القيس وابن زيدون وولادة بنت المستكفي وأبو فراس ويزيد بن معاوية وأبو نواس أمثِلةً لا حصراً، وفي يومِنا هذا لا يمكنُ إنكارَ جلوسِ الجواهريّ وعبد الرزاق عبد الواحد على عرشِ الشِعرِ العموديّ مهما تشبَّه بهما المتشبِّهون ومهما تبرَّعَ المتزلِّفونَ والانتهازِيّون لهؤلاءِ من مَديح.. كما، ومن الناحيةِ الأخرى، لا يقلُّ الحداثيّ السيِّء مِن قِيمةِ الحداثيِّ الجيِّد وما شتائِمُ مَن يتمَسَّك بمِقوَدِ الجَمَلِ إلاّ سُبَّةً لِما يحاوِلونَ الدِفاعَ عَنه وحُجَّةً لِما يحارِبونَه ... القديمُ لهُ من يمثلُونه ولا نزاعَ عليهم، يمكنهم التشبه به ولكنهم لن يأتوا بجديد فيه ولن يتفوقوا فيه على من سبقهم. الحداثيُّ مفتوحةٌ ساحتُهُ لمَن يجدُ في نفسِهِ القدرَةَ على النبوغِ فيهِ والإتيانِ بِما هو جديدٌ فيهِ، وفي النتيجةِ البقاءُ للأفضل، وأنا وأنتَ وكلُّ قارئٍ متذوِّقٍ لنا الحكمُ الفَصل! وكلمة أخيرة لك يا شيخَ النقاد، أنا في انتظارِ ما تقولُه أنتَ عن ال "مدان في مدن" بعدَ هذا الحوارِ الذي أفخَرُ أن تكونَ أنتَ وكلُّ من شارَكَ فيهِ مِن النخبةِ شعاراً لثرائِهِ وتمثيلاُ لاعتزازِنا بكلًّ مِنهم وانعِكاساً للتقديرِ المتبادِل بينِهم وبينَ الشاعِرِ الحداد ...
وفي الختام: أقدِّمٌ كلَّ الشكرِ والتقديرِ للأديبِ الصحفيِّ الناقدِ القديرِ والراقي بنصاعةِ كلمَتِه ناظم السعود لاستجابتِه لدعوتِنا ومشاركَتِهِ النوعيَّةِ في هذا الحوارِ الزاخِرِ بالمعرِفَةِ ممّا قدَّمه لنا شاعِرُنا وأدباءُ النخبةِ التي هو منها. والشكرُ مجدَّدٌ وموصولٌ مع التقديرِ لشاعِرِنا العرّاب الفائز الحداد ، ولجهدِه الدءوب في الإجابة على الأسئلةِ العديدةِ التي ورَدَتنا من نخبةِ الأدباءِ والتي مازال أمامنا العديدُ منها في انتظارِ دورِها في الظهورِ في الحلقات القادمة لننهلَ ممّا فيها ولدى شاعِرِنا مِن ثقافةٍ واطّلاعِ .... وقبل أن أغادِر الصفحة هذه المرة أقدِّمُ لشاعِرِنا العرّاب طوقا من زهور القداح البيضاءِ تقدير لصبرِه و طول نفسه في الحوار.
نبذة موجزة عن المشارك في حوار النخبة ناظم السعود - العراق
· الولادة: 1/7/1956 · يعد من فئة الهوية الجغرافية المزدوجة: فقد ولد في قضاء الهندية الذي كان يومها منسوبا لمدينة الحلة وهكذا مهرت وثائقه الرسمية ،ولكن بعد عقد من الزمان تم تغيير الحدود الجغرافية بين المدن فالحق قضاء الهندية بمدينة كربلاء. الدراسة: · أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في بغداد ،وحاول إكمال دراسته الجامعية في كل من بغداد/ فيينا/ القاهرة الا انه قطعها بسبب قيام الحرب العراقية الإيرانية عام 1980. النشاطات الأدبية والثقافية: · احترف العمل في الصحافة عام 1978 (الصحافة الثقافية والأدبية تحديدا) ولم يزل. · عمل في مختلف المسؤوليات الصحفية والمهنية وفي عدد كبير من الصحف والمجلات العراقية:محررا-مسؤولآ على صفحات وأقسام ثقافية - مشرفا على ملاحق- مديرا للتحرير ثم رئيسا للتحرير ...الخ. · كتب واستكتب لعدد غير قليل من الصحف والمجلات العربية مثل: ( القدس العربي والعرب اللندنيتان / الاتحاد الظبيانية /الصدى الإماراتية / الدستور الأردنية / الآداب البيروتية/ نزوى العمانية/ الصحافة التونسية/ ضفاف النمساوية / السفير اللبنانية..وسوى ذلك كثير). · له مساهمات في كتابة السيناريو الإذاعي والتلفزيوني كما انه قام بإعداد برنامج ثقافي يومي وتم بثه من قبل قناة الديار الفضائية عام 2006 وقد استقبل كبادرة أولى من نوعها في التلفزة الفضائية العراقية والعربية إصداراته: صدرت له خمسة كتب داخل العراق وخارجه وعلى النحو التالي : 1. " الريادة الزرقاء" - اعداد وتحرير وتقديم لمجموعة من المقالات والدراسات الخاصة بالقصيدة الرقمية التفاعلية / ط 1 مطبعة الزوراء / كربلاء 2008 2. " مدارات الأسئلة" - حوارات مع الشاعر والباحث العراقي الدكتور علي القتال /ط1 / بيروت – مركز العلم – فرع كربلاء المقدسة 2008 3. " سحر الإيقونة" - حوارات مع رائد القصيدة الرقمية – التفاعلية الدكتور مشتاق عباس معن / ط1 / مطبعة الزوراء – كربلاء 2009 4. "الرائي" - باسم فرات في دراسة ومختارات وحوار / الحضارة للنشر – القاهرة – 2010 5. "الآخرون أولا" - قطوف من كتابات ساندة / ط1 مكتب كمبيوتر سيتي – كربلاء 2011 / ط2 دار الفرات للطباعة في الحلة 2011 محطوطات: · انجز مخطوطتين ادبيتين واصبحتا جاهزتين للنشر : · الاولى بعنوان ( مختارات من الجعبة الصحفية ) / · والثانية ( سليلة الماء) وتضم مجموعة من الحوارات الطويلة التي عقدها مع الأديبة والباحثة العراقية لطفية الدليمي وقفات هامة في حياته : · احتفت به مختلف الأوساط الثقافية الرسمية والمنظمات الجماهيرية وأقيمت له عدة ندوات احتفاء بسيرته الثقافية ،كما أطلقت عليه مجموعة من الألقاب منها : رائد الصحافة الثقافية / المحرر الثقافي الأول /الكاتب المشاكس/وآخر لقب منح هو شيخ الصحافة العراقية. · في شباط 2000 حصلت له جلطة قلبية خطيرة ،وفي نيسان 2000 أصيب بجلطة دماغية خلال عملية فاشلة لقسطرة القلب. · بسبب الفلتان الأمني في بغداد اضطر للإقامة وأسرته في مدينة كربلاء منذ أواخر عام 2006 . · آخر مسؤولية تسلمها هي رئاسة القسم الثقافي في وكالة الأنباء العراقية المستقلة في تشرين الأول 2011 ولم يزل .
سيتم نشر الحلقة الخامسة عشرة من حوار النخبة خلال الأيام القليلة القادمة وفيها يجيب الشاعر فائز الحداد على أسئلة الأديب الناقد التونسي د. محسن العوني.