منذ تولى سيادة الرئيس محمد مرسي الحكم وأنا أتساءل مع كل قرار يصدره: سيادته يعرف كيف تصدر القرارات الرياسية، ولا ما يعرفش؟! سيادته استفاد من أخطاء من سبقه، أم أنه لم ينتبه لها؟! النظام السابق سقط لأنه تصور أنه قوة لا يمكن إسقاطها، وارتكب آلاف الأخطاء، متصورا أنه يحكم شعبا جاهلا ساذجا عبيطا ضعيفا، يمكن خداعه بكلمات رنانة وعبارات فخمة وضخمة.. سقط لأنه لم يدرك قيمة الحرية الحقيقية.. وقيمة الزعامة الفعلية.. وقيمة التأييد الشعبي.. والأهم أنه سقط، لأنه لم يدرك حجمه الحقيقي بين الجماهير.. وكل نظام حكم في التاريخ تصور أنه مهما قال وفعل فسيبقى.. بعضهم تصور أنه سيبقى لأنه يمتلك القوة.. وبعضهم لأنه يمتلك الحشد.. والبعض لأنه أفضل من الآخرين.. ولكن أحدا منهم لم يبقَ.. فقط تلك النظم التي آمنت بالحرية وبالمساواة الحقيقية بين البشر، هي التي بقيت طويلا.. أما النظم التي تصورت أنها قوة لا يمكن القضاء عليها، وسعت إلى السيطرة والهيمنة وتسييد فصيل على الآخر، فحكايات سقوطها تملأ كتب التاريخ.. حتى الأمة الإسلامية عندما ساوت بين الجميع وأقرت العدالة الحقيقية، سادت وانتشرت وصارت قوة عظمى، أسقطت دولتي الفرس والروم اللتين كانتا القوتين العظميين اللتين تحكمان العالم كله، وتسيطران عليه.. أيامها كانت الأمة الإسلامية تشيع العدل والسماحة.. لا تقهر الضعيف.. ولا تفرض وجودها بالقوة.. ولا تحاول حتى فرض تعاليمها كرها.. هذا لأنها كانت تؤمن بأنه لا إكراه في الدين.. ولأن شعوب الدول التي فتحها المسلمون انبهرت بالعدل والسماحة ومناخ الحرية، فقد دخل الناس في دين الله أفواجا، وعلت هامة الأمة وانتشر الإسلام في ربوع الأرض وأركانها.. ثم بدأ ولاتها في السعي إلى السيطرة والهيمنة.. وبدأ بعض من فيها يسعون لفرض الدين على الناس، من منطلق القوة والسيطرة، وليس من منطلق الحكمة والموعظة الحسنة.. وهنا ضعفت شوكة الأمة.. وطمع فيها غيرها.. وكما ساءت انحسرت وخسرت وضعفت.. ولم يتعلم أحد الدرس.. الدين لم ينتشر بحد السيف، كما يؤمن البعض.. البلاد فتحها المسلمون حقا بحد السيف.. ولكن الدين لم يفرض فيها بحد السيف.. الدين انتشر بالمُثُل الصالحة، وبمن أطاعوا الله سبحانه وتعالى، ودعوا إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة.. فكيف -بالله عليك- تفرض على الناس عقيدة محلها القلب، بحد السيف؟! هل سيؤمن إنسان لأنه يخاف؟! فكيف سيدخل الإيمان قلبه لأنك تلوح بسيفك على عنقه؟! قد يتظاهر بهذا، فقط لينجو من حد سيفك.. قد ينافقك.. ويمارئك.. ويخدعك.. ولكنه لن يؤمن بك، ولا برب الكون المعز المذل، ولا بدينه الحق، فقط لأنه يخشاك! اذكر لي واقعة تاريخية واحدة، فرض فيها المسلمون الأوائل على قوم ما اتباع الدين بحد السيف.. فقط واقعة تاريخية واحدة.. أم أنك لا تؤمن بالتاريخ؟! ولا حتى التاريخ الإسلامي؟! ولكن دعنا نخرج من الحديث عن الإيمان، إلى الحديث عن السياسة.. الرئيس مرسي كان رئيسا لحزب الحرية والعدالة، وهو قبل هذا عضو في جماعة الإخوان المسلمين، يؤمن بمبادئها ويسير على خطاها، ويرتبط معها بقسم الولاء والطاعة الذي يلزمه بالولاء لجماعته وطاعة مرشدها.. إلى هنا وهذا حقه، لا يمكن أن يناقشه أحد فيه، أو يحجر على حريته بشأنه.. ولكن حريته تلك لها شرط واحد.. أن يبقى وسط جماعته، ويبقى رئيسا لحزبه.. ولكن الله سبحانه وتعالى شاء أن يعلو به فوق الحزب وفوق الجماعة.. لم يعد رئيسا لحزب.. ولكن رئيسا لدولة.. وهنا يختلف الأمر.. فعندما ولّاه الخالق جل جلاله رياسة حزبه، كان هذا يعني أنه سيحاسبه على رياسة الحزب.. أما عندما رفعه إلى رياسة مصر، فهو سيحاسبه عز وجل على رياسة مصر.. بكل ما فيها.. وما عليها.. سيحاسبه العزيز الحكيم عن كل مواطن في مصر.. أيا كانت عقيدته.. وأيا كان حزبه.. وأيا كان فكره.. لم يعد من حقه إذن أن يدين بالولاء والطاعة لحزبه أو جماعته.. وإلا فالحساب سيكون عسيرا.. ولأقصى حد.. ولكن الرئيس مرسي بدأ عهده بمحاولة تسييد جماعته على مصر كلها.. وبتحدي القانون والقضاء.. وما خبرته بنفسي، هو أن جماعته بكل من ينتمون إليها كانوا فخورين بما فعله، على الرغم من أنه أكبر خطأ يرتكبه رئيس دولة، تسعى لبناء سيادة قانون يحتمي به الكل في ظل عدالة لا تعرف رئيسا من خفير.. وعندما صدر القرار، وجدت أحد شباب الإخوان يخبرني في سعادة بالقرار.. يومها أخبرته أنه قرار خاطئ.. ويومها لم يعجبه رأيي.. كان الحماس يملأ نفسه، حتى أنه لم يحسبها.. وكنت أنا أشعر بالقلق، من أن يبدأ الرئيس عهده بمعركة خاسرة.. فأكبر خطأ يرتكبه رئيس في حياته، هو أن يبدأ عهده بمعركة خاسرة.. وخسر الرئيس معركته.. وخسر معها هيبته التي كنت أتمنى أن يفوز بها، حتى تصبح لدينا مؤسسة رياسية واعدة، تقودنا إلى المستقبل الذي حلمنا به، وقمنا بالثورة من أجله.. ولكن الرئيس أصر وما زال على تسييد فصيله.. ودخل معركة تلو معركة.. وربح الكثير من المعارك.. ولكنه خسر معركة إثبات أنه الأحرص على احترام القانون والدستور، باعتباره رئيس الدولة، وأول تجربة رياسية حقيقية فيها.. وبدلا من أن يعترف الرئيس بخطأ قراراه فيحظى باحترام الشعب وتأييده، راح يبرر كل خطأ بخطأ، وراحت مؤسسة الرياسة تعلن أنه لم يكن يعلم، غير مدركة أنها بإعلانها هذا تنتزع منه كل هيبته وقيمته.. فكيف يُعلَن قرار في وسائل الإعلام الرسمية دون أن يعلم به الرئيس؟! وأي رئيس هذا الذي تصدر مؤسسته الرياسية تصريحات لا يعلم هو بها؟! ألن يجعل هذا صورته مشوشة؟! ألن يفقده الكثير من الهيبة؟! ألن يجعل الناس تتساءل (في سخرية مع الأسف): هو الرئيس كان يعرف وللا ما يعرفش؟! احسبوها أنتم وأجيبوا.. وبأمانة..