عمرو الشوبكي عبَّر الكثيرون عن خوفهم من مشروع أن تصبح مصر جمهورية إسلامية مثل إيران، مستشهدين بما جرى هناك حين شاركت كل القوى السياسية في الثورة، ونجح التيار الإسلامي في السيطرة على السلطة وإقصاء كثير من القوى الليبرالية واليسارية. والحقيقة أن الفروقات في السياق الاجتماعي والسياسي في مجال علم "السياسة المقارن" لا تحمل حكما قيميا بأفضلية مجتمع على الآخر، إنما هي محاولة لفهم سياق كل مجتمع من أجل استشراف المستقبل. والحقيقة أن إيران شهدت واحدة من أهم وأعظم الثورات الكبرى في التاريخ الإنساني كله، شارك فيها 6 ملايين مواطن من أصل 30 مليونا، ظلّوا لما يقرب من عام يتعرضون لنيران وقمع نظام الشاه، وسقط منهم 70 ألف شهيد، وعرفت الثورة منذ بدايتها قائدا وهو الإمام الراحل آية الله الخميني الذي قاد انتفاضة 1963 ثم عاد وقاد ثورة 1979، وكان له مكانة خاصة في نفوس الشعب الإيراني، مكّنته من أن يؤسس لنظام قائم على الشرعية الثورية، فأعدم ما يقرب من 60 ألف شخص من عملاء ومجرمي النظام القديم، وفكَّك معظم مؤسسات الدولة ليضع إيران في مصاف التجارب الثورية الكبرى -الثورة الفرنسية والشيوعية في روسيا والصين- التي أسقطت النظم والدولة معا، فتم تفكيك الجهاز القضائي والجيش وأجهزة الأمن والجهاز الإداري، وبنى نظاما ثوريا جلب الاستقلال الوطني، ولم يجلب الديمقراطية الكاملة بعد للشعب الإيراني. والحقيقة أن الثورة المصرية كانت مختلفة عن نظيرتها الإيرانية، فهي أولا لم يكن لها قائد ولا مشروع سياسي محدد غير الشعارات الديمقراطية العامة، كما أنها نجحت بعد 18 يوما في إسقاط النظام السياسي، دون أن تمتلك لا القدرة ولا الرغبة في إسقاط الدولة، وأصبحت تلقائيا أقرب لتجارب التغيير التي شهدها العالم في ال40 عاما الأخيرة في أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية وتركيا وماليزيا وإسبانيا والبرتغال واليونان، وأسست لنظم ديمقراطية نجح بعضها في إنجاز تقدم اقتصادي وفشل بعضها الآخر. ولولا أن في مصر قوى مدنية ومؤسسات قضائية محترمة واجهت هجمة بعض القوى الثورية مع حسابات الإخوان المسلمين؛ من أجل وضع قوانين استثنائية تحت اسم العزل السياسي تارة أو المحاكم الثورية تارة أخرى؛ لكانت مصر الآن في وضع كارثي شبيه بما جرى في إيران بعد الثورة، ولأصبح المعارضون من كل الاتجاهات يحاكمون -ولا يشتمون فقط- تحت حجة أنهم فلول وعملاء. الإجراءات الثورية في إيران.. الثورة كان بعضها مبرر؛ لأن ضحايا نظام الشاه كانوا بعشرات الآلاف، وترك فيهم مرارات وضغينة دفعت بعضهم للانتقام، في حين أن في مصر كان هناك قدر من الاستبداد، وقدر أكبر من الفشل والخيبة والجمود الذي يستلزم إجراءات إصلاحية وديمقراطية وليس ثورية أو استثنائية. وربما لا يزال البعض لم يستوعب درس أن مَن وصل إلى السلطة في مصر ليس قائد الثورة -غير الموجود أو لم يتفق عليه- كما جرى في إيران، إنما الجماعة الإصلاحية الأكبر -أي الإخوان المسلمون- بما يعني أن ما امتلكته الجماعة الإصلاحية على مدار 85 عاما من كفاءة تنظيمية وماكينة انتخابية قوية قد أوصلها في النهاية للسلطة، وليس خطابها أو تنظيمها الثوري مثلما جرى في إيران. إن إيران هي آخر ثورة أو تجربة تغيير تسقط الدولة؛ لأن ليبيا القذافي لم يكن فيها دولة من الأساس، وأصبح سقوط النظام يعني تلقائيا سقوط الدولة.. ومشكلتنا في مصر أن البعض طرح المطالب الثورية في الفضائيات أو على الفيسبوك دون أن يدفع ثمنها في الواقع، فسقوط الدولة له ثمن باهظ، والبعض طالب به ولو دون وعي، ودون أن يدفع ثمنه. نعم.. مصر يمكن أن تتعثر تجربتها الديمقراطية، ويمكن أن يؤمم الإخوان السلطة والحكم لحسابهم.. عندها لن تكون مصر شبه إيران الثورة؛ إنما شبه الدول الفاشلة في السودان وباكستان وغيرهما. نُشِرَ بجريدة المصري اليوم