فى ليلة حزينة لم تنم فيها مصر، واعتبرتها قواتنا المسلحة نكسة جديدة استشهد فيها 16 ضابطا وجنديا من أبنائنا وأشقائنا الذين نحتسبهم شهداء عند ربهم، ولا نزكي على الله أحدا، بخلاف الجرحى والمصابين، كان من بين الشهداء جندي وجدوا في جيبه مصحفا تم تمييز الجزء السابع عشر فيه بشريطة المصحف، ليدرك كل من شاهد الموقف المأساوي أن الجندي الذي سقط شهيدا في السابع عشر من رمضان، كان يقرأ جزءا في اليوم بنية ختم المصحف الشريف مع نهاية الشهر الكريم، بينما تم قتله عند الإفطار وهو صائم! ورغم أن الجاني لم يتم تحديده بعد، وأن كل الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها، إلا أن نعمة العقل الهادئ المتزن تتجلى في تلك الأوقات الحرجة لتقربنا إلى أكثر الاحتمالات المنطقية.. الاحتمال الأول: أن الجناة إرهابيون ينتمون للجيش الإسلامي في غزة بالتعاون مع بعض العناصر المتطرفة المصرية في سيناء.. حسنا من حقك أن تفترض ذلك، لكن هل سألت نفسك ما مصلحتهم في ذلك؟ وما هي المكاسب التي ستعود عليهم؟ وهل قتل جنود وضباط مصريين وقت الإفطار سيعلي قدر الإسلام في وجهة نظر هؤلاء الإرهابيين؟ أم إن الأولى أن يكون المجني عليه إسرائيليا صهيونيا؟! الاحتمال الثاني: أنها عناصر استخباراتية إسرائيلية أو على الأقل مرتزقة تم تمويلهم ومساعدتهم من إسرائيل.. اسألني عن المكاسب من وراء ذلك، لأجيبك على الفور: حدّث ولا حرج. 1- غلق المعابر بين مصر وفلسطين لأجل غير مسمى. 2- دكّ الأنفاق بين مصر وغزة. 3- تأليب الشعب المصري على الشعب الفلسطيني. 4- عودة غزة للحصار والعزل الاقتصادي. 5- الردّ على زيارة إسماعيل هنية -رئيس الوزراء الفلسطيني- لمصر في الأسبوع الماضي، وبوادر التعاون بين مصر وفلسطين لقتل أي أمل في ذلك ونسفه من جذوره. والآن تعالوا نسأل أسئلة أخرى تؤكد أن الأمر لا يمكن أن يكون له علاقة بعناصر إرهابية عادية، بقدر ما تمّ تحت سمع وبصر عناصر مخابراتية. 1- كيف تم الدخول والخروج من المعسكر بهذه السهولة والسرعة؟ 2 - كيف تم معرفة مكان الكهرباء وفصلها بكل بساطة؟ 3- كيف تمكنوا من قيادة المدرعة بكل بساطة وسهولة من المعسكر إلى الحدود؟ 4- من أين جاءوا بمعدات الاتصال التي يتناقلون بها المعلومات بينهم؟ والآن قد يتساءل بعضكم في حيرة: كيف تكون إسرائيل هي المتورطة في ذلك الحادث الغادر، وهي التي حذّرت قبل وقوعه بخمسة أيام من رصدها لتدريبات لتنظيم القاعدة في سيناء؟ الإجابة: لأنها تعرف جيدا -بكل أسف- أننا أمة لا تقرأ، ولا تتعلم الدرس أبدا، وأن موشي ديان -وزير الدفاع الإسرائيلي- استخدم في حرب 1967-التي خسرناها عن جدارة- نفس خطة الحرب التي استخدمها ضدنا العدوان الثلاثي عام 1956 وعندما سألوه كيف واتتك الجرأة لتفعل ذلك؟ قال ببساطة: العرب لا يقرأون ولا يتعلمون. وأكاد أجزم بأن ساكني المكاتب المكيفة لم يعيروا تحذيرات إسرائيل أي اهتمام، مؤكدين أن "كله تمام والوضع تحت السيطرة"، وليس هناك أبلغ من تصريحات محافظ جنوبسيناء الذي قال في الصفحة الرابعة بجريدة الأخبار قبل وقوع الحادث بأيام معلقا على التحذيرات الإسرائيلية: "تحذيرات إسرائيل لرعاياها أكاذيب تهدف لإيقاف السياحة في مصر"!
في حين أبرأت إسرائيل بهذا التصرف الذكي ذمّتها، وأبعدت الشبهات عنها على الأقل من الناحية الرسمية. وإذا كان تحليلي يشير إلى تورُّط إسرائيل في ذلك، فإنه في الوقت نفسه لا يدافع عن الرئيس مرسي أو المجلس العسكري، إذ تقع مسئولية تأمين حدودنا وحماية ضباطنا وجنودنا على أولي الأمر منا في المقام الأول، بغضّ النظر عن هوية الفاعل سواء كانت إسرائيل أو أي عناصر إرهابية متطرفة. وفي النهاية فإن من ماتوا لن يعودوا، وإذا كنا قد عايرنا مبارك بصمته ومهادنته وغضّ الطرف عن مقتل جنودنا وضباطنا على حدودنا في عهده، فها هي الكرة الآن في ملعب أولي الأمر؛ ليثبتوا أن الدماء المصرية صار لها ثمن غالٍ، خاصة بعد أن وعد الرئيس مرسي بأن الأمر لن يمر مرور الكرام، وها نحن منتظرون، بينما يكمل الجندي الشهيد ختم مصحفه في الجنة إن شاء الله.