فجأة انطلقت على ال"فيسبوك" شائعة مكذوبة تُؤكّد أن مذيع برنامج "الشعب يسأل والرئيس يُجيب" المذاع على شبكة البرنامج العام بالإذاعة المصرية؛ قد سأل الرئيس محمد مرسي: "سيادة الرئيس ما هو ردّكم عن انقطاع الكهرباء بشكل مستمر؟ فأجاب الرئيس: الشعب كله مركب مكيّفات، والاستهلاك زيادة، وإحنا عايزين نوفّر الكهرباء علشان نساعد إخواننا في غزة، وبعدين مالها القُلّة ولا المروحة الخوص البلدي"، لتنتشر إجابة الرئيس التي تمّ تلفيقها على لسانه كذبا بسرعة النار في الهشيم، مصحوبة بالعديد من الصور الكاريكاتورية الساخرة من مرسي وأسلوب حكمه، واستخفافه الشديد بعقلية شعبه؛ خصوصا أن الرئيس من ساكني "التجمع الخامس"؛ حيث الطبقة الراقية التي لا تشرب من القُلّة، ولا تستطيع أن تمضي يومها بلا مكيّفات، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لا زال يُسدّد فواتير سوء الأحوال والأوضاع، وغير مطالب -في تلك الفترة على الأقل- أن يُسدّد فواتير فلسطين أيضا. عندها لم يبذل محترفو الضغط على أيقونة "share" أو "شارك" أدنى جهد للتأكّد من صحة الشائعة من عدمها، قبل أن ينشروها على ال"فيسبوك" بكل سهولة ويُسر مثل "البغبغانات"، ولا أُخفي عليكم سرا أنني حين قرأت تلك الشائعة قد غلت الدماء في عروقي ونسيت دعوتي لكل أصحابي ودائرة معارفي بالصبر على الرئيس مرسي ودعمه بكل ما نملك من قوة في المائة يوم الأولى من حكمه، وأن ننحي أي خصومة سياسية معه في هذا التوقيت الحرج، حتى يأتي موعد الحساب على ما أنجزه من وعود في نهاية المائة يوم التي تتزامن مع حلول عيد الأضحى؛ فقرّرت أن أبدأ الذبح والسلخ مبكرا إزاء هذا التصريح المستفزّ؛ قبل أن أتمالك أعصابي وأجدني أسأل: لماذا لا أقوم بتحميل حلقات البرنامج الموجودة على الإنترنت لأتأكّد من صحة التصريح بنفسي، وأستمع لسياق الكلام كاملا؛ خصوصا أن بعضهم قد احترف القصّ واللصق للفوز بتصريح مستفزّ مقتطعا من سياقه؟! وكانت المفاجأة.. الكلام غير مقتطع من السياق فحسب بل لم يذكره الرجل من قريب أو بعيد، لا سيما أن الحلقة الأولى من البرنامج كانت كلاما عاما عن شهر رمضان، بينما ناقشت الحلقة الثانية أزمة رغيف الخبز، وتحدّثت الحلقة الثالثة عن الأمن، والرابعة عن القمامة، والخامسة عن القضاء وقانون الطوارئ، دون أن تتطرّق أي حلقة من الحلقات لأزمة الكهرباء من الأصل، ودون أن يصرّح الرئيس فيها بهذا التصريح المكذوب! وها أنا الآن أقف لأتأمّل الوضع من حولي وعدة تساؤلت مرعبة تضرب عقلي بلا هوادة.. ماذا لو ظلّ الأمر هكذا لتتوالى الشائعات والتلفيقات على لسان رئيس الجمهورية حتى يتمّ شحن الشعب ضده على قرارات لم يتخذها، وتصريحات لم يُدلِ بها؟ ماذا لو صدرت شائعة ذات يوم ترتّب عليها فوضى عارمة أو أحداث عنف وشغب سُفِكت فيها الدماء وأُزهقت الأرواح قبل أن نتبيّن بعد فوات الأوان أن الأمر كان مجرّد كذبة متعمّدة أطلقها أحدهم على الإنترنت؟ ماذا لو كانت الشائعة ذات بُعد طائفي بين المسلمين والمسيحيين، أو بُعد اقتصادي عن ارتفاع سعر سلع أساسية، أو بُعد استراتيجي يتعلّق بالحدود المصرية مع فلسطين وإسرائيل أو حتى ليبيا؟ لأجد الحل الوحيد أنه حان موعد قصف الأقلام التي تنشر الشائعات وتُردّدها خلفها الفضائيات مثل البغبغاء على شعب؛ ومع الأسف غالبيته تصدّق ما يُعرَض لها على شاشات التلفاز وكأنه النبأ اليقين! الآن حان موعد كبت الحريات التي لا تعرف الفارق بين حرية النقد وإبداء الرأي المبني على المعلومة والحجة، وحرية الإهانة والسبّ والقذف وإطلاق الأكاذيب. أقول قولي هذا رغم دفاعي المستميت عن حرية الرأي والتعبير، واستعدادي لفعل أي شيء يحول دون أن يقصف قلم يكتب وجهة نظر فيما يحدث حوله بكل وضوح، متذكّرا مقولة فولتير الشهيرة "قد أختلف معك، ولكني مستعد للموت في سبيل الدفاع عن حقك بالتعبير عن رأيك"، لكن مَن قال إن تلفيق الأكاذيب ونسج الشائعات ونشرها ينتمي بأي حال لحرية الرأي والتعبير؟ سيدي الرئيس.. لقد اختصمتك سياسيا، ولم أمنحك صوتي في جولة الإعادة، لكني أقف وراءك اليوم داعما ومؤيّدا وأنت تمسك بدفة مركب الوطن وسط موجات الخراب التي تهدّد الغد؛ لإدراكي أن سقوطك ستدفع فاتورته مصر وشعبها "الغلبان" بأكمله، لكن لا يمنعني هذا أن انتقدك اليوم وأنت تحني ظهرك ليمتطيه المتجرّئين عليك بشائعاتهم وأكاذيبهم وسبّهم وقذفهم، وقد ظنّوا صمتك ضعفا، وطيبتك تخاذلا، وسماحتك جُبنا، وأكّدت أنت ذلك حين بلغ السيل الزبى منهم ورغم ذلك لم تتخذ موقفا رادعا. وإذا كنّا في مرحلة إعادة بناء الدولة وإرساء قواعد الديمقراطية التي لم يميّز فيها البعض الفارق بين الحرية والفوضى، والرأي والسبّ، والمعلومة والشائعة؛ فلتضرب لهم الأمثال بتنفيذ القانون على من خرجوا عليه وتعدّوا حدودهم ليكونوا عبرة، مع الأخذ في الاعتبار أن إيقاعك البطيء الذي صبرنا عليه في تشكيل الوزارة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإعادة محاكمة نظام مبارك، لو امتدّ بطؤه مع الشتّامين اللعّانين مطلقي الشائعات على لسانك، فستكون أنت أوّل من يجني ثماره ولا تلومن حينها إلا نفسك، وسيكون ذنب الوطن كله في رقبتك. اللهمّ بلّغت.. اللهم فاشهد،،،