د. حسن أبو طالب هل وصل خطر القاعدة إلى سيناء كما تقول بعض التقارير الأجنبية؟ أم أن تلك مجرد دعاية سوداء لإرباك الوضع على الحدود؟ وهل ثمة احتمال بوجود بؤرة أو أكثر تستعد لأعمال عنف مدفوعة بفكر جهادي سلفي قاعدي من أجل تحقيق ما تراه دولة الشريعة ونصرة الحق؟ يمكن للمرء أن يثير العديد من التساؤلات على هذا النحو، وتبقى مشكلة المعلومات حائلا دون الوصول إلى استنتاجات شبه مؤكدة، ومع ذلك فلا بد من الاجتهاد قليلا في ضوء الشواهد ومسارات الأحداث. وبداية علينا أن نعترف بأننا كمصريين جميعا، وكقوى سياسية قديمة كانت أو خرجت على السطح بعد ثورة يناير قد أغفلت جميعها قضايا الأمن القومي المصري، وانشغلت تماما بالصراع على السلطة وتسيير المظاهرات والاعتصامات، والحروب الإعلامية، ومواجهة المجلس العسكري والمناورات الصغيرة مع رموز سياسية طرحت رؤى مختلفة للمستقبل. وهو الانشغال الزائد عن الحد الذي جعل الاهتمام بقضية وجود القاعدة في سيناء غير جاذب للحديث إلا فيما ندر، وأبعد الحوار العام عن مسائل مهمة للغاية، كتسيير السياسة الخارجية وحماية الحدود، كما تجاهل أي مناقشة موضوعية لقضية الإنفاق بين سيناء وقطاع غزة، وعمليات التهريب التي لا تنقطع للسلاح والمخدرات من ليبيا إلى الداخل المصري. واستطرادا فقد شاهدنا جميعا مجموعة من المعتصمين في ميدان العباسية في الأسبوع الأخير من إبريل الماضي وقد رفعت الأعلام السوداء كالتي تظهر في المقاطع المصورة في تدريبات تنظيم القاعدة في اليمن وأفغانستان، كما رفعت الشعارات المهينة لمصر بأسرها والتي توعدت بكسر الحربية مثلما كُسرت الداخلية حسب زعمهم، كما وجدنا زيارات لقيادات جهادية سلفية لهذه المجموعة قبل يومين من جمعة 2 مايو لتحفزها على البقاء والاعتصام ومحاصرة وزارة الدفاع بل والدعوة إلى الجهاد المقدس، ولم ينسَ أحد الخطباء في محيط الاعتصام أن يكفر القائمين جميعا على أمر البلاد في هذه المرحلة، ومن يؤيدهم أو يستمع إليهم. ورغم الخطورة البالغة في هذه المشاهدات فقد مر الحدث مرور الكرام وكأنه حدث في كوكب آخر، وتفنن السياسيون المحدثون في التلاعب بالألفاظ والشعارات وكأنهم لم يسمعوا بأن هناك بؤرا جهادية ذات فكر قاعدي تفكر بالعبث في أمن مصر وأهلها. ووفقا لما سمعته من أحد النواب البرلمانيين المحترمين أن قيادة من الجماعة الإسلامية التزمت المراجعات قبل عقد من الزمن، وتصر على العمل الدعوي السلمي باعتباره متسقا مع مبادئ الإسلام العظيمة، قد انزعجت تمام الانزعاج حين علمت أن مجموعة من السلفيين الجهاديين بعضهم عاد حديثا إلى مصر وقد قرروا الانضمام إلى جماعة الشيخ حازم في اعتصامهم والمشاركة في التصعيد ضد وزارة الدفاع، مضيفا أن هؤلاء ما زالوا مجموعات صغيرة للغاية، ولكن يجمع بينهم الميل إلى العنف وتكفير المجتمع والعمل بمبادئ الجهاد حسب تفسيرات تنظيم القاعدة، وأنهم موجودون في محافظات محدودة لمعلوماته من بينها سيناء، ولهم ارتباطات مع مجموعات جهادية في غزة. والحق أنني حين سمعت تلك المعلومات تسرب القلق إلى نفسي كثيرا، وقلت إن مؤسساتنا الأمنية ما زالت بخير، والمرجح أن لديها الكثير وتدرك متى يكون التصرف الأمثل، وبعد عدة أيام وقعت عيني على خبر مفاده أن مصدرا أجنبيا مهما قدم لنظرائه المصريين ملفا معلوماتيا حول أفراد ومجموعات جهادية تعمل في سيناء وتتواصل عبر الأنفاق مع غزة وأن ثمة احتمالا كبيرا أن يحدث أمر جلل إما عبر الحدود أو في وسط سيناء، وما كان من الجانب المصري إلا أن أكد أن لديه ما هو أكثر، وإذا ربطنا هذه المعلومات المتناثرة مع حقيقة ارتفاع وتيرة وحجم عمليات تهريب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والذخائر، تتضح خريطة التهديدات أكثر وأكثر، أو بمعني آخر تتضح صورة التهديدات الجسيمة التي تتعرض لها مصر الآن سواء عبر الحدود أو من المجموعات والبؤر التي تؤمن بفكر القاعدة وتتصور أن المؤسسات الأمنية مشغولة بأمور سياسية، وأن تلك فرصتها الكبيرة في تحقيق أهدافها في إقامة بؤر وإمارات إسلامية في أنحاء مختلفة من البلاد تبدأ في مناطق حدودية وتتطور إلى القلب لاحقا. وهو ما يعرف باستراتيجية شد الأطراف أولا والإجهاز على القلب الرخو ثانيا، تماما كما رأيناه في اليمن طوال العام الماضي حين انشغلت البلاد بصراع سياسي حاد، وباتت المحافظات الجنوبية والحدودية مع عمان معرضة لهجمات القاعدة، وبالفعل سيطرت جماعة أنصار الشريعة على محافظة أبين وأجزاء من محافظتي مأرب وشبوة، وما أن تعافت السلطة اليمنية جزئيا بعد تطبيق الخطة الخليجية وانتخاب رئيس توافقي بدأت حرب ضروس لتحرير المحافظات والمناطق التي سيطر عليها تنظيم القاعدة في اليمن طوال عام كامل، ولا أتصور أن أحدا من المصريين يريد أن يرى مثل هذا المشهد اليمني يحدث في مصر، اللهم الغافلون والمحدثون في عالم السياسة. إن خطر جماعات القاعدة كبير ولا شك في ذلك، حتى بالرغم من الضربات التي تعرضت لها قبل وبعد مقتل زعيمها المؤسس بن لادن، والتهوين منه كما بدر من بعض السياسيين في مصر أو في غيرها هو أمر غير مسئول بالمرة.. إن المزايدة على أمن الوطن وممارسة الضغوط على جيش الوطن وتجاهل خطر القاعدة حتى ولو كان محدودا، ليس من شيم الوطنيين في شيء، بل هو نفاق وخيانة للأمانة.. أعاذنا الله تعالى منها ومن شرورها. نُشر بالأهرام المسائي بتاريخ الخميس 19 يوليو 2012