أصبحت شبه جزيرة سيناء التي تحتفل بعيدها القومي غداً مصب اهتمام داخلي و إقليمي بعد تزايد وتيرة العنف بها من قبل مجهولين ومن قبل الجماعات الإسلامية المتشددة و الجهادية. وأدي هذا العنف إلي قلق إسرائيلي عارم حيث صدر بيان عن مكتب مكافحة الإرهاب في إسرائيل يحذر المواطنين من السفر إلي سيناء و يطالب الإسرائيليين الموجودين في سيناء بالعودة إلي ديارهم. كما شرعت إسرائيل في بناء جدار علي طول حدودها الممتدة لمسافة 266 كيلومتراً مع شبه جزيرة سيناء، ووصفتها بأنها حدود ساخنة. وحذر مراقبون متفرقون من أن تتحول سيناء إلي بؤرة جديدة للإرهاب و التطرف في ظل غياب سلطة الحكومة المركزية في أعقاب ثورة الخامس و العشرين من يناير. تأهب علي الحدود وأدي تعرض مدينة إيلات لسقوط صواريخ جراد إلي اتهام مخابرات الدفاع الإسرائيلي الجماعات المتشددة في سيناء، وقام الجيش الإسرائيلي بنشر قوات علي الحدود الجنوبية مع مصر، و قامت فرقة الجيش الإسرائيلي في غزة بنشر مدرعات عسكرية علي المنافذ الاستراتيجية للسياج الحدودي الذي تقيمه إسرائيل. ودخلت قوات الجيش الإسرائيلي في الجنوب في حالة تأهب قصوي، و قال رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أفيف كوخافي إن قوات الاحتلال كشفت في الشهور الأخيرة أكثر من 10 خلايا إرهابية نشطت في سيناء، و أضاف إن "الشرق الأوسط الذي يشهد وتيرة تسلح هي الأعلي في العالم يغير وجهه وطابعه تماماً". وكان رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، قد أشار إلي قلقه من الوضع في سيناء قائلاً "إن إسرائيل تلاحظ أن سيناء تتحول إلي منطقة للإطلاق باتجاه إسرائيل". وأعلن الجيش الإسرائيلي عن تكثيف نشاط وحدة المظليين وتدريباتهم بالاعتماد علي عملية "أسود البحر"، وهو اسم عملية اغتيال أسامة بن لادن في السنة الماضية في باكستان، وتحسين الأداء خلال عمليات الهبوط لملاحقة المجموعات المنتشرة في سيناء. انفلات أمني وفي مطلع الشهر الماضي، قام إسلاميون متشددون يرتدون الزي العسكري ويحملون بنادق كلاشينكوف بمحاصرة القاعدة العسكرية التابعة لقوة المراقبة متعددة الجنسيات التي تشكلت عام 1979 لمراقبة معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والتي أبرمت بوساطة أمريكية، وطالبوا الحكومة المصرية بإطلاق سراح خمسة أشخاص سجنوا في قضايا تفجيرات بمنتجعات سياحية في سيناء في هجمات في عامي 2004 و2005 أسفرت عن مقتل نحو 125 شخصاً في منتجعات سياحية مطلة علي البحر الأحمر في شرم الشيخ ودهب وطابا. ولم يتم فك الحصار إلا بعد أن استجابت الحكومة المصرية لمطالبهم. كما أدت حالة الانفلات الأمني في سيناء إلي تفجير خط أنابيب الغاز الطبيعي الممتد شرقاً إلي الأردن وإسرائيل 14 مرة منذ قيام الثورة. وتزود مصر إسرائيل بما يعادل 43% من استهلاكها من الغاز الطبيعي الذي تستخدم 40% منه لتوليد الكهرباء. كما تزود مصر الأردن ب80% من حاجاته لتغذية محطاته لإنتاج الكهرباء. وعلي الرغم من أن التحقيقات لم تسفر حتي الآن عن هوية مرتكبي التفجيرات، إلا أن أصابع الاتهام تعود إلي الجماعات الإسلامية المتشددة المتواجدة في شمال سيناء و التي تسعي إلي إثارة الفزع لإجهاض عملية السلام مع إسرائيل، و لضرب السياحة في مقتل حيث إن تواجد السائحين الأجانب يتعارض مع مطلبهم بتطبيق الشريعة الإسلامية. وأفادت مصادر أمنية بأن اشتباكات عنيفة وقعت بين قوات الأمن المصري ومسلحين علي طريق العريش القنطرة الدولي بالقرب من أنبوب الغاز الطبيعي مابين قريتي الروضة والبدان علي بعد 35 كم من مدينة العريش مما أسفر عن ضبط سيارة أحد المتهمين وأسلحة آلية وذخائر. وكثفت قوات الأمن المصرية حالة الطوارئ بجميع الأكمنة الأمنية في شمال سيناء تحسباً لقيام مجموعات من المسلحين والتابعين للتنظيمات الجهادية بقصف الكمين بقذائف "أر.بي. جي" و ذلك في محاولة لتنفيذ مخطط الجماعات الجهادية لإسقاط الأمن المصري، وتحويل سيناء إلي إمارة إسلامية. كما وأعلنت السلطات المصرية أنها ألقت القبض علي ثلاثة شبان فلسطينيين، تتهمهم بمحاولة تهريب السلاح من ليبيا إلي مصر ومن ثم إلي غزة، لصالح الذراع المسلح في "لجان المقاومة الشعبية". الخطر الإسلامي ويري المراقبون أن هذه الجماعات هي حتي الآن جماعات متفرقة لا ترتبط بتنظيم القاعدة علي الرغم من تشابه أفكارها و استراتيجياتها. ولكن هناك خوفا من أن تصبح هذه الجماعات في ظل غياب السلطة أيدي القاعدة في شبه جزيرة سيناء ذات الموقع الاستراتيجي من حيث قربها من إسرائيل و من حيث تكوينها الجغرافي الذي يعد عاملاً جاذباً للجماعات الإرهابية. ومن الجماعات المتشددة في سيناء جماعة التوحيد والجهاد المتهمة بتدبير هجمات عامي 2004 و2005، وبتدبير الهجوم علي مركز للشرطة في بلدة العريش مما أسفر عن مقتل خمسة من أفراد قوات الأمن المصرية، ومنها أيضاً جماعة التكفير والهجرة التي يشتبه أنها وراء الأفكار المنادية بإقامة إمارة إسلامية في شبه جزيرة سيناء استعداداً لتحرير القدس. وبالإضافة إلي تواجد الجماعات الإسلامية في شبه جزيرة سيناء، هناك خوف من أن تستخدم حركة المقاومة الإسلامية حماس سيناء لشن هجمات علي جنوب إسرائيل. يذكر أن سيناء تعاني منذ تحريرها في الخامس و العشرين من أبريل عام 1982 من تهميش من قبل الحكومة المركزية، و مر بدو سيناء بمراحل مختلفة من الصدام مع نظام مبارك منذ التوسع في الاستثمارات و المشروعات السياحية في المنطقة. ومع هذا التهميش، و المواجهة مع الحكومة، و توغل الفكر المتشدد، أصبحت شبه جزيرة سيناء و لا سيما شمالها بؤرة للغضب. وأفاد تقرير للحكومة المصرية عام 2010 أن ربع سكان سيناء البالغ عددهم نحو 600 ألف شخص لا يحملون بطاقة تحقيق شخصية. ولا يسمح للبدو بامتلاك الأراضي أو أداء الخدمة العسكرية. شائعات إسرائيلية غير أن محافظ شمال سيناء، عبد الوهاب مبروك، نفي أن يكون هناك أي وجود لتنظيم القاعدة أو لمخططات إرهابية في سيناء علي الرغم من تصريحه بتورط الجماعات الإسلامية في أعمال العنف. وأشار خالد فودة، محافظ جنوبسيناء، إلي أن التصريحات التي تصدرها إسرائيل بِأن المخططات الإرهابية في سيناء هي تصريحات مغرضة تهدف إلي شل قطاع السياحة الذي كان قد انتعش مؤخراً بحيث وصلت نسبة الإشغال في مدينة شرم الشيخ إلي 65 بالمائة، و أضاف "إن إسرائيل اعتادت أن تطلق شائعات تضر بحركة السياحة في مصر كلما شهدت انتعاشاً وتحديداً في مدينة شرم الشيخ" وتزعم إسرائيل أن سيناء تحولت إلي منطقة آمنة للتنظيمات الفلسطينية لجلب السلاح إلي غزة والعمل ضدها، إضافة إلي نشاط الجماعات الجهادية الإسلامية، التي برزت بصورة كبيرة في حوادث الاعتداء علي مراكز الأمن المصري وتفجير خطوط أنابيب نقل الغاز إلي الأردن وإسرائيل، إضافة إلي ادعاءات إسرائيلية بإطلاق صواريخ من سيناء صوب إيلات أكثر من مرة. وكشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الأسبوع الماضي نقلاً عن مصادر مصرية أن إسرائيل "أوصلت رسالة للقيادة المصرية بأنها ستعمل بنفسها في سيناء، لمنع الإرهاب وتهريب السلاح إلي الفصائل الفلسطينية في غزة". في الوقت نفسه، طالبت عائلات القتلي الإسرائيليين الذين تحطمت مروحيتهم في سيناء عام 1971 وزارة الخارجية الإسرائيلية بالتدخل لدي السلطات المصرية لمنع طلاء النصب التذكاري الذي أقامته إسرائيل تخليداً لهم في العريش. ويعرف النصب التذكاري إسرائيلياً ب"نصب العشرة التذكاري"، وعربياً باسم "صخرة ديان". وقال المنسق الإعلامي لحركة ثوار سيناء، محمد هندي، لوكالة أنباء "معًا" الفلسطينية، "حاولنا مراراً هدم صخرة ديان بمدينة الشيخ زويد، إلا أن حراسة قوات الجيش للصخرة حال دون هدمنا لها، لذا قررنا طلاءها بألوان العلم المصري". واعتبرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن مثل هذه التصريحات تستهدف إظهار العداء للتواجد الإسرائيلي في مصر، وأشارت الصحيفة إلي أن القاهرة التزمت في اتفاقية السلام بالحفاظ علي النصب التذكاري للجنود. تصعيد القلق في سيناء هو بالتأكيد مؤشر علي استخدام المنطقة لخدمة أغراض كل من إسرائيل والجماعات المتشددة في الوقت نفسه. استخدام إسرائيل للتهديد الذي تمثله الجماعات الإسلامية ربما يكون مبالغاً فيه وذلك اتباعاً لسياسة التصعيد أملاً في أن تتحول شبه جزيرة سيناء لهدف دولي للحرب علي الإرهاب. وكان مركز جافا الإسرائيلي للدراسات السياسية والاستراتيجية قد أصدر تقريراً عن السلام مع مصر في ظل المد الإسلامي بعد ثورة يناير، أشار فيه إلي أن 96% من الإسرائيليين يؤيدون احتلال سيناء بشكل كلي.