هل وصل خطر القاعدة إلي سيناء كما تقول بعض التقارير الأجنبية, أم أن تلك مجرد دعاية سوداء لارباك الوضع علي الحدود, وهل ثمة احتمال بوجود بؤرة أو اكثر تستعد لاعمال عنف مدفوعة بفكر جهادي سلفي قاعدي من أجل تحقيق ما تراه دولة الشريعة ونصرة الحق؟ يمكن للمرء أن يثير العديد من التساؤلات علي هذا النحو, وتبقي مشكلة المعلومات حائلا دون الوصول إلي استنتاجات شبه مؤكدة, ومع ذلك فلابد من الاجتهاد قليلا في ضوء الشواهد ومسارات الأحداث. وبداية علينا أن نعترف إننا كمصريين جميعا, وكقوي سياسية قديمة كانت أو خرجت علي السطح بعد ثورة يناير قد أغفلت جميعها قضايا الأمن القومي المصري, وانشغلت تماما بالصراع علي السلطة وتسيير المظاهرات والاعتصامات, والحروب الإعلامية, ومواجهة المجلس العسكري والمناورات الصغيرة مع رموز سياسية طرحت رؤي مختلفة للمستقبل. وهو الانشغال الزائد عن الحد الذي جعل الاهتمام بقضية وجود القاعدة في سيناء غير جاذب للحديث إلا فيما ندر, وأبعد الحوار العام عن مسائل مهمة للغاية كتسيير السياسة الخارجية وحماية الحدود, كما تجاهل أي مناقشة موضوعية لقضية الانفاق بين سيناء وقطاع غزة, وعمليات التهريب التي لا تنقطع للسلاح والمخدرات من ليبيا إلي الداخل المصري. واستطرادا فقد شاهدنا جميعا مجموعة من المعتصمين في ميدان العباسية في الأسبوع الأخير من أبريل الماضي وقد رفعت الأعلام السوداء كالتي تظهر في المقاطع المصورة في تدريبات تنظيم القاعدة في اليمن وأفغانستان, كما رفعت الشعارات المهينة لمصر بأسرها والتي توعدت بكسر الحربية مثلما تم كسر الداخلية حسب زعمهم, كما وجدنا زيارات لقيادات جهادية سلفية لهذه المجموعة قبل يومين من جمعة2 مايو لتحفزها علي البقاء والاعتصام ومحاصرة وزارة الدفاع بل والدعوة إلي الجهاد المقدس, ولم ينس أحد الخطباء في محيط الاعتصام أن يكفر القائمين جميعا علي أمر البلاد في هذه المرحلة, وعلي من يؤيدهم أو يستمع إليهم. ورغم الخطورة البالغة في هذه المشاهدات, فقد مر الحدث مرور الكرام وكأنه حدث في كوكب آخر, وتفنن السياسيون المحدثون في التلاعب بالالفاظ والشعارات وكأنهم لم يسمعوا بأن هناك بؤرا جهادية ذات فكر قاعدي تفكر بالعبث في أمن مصر وأهلها. ووفقا لما سمعته من أحد النواب البرلمانيين المحترمين, أن قيادة من الجماعة الاسلامية التزمت المراجعات قبل عقد من الزمن, وتصر علي العمل الدعوي السلمي باعتباره متسقا مع مبادئ الاسلام العظيمة, قد انزعجت تمام الانزعاج حين علمت أن مجموعة من السلفيين الجهاديين بعضهم عاد حديثا لمصر قد قرروا الانضمام إلي جماعة الشيخ حازم في اعتصامهم والمشاركة في التصعيد ضد وزارة الدفاع, مضيفا أن هؤلاء ما زالوا مجموعات صغيرة للغاية, ولكن يجمع بينهم الميل للعنف وتكفير المجتمع والعمل بمبادئ الجهاد حسب تفسيرات تنظيم القاعدة, وأنهم موجودون في محافظات محدودة لمعلوماته من بينها سيناء, ولهم ارتباطات مع مجموعات جهادية في غزة. والحق إنني حين سمعت تلك المعلومات تسرب القلق إلي نفسي كثيرا, وقلت أن مؤسساتنا الأمنية ما زالت بخير, والمرجح أن لديها الكثير وتدرك متي يكون التصرف الأمثل. وبعد عدة أيام وقعت عيني علي خبر مفاده أن مصدرا أجنبيا مهما قدم لنظرائه المصريين ملفا معلوماتيا حول أفراد ومجموعات جهادية تعمل في سيناء وتتواصل عبر الانفاق مع غزة وأن ثمة احتمالا كبيرا أن يحدث أمر جلل إما عبر الحدود أو في وسط سيناء. وما كان من الجانب المصري إلا أن أكد أن لديه ما هو أكثر. وإذا ربطنا هذه المعلومات المتناثرة مع حقيقة ارتفاع وتيرة وحجم عمليات تهريب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والذخائر, تتضح خريطة التهديدات أكثر وأكثر. أو بمعني آخر تتضح صورة التهديدات الجسيمة التي تتعرض لها مصر الآن سواء عبر الحدود أو من المجموعات والبؤر التي تؤمن بفكر القاعدة وتتصور أن المؤسسات الأمنية مشغولة بأمور سياسية, وأن تلك فرصتها الكبيرة في تحقيق أهدافها في إقامة بؤر وإمارات إسلامية في انحاء مختلفة من البلاد, تبدأ في مناطق حدودية وتتطور إلي القلب لاحقا. وهو ما يعرف باستراتيجية شد الأطراف أولا, والاجهاز علي القلب الرخو ثانيا. تماما كما رأيناه في اليمن طوال العام الماضي حين انشغلت البلاد بصراع سياسي حاد, وباتت المحافظات الجنوبية والحدودية مع عمان معرضة لهجمات القاعدة, وبالفعل سيطرت جماعة انصار الشريعة علي محافظة أبين وأجزاء من محافظتي مأرب وشبوة, وما أن تعافت السلطة اليمنية جزئيا بعد تطبيق الخطة الخليجية وانتخاب رئيس توافقي, بدأت حرب ضروس لتحرير المحافظات والمناطق التي سيطر عليها تنظيم القاعدة في اليمن طوال عام كامل. ولا أتصور أن أحدا من المصريين يريد أن يري مثل هذا المشهد اليمني يحدث في مصر, اللهم الغافلون والمحدثون في عالم السياسة. إن خطر جماعات القاعدة كبير ولا شك في ذلك حتي بالرغم من الضربات التي تعرضت لها قبل وبعد مقتل زعيمها المؤسس بن لادن, والتهوين منه كما بدر من بعض السياسيين في مصر أو في غيرها هو أمر غير مسئول بالمرة. إن المزايدة علي أمن الوطن وممارسة الضغوط علي جيش الوطن وتجاهل خطر القاعدة حتي ولو كان محدودا, ليس من شيم الوطنية في شيء بل هو نفاق وخيانة للأمانة.. أعاذنا الله تعالي منها ومن شرورها.