من حق القارئ العزيز أن يعرف أمرين قبل أن يقرأ هذا المقال: الأول: أنني -وهذا لا يخفى على أحد- أُؤيّد وأدعّم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيسا للجمهورية إن شاء الله. الآخر: أنني أحمل مشاعر سلبية تجاه جماعة الإخوان المسلمين -أقول الجماعة وليس الأفراد- هذه المشاعر لا تعني عدم اعترافي بالتاريخ النضالي للإخوان، بالعكس.. أنا أعترف بأنهم فصيل وطني ما دام ناضل وضحّى لمصلحة الوطن، وأعتبر أن الإمام الشهيد حسن البنا -رحمه الله- من أعظم الشخصيات الوطنية في القرن العشرين، ولكني أرى أن الجماعة نفسها -ممثّلة في قياداتها- قد انحرفت بعد خلع مبارك عن مسارها المشرف السابق، وهذا بانفصالها عن الصف الثوري. لا ألوم الإخوان لسعيهم إلى السلطة، فهذا حقهم وحق أي فصيل سياسي، ولا ألومهم أنهم لم يأخذوا صفنا أمام اعتداءات العسكر علينا خلال أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء... وغيرها، فمن حقهم ألا يشاركوا، لكن ما آخذه عليهم هو أنهم لم يكتفوا بالتجاهل، بل كانوا أثناء سقوط الشهداء والمصابين يصدرون التصريحات الجارحة بحق الثوار ويصفونهم ب"الجماعات الفوضوية" و"الخارجين على الشرعية" و"الساعين إلى تعطيل الانتخابات"، وإن كان هذا رأي الإخوان فينا حقا؛ فإن إصدار مثل تلك التصريحات ضد أناس أثناء تعرضهم لعدوان قمعي دموي عنيف إنما هو يعطي الشرعية للمعتدي، بل وينزع عنه صفة "الاعتداء".. الأمر يشبه أن يكون لي أخ ويكون لنا حق عند رجل جبار عتيّ فأخرج للمطالبة به فيعتدي عليّ هذا الرجل بالضرب ويلتفّ المارة ليشاهدوا فيسارع أخي باتهامي بالعدوان والتخريب فيبرر بهذا الاعتداء عليّ. البعض يلومني حين أستخدم وصف "الخيانة" لهذا الموقف باعتباره شديد القسوة، ولكني حين أتحدّث عن الخيانة فإني أصف "الركن المادي" من الجريمة وهو "الفعل المادي" بينما يبقى الركن المعنوي "النية" في علم الله تعالى، الأمر أشبه بجريمة القتل الخطأ؛ فمرتكبها "قاتل" لكنه لم يتعمّد ارتكاب القتل وإنما هو مخطئ بالإهمال أو التقصير أو الاستهتار، وعموما أنا لا أرى نية الخيانة في الإخوان، ولكني أرى أن لديهم نوعا من "البرود" في مواجهة العدوان على الدم والعرض بمبرر يسوقونه أن لديهم "رؤية" مستقبلية بعيدة النظر.. المشكلة أنني أتنازل عن كل مظاهر "البراعة" السياسية حين يتعلّق الأمر بدم أو بعرض.. أعتبره قصورا فكريا أو سذاجة سياسية.. لا بأس.. هكذا أنا وأنا راضٍ عن نفسي كذلك. عفوا لطول المقدمة.. ولندخل في الموضوع. رغم تلك المقدمة ورغم كل ما سبق فإني أشعر بالغضب الشديد حين أجد من يؤيّد أحد مرشحي الفلول لمجرد توقّعه أنه سيفعل بالإخوان الأفاعيل.. هناك من يحلمون بمبارك جديد يعيد الإخوان إلى المعتقلات ويحل حزبهم ويشتت جموعهم.. مصيبة، ولكن ملامح تلك المصيبة لا تبدو الآن، بل تنتظرنا لو دخلت الانتخابات مرحلة الإعادة. فرغم توقّعي الشخصي أن تكون الإعادة بين كل من د. أبو الفتوح وعمرو موسى وتوقّعي أن تنضم كل الكتلة الانتخابية للمرشحين الثوريين أمثال أ. صباحي وأ. خالد علي وأ. أبو العز الحريري والمستشار البسطويسي لدعم د. أبو الفتوح في الإعادة؛ إلا أن ثمة سيناريو آخر يقول باحتمال الإعادة بين د. محمد مرسي وعمرو موسى. عن نفسي -وبصراحة شديدة- اتخذتُ قراري من الآن أنه لو حدث هذا سأضع مشاعري السلبية تجاه الإخوان على أقرب رف، وسأدعّم د. مرسي رغم شراسة هجومي الحالي عليه.. فلو انطبقت السماء على الأرض لن أعطي صوتي لأي ممن كانوا في خدمة نظام مبارك يومًا ما سواء موسى أو غيره. المصيبة أن شريحة ضخمة جدا من المعارضين للإخوان تميل في تلك الحالة إلى تأييد موسى نكاية في الإخوان، والكارثة أن بين تلك الشريحة من يعارضون الآن في تلك اللحظة ترشح كل من موسى وشفيق باعتبارهما من فلول النظام السابق.. منتهى التناقض. وحين جربت أن أسأل هؤلاء أن يتفضّلوا بشرح وجهات نظرهم لي وجدت الإجابات كلها تتمحور حول مبدأ واحد: "نار الفلول ولا جنة الإخوان". أعترف بأني أرى أن سيطرة الإخوان على الحكم في مصر ستكون كابوسا على هذا البلد، ففي حين أنهم -وفق توقّعي- سيتميّزون بأداء مبهر في مجالات الخدمات كالصحة والإسكان والتموين وغيرها... إلا أن نظام حكمهم سيكون شموليا قائما على استحواذهم على صناعة القرار بنسبة 100% وسيمارسون قمعا مريعا بحق المعارضين لهم. ولكن حتى هذا الحكم أرحم عندي من أن يعود نظام مبارك.. دعونا نعترف ألا شيء أبشع من نظام مبارك.. وإن كنا نقف- افتراضيا- بثورتنا في النقطة "ج" فإن الإخوان سيعيدوننا إلى النقطة "أ"، ولكن في مقابل أن الفلول سيعودون بنا إلى ما قبل "أ" حتى، هذه نقطة. النقطة التالية أن مجرد التفكير في مساعدة ممثلي نظام خلعناه على العودة من أجل أن "يخلصنا من الإخوان.. وبعدين نبقى نرجع تاني نثور عليه" (وهذه قيلت لي صراحة من بعض -يا للكارثة- الثوار!!) هذا موقف لا أرى له وصفا إلا "خيانة الثورة". أما النقطة الثالثة فهي أني كباحث متعمّق في التاريخ لم أرَ يوما نظاما قمعيا يُبقي على من بعثه من الرماد بعد سقوطٍ مؤقت.. وإن كنتم تعتقدون أنكم ستعيشون لتروا "يوما أسود"، ثم بعد ذلك تحاولون إسقاط "المسخ" الذي أعدتموه للحياة فإني أبشّركم أن المسخ سيلتهمكم أولا؛ فأنتم بالنسبة له مجرد وسيلة.. إلا إذا كنتم تضعون في خططكم "الثورية" العبقرية أن تواروا ثورتكم التراب وتعيشون "جنب الحيط"، وكأنك يا أبا زيد ما غزيت.. صدّقوني وقتها سنستحق مصيرا كمصير قوم عاد وثمود. اتقوا الله في مصر.. حرام عليكم! الخلاصة.. نحن والإخوان رفاق ثورة واحدة، لا أوافق بالطبع على كلامهم أنهم "هم من حموا الثورة"؛ فتلك ثورة شعب حماها الله وحده لا ثورة فصيل، ولكننا وقفنا معا موقفا واحدا.. صحيح أن جماعة الإخوان انحرفت عن هذا الموقف بعد ذلك، ولكن يبقى تصنيف الإخوان أنهم "إخواننا بغوا علينا"، وحتى لو بلغ الأمر بيننا أن "قطّعنا بعضنا بعضا" في الشارع، وحتى لو لعنتهم في كل صلاة وسببتهم بأقذع الألفاظ؛ فإني سأكون أول مَن يساندهم أمام أي نظام يحاول قمعهم، ولن أفضل عليهم فردا من نظام دفع رفاقنا أرواحهم ثمنا لإسقاطه! نحن ثوار مبادئ لا ثوار مصالح، وإن كان أخوك قد باعك لمن اعتدى عليك فمن حقك أن تقسو عليه وأن تفعل به الأفاعيل.. فقط لا تنسَ أنه أخوك! ربما يستغرب بعض من يعرفون قسوتي المعتادة في نقد الإخوان هذا الموقف مني، ولكني أضع لنفسي حدودا حمراء صارمة حتى في أعتى درجات العداوة، لكني أقول لأصحاب موقف "نار الفلول ولا جنة الإخوان" عار عليكم أن تهاجموا اليوم مرشحا باعتباره من فلول النظام ثم تذهبون بعد غدٍ لإعطائه أصواتكم.. قد تكسبون بهذا معركة الانتخابات، ولكنهم ستكونون قد خسرتم الحرب كلها وخسرتم معها الوطن، وخسرتم قبل كل ذلك أنفسكم. ومن الآخر.. فإني أكرّر هنا إجابتي على من سألني "لو أن الإعادة بين أحد الفلول وأحد الإخوان فمن ستُدعّم؟" فأجبته: "سأدعم أكثرهما تقديما للشهداء في الثورة!".