لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب. "اظفر بكارتر قبل أن يظفر كارتر بك".. اشتهرت هذه الجملة عندما قدم هذا الفيلم الرائع عام 1971، وكان نجاحه ساحقًا، لذا -كما هي العادة- قرر أحمق ما أن يعيد إنتاجه عام 2000 مع سلفستر ستالوني. ليس الأمر تعصبًا لكل ما هو قديم ضد الجديد، لكن يمكنك رؤية الفارق في المستوى الفني والتقييم والأرباح وكل شيء. لدرجة أن فيلم ستالوني لم يُسمح بعرضه في بريطانيا أصلاً، خشية من لسان النقاد البريطانيين السليط. إن الفيلم القديم ناجح بلا شك، لدرجة أنني رأيت فيلمًا لبنانيًا استنسخ كل شيء فيه لقطة بلقطة، وإن أخفى فارق الموهبة بالكثير من العري والجنس. كان هذا من الأفلام التي شيد عليها سير مايكل كين صرح نجاحه المهني، وقد قدمنا في هذا الركن فيلم "المهمة الإيطالية" وقلنا إنه يقدم عالم الجريمة البريطاني بشكل مرح ساخر، كما قلنا إن فيلم "اظفروا بكارتر" ينتمي لعالم آخر متجهم قاسٍ فعلاً، وقلنا إن هذه الأفلام مع "هانا وأخواتها" و"ملف إكبرس" و"ألفي" من ضمن الأفلام التي لا بد من ذكرها عندما تتكلم عن مايكل كين.
خرج الفيلم باعتباره عمله الأول مايك هودجز أخرج الفيلم -باعتباره عمله الأول- مايك هودجز وهو مخرج بريطاني اشتهر فيما بعد بتقديم فيلم "فلاش جوردون". وهو عن قصة اسمها "عودة جاك للبيت" للكاتب تد لويس. إن شخصية كارتر منفرة قاسية، وقد اندهش المخرج عندما قبل كين الدور، فقال هذا الأخير: "في كل الأفلام تجد أن المجرم البريطاني غبي أو مضحك.. أردت أن أقدم مجرمًا ليس غبيًا وبالتأكيد ليس مضحكًا". أي أن شخصية كارتر هي نوع من رد الاعتبار "الوطني" للمجرم البريطاني! يرينا الفيلم لحظات الاحتضار الأخيرة للسينما البريطانية أمام الوحش الأمريكي، وبرغم هذا تظل لهذه السينما لحظات مبهرة متكاملة فنيًا. هناك اعتقاد شائع بأن الفيلم فشل عند عرضه الأول، ولم يحقق أرباحًا إلا مع تقدم الزمن، لكن هذا غير صحيح.. لقد حقق نجاحًا معقولاً خاصة أمام فيلم آخر يعشقه الجمهور هو "قصة حب"، الذي عرض في الوقت نفسه. في وقت إنتاج الفيلم كانت كمية العنف فيه لا تصدق.. السبب هو الانفتاح الواضح لدى الرقابة البريطانية في ذلك الوقت، مما جعل المنتج يعتصرها إلى آخر درجة. طبعًا مع الوقت صار هذا النوع من العنف أقرب لمزاح الأطفال. في الفيلم نرى مايكل كين في دور جاك.. رجل العصابات البريطاني الذي يتكلم بلكنة الكوكني، وأميل للصمت.. كما أنه قاس وبارد جدًا. مايكل كين مرعب حقًا في هذا الدور بنظراته الميتة ووجهه الصخري. تابع اللحن الرئيس للفيلم "تأليف روي باد" هنا إضغط لمشاهدة الفيديو: لقد مات أخوه في ظروف غامضة وهو يحاول أن يعرف سبب الوفاة. يذهب إلى مسقط رأسه في نيوكاسل ليحضر جنازة أخيه.. هناك يدرك أن ألغازًا كثيرة تحيط بالوفاة. والشرطة تحاول إقناعه بأن أخاه انتحر وأنه قاد السيارة وهو ثمل فمات. يقوم كارتر بالتحقيق في الوفاة، لكنه يجد نوعًا من الأومرتا "مؤامرة الصمت" تحيط بكل تفاصيل القصة. الكل يرفض أن يتكلم.. الكل خائف.. ويقوده البحث إلى خيط أول هو سائق يقوده إلى أحد سادة العالم السفلي واسمه كينيار. وهناك يقابلونه بالترحيب باعتباره سينضم لهم. يتلقى كارتر نصائح بأن يعود إلى لندن فورًا، وتحدث محاولات عدة لاغتياله. عندما يقبض على أحد من يحاولون اغتياله يحصل منه على اسم برومبي. سوف تشعر في فيلم دائرة الانتقام لسمير سيف بلمسة قوية من هذه المشاهد. هنا تزداد الأمور تعقيدًا لأن كارتر يعمل أصلاً مع عصابة فلتشر في لندن، وهذه لديها مشاكل جمة مع عصابة كينيار، ويعرف أن رجلي عصابات جاءا من لندن ليعيداه إليها. إذن هو مطارد من عصابته الأولى ومن العصابة التي يحاول الانضمام لها. تنقذه فتاة كينيار من محاولة اغتيال وتخفيه في بيتها. هنا يكتشف في بيتها فيلم بورنو تقوم ببطولته ابنة أخيه مرغمة. يجنّ جنونه ويوشك على قتل الفتاة في المغطس.. ثم ينطلق ليقتل كل من كانت له علاقة بموت أخيه، وقد عرف أن كينيار هو من دبر الجريمة. إضغط لمشاهدة الفيديو: إن كارتر شخصية دموية فعلاً لا يتورع عن القتل، وعن إغراق عربة في النهر فيها تلك الفتاة صديقة كينيار، ويقذف ببرومبي من أعلى مرآب السيارات متعدد الطوابق. الحقيقة أن الرواية تضم صراعًا طويلاً يعود للطفولة بين الرجلين، لكن هذه أجزاء تم حذفها.. تدور المطاردة الأخيرة على الشاطئ.. يقبض على قاتل أخيه ويرغمه على شرب زجاجة ويسكي كاملة كما فعل مع أخيه، ثم يضربه حتى الموت ببندقيته. إضغط لمشاهدة الفيديو: وإذ يبتعد عن مسرح الجريمة يتلقى رصاصة قناص أرسله كينيار ليراقبه منذ فترة. وهو مشهد نهاية شهير جدًا: إضغط لمشاهدة الفيديو: هكذا ينتهي الفيلم بموت البطل.. وكان هذا شيئًا غير معتاد في ذلك الوقت. كمية من العنف الصريح المنفذ جيدًا، وقد تم حذف خلفيات كارتر من القصة، فنحن لا نعرف شيئًا عن نشأته وعلاقته بأخيه وصراعه في الطفولة في الأزقة مع برومبي. هذه جرأة ولا شك تستفز أي مدرس سيناريو في العالم. يلاحظ كذلك أن الفيلم بدا كأنه حرب قومية بين بريطانيا وأمريكا، وبدا بعض النقاد الأمريكيين متعصبين جدًا في انتقادهم للفيلم كأنهم يرون أنه غير جدير بتاتًا بمنافسة السينما الأمريكية. وبرغم هذا سرقت هوليوود الكثير في فيلم "القاتل المأجور" عام 1972 حيث قدمت القصة بممثلين سود، ضمن موضة السينما التجارية السوداء التي بدأها فيلم شافت. نُسي الفيلم لفترة طويلة ثم عاد الاهتمام له في التسعينيات، وعادت نسخه إلى العرض. وقد صار للفيلم حشد من الأتباع منهم كوينتين تارانتينو مخرج الأكشن الشهير، ثم كان رد الاعتبار الأهم عندما اعتبرته مجلة "توتال فيلم" أعظم فيلم بريطاني على الإطلاق. وسوف تجد أثره بوضوح في أفلام بريطانية عديدة مثل "لوك ستوك" و"فوهتان مدخنتان". شاهد تريلر الفيلم الممتع هنا ولاحظ جو السبعينيات الساحر إضغط لمشاهدة الفيديو: هذا فيلم مهم ويجب أن يوضع في الحافظة الزرقاء.