اختصارا لكل التفاصيل، يمكننا أن نقول: إن الثورة قامت في مصر في الخامس والعشرين من يناير، من أجل مستقبل أفضل.. مستقبل فيه حرية.. وديمقراطية.. وعدالة.. وقانون.. ومساواة.. لهذه الأسباب تندلع أي ثورة في الدنيا، واندلعت كل ثورة في التاريخ.. ولكن ليس كل ثورة صنعت ما قامت من أجله.. الثورة الروسية اندلعت ضد حكم أسرة "رومانوف" التي حكمت البلاد بالحديد والنار، والتي سيّدت راهبا فاسدا مثل "راسبوتين" على رقاب العباد.. اندلعت الثورة في يونيو 1917، من أجل مستقبل أفضل.. وفي البداية كان كل شيء يُنبّئ بهذا.. صحيح أن الثورة قد أعدمت أسرة "رومانوف" بالكامل ودون محاكمة، مخالفة ما نادت به من ديمقراطية وعدالة، إلا أنها سرعان ما أقامت برلمانا حرا، وبدأت في خطوات إصلاحية حقيقية.. ولكن البعض لم يكُن يرغب في هذا.. لذا فقد دفع ذلك البعض، الشعب لمواصلة الاحتقان ورفض الاستقرار، والتشكيك في كل شيء وأي شيء.. ومن هنا تواصلت التظاهرات والاعتصامات والمليونيات الحقيقية التي خرج فيها أكثر من ثمانية مليون متظاهر في أكبر ميادين روسيا.. وبدأ البلاشفة ينتشرون وسط التظاهرات.. ويسيطرون.. وفي أكتوبر -من العام نفسه- قام البلاشفة بثورة جديدة، وتولّوا مقاليد الحكيم في البلاد. ومع سيطرتهم على الأمور، أصدروا عددا من القرارات شديدة التعسّف.. ولأن البرلمان حر؛ فقد رفض تلك القرارات.. وهنا أسفر البلاشفة عن أنيابهم، وعن عدم إيمانهم بكل ما نادوا به، وما أعلنوا أنهم قد قاموا بثورتهم من أجله.. وفي موقف مباغت، اقتحم البلاشفة البرلمان واعتقلوا نوابه وأغلقوه، وأعلنوا قراراتهم عرفيا.. وثار الشعب على ما حدث.. ثار وخرج في نفس التظاهرات والمليونيات التي حثّه عليها البلاشفة، وشجّعوه للقيام بها.. مع فارق واحد.. لقد خرج هذه المرة ضدهم.. وهنا أيضا جاء رد الفعل مختلفا؛ فالذين حثّوا الشعب على مواصلة التظاهر والمليونيات ليفوزوا هم بالثمرة كلها، واجهوا تظاهرات ومليونيات الشعب ضدهم، بأعنف مما فعله من سبقهم.. لقد أطلقوا النار على الجميع.. وبلا رحمة.. وهكذا سيطر البلاشفة على الدولة.. وبدأ عصر جديد.. عصر من القهر والقمع والسجون والمعتقلات والاغتيالات.. وضاع حلم الثورة.. وضاع مستقبلها.. ومن فبراير 1917 وحتى بدايات التسعينيات عندما سقط الاتحاد السوفييتي، عانى الشعب من عذاب جعله يتمنّى لو لم يقُم بثورة، ضد نظام أسرة "رومانوف"، على الرغم من فساده.. القضية إذن لا تحسم بقيام الثورة.. ولكن ببناء المستقبل.. ففي إيران السبعينيات قامت ثورة ضد حكم الشاه.. وسقطت إمبراطورية شاه إيران.. وتمّ إعدام جميع مسئولي نظام الشاه.. وأعلنت جمهورية إيران.. في البداية، كانت الأمور مضطربة والفوضى تعمّ كل شيء.. الشباب الإيراني احتلّ السفارة الأمريكية لأربعمائة وأربعين يوما. "شهبور بختيار" الرئيس الذي اختاره الخوميني للجمهورية الجديدة، سرعان ما أدرك أنه مجرد "خيال مآتة"، فحلق شاربه الكث، وفرّ مع أسرته إلى باريس؛ حيث تم اغتياله بعدها بسنوات.. واستمرت الفوضى عدة سنوات.. واشتعل المجتمع الإيراني كله بشهور الدم.. ثم بدأ المجتمع يهدأ.. والدولة تستقرّ.. ومع الاستقرار بدأ الحلم بالمستقبل.. مستقبل الحرية.. والديمقراطية.. والعدالة.. وفي انتخابات رياسية حرة، فاز أحمدي نجاد.. وبدأ مشروعه النووي.. ومع المشروع النووي، بدأ عصر جديد في إيران.. عصر القهر.. والقمع.. وسيادة الفكر الواحد.. وعلى الرغم من فوزه في انتخابات ديمقراطية؛ فإنه قام بتزوير وتزييف الانتخابات الرئاسية التالية.. ومع القمع والقهر سيطر على المجتمع.. وأضاع حلم المستقبل.. وأعاد قسوة الماضي.. وظلمه.. وجبروته.. وطغيانه.. وأعطانا هذا درسا لا ينبغي أن ننساه أبدا.. الثورة تحمل حلم المستقبل.. والحلم لا يكفي.. لأنه -وبكل بساطة- مجرد حلم.. الحلم هو بداية الحقيقة.. وبداية العمل.. من الجميل أن تحلم أي ثورة بالحرية والديمقراطية والعدالة.. ولكن من الأجمل أن تعمل أي ثورة على تحقيق الحلم أيضا.. والأعظم أن تعمل.. وتعمل.. وتعمل.. وألا تتوقّف أبدا.. وهذا درس لنا جميعا.. درس نتعلّم منه أن الحلم لا يكفي.. وأن سيطرة فكر واحد على كيان ثوري، هي نهاية الثورة وبداية القمع.. ينبغي أن تذكر هذا دوما.. من أجل وطننا.. من أجل أطفالنا.. من أجل المستقبل.. مستقبلنا،،،