في إطار ندوة اقامها معهد العالم العربي بباريس حول ثورة 25 يناير المصرية، لفت نظري ما اشار اليه دومنيك بوديس المدير الفني السابق للمعهد عندما تحدث عن المعني العميق لسلمية هذه الثورة وعبقرية اصرارها علي ان تكون التظاهرة السلمية وكلمة الحق هي الرد علي رصاصات الباطل. أكد المشاركون في الندوة.. ان الثوار المصريين يستحقون مكانة مرموقة في تاريخ النضال الإنساني من اجل الحرية والعدالة بجانب اساطير المناضلين من امثال سيمون بوليفار وشي جيفارا رغم انهم لم يحاولوا حتي مجرد الرد علي رموز القمع واداوت الإستبداد بنفس اسلوبهم العنيف الوحشي. وبمعني اخر، استبدل ثوار مصر الكلاشينكوف وهو سلاح الثورات وحركات التغيير التقليدي بالموبايل والأي باد والانترنت. وكان ذلك تعبيراً عبقرياً عن أدوات التغيير في القرن الواحد والعشرين .. غالبية ثورات التاريخ كان العنف سلاحها الأساسي.. آلاف الضحايا سقطوا خلال الثورة الفرنسية التي كان ثوراها يصرخون "سنشنق آخر النبلاء بأمعاء آخر رجل دين".. الثوار البلاشفة في روسيا عام 1917 أصروا علي اعدام جميع افراد عائلة رومانوف أو اسرة القيصر وكان اقوي اجنحة الثورة الروسية هو مجموعة "تروتسكي" التي اطلقت شعار العنف الثوري لتبرير مواقفها الدموية. الثورة الصينية التي قادها ماوتسي تونج كان لها مئات الألوف من الضحايا خاصة خلال ما عرف باسم الثورة الثقافية التي شهدت العديد من المذابح لتطهير البلاد ممن وصفوا بأعداء الثورة. حتي ثورة خوميني الإسلامية في ايران كان لها آلاف الضحايا الذين اعدمتهم المحاكم الثورية بتهمة الفساد في الأرض! ولم تظهر هذه الثورة اي رحمة بالشاه واسرته وجنرالاته ورجاله، بل واعدمت كل من جرؤ علي ان يخالفها في الرأي. حتي من بين مؤيدي الثورة وأنصارها.. وفي احيان كثيرة كانت الدماء هي التي تحدد حجم التغيير ومشروعيته .. أوضح مثال علي ذلك ما حدث في ليبيريا عام 1980عندما تمت الإطاحة بالرئيس الليبيري ويليام تولبيرت وتم اختيار جاويش في الجيش لخلافته، هو صمويل دو، لسبب بسيط هو انه اطلق اكبر عدد من الرصاصات علي الرئيس بعد اقتحام قصر الرئاسة!! هكذا، لم يكن غريباً ان تتوقف انفاس العالم لمتابعة وقائع واحداث الثورة المصرية ورؤية شباب الثورة وهم يواجهون رصاصات القمع واسلحة الإستبداد بصدورهم العارية ويلفظون انفاسهم الطاهرة وهم يهمسون سلمية سلمية. اكتسبت ثورة يناير المصرية قيمتها الحضارية والإنسانية عندما اعتمد ثوارها في نضالهم من اجل الحرية علي اجهزة الإتصال والتواصل الحديثة بدلاً من البنادق والمدافع . بإختصار، قدمت ثورة اللوتس المصرية للعالم دليلاً اكيداً وحاسماً علي ان المتظاهر السلمي يمكن ان يهزم الدبابة والفيسبوك يستطيع ان يتفوق علي الكلاشينكوف.. نعم أقنعت ثورة يناير المصرية العالم بأن الجرح قادر علي هزيمة السكين..