أثارت قلقي الشديد من تلك الأحداث بالتظاهر والاعتصام يوم9 إبريل2011 م, إذ إن التظاهر تحت مسمي جمعة التطهير برغم ما عليه من مثالب لاستمرار مثل تلك المتظاهرات. كما لو كان ذلك هو الأسلوب الديمقراطي الوحيد, وبدون إعطاء وقت مناسب للسلطات من مجلس الوزراء والمجلس العسكري النائب العام لتنفيذ الأجندة المطلوب, وماتركه من إثارة القلاقل في المجتمع, ومع ذلك يمكن النظر إلي التظاهر كعمل إيجابي وكدليل علي استمرارية الثورة. وهذا مفهوم جديد في الثورات الشعبية لعدم وجود قيادة واضحة ومحددة, والخوف من الثورة المضادة, ولكن حادث9 إبريل والتقرير الموحد للجمعيات الحقوقية أثار عدة شجون, وأنا هنا أشير لبعضها استنادا لذلك التقرير كمصدر رئيسي للمعلومات ولبناء التحليل الذي أقدمه في نقاط موجزة. الأولي: إنني أعجبت بالسرد الدقيق للأحداث في التقرير الحقوقي المجمع, وأشيد بهذه الجمعيات. الثانية: إن تاريخ الثورات في الماضي مليء بمفهوم التطهير والنقاء الثوري, حدث هذا في ثورة1952 م, وفي ثورة الصين عبر نصف قرن من النضال وبعد وصولهم للسلطة, وفي الثورة الروسية وغيرها, ولكن هناك فارقا جوهريا في القرن الحادي والعشرين وفي ثورات الدول الغربية, وهي ضرورة التزام الثوار بمبدأ سيادة القانون واحترامه وإلا فإن الثورة والثوار يتحولون إلي ديكتاتورية جديدة. الثالثة: إنه كما عبر بحق الشيخ محمد متولي الشعرواي رحمه الله منذ بضع سنوات في حديثه عن مفهوم الثائر, إن الثائر هو من يثور ضد الظلم والقهر حتي إذا أمكن إصلاحه أو وضعه علي طريق الإصلاح, فلابد أن يهدأ الثائر ويتجه للبناء. وأود أن أضيف هنا أنه ثبت إخفاق مفهوم الثورة الدائمة التي تحدث عنها ليون تروتسكي وتحدث عنها ماوتسي تونج لأن مؤدي ذلك إحداث الاضطراب الدائم. الرابعة: إن العالم الديمقراطي له قوانين تتعلق بأمرين ضمن أمور أخري: أولها: الانضباط العسكري, فمن يخرج من العسكريين علي الانضباط يعاقب, ومن ثم لا يعقل أن يتظاهر ضباط في ميدان التحرير بدعوي أن المجلس العسكري بطيء في أعماله, ولا يعقل أن يتم القبض عليهم لمحاسبتهم علي الخروج عن الانضباط العسكري, ثم تطالب جمعيات حقوقية بالإفراج عنهم وعدم محاسبتهم كما في التوصيات العاملة في التقرير. وثانيها: أن هناك قرارا بفرض حظر التجوال في ساعات معينة المفروض من كل حقوقي أن يدعوا لاحترامه, وكذلك من كل مواطن, ولو فرض ذلك في أمريكا أو بريطانيا فلا يمكن أن يتحداه مواطن مهما كان, فكيف يتسني لحقوقي يعرف طبيعة النظام القانوني أن يدافع عن أفراد تحدوا ذلك؟ الخامسة: إنني أؤيد الحق في التظاهر السلمي, ولكن كيف يفسر لي واضعو التقرير الحقوقي الموحد قيام المتظاهرين بإلقاء أوراق صحف مشتعلة علي سيارات الجيش وإحراقها, هل الجيش عدو للشعب؟ إنه لولا حماية الجيش لثورة25 يناير, ماتحقق لها النجاح, ولدخلت مصر في حرب أهلية وقمع كما يحدث في ليبيا واليمن وسوريا وإيران وغيرها, ولكن هل من المعقولية والعقل ألا يستطيع الجيش والأمن فرض حظر التجول في ساعات معينة؟ إن حق التظاهر ينبغي احترامه للمواطن, ولكن أيضا حق المواطن الذي لا يتظاهر يجب أن يكون مكفولا, وأول هذه الحقوق حقه في الأمن والسلامة والراحة, إنها الحق الإنساني الأول الذي لا ترقي إليه الحقوق الأخري, ثم حقه في العمل وكسب حياته قبل حقه في التظاهر. إننا في أشد الحاجة لبناء المؤسسات التي تحكمنا وفقا للقانون وليس للمؤسسات الاستبدادية التي سادت في الماضي, ولسنا في حاجه لاستبداد الأفراد والجماعات تحت أي مسمي. إن القانون المدني والنظام المدني هو الذي يجب أن يحكمنا وأن نحترمه, حتي وإن لم يحقق كل مطالبنا وأهدافنا, لأنه من المستحيل أن يتفق الناس جميعا علي رأي واحد, ومن المستحيل أن أي جماعة تفرض رأيها علي المجتمع بأسره باسم حقوق الإنسان, فإن هذا وصفة للفوضي ولانتهاك حقوق الإنسان, إن حقوق كل مواطن تنتهي عن بداية حقوق الآخر, وحقي في الأمن يجب أن يكون مكفولا, وحقي في البحث عن مصدر رزقي يجب أن يكون مكفولا ولا ينبغي أن يكون حق إنسان في التظاهر علي حساب حقي في الراحة والأمن والسلامة. المزيد من مقالات د. محمد نعمان جلال