يكذب البلكيمي ويقول إنه تعرض لحادث؛ للتغطية على قيامه بعملية تجميل؛ لأن ذلك -وفقا لمعتقده- حرام.. لم يهتم الرجل بما بينه وبين ربه قدر اهتمامه بما بينه وبين الناس من أمر دينه.. لا يهم إن غضب الله تعالى؛ لكن الأهم هو سمعة الرجل الدينية.. كان من الممكن أن تستقبل الصحافة خبر الأنف المقدس بوصفه كذبة سخيفة من رجل سياسة؛ لكن حالة الشماتة التي جعلت من قبح أنف الرجل منافسا تاريخيا لجمال أنف كليوباترا كانت في حقيقتها محاولة يائسة للاحتفاء ببشرية البلكيمي وأنفه والإعلان الرسمي عن أن السلفيين ليسوا كما تصورهم الناخب المصري حسن النية، وكما حاولوا هم أن يصوروا أنفسهم أمامه. هؤلاء الأتقياء الأنقياء الورعون الطيبون المحترمون الوطنيون الصادقون الذين لن يسرقوا ولن ينهبوا ولن تغيرهم المناصب ولن تفسدهم السلطة لأنهم "بتوع ربنا"، وهو تصور مثالي ساذج صدّقه أصحابه عن أنفسهم فنجحوا في إقناع الناس به، وإن دلّ على شيء فإنما يدل على تعطشنا جميعا حكاما ومحكومين إلى القيمة أيا كان شكلها ولونها ووزنها الحقيقي. لقد عشنا أكثر من 30 عاما من انهيار القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية، وتحول المناخ العام في مصر إلى غابة ينهش فيها الجميع بعضهم بعضا، وحاول الحقيقيون منا أن يجدوا لأنفسهم مخرجا، فهاجر من هاجر وضاع من ضاع واستسلم من استسلم وانتحر من انتحر، وظنّ اليائسون ألا مخرج مما نحن فيه؛ حتى جاءت لحظة الخلاص ممثلة في جيل لم يجد وقتا لكل هذا.. قرر ونفّذ في لمح ال"تويتة" وكان ما كان. وكان من الطبيعي أن يبحث الناس وهم يختارون سلطة جديدة عن قيمة تعوّضهم ما فات، وأخطأ الثوار حين تصدروا المشهد بصدور عارية تصلح لمواجهة بجاحة الموت؛ لكن لا تنسجم مع خجل الحياة في الشرق. كان من الطبيعي أن ينتصر البلكيمي ومن مثله؛ لأنهم الأكثر تصديقا لأنفسهم وسط ركام الكذب والرياء والنفاق.. مختبئون من أنفسهم تحت لحاهم ومتورمون بإيمان مجاني ومدعومون بضعف خصومهم قبل أموال خصوم أوطانهم.. هم أكثر منا استحقاقا للشفقة والله. لكأني بالبلكيمي وهو يشعر قبل قليل بأنه نجم يظهر في التليفزيون وتشاهده زوجته وأصدقاؤه وجيرانه كانوا يسخرون من لحيته؛ فإذا به من ذوي النفوذ والسلطان.. الآن يجب للرجل أن يتجمّل وأن يلبس الحبل وما عليه، وأن ينمق من ملامحه التي تحيا في ذاكرة اضطهاد أمن الدولة والناس والإعلام والسينما والدراما، فتتورم بدلا من أن تنفجر.. عملية تجميل ولم لا؟ الله غفور رحيم، ونيتي خير حتى يتقبل الناس مني ما أقول، ولا أبدو منفرا لهم.. الهدف أسمى من التجاوز، والعملية المحرمة هي أخف الضررين، والضرورات تبيح المحظورات، ونفور الناس مني مفسدة كبيرة ودرء المفسدة مقدم على جلب المنفعة.. وحده الظهور فعل ذلك بصاحبنا، فكيف بالتوغل أكثر في عظام التجربة المرعبة.. السلطة. هل أتظاهر بالطيبة أنا الآخر، وأنا أقول إنني أكتب الآن للسلفيين لا عليهم.. أظنني لا أفعل.. هذه مشاعر قلق صادقة على مصر وعلى التجربة الإسلامية المصرية، وعلى أنوف أخرى غير البلكيمي، وأعين وآذان وأقدام توشك أن تزلّ.. السلطة قادمة والفاسدون كل الفاسدين بدأوا بتنازلات كانت بغرض التجميل "ومش علشاني ده علشان مصر والله"، هنا يشتغل المنطق لصالح الهوى، فيأتي بأفكار تودي بصاحبها وبمصالح البلاد والعباد إلى ما نحن فيه.. وتودي بأرواح آلاف الأبرياء كان من الممكن أن يكونوا بين أهليهم الآن يأكلون ويتمتعون لولا أنف البلكيمي التي لا تفرز مسكا وعنبرا كما تصوّر ناخبوه؛ بل "مخاط" مثله مثل كل البشر. إن السلفيين هم أكثر من يحتاج الآن إلى خصومهم، لعلهم يكفّوا عن المزايدة على إيمان الآخرين، ويؤمنوا بأن مثلهم مثل الآخرين يخطئون ويحتاجون طوال الوقت إلى من يقومهم.. إلى النقد الصادق.. وبمنتهى القسوة.