أخبروني -دام عزّكم- أين الإسلاميون وأين الإسلام في البرلمان؟ فعلى حد علمي المتواضع أن التيار الديني ممثلاً في حزبي "الحرية والعدالة" و"النور" قد حصل على أغلبية المقاعد، مما يعني أن هذا البرلمان يُفتَرَض أن يُصبَغ بصبغة إسلامية.. فأين هذا؟ فالإسلام الذي تعلمناه صغارًا وكبارًا يضم بين قواعده العظيمة قاعدة قرآنية تقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.. وقول الله تعالى هنا واضح لا لبس فيه.. أن القصاص للمسفوك دمه ظُلمًا يحمي الحياة البشرية، فهو يغلق الباب لأية عمليات ثأر دامية قد تطال الأبرياء، كما أنه يحقق نتيجة أهم هي "لعلكم تتقون"، وهي ما نسميه بلغة القانون "الردع العام"، حيث يردع العقاب كل من يوسوس له شيطانه ارتكاب جرم الاعتداء على النفس البشرية.. لماذا إذن أرى مخالفة صارخة لهذه القاعدة السماوية الجليلة بالتقاعس والتباطئ و -عفوًا-"الميوعة" في تناول مسألة دماء الشهداء؟ أعلم أن ثمة لجنة لتقصي الحقائق، ولكن ما قيمة أي عمل تقوم به هذه اللجنة وألف لجنة مثلها لو لم تمارس الأغلبية الإسلامية في مجلس الشعب ضغطًا على كل من الحكومة والمجلس العسكري لأجل إعطاء تلك اللجنة صلاحيات كاملة موسعة، تتضمن حق التحقيق مع أي شخص أيًا كان منصبه أو رتبته؟ لماذا هذا التعامل الرخو مع الأحداث الدامية الأخيرة بوزارة الداخلية؟ إن القول يصدّقه الفعل.. وحسن النوايا تصدقه جدية التصرفات.. فأين تلك الجدية؟ وما موقعها من الإعراب؟ في ضوء ما جرى من يومين في جلسة البرلمان عندما تجاهل المجلس في أولها أحداث وزارة الداخلية، وانهمك في مناقشة مسألة "أنابيب البوتاجاز"؟ وعندما تعطّف المجلس الموقر وقرّر إفراد بعض الوقت لمناقشة الأحداث الدامية تحولت الجلسة إلى مهزلة عندما تعامل رئيس المجلس د.الكتاتني مع تصريح العضو محمد أبو حامد (المصريين الأحرار) بأن قوات الأمن قد استخدمت الخرطوش (وهو محرم دوليًا)، فأجاب رئيس برلمان الثورة بكل تلقائية: "ولكن وزير الداخلية قال لي إن الأمن لم يستخدم الخرطوش!". بحق الله؟!! هل هذا هو الإجراء القوي الجاد المنتظر من رئيس برلمان وطني منتخب بعد ثورة أطاحت فيما أطاحت برئيس البرلمان المزور السابق الشهير ب"فتحي موافقة"؟!! وهل المنتظر من الأغلبية الإسلامية أن تصفّق فورًا لتلك العبارة بمنتهى الاستحسان؟! ولكي تكتمل المهزلة فقد شاهد الملايين عبر التليفزيون على الهواء مباشرة عضوًا موقرًا يقفز نحو أبو حامد محاولاً اختطاف الخراطيش التي رفعها هذا الأخير، بعد أن حصل عليها من بعض النشطاء الموجودين في محيط وزارة الداخلية.. وسمعنا تعليقًا مستفزًا من عضو مجلس شعب محترم على تصريح العضو أبو حامد بأن: "إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" (والآية في الحقيقة تقول: "إن جاءكم")... العضو الموقر إذن قرّر أن الأستاذ محمد أبو حامد فاسق؛ فقط لأنه يقول ما لا يروقه.. نعم.. لدينا هنا واقعة اتهام عضو بالفسوق تحت قبة البرلمان؛ لأنه قال شهادة حق! إضافة لذلك فقد قام أحد أعضاء حزب النور "السلفي" باتهام المتظاهرين بتلقّي رشوة من المال و"الترامادول" لإثارة الشغب، ولم يتحدث أحد هنا عن أمر الله "فتبيّنوا"... أي أن الاتهام ببينة من عضو بالمصريين الأحرار هو اتهام مشكوك فيه؛ لأنه صادر عن رجل "فاسق"، أما الاتهام بغير بينة من عضو بحزب النور فهو اتهام سليم؛ لأنه صادر عن رجل "سلفي"! طبعًا من شاهدوا تلك الجلسة/ المهزلة رأوا جيدًا كيفية تعامل الدكتور سعد الكتاتني -الذي يفترض أن يكون على مسافة واحدة من كل الأعضاء- مع كل من العضو محمد أبو حامد وعضو حزب النور سالف الذكر! وفي أثناء ذات الجلسة كتب د.عمرو حمزاوي على تويتر أنه قد طلب الكلمة، ولكنه لم يحصل عليها.. وفي اليوم التالي عندما تكرم د.الكتاتني بإعطائه الكلمة وعندما استنكر د.حمزاوي قيام بعض الأعضاء بتوجيه الاتهامات للثوار بغير بينة واتهامهم بأنهم "بلطجية".. واستند لإحدى مواد لائحة مجلس الشعب، تذرّع رئيس المجلس بمادة أخرى تحصّن -بحكم الحصانة البرلمانية- تصرفات العضو.. بحق الله! ماذا يقال حين نتحدث عن الأخلاقيات فيُرَد علينا بالحديث عن الحصانة؟! أليس د.سعد الكتاتني مَن بكت عيناه أمام الكاميرات في أول جلسة موضوعية وهو يستمع من النائب أكرم الشاعر لمأساة ابنه د.مصعب الشاعر؟! ماذا عن ألف مصعب آخر ليس لهم من يبكيهم أمام الكاميرات؟ ماذا عن العضو د.أكرم الشاعر (الحرية والعدالة) نفسه الذي اكتوى بنار إصابة ابنه د.مصعب -شفاه الله وعافاه- ورغم ذلك أخذ يراوغ في لقائه مع الإعلامي يسري فودة حين سُئِلَ عن ضرب الداخلية للخرطوش في المتظاهرين؟ (وممن أصيبوا نقيب الأطباء.. الإخواني!!) وماذا كان موقف باقي الإسلاميين في البرلمان؟ الصمت الرهيب.. إلا من رحم ربي وكان من أمثال الإسلامي الحقيقي الرائع أ.عصام سلطان (حزب الوسط)؟ هذا فضلاً عن حالة "المراوغة" الواضحة من التعامل بجدية مع مطلب تطهير الداخلية بالكشف عن أسماء الفاسدين بها... وثمة تعليق قرأته على تويتر، وأعجبني يقول ما معناه أن "أغلب الإسلاميين في المجلس تعرضوا للحبس أو التعذيب في ظل النظام السابق.. فلو ذكر كل منهم اسم ضابط واحد اعتقله تعسفيًا أو عذّبه لكانت هذه بداية للتطهير!". لِمَ إذن هذا التراخي المريب؟ كيف لا يكون أكثر من عانوا ظلم النظام السابق أقوى أهل الأرض على اجتثاثه من جذوره؟ كيف لا يكون دعاة احترام القرآن والسُنة مطبقين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"؟!! *** أين كل ما سبق من الإسلام؟ أرجوكم لا تحدثوني عن أن "كل شيء بالصبر" و"الإخوان لديهم خطة تتطلب التأنّي".. عفوًا ولكن أية منافع منتظرة لا تساوي شيئًا أمام حق شهيد سيسألنا الله تعالى عمّا فعلنا للقصاص له! ثم إن القصاص في حقيقته من أعمال "درء المفاسد".. وفي الشريعة الإسلامية قاعدة تقول إن "درء المفاسد مقدّم على جلب المنافع".. أين تلك القاعدة من التطبيق في البرلمان؟ هل تساوي أية مكاسب منتظرة أو خير قادم نقطة من دم شهيد؟ هل البرلمان أكثر حرمة من بيت الله الحرام؟ إن حرمة الدم أعظم على الله تعالى من حرمة الكعبة.. والكعبة -بالتأكيد- أعظم حرمة من مجلس الشعب وألف مجلس شعب مثله! فأين مراعاة حرمات الله عز وجل؟! لي سؤال لهؤلاء "الإسلاميين"... هب أن رجلاً قتل نفسًا بغير حق.. هل سيخضع للمحاكمة ويُعاقَب لو ثبتت التهمة أم لا؟ لماذا إذن التلكؤ؟ هل لأن بين المتهمين بالمسئولية عن قتل الشهداء قادة وجنرالات وأصحاب مناصب مرموقة يتهيّب المجلس الموقر استدعاءهم والتحقيق معهم؟ أعلينا إذن أن ننتظر هلاكنا جميعًا؛ لأننا قد صرنا قوما إن قتل فيهم الوضيع عوقب وإن قتل فيهم عظيم الشأن تُرِكَ وبحثنا له عن كباش الفداء؟!! *** لدينا برلمان غالبية من فيه ينسبون أنفسهم لتيار ينادي بالإسلام.. وتُمارَس تحت قبته قذف قائل الحق بالفسق، والاتهام بغير بيّنة، والتقاعُس عن قول كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، والتلكؤ في تنفيذ الأمر الإلهي بالقصاص... ثم نقول إن أصحاب الأغلبية إسلاميون؟ أي إسلام هذا؟ بالتأكيد ليس الإسلام الذي نجده في القرآن والسُنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين من بعده! فحتى تقيموا العدل وتعتدلوا لا تقولوا إنكم إسلاميون.. حتى لا يوصم الإسلام في مصر بوصمة العار! وحتى لا يصبح حالنا بعد أن تخلصنا من الحزب الوطني الذي كان مصيبتنا في دنيانا، أن نُبتَلَى بمن يصيرون مصيبتنا في ديننا! اعتدلوا.. يهديكم ويرحمكم الله!