جه الوقت اللي لازم أتكلم لأني تعبت، أبدأ كلامي بسؤال: هي ليه بلدنا قاسية علينا أوي كده؟ كارهانا ومش حاسة بينا؟ الحكاية إني من وأنا صغير باحلم بالمستقبل، وإني أبقى حاجة كبيرة أوي أفيد نفسي وأفيد بلدي، ودرست ونجحت وكل يوم باستنى اتخرج، واتفوقت وجبت تقدير في حقوق إسكندرية، ودي أصعب كلية حقوق واتخرجت، وفجأة لقيت الدنيا بتسودّ حواليا.. أهلي تعبوا وكفاية عليهم مصاريف لحد كده، ومش عارف أركز في مهنتي اللي بحبها والدراسات العليا اللي باحلم بيها وقررت أسيبها بسبب قلة المال. حتى حب عمري اللي حلمت بيه وكنت بارضي ربنا دايما علشان يكمل لقيته بيضيع مني؛ لأني بالعربي كده على بال ما أجهز عايز لي بالميت 10 سنين على بال ما أكوّن نفسي.. نفسي أعرف ليه بعد ما كنت بحب بلدي فجأة لقيتني نفسي أهرب منها وأسافر لأي مكان؛ لأنها مش حاسة بيّ.. كل ما أبص حواليا ألاقي العلماء وكل واحد متفوق في مجال ساب البلد ومشي وكبر بعيد عنها. طول عمري باحلم أعيش في حضن بلدي، وكنت فاكر وأنا صغير إني بتفوقي واجتهادي هالاقي ثمرة تعبي، ولما تعبت يوم بعد يوم بعد يوم لقيتها بتطردني منها.. لما ألاقي اللي بيشوط كورة بياخد ملايين.. واللي بيغني أغاني هابطة برده بياخد ملايين.. أمال اللي بيتعب ويجتهد في علمه وعمله ليه الفقر وكسرة الخاطر وكام مليم كل شهر ما يكملوش معاك مصاريف مواصلاتك ومصاريف يومك؟؟ عارفين أنا مع أول فرصة هتجيلي هاسيبها وهامشي ومش راجع، حتى لو قلتم عليّ ماعنديش انتماء؛ لأني قعدت سنين طويلة باحلم بيها بس هي اللي مش عايزاني ولا عايزة غيري. hodaa أخي العزيز: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، يؤسفني ما تشعر به من إحباط، وشعورك بأن الحياة سوداء من حولك، وأن كل شيء ضدك، وكل شيء يرفض التعاون معك، وبالقطع يؤسفني أيضا عدم الانتماء الذي تشعر به، ولكن يا أخي هذه هي الحياة، فأنت تشتكي وتعاني في البلد وتتهمها بأنها هي السبب فيما أنت فيه، وترغب في أن تتركها اليوم قبل الغد دون رجعة لها من جديد، وأنا أؤكد لك أنك إن تركتها لن يتوقف حنينك لها. المشكلة يا أخي ليست في البلد، فكم من شخص يعيش في أمريكا وكثير من الدول المتقدمة التي تحلم أنت بالسفر إليها، يعاني البطالة والفقر، ولا يجد حتى قوت يومه، فالدولار لا تستطيع أن تشتري به سوى شيء واحد والحياة غالية جداً، فالطعام غالٍ والشقق وكل شيء، فهناك من يأكل من القمامة، أما أنت هنا في مصر فتستطيع أن تشتري بالجنيه وجبة إفطار أو عشاء تشبع بها جوعك، تستطيع أن تجد الشقق التمليك الغالية الثمن، وتجد الشقق الإيجار الجديد، التي قد تتناسب مع إمكانياتك المادية، ولكن بالقطع لن يكون في منطقة راقية، بل ستكون في منطقة عشوائية بعض الشيء، ولكنها شقة تحميك برد الشتاء القارس، وتعيش بين جنباتها، وتستظل بسقفها من شمس الصيف الحارقة. كما أن الأرزاق يوزّعها المولى عز وجل، وكما يقول المثل الشعبي: "رب هنا رب هناك"، أي أنك لن تحصل على أكثر مما قسمه لك الله، ولن تأخذ أكثر من رزقك، كما يقول المثل: "اجري يا ابن آدم جري الوحوش غير رزقك لن تحوش"، فرزقك هو من يبحث عنك وليس أنت من تبحث عنه، لكن المشكلة ليست في قلة الرزق، المشكلة تكمن في قلة الرضا بهذا الرزق؛ فهناك الآلاف من الذين يتخرجون في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، ولكن هل كلهم يعانون مثلك، وكلهم يرون الحياة من منظورك؟ لا بل هناك منهم من كافح، ومنهم من وضع أمام عينيه هدفاً، واجتهد وبذل كل ما بوسعه حتى وصل لأهدافه، فهل كل من تخرّج في كليتك لم يتزوج أو لم يحصل على شقة أو وظيفة، لا طبعاً، ولكن كل منهم صبر ونظر إلى نصف الكوب الممتلئ ولم يكتفِ بأن يلعن حظه العاثر، وأن يلقي بتقصيره على بلده الذي تربى على أرضه واستظل بسمائه، وكم من شخص سافر ورجع بخفّي حنين، ولم يحقق أي شيء، وكم من شخص لم يسافر وأصبح رجل أعمال كبيرا، وأصبح شخصاً مهماً نفع نفسه ونفع بلده أيضا كما كنت تحلم. لم يُخلق الكون كله في يوم واحد بل في ستة أيام رغم قدرته سبحانه على أن يخلقه في أقل من طرفة عين، ولكن أراد أن يعطينا درساً اسمه الصبر، وعدم العجلة؛ فكل شيء سيأتي ولكن في وقته الذي حدده سبحانه، ولكن كل ما عليك فعله أن تبدأ بما هو متاح لديك حتى تصل لما تريده؛ فالمثل يقول: "أحب ما تعمل حتى تعمل ما تحب"، فابدأ فهناك الكثير من الوظائف التي تعلن عنها جريدة الأهرام، أو جريدة الوسيط، تقدّم لهذه الوظائف، هناك أيضا الكثير من المصانع التي تطلب من يعمل بها بمرتبات مجزية تصل إلى ألف جنيه وألف ونصف في بعض الأوقات، هناك الكثير من المحال التي تطلب بائعين... ابدأ ولا تستحِ من العمل مهما كانت طبيعته؛ فالمهم أنه عمل حلال ورزق حلال، وهو بالتأكيد أفضل من الجلوس وندب الحظ على العمر الذي ولّى. كما يمكنك أن تعمل في الفترات المسائية وفي الوقت نفسه تكمل الدراسات العليا، ومهنة المحاماة مهنة حرة يعني أنها ليست مقيدة بوقت معين أو بعمر معين، فيمكنك أن تعمل بها متى شئت، فاسعَ أولاً لتوفير المال الذي يعينك في مشوارك للعمل بالمحاماة في المستقبل، ويعينك أيضا على أن تفتح بيتاً وتصبح لديك أسرة، وبعدها سوف تحصل على ما تريد إن شاء الله، ولكن لا شيء يأتي بالتمني وإنما ببعض الاجتهاد والتنازلات البسيطة عن العمل بالشهادة والمناصب المعينة؛ ففي البداية عليك أن تبذل ما بوسعك، فتعمل ليل نهار لكي توفّر المال الذي هو أساس كل شيء، وأنا أكيدة أن كل أحلامك مع الوقت ستتحقق إن شاء الله.