بعدما انتفض الشباب يوم 25 يناير، وجاء يوم 28 يناير (جمعة الغضب) لتخرج جموح الشعب عن صمتها، ويختفي جهاز الشرطة في ظروف غامضة، وينزل الجيش للشوارع لتأمين المنشآت ونشر الأمن بين الناس، ونزلت الناس في الشوارع لعمل لجان شعبية لمواجهة البلطجة، وفي يوم الثلاثاء الموافق 1 فبراير 2011 دعت القوى الموجودة في ميدان التحرير لأول مرة إلى "تظاهرة مليونية"؛ لإجبار الرئيس حسني مبارك على الرحيل، فخرج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع القاهرة وغيرها من مدن مصر استجابة للتظاهرة، وغض ميدان التحرير بالمحتجين، وأعلن منظمو التظاهرة أن عددهم تجاوز المليون متظاهر، لتكون أول مليونية للثورة. في ذلك اليوم قرر أناس كثيرون ترك البيوت واللجان الشعبية واستفزازات التليفزيون المصري، والنزول إلى الميدان وخوض التجربة بنفسهم، فبينهم من كان يكتشف نفسه، وبينهم من كان يستكشف الأوضاع ومقارنتها بما يبثه إعلام الدولة (التليفزيون المصري)، وربما كان من بينهم من يبحث عن العملاء أو جواسيس أو إيرانيين أو وجبات كنتاكي أو ربما يوروهات أو دولارات أو جماعات؛ مثلما كان يروج الإعلام الحكومي. لكن الحقيقة تظهر في الوهلة الأولى التي تقترب منها إلى الميدان؛ حيث تجد الشباب قد شكلوا لجانا شعبية تتسم بالاحترام، وتدخل إلى الميدان وكأنك داخل إلى "المدينة الفاضلة لأفلاطون"، فالهتافات المطالبة بالرحيل كانت تهز أركان الميدان والمنطقة ما حول المتحف المصري، وحضر جميع الأطياف من الشعب المسلم والمسيحي، والملتحي والشاب العصري، والفتاة العصرية، والمنتقبة، والمحجبة، وكان الجميع على قلب رجلا واحد.. قائلين: "أرحل.. أرحل.. أرحل". واستمرت المليونية لساعات متأخرة لم تشهد حالة واحدة من التحرش أو المشادات؛ حتى إن الصلوات كانت تقام في موعدها بحراسة من الإخوة الأقباط، لإخوانهم المسلمين.. الميدان كان أفلاطونيا به روحانيات غير عادية. وفي مساء اليوم نفسه وبعد خروج الملايين في محافظات مصر كلها؛ فقد تجمع الإسكندرانين عند القائد إبراهيم، والسوايسه في ميدان الأربعين، وكذلك أغلب المحافظات، ووجه الرئيس مبارك خطابا للشعب رفض فيه الاستجابة لمطالب المحتجين وبعض القوى السياسية بالرحيل الفوري عن الحكم، وأكد أنه على الشعب أن يختار بين "الفوضى" و"الاستقرار"، وأكد أنه كلّف الحكومة الجديدة بالتجاوب مع مطالب الشباب، وكلّف عمر سليمان نائبه ببدء الحوار الوطني، مؤكدا أن مسئوليته تكمُن في إعادة الأمن والاستقرار، والعمل خلال ما تبقى من أشهر ولايته على تأمين الانتقال السلمي والسلس للسلطة، معلنا عدم نيته الترشح لولاية رئاسية جديدة، كما أعلن تكليفه للبرلمان بمناقشة تعديل المادتين 76 و 77 من الدستور، مطالبا الشرطة بالعمل بنزاهة وشرف، وتعهد بالتحقيق مع المتسببين في حالة الفراغ الأمني للبلاد، واختتم خطابه بأنه يعتز بما أمضاه في خدمة مصر وشعبها، وأن مصر وطنه مثل وطن أي مصري سيعيش ويموت فيه، وسيحكم التاريخ بما له وما عليه. وبمجرد أن انتهى خطاب مبارك؛ تباينت حوله ردود الأفعال بين الناس في البيوت بين مؤيد ومعارض، في الوقت الذي رفض فيه المتظاهرون في ميدان التحرير خطاب الرئيس وطالبوه بالرحيل فورا، ولا ننسى أن الإعلام بعد هذا الخطاب خرج علينا كالعادة ببعض من موروثاته المستمرة معنا حتى الآن مثل "والله الراجل عمل اللي عليه، الأولاد اللي في التحرير عايزين إيه تاني؟! كفاية كده لا بد من فرصة علشان البلد تستقر، وعجلة الإنتاج تمشي، والناس الغلابة اللي مش لاقية أكل، وكلها 6 شهور والريس يمشي"، ورغم إن "الزن على الودان أمر من السحر"، وفي هذه الليلة ظهرت أول التظاهرات لتأيد مبارك أمام ماسبيرو، وفي اليوم التالي 2 فبراير كانت المفاجأة التي أعادت الثورة إلى نصابها؛ بعد أن كاد خطاب مبارك أن يفككها ويفتتها.