تُوفّي صباح يوم الثلاثاء الماضي بعد صراع مع المرض نتيجة لشراهته في التدخين، البطل أحمد محمد عبد الرحمن الهوان الشهير ب"جمعة الشوان"؛ حيث كُشف النقاب عن شخصيته الحقيقية في نهاية ديسمبر 1978، وهو بطل إحدى أهم جولات صراع المخابرات المصرية مع العدو، والذي برز دوره من خلال المسلسل التليفزيوني الشهير "دموع في عيون وقحة" الذي قام بدوره النجم عادل إمام، أمام معالي زايد، وصلاح قابيل. وُلِد وتربّى ونشأ بمدينة السويس -بلد الغريب- والتي اضطرّ إلى الهجرة منها هو وعائلته الصغيرة المكوّنة من أمه وأخيه وزوجته بعد نكسة يونيو 1967، وهناك فَقَدت زوجته وحبه الوحيد نظرها نتيجة للقصف الإسرائيلي.
ويرجع اختيار اسم "جمعة الشوان" -والذي اختاره الكاتب صالح مرسي- إلى أن اسم "جمعة" عيد بالسماء والأرض، و"الشوان" على وزن الهوان، والجدير بالذكر أن المسلسل لم يُقدّم الحقيقة كلها؛ لدواعٍ أمنية في ذلك الوقت، لذا سأُحاول أن أُظهرها عَبْر السطور التالية...
وقع عدوان يوم 5 يونيو 1967، ودُكت مُدن القناة بما فيها السويس وبورتوفيق والإسماعيلية وبورفؤاد وبورسعيد، واضطرّ أهالي خط القناة للتهجير بعيدا عن الحرب والدمار، ولجأوا للمدارس والمستشفيات والملاجئ والمدن الداخلية في الدلتا، ونزح الهوان بأسرته إلى القاهرة، ثم سافر إلى أثينا للبحث عن قبطان يوناني يُدعَى "بناجاكوس" كان مدينا له بمبلغ 200 جنيه استرليني، وبالفعل قابله بعد عدة أيام صعبة؛ فعرض عليه العمل معه كضابط إداري على مركب بحري، ولم يكن أمامه بالطبع غير الموافقة.
وبدأ التنقل من مكان إلى مكان، ومن عمل لعمل، إلى أن قابل شخصين هما جاك وإبراهام، واللذان عرضَا عليه العمل في مصنع حديد وصلب، وعندما وافق قالا له: - ألا تريد رؤية أسرتك.. لقد قرّرنا تعيينك مدير فرع شركتنا بالقاهرة.
ثم أعطوه 185 ألف دولار، وأمروه بافتتاح مكتب كمقر للشركة بوسط القاهرة وشراء سيارة، وأن يزور القناة خاصة منطقة البحيرات المرّة؛ حيث توجد 13 سفينة أجنبية محجوزة بسبب إغلاق القناة، والمطلوب كل شيء عنها بحيث يشترونها عندما تعرض في المزاد كخردة بعد فتح القناة، وحجزوا له الطائرة إلى القاهرة.
وهنا يوصف لنا الهوان ما حدث له بعد ذلك؛ فيقول: "وطوال الرحلة ومدتها أربع ساعات كنت أشعر بعدم الراحة؛ خاصة أن الأسماء يهودية لحد كبير، ولم أفق من هواجسي إلا على صوت المذيع الداخلي.. نحن الآن فوق مطار القاهرة، ومن المطار توجّهت لمكتب المباحث العامة، وقابلت العميد أحمد صالح، وطلبت مقابلة الرئيس عبد الناصر لأمر مهم، وحجزوني لمدة يومين، ثم ذهبت إليه في بيته في منشية البكري، وسلّمته المبلغ الموجود معي وحكيت له القصة؛ فأرسلني لرجال المخابرات العامة الذين طلبوا منّي تنفيذ توجيهات الموساد". وبعد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر/ رمضان 1973 وبعد مرور 9 أيام فقط طالبوا منه السفر إلى إسرائيل فحاول الرفض؛ فأصرّ الرئيس السادات على سفره؛ قائلا له: "مصر إذا احتاجتك يا أحمد ضع رأسك في خدمتها، ولو تحت عجلات تروماي؛ لأن مصر أهم منا كلنا"، وبالفعل سافر إلى تل أبيب، وعاد بعد 17 يوما، ومعه أحدث جهاز إرسال واستقبال قادر على إرسال الرسالة من القاهرة لتل أبيب في 6 ثوانٍ فقط، وفي ليلة عودته به إلى القاهرة زاره شيمون بيريز -ضابط المخابرات حيذاك- وأخرجه من علبته، وهي عبارة عن فرشاة مسح أحذية، وقال لضابط الموساد الآخر: هل تعتقد أن مصر خالية من فرش مسح الأحذية حتى يشتريها ولا يستعملها، دخلت الحكاية على ضباط الجمارك في مطار القاهرة، وفكّ الفرشاة وقام بنفسه بمسح حذاء الهوان حتى تصبح مستعملة، وعندما وصل الجهاز إلى المخابرات المصرية قامت بتجربته على الفور بإرسال رسالة إلى الموساد جاء فيها:
"من المخابرات المصرية إلى المخابرات الإسرائيلية نشكركم على حُسن تعاونكم مع رجلنا أحمد الهوان، وإمداده بأحسن أجهزتكم"، وبمجرّد وصول الرسالة أطلق الضباط الستة -الذين تولّوا تدريبه والإشراف عليه هناك- النار على أنفسهم، وقد عمل الهوان في القاهرة مع: اللواء محمد عبد السلام المحجوب محافظ الإسكندرية الأسبق، ومحمد حافظ رئيس مكتب رئيس الجمهورية الأسبق، والمشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع السابق، وفي إسرائيل مع شيمون بيريز رئيسها الحالي، وعيزرا فايتسمان مان رئيسها السابق، وكرّمته جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة.
بالفعل "فإن لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا".. هذا ليس شعار مستلهما من مقولة الزعيم الراحل مؤسس الحزب الوطني مصطفى كامل؛ بل حقيقة نحسّها جميعا في وقت الأزمات، بل نردّده معا من طابور المدرسة وحتى مباريات الكرة، "بلادي بلادي بلادي.. لكِ حبّي وفؤادي".
وأخيرا.. أستحلفكم بالله أن تقرأوا فاتحة الكتاب لكل قطرة دم روت وستروَى شجرة الحرية ذات الجذور المتوغلة في ثرى أرضنا الطاهرة الباقية الخالدة؛ أما نحن فزائلون.
المعلومات الواردة بالمقال جاءت على لسات أحمج الهوان في حوار أجراه معه موقع الجريدة