آعدّه: كريم رمضان كما ذكرنا في الحلقة الأولى من مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي عن حرب أكتوبر 1973 فبعد تحقيق العبور بنجاح كبير وفجر يوم 13 أكتوبر أمر الرئيس السادات بتطوير الهجوم في اتجاه المضائق على الجهة الشرقية بحجة تخفيف الضغط على الجبهة السورية (وهو ما نفاه الفريق سعد الدين الشاذلي فيما بعد لأن العدو يملك 8 ألوية مدرعة في مواجهتنا ولن يحتاج السحب من قواته على الجبهة السورية وأن الأمر كان له علاقة بتوازنات قوى سياسية حيث كان يرفض السادات أن يجلس مع كيسينجر وزير الخارجية الأمريكي من موقف ضعف وأن الأمر برمته كان خدعة من السادات للإخوة في سوريا ومتاجرة بالمواقف السياسية وتوظيفها لصالحه) ولكن فشل الهجوم، واستغل العدو الثغرة التي خلفتها تلك الفرقة التي قامت بالهجوم خلفها في غرب القناة وبدأ يتدفق بقواته منها. وكما ذكرنا أيضا –ووفقا لمذكرات الفريق- حاول السادات علاج الخطأ بخطأ أخر حيث رفض أن يقوم بتصفية الثغرة باستخدام نفس اللواء المدرع الذي نقله من الغرب للشرق لتطوير الهجوم وعنّف الفريق الشاذلي عندما اقترح عليه ذلك وهدده بالمحاكمة العسكرية إذا تحدث عن سحب أي قوات من الشرق للغرب وكان البديل أمام السادات هو تصفيتها باستخدام لواء مدرع شرق القناة اتجه لتصفية الثغرة بدون أن يكون مؤمنا وتعرض لكماشة من العدو ودمر اللواء المدرع بالكامل. وبحلول عصر يوم 18 أكتوبر طلب السادات من الشاذلي التوجه إلى الجيش الثاني لمحاولة رفع الروح المعنوية للجنود وبذل ما يستطيع لمنع تدهور الموقف، وقضى الشاذلي 44 ساعة مع الجيش الثاني وكان قائده وقتها اللواء سعد مأمون مستطلعا الموقف شديد السوء والتوغل الإسرائيلي المستمر في اتجاه مدينة الإسماعيلية. ومساء 20 أكتوبر عاد الشاذلي إلى المركز 10 مقتنعا بأن الوضع يتجه إلى كارثة لا يعلم مداها الا الله وأن الأمل الوحيد هو بإعادة توزيع القوات بسحب 4 ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب خلال ال 24 ساعة التالية بهدف زيادة قدراتنا على مقابلة تهديد العدو في الغرب لكنه فشل في إقناع وزير الحربية. وكانت وجهة نظر الفريق الشاذلي أن سحب هذه القوات من الشرق للغرب لن يكون بصفة دائما بل معتمدا على مبدأ المناورة أي أنه سيعتمد عليها لإحداث توازن بين قوات العدو وقواتنا في الغرب ثم تعود إلى مواقعها من جديد بعد تصفية الثغرة وهو مبدأ –وبحسب كلام الشاذلي- لم يكن مؤمنا به الفريق أحمد إسماعيل نظرا لاختلاف العقيدة العسكرية هنا وهناك. وبالتالي تم استدعاء رئيس الجمهورية فورا لإطلاعه على الموقف ووضعه أمام مسئوليته التاريخة، وبعد وصوله اجتمع السادات بوزير الحربية لنحو ساعة منفردين قبل ان يلتقيا الشاذلي وقادة الأفرع الرئيسية: اللواء حسني مبارك قائد القوات الجوية واللواء محمد على فهمي قائد قوات الدفاع الجوي واللواء عبد الغني الجمسي مدير هيئة العمليات واللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية واللواء الماحي مدير المدفعية حيث قام كل منهم بشرح موقف قواته بأمانة تامة، وبعد أن استمع اليهم جميعا -عدا الشاذلي- علق السادات بأنه لن يقوم بسحب أي جندي من الشرق. وفي مذكراته يقول السادات أنه أرسل الشاذلي إلى الجبهة لتصفية الثغرة يوم 16 أكتوبر وأنه كان من السهل جدا التعامل معها ذلك اليوم إلا أنه – أي الشاذلي – لم يُنفذ ما طُلب منه وأضاع الوقت في جمع المعلومات وتشكيل قيادة له، وأنه عاد من الجبهة يوم 19 أكتوبر منهارا وطلب سحب القوات من الشرق لأن الغرب مهدد. ويتابع أنه – أي السادات – التقى بالقادة كلهم في مقر القيادة حيث أجمعوا له على أنه لم يحدث شئ يستدعي القلق وعلى ذلك فقد قرر ألا يتم سحب جندي واحد ولا بندقية واحدة ولا أي شئ على الإطلاق من شرق القناة. لقد كانت هذة هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ الشرف العسكري المصري وبقرار السادات فقدت مصر المبادرة نهائيا بعد ذلك وحتى نهاية الحرب. وفي الليلة ذاتها – وبحسب مذكراته – أعطى السادات تعليماته لوزير الحربية بعزل الشاذلي من منصبه وتعيين الجمسي بدلا منه على ألا يعلن القرار على القوات حاليا حتى لا يحدث أي رد فعل سلبي. كما قرر السعي دوليا لإعلان وقف إطلاق النار.
واقرأ أيضاً.. الشاذلي يشرح كيف خسرنا يوم 14 أكتوبر مقدار ما خسرناه في الحرب كلها عن غلطة عمْر السادات التي حوّلت الثغرة لعدة ثغرات