أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً يدين بناء إيران منشأةً جديدة لتخصيب اليورانيوم قرب مدينة قم من دون إعلام الوكالة وطالبتها بوقف العمل فيها، كما طالب القرار طهران بالكشف عن التسلسل الزمني لبناء المنشأة والهدف منها وطالبها بتقديم تأكيدات بأنها لم تصدر أية أوامر ببناء منشآت جديدة من دون علم الوكالة. وجاء تبني هذا القرار -وهو الأول من قِبل الوكالة ضد إيران منذ فبراير 2006- بموافقة 25 عضوا، ورفض ثلاث دول هي كوبا وفنزويلا وماليزيا وامتناع ست أخرى عن التصويت وهي مصر وأفغانستان والبرازيل وباكستان وتركيا وجنوب أفريقيا.
وكان من بين الدول التي وقفت إلى جانب القرار لأول مرة كلاً من الصين وروسيا لكن لا أحد يعرف إن كانتا ستتخذان الموقف ذاته في حال سعي الدول الغربية إلى تشديد العقوبات على طهران؛ إذا رفضت إيران الكشف عن الغموض الذي يحيط بأنشطتها النووية.
ردود أفعال مرحبة بالقرار:
انعكست ردود الأفعال المرحبة بإدانة إيران على تصريحات المسؤولين الغربيين، فرئيس الوزراء البريطاني (غوردون براون) صرح بأن المرحلة المقبلة في النزاع النووي مع إيران يجب أن تكون لفرض مزيد من العقوبات عليها إِنْ لم تتخلَ عن خططها النووية وتستجب لقرار الوكالة الذرية الداعي إلى تقييد البرنامج النووي. كما أضاف أن قرار الوكالة "أوضح إشارة ممكنة لإيران بأن عليها أن تتخلى عن خططها النووية".
بينما أخذت واشنطن لهجة أهدأ في التصريحات، فقد أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض (روبرت غيبس) أن الولاياتالمتحدة لا تزال ترغب في العمل على حل دبلوماسي بشأن برنامج إيران النووي، لكنه شدد على أن الوقت ينفد أمام طهران لتفي بالتزاماتها، وأن القرار الصادر عن الوكالة الذرية يظهر الحاجة الماسة كي تعالج طهران عدم وثوق العالم في نواياها.
أما وزارة الخارجية الإسرائيلية فقد وصفت القرار بأنه "على درجة عظيمة من الأهمية" لكنها دعت المجتمع الدولي إلى التأكد من أن القرار ذو أهمية عملية، وذلك بوضع جدول زمني يتضمن فرض عقوبات مشددة على إيران في حال قيامها بأية انتهاكات لقرارات دولية.
وفي موقف روسي لافت، دعت الخارجية الروسية إيران إلى النظر بجدية كاملة إلى الإشارة الواردة في القرار، وبالتالي إلى التعاون الكامل مع الوكالة الذرية.
ويعتبر قرار الوكالة الدولية أول قرار يصدر ضد إيران منذ أربع سنوات. وقد سهل إصداره دعم نادر من روسيا والصين اللتين أعاقتا في الماضي محاولات دولية لعزل إيران.
وقد صرح وزير الخارجية البريطاني حول الموقف الروسي من القرار؛ بأن إيران "لن تستطيع إثارة انقسامات في صفوف المجتمع الدولي".
واستبق المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية (محمد البرادعي) التصويت على القرار بالقول إن عدم رد إيران على اقتراح الدول الكبرى "مخيب للآمال".
ويقضي هذا الاقتراح بأن تصدر إيران 75% من اليورانيوم الذي في حوزتها إلى الخارج لكي يعود لها في صورة وقود نووي يستخدم لأغراض سلمية، كما تم اقتراح اسم (تركيا) كوسيط يحظى بالثقة من الطرفين حيث يتم تخزين اليورانيوم الإيراني في الأراضي التركية لحين استلام إيران الوقود النووي من الخارج.
وأكد (البرادعي) أن مفتشي الوكالة لم يحققوا تقدما حول التأكد من الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني، وقال إنه مر حتى الآن نحو عام لم تتمكن الوكالة خلاله من إجراء مناقشات مع إيران حول مجموعة من القضايا العالقة.
ووصف المندوب الإيراني في الوكالة الذرية علي أصغر سلطانية هذا القرار بأنه "خطوة متسرعة وفي غير وقتها" وليس لها أساس قانوني.
وأضاف أن "الأمة الإيرانية العظيمة لن تنحني أبدا للضغط والتخويف إزاء حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية"، وأشار إلى القرار بقوله: "لن ننفذ كلمة منه لأنه خطوة مدفوعة سياسيا ضد الأمة الإيرانية".
وأشار إلى أن بلاده ستواصل السماح بعمليات التفتيش الأساسية في مواقعها النووية، لكنها في الوقت نفسه ستتوقف عن "لفتاتها الطوعية" في التعاون مع الوكالة الذرية مثل سماحها بمراقبة أوسع لمنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم.
أما في داخل إيران نفسها، فقد صرح رجل الدين المحافظ، آية الله أحمد خاتمي، خلال خطبة عيد الأضحى في جامعة طهران، السبت 28-11-2009، أن إيران ستنتج بنفسها الوقود النووي في حال لم يوافق المجتمع الدولي على تزويدها بهذا الوقود.
وقال رجل الدين البارز متوجها الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن "واجبكم الشرعي تأمين الوقود لمفاعل طهران".
وأضاف: "إذا لم تفعلوا ذلك، فسينتهي الأمر. إذا لم تتعاونوا، عليكم ان تعلموا أن هذه الأمة التي تمكنت من تحصيل حقوقها في التكنولوجيا ستؤمن أيضا الوقود لمفاعلها. هذا أمر قانوني ويتفق والضمانات الدولية".
وأكد آية الله خاتمي أن هذا القرار "سياسي بامتياز وليس قرارا تقنيا". وأضاف: "بالطبع ستكون أمام إيران خيارات أخرى"، من دون أن يوضح ماهية هذه الخيارات.
ولعل مثل هذا التصريح يوضح للقاريء مدى التداخل الكبير بين المؤسسات الدينية والسياسية في المنظومة الإيرانية.
إذن، يظل التساؤل حول إذا ما كان قرار الإدانة هو ضمن لعبة (القط والفأر) التي تنتهجها إيران مع المؤسسات السياسية، أم أن القرار قد يتحول إلى تطبيق جدي لحزمة من العقوبات الدولية على النظام الإيراني؟
وبينما تؤكد إيران على المساعي السلمية لبرنامجها النووي، يرى مراقبون أن عدم موافقة طهران على تخصيب اليورانيوم في الخارج ما هي إلا مماطلة لإخفاء الشق العسكري من البرنامج النووي الإيراني.