تلعثمت قليلاً، لم أصدق فى بادىء الأمر، كان يناولنى قطعة من الحلوى الملفوفة فى أوراق بهية ملونة، نظرت له، إبتسمت له بإمتنان الدنيا، أحسست بسعادة غامرة فى قلبى.. لم أصدق، أما زال هناك أحد يهتم بى؟؟ بادلنى الإبتسامة، أشرقت على وجهه الناعم النظيف، قمة التناقض هى ما جمعت بيننا، لكن –وفى أول أيام العيد– وجدته يناولنى تلك القطعة. قائلا لى، وهو يمد يده إلى مبتسماً: "تفضل". مددت يدى نحو يده، وأخذت قطعة الحلوى، بالتأكيد ما قدمه لى أكثر من قطعة حلوى، ربما هو الأمل، أن أكون إنساناً كالآخرين، أن أشعر بالسعادة، والرضا عن النفس.. أعطانى القطعة، وأشرقت إبتسامته أكثر، وبدت حمرة خجل خفيفة على وجهه، إزدادت إتساعة إبتسامتى، أحسست بنفسى أشع ضوءاً.. من بعيد لمحت أمه، نظرت له هو، إذن فقد جاء لى من عالم الراضين عن أنفسهم، الذين لا يتساءلون: من أين سيحصلون على قطعة الخبز اليابسة القادمة، التى تكف الجوع عنهم؟ ها هو يتنازل عن شيء كان يملكه، ويهبط من عالمه ليناولنى قطعة الحلوى؛ لأسد بها جوعى. نظرت نحوه ثانية شاكراً، لمحت منها هى أيضاً الإبتسامة، لكن، ولجزء من ثانية، ظهر على وجهها تعبير غريب، كما لو كانت تحث صغيرها على القدوم سريعاً، ربما هى مستاءة من الأوساخ التى تغطى وجهى، ربما مستاءة من الخرق التى أرتديها، لكن فقط.. لو رأت ما بداخلى، لأكتشفت مالم يكتشفه بشرٌ من قبل.. أننى إنسان..! نحو الصغير نظرت، شعرت به فخور، شعرت به مسرور، لاشك أن قبس من نور سعادتى قد وصل فمس قلبه، فجعله يضيء بدوره، ولم أر فى الدنيا كلها -فى تلك اللحظة- إلا أنا وهو.. نادته أمه، صائحةً: - "هيا يا يحيى". نظرت نحوه، قلت بصوت حمل إمتنانى: "شكراً يا يحيى" قال لى، وقد إحمر وجهه من الخجل: "عفوا". إذن فاسمه يحيى، لاشك أن والداه كان يعرفان ماذا يفعلان عندما أطلقا عليه هذا الإسم. هو من أحيا الأمل فى قلبى، والشعور بالسعادة .. والفرحة.. رأيته يسرع نحو أمه، بينما أنا أردد: "وداعاً.. يا يحيى". أمسكت أمه يده الصغيرة، وقالت له بعض كلماتٍ، لم أسمعها، لكننى خمنت أنها كانت تهنئه، وتشرح له ما أدخل على قلبى من سعادة .. لكنها –أبداً– لن تفى حق هذه السعادة، المتأججة فى قلبى. سرعان ما اختفى كخيط من الدخان. أنا متأكد أنه ليس له بيت هنا، بل ليس له مكان على وجه البسيطة.. إنه ملاك من السماء جاء، وللسماء يعود. نظرت نحو قطعة الحلوة الصغيرة، الموجودة بين يدى، وضعتها فى جيبى. سأحتفظ بها فهى أثمن ما أملك، ولا أظن أن سآكلها أبدا.. برغم كل شيء، قد جعلنى أؤمن هذا الصغير، بأنه –حتى لأمثالى– هناك لكل شخصٍ عيد. إسماعيل وهدان التعليق: قصة جيدة ودقيقة وإن افتقدت لحظة الأزمة لكنها استبدلت بها مجموعة من لحظات التوتر المتتابعة، وخاصة مع ظهور الأم. ربما تكون بها بعض الجمل الزائدة التي لا تضيف كثيراً مثل الإشارة إلى إنسانية البطل. كذلك الجملة الأخيرة وأقترح أن تنتهي القصة عند جملة " أثمن ما أملك". د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة