الجو قارص البرودة والسماء تصرخ في غضب وتبكي بشدة، بينما هو يجلس على كرسيه الخشبي في الشرفة عاري الصدر يرتدي بنطالا قصيرا ويلف بأنامله الكبيرة بضع شعرات من لحيته الطويلة التي بللتها دموع السماء. اشتدت دموع السماء انهمارا وهو ينظر اليها.. يتتبعها قطرة تلو القطرة تتسابق للوصول لكف يده التي مدها خارج الشرفه تتناول قطرات المطر الحارة حتى تتجمع في شوارع كفه ثم يسحب يده ويتطلع بها. إنها كالخريطة ثم يشير بأصابع يده الأخرى بعد أن أعتقت لحيته قائلا: (هذه اليابسة وهذا البحر، نعم هذا هو البحر الذي قتل ابني، سوف اقتله).. يرفع يده التي علقت بها شعره من شعرات لحيته عاليا ثم يهوي بها على كفه الأخرى فيتلاشى ما جمعته يده من قطرات المطر فيقول مبتسما: (قتلته..انتقمت لك يا بني.. قتلت البحر!!) وقف عاري الصدر ودفع بكرسيه إلى الوراء واخذ يطل برأسه الكبير من حافة الشرفة ثم ينظر إلى السماء يستنشق الهواء ليملأ صدره العاري غير مكترث ببرودة الطقس، لا يسمع صراخ السماء، فقط يرى دموعها المنهمره فيرفع يداه ويلاكمها.. فتزيد السماء الصراخ.. وتزيد البكاء. فيبكي يتذكر ابنه الوحيد. انه يعلم أن ما يفعله لا يجدي وان البحر لا يموت. نظر إلى قطرات المياه الساقطه من عيون السماء تتخبط بما تتخبط به وأخرى تهوي إلى الأرض والأخرى تنتحر لا يعرف أين تذهب، اخذ يفكر ماذا لو ذهبت مع تلك القطرات من المياه أترى أراه؟!
سحب كرسيه ووضعه ملاصقا الجدار العازل عن الفراغ. وقف عليه.. وضع قدميه على حافة الشرفة يريد التعلق بحبات المطر المنتحرة.. ثم قفز!! حينها انتفض من الكرسي. وترك لحيته.. ركض وفتح الباب وهبط السلالم بخطوة واحده مسرعا نحو الخارج بصدره العاري ولحيته الطويلة المبللة واخذ يبحث بين قطرات المطر، ركع على ركبتيه وأخذ ينثر المياه يمينا ويسارا يفتش ويبحث لكنه حين يأس ضرب بكلنا يداه الأرض فتناثرت وتلاشت.. حينها سمع صرخة قوية. نظر إلى السماء بعد أن مدد جسده على الأرض وفتح فمه لحبات المطر المنتحرة التي تجمعت به ثم اغلقه. وقبل أن يغمض عيناه سرقتهما لحظة إلى هذا الرجل عاري الصدر يلف بأنامله الكبيرة بضع شعرات من لحيته الطويلة ويده الأخرى تقتل قطرات المطر فقال في نفسه: ربما قتلني هذا الرجل وأنا معلق بين دموع السماء.. ربما.. ربما..
كريم السيد
التعليق: نص جميل، لغة مكثفة راقية، لحظة أزمة عميقة (جنون إنساني مبرر)، وتوحد مع الطبيعة.. لكن راجع الأخطاء اللغوية (المثنى ينصب بالياء وكذلك يجر بالياء).
د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة