ماذا تفعل للتعرف على ثقافة بلد ما ؟؟! اقرأ كتبهم و رواياتهم , شاهد أفلامهم , أو تحدث مع أحد مواطنيهم… لكن هذا فى بلد ما .. أما عن أم الدنيا ( و اللى هتبقى قد الدنيا ); لكى تعرف ثقافتها … فقط كل ما عليك "اركب مترو " . فى المترو عليك أن تتغاضى عن الشتائم .. حسناً لتعتبرها ناتجة عن ضغط عصبى لا أكثر , أما الضربات و اللكمات فلك أن تعتبرها تدريبًا عملياً للدفاع عن النفس ( أم الدنيا بقى ), و طبعًا لا داعى ذكر أن المواطنين الملتصقين ببعضهم و بك أن هذا دليل على عمق المحبة بيننا كمصريين ( مش بقولك أم الدنيا ) , تجاهل المرأة التى تضرب من حولها بالشبشب و لا تلق بالاً لأى تهديد بالقتل أو التفجير (أم الدنيا يعنى مفيش كلام ) ..اتخذ وضعية الدفاع للمصارعين و اركب.. هل ركبت ؟؟ اذاً لنبدأ الرحلة.. المحطة الأولى : تتأمل ما حولك من ملصقات لإعلانات و كتابة على النوافذ و الأبواب تندد بشئ ما..تسالنى عن هذه..حسنا هى التعليمات المفترض العمل بها داخل المترو يمكنك أن ترى ذلك إذا دققت فى الشخبطة . حسنا اتخذ لك موضعا وراقب المشاجرات والمشادات و الجو المشحون بالعصبية و النظرات التى تقتل واسمع الكثير . -"ما توعى يا ست إنتى..ايييييه ما توقفليك على جنب !! " -" انا جيت جنبك !!..دا إيه يختى دا " -" خنقة و حر…هوف الناس دى كلها جاية منين…قطيييعة تقطع المترو و سنينه " -" على فكرة أنتى دستى على رجلى الجزمة دى من ثرى ام و مش عايزة أ بوظها " و المزيد من العبارات , و المزيد من النظرات التى تقتل , لكن سرعان ما يهدأ كل هذا مع تحرك المترو .. لكن تبقى النظرات العدائية. المحطة الثانية : الكثيرون خرجوا و اضعافهم دخلوا,المترو أشد ازدحاماً من قبل..الآن راقب معى مظاهر الاشخاص.. فقط فى المترو تجد خلطة بشرية لا تجدها فى أى مكان , تجد البذلات و الاسمال , تجد أوه ماى جاد و يا خراااااااااااابى , تجد الثقافة و العقول الضحلة , تجد الوعى و الترللى , تجد من يدع بدعاء الركوب و من يسب بابشع الالفاظ…راقب معى هذا الحوار بين سيدتين لم يتقابلا إلا فى المترو . -" أنا عندى الواد عبده ابنى 16 سنة مغلبنى , بس انبى قلبه طيب خالص و جدع…تطلبى زى ما تطلبىمنه بخدمك برقبته.. زكى و مخه ندييييف………..(هرى كتير ناملك شوية و اصحى تكون خلصت )………………. " -" ممممم…ربنا يخليهولك " و تهرب السيدة الثانية بينما بدأت الأولى فى تحقيق عنيف معها لتعرف عدد اولادها و اسم جدة أمها و إذا كان أخوها مرتبط أم لا و الآن انتقل معى لهذا الحوار بين رجلين تبدو عليهم ملامح الخطورة -"أقولك انا على اللى فيها.. الناس دولم عندهم خطة سرية لتدمير العالم كوله…ايو الله زى ما بقولك بالضبط" -"دا أنا بقى اللى عرفت ان الراجل بتاعهم بيمشى و معاه فى شنطة العربة صاروخ نووى بالريمود كنترول بس محدش يعرف حتى الرجالة بتوعه " و الآن أرى وجه تترسم عليه ملامح التناحة و الإزبهلال..لكن لا بأس و الجواب الوحيد لتساؤلاتك " إحنا اصلاً شعب فتاى بطبيعته ". المحطة الثالثة : الكثيرون غادروا العربة مما يعيد لك القدرة على التنفس..العربة هادئة ذاك الهدوء الذى يسبق العاصفة; و ها هى العاصفة…مشاجرة بين رجلين أحدهما اصطدم بالأخر دون قصد سوف تسمع الكثير من الشتائم و ينقسم الركاب لثلاث فئات أولهم الفئة التى تحاول تهدئة الموقف بعبارات " استهدى بالله يا حج " أو "بوووووراحة يا عم اهدى كدة و صلى عالنبى ف قلبك " و تلك الفئة تمارس نشاطها بعد انتهاء المشاجرة بعد أن تكون الفئة الثانية انهت مهمتها ألا وهى إلقاء المزيد من الوقود على النيران " متسكتلوووش دا هو اللى غلط " أما الفئة الثالثة وهى الفئة الأقل عدداً , فالجالسون منهم يراقبون من بعيد دون تدخل و الواقفون ينتظرون أحد الفئتين أن يترك مكانه كى يجلس .. تفكر فى الموقف و تصل إلى أن المشاجرة كان بمكن أن تنتهى فى لحظتها لكنها زادت؛ بسبب تدخل المحيطين و هنا يكون الجواب "إحنا أصلا شعب زياط بطبيعته". المحطة الرابعة: هنا نكون نحن من المغادرين , نعم أسمع من يتحدث أن الشعب المصرى طيب , صبور , فيه روح الفكاهة و فيم يبدو أنه يتحدث عن شعب آخر فما رأيناه هو نموذج مصغر عن مصر , رأينا وجوه تكسوها ملامح الهم , سمعنا ألسنة و كلمات يغزوها الكذب و البذاءة , استشعرنا طاقة احتمال تساوى صفر , أماعن الامل فمازال القليل منه باقٍ فى قلب شاب وقف ليجلس العجوز.