يحتفي جوجل -عملاق البحث الشهير- اليوم (الخميس)، بذكرى ميلاد الأديب اللبناني الكبير جبران خليل جبران؛ وذلك بوضع صورته على صدر شعار الموقع، وهو ما يأتي تقديراً لمكانة الشاعر المرموقة التي يحتلّها كأحد أعلام الأدب العربي عبر تاريخه الطويل. يُذكر أن شركة جوجل قد قامت في وقت سابق بالاحتفاء بذكرى ميلاد أمير الشعراء أحمد شوقي، وعميد الأدب العربي د. طه حسين، والأديب العالمي نجيب محفوظ. وبرغم أن "جبران" لم يعِش سوى 48 عاماً فقط؛ حيث ولُد في 6 يناير من عام 1883 في قرية بشرى بلبنان، وتُوفي في عام 1931 بنيويورك متأثراً بمرضه؛ فإن الفترة الزمنية القصيرة التي عاشها، والتجوّل بين البلدان التي ارتحل إليها، لم يمنعه من أن يكون شاعراً، أديباً، روائياً، فيلسوفاً، فناناً. يمكنك أن تُطلق عليه ببساطة كل الصفات الأدبية. وكيف لا وهو الذي كتب الرواية؛ متمثلة في روايته الشهيرة "الأجنحة المتكسرّة"، وله ديوان شعري عامر بالأشعار الخالدة في عيون الشعر العربي الأصيل، وكتب العديد من المقالات بلغات غير العربية، وباللغة العربية؟ كذلك صدر له كتاب "البدائع والطرائف" الذي يحوي مجموعة من مقالاته، كما أنه قام بالرسم والعزف كذلك. وننقل لكم بعض الحكم والمأثورات البديعة الخاصة بأديبنا لنتذكره في ذكراه: - الشك ألم في غاية الوحدة لا يعرف أن اليقين هو توأمه. - الحق يحتاج إلى رجلين: رجل ينطق به ورجل يفهمه. - قد تنسى الذي ضحكْتَ معه؛ ولكنك لن تنسى الذي بكيت معه. - قال ذات يوم ذئب مضياف لحَمَل مسكين: "ألا تُشرّف بيتنا بزيارة؟"؛ فردّ الحَمَل: "كان شرفي عظيماً في زيارتكم لو لم يكن بيتكم في معدتكم". - أنت أعمى، وأنا أصمّ أبكم، إذن ضع يدك بيدي فيدرك أحدنا الآخر. - إنما الرجل العظيم ذلك الذي لا يسود ولا يُساد. - المتعصِّب بالدين خطيبٌ بالغُ الصمم. - الرغبة نصف الحياة، أما عدم الاكتراث فنصف الموت. - ما أنبل القلب الحزين الذي لا يمنعه حزنه أن ينشد أغنية مع القلوب الفرحة. وننهل أيضاً من ينبوع شعره الخالد الذي لا ينضب، ونضع بين أيديكم بعض أبياته التي يشدو فيها قائلاً: شهدنا زماناً في الكنانة ردنا إلى خير أزمان الفصاحة في العرب كأنا بذاك العهد بعد انقطاعه وطول التراخي آب متصل السبب تولّت عصور شيب فيها صفاؤها وخولط فيها بين حرّ ومؤتشب غمائم دكن شوّهت قَسَمَاتها وغيّبت الوضاح من ذلك النسب فيا نُخَباً هبّت تجدّد مجدها وتأتي بما لم تستطع قبلها النخب تنافس أهل الفضل فيك فأثمرت قرائحهم أزكى البواكير عن كثب إذا اختلفت في بعثها وجهاتكم فما ضار أصلاً أن أفنانه شعب مرامكم في غاية الأمر واحد وما لمراميكم سوى ذلك الأرب ثناء عليكم بالذي تبتغونه وتدرون أن الفوز بالجد والدأب ولعلّ أشهر ما ارتبط باسم جبران خليل جبران هو علاقته مع الأديبة مي زيادة، والرسائل المتبادلة بينهما والتي تُعدّ من أشهر الرسائل الأدبية في الوسط الثقافي. وننقل لكم إحداها على سبيل المثال رسالة جبران لمي قائلاً: "ولقد انصرفتُ عن كل ما وجدته بانتظاري في هذا المكتب لأصرف نهاري بكامله مصغياً إلى حديثك؛ ذلك الحديث المتراوح بين العذوبة والتصنيف، وإنني وجدت بعض الملاحظات التي لو سنحت لنفسي الفرصة أن تتألم لتألَّمَت منها؛ ولكن كيف أسمح لنفسي بالنظر إلى شبه سحابة في سماء صافية مُرصّعة بالكواكب؟ وكيف أحوّل عيني عن شجرة الياسمين المزهرة إلى ظلّ أحد أعضائها؟ وكيف لا أقبل وخزة صغيرة من يدٍ عطرة مفعمة بالجواهر؟ ما أجمل رسالتك يا مي وما أثمرها؛ فهي مثل نهر من الرحيق يتدفق من الأعالي، ويسير مترعاً في وادي أحلامي؛ بل هي كالأوتار". فتردّ عليه مي زيادة في رقة وعذوبة قائلةً: "أريد أن تساعدني وتحميني وتبعد عني الأذى، ليس بالروح فقط؛ بل بالجسد أيضاً.. أنت الغريب الذي كنت لي -بداهة وعلى الرغم منك- أباً وأخاً ورفيقاً، وكنت لك أنا الغربية -بداهة وعلى الرغم مني- أماً وأختاً، حدثني عنك وعن صحتك، واذكر عدد ضربات قلبك، وقل لي رأي الطبيب، افعل هذا، ودعني أقف على جميع التفاصيل كأني قريبة منك". يا لهؤلاء العِظام، لقد كانوا أدباء بكل ما تحمله الكلمة من معنى. عندما كان الأدب في أزهى صور رقيه وتأنّقه.. رحم الله جبران خليل جبران، الفيلسوف، المفكّر، الأديب، الإنسان، وأبقى لنا سِيَر هؤلاء الكِبار محفوظة، ننهل منها، ونتلمّس خطاها لعلنا نسلك الطريق الصحيح.