في كل مرة سنقرأ قصيدة، أو جزءاً من قصيدة، أو حتى بيتاً واحداً فقط لأحد الشعراء المعروفين أو غير المعروفين اسماً، وإن بقيت أشعارهم هذه أبداً.. نفعل ذلك بحثاً عن "شوية هوا" نتنفّسهم عبر كلمات معطّرة يبقى رحيقها طويلاً طويلاً. لو سألت أي مهتم بالشعر أو غير مهتم عن صلاح جاهين؛ لا بد أن تجده يحفظ إحدى رباعياته، أو يتذكر واحدة من رسوماته، أو حتى يردد أغنياته، ويتغنّى بمواقفه. لا عجب فقد كان الأقرب للشعب.. يتحدث بلسانهم، بهمومهم، بشكواهم، بعشقهم.. فطاوّعه قلمه، وأبدعت ريشته ما لم يستطع أحد أن يباريه طوال هذه السنوات. جاهين الذي حلّت ذكرى مولده الثمانين بالأمس 25 ديسمبر من هذا العام، وتُوفيّ في إبريل من عام 1986، لم يعش سوى 56 عاماً فقط؛ ولكنه خلّف إنتاجا شعريا وأدبيا غزيرا؛ أشهره الرباعيات التي سُميّت باسمه، وظلت محفورة في وجدان قارئيها.. ومحفوظة في تاريخ الشعر الحر الحديث للأبد. والجدير بالذكر أن معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته هذا العام سيقوم بالاحتفال بذكرى مولد جاهين. واليوم سنترك الحديث له وحده.. نختار بعضاً من رباعياته التي أبدعها طوال حياته؛ احتفاءً منا بذكرى مولده.. في يوم صحيت شاعر براحة وصفا الهمّ زال والحزن راح واختفى خدني العجب وسألت روحي سؤال أنا متّ ولا وصلت للفلسفة؟ وعجبي! يا باب يا مقفول... إمتى الدخول؟ صبرت ياما.. واللي يصبر ينول دقيت سنين.. والرد يرجع لي: مين؟ لو كنت عارف مين أنا كنت أقول وعجبي! اخطفني يا اللي تحبني ع الحصان الدنيا قالت يوم في ماضي الزمان اخطفني يا اللي تحبني ع الفرس الدنيا قالت.. قام خطفها الشيطان وعجبي! يا مشرط الجرّاح أمانة عليك وانت ف حشايا تبصّ من حواليك فيه نقطة سودا في قلبي بدأت تبان شيلها كمان.. والفضل يرجع إليك وعجبي! ما حد في الدنيا واخد جزاته ولا حد بيفكّر في غير لذاذاته ما تعرفيش يا حبيبتي.. أنا وانتي مين؟ إنتي عروس النيل.. وأنا النيل بذاته وعجبي! سرداب في مستشفى الولادة طويل صرخات عذاب ورا كل باب وعويل وفي الطريق متزوّقين البنات متزوّقين للحب والمواويل وعجبي! السم لو كان في الدوا منين يضر؟! والموت لو عدونا.. منين يسر؟ حُطّ القلم في الحبر واكتب كمان والعبد للشهوات.. منين هو حرّ؟ وعجبي! وقفت بين شطين على قنطرة الكدب فين والصدق فين يا ترى محتار ح اموت.. الحوت خرج لي وقال لي هو الكلام يتقاس بالمسطرة؟ وعجبي! ومن الرباعيات الجديدة التي نشرها مؤخراً الشاعر شعبان يوسف: أنا عيني شافت ساعة رملية تنام تقوم ترتدّ مملية ولقيتها ح تعيش عمر طال أو قصر وح تنكسر.. تشبه تمام ليّ وعجبي! اسكت على أمريكا واللي أصابها في ثلاثة م الرواد أعز شبابها قال لي: باخاف من خنجري وأنا شايله دي القوة يا ما بتجني على أصحابها وعجبي! آن الآوان ورميت على الشطّ هلب ورسيت أنا من بعد توهان وغلب شفتك يا إنسان مهما تنهان عظيم والكلب مهما تكرمه برضه كلب وعجبي! معاتيه في تيه العشق هايمين هيام رايحين وجايين وفي الشوارع نيام الحب حلم وبس.. ولّا بصحيح والدنيا حلوة وشمس.. والأغيام وعجبي! رحم الله صلاح جاهين؛ فقد كان أحد مبدعي هذا البلد العظيم بأبنائه، الذين تبقى سيرة إبداعهم العطرة تتحدث عنهم مهما غابوا بأجسادهم عن هذه الدنيا.