استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    إنفوجراف| تراجع أسعار الذهب العالمية واستقرارها محلياً    أسعار الخضراوات اليوم 21 مايو في سوق العبور    وزير النقل يبحث مع السفير الإيطالي مستجدات افتتاح خط سريع "رورو"    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    أسعار الحديد اليوم الثلاثاء 21-5-2024 في أسواق محافظة قنا    بدء مراسم تشييع جثامين الرئيس الإيراني ومرافقيه في مدينة تبريز    الأهلي للحسم والزمالك للتعويض في نهائي دوري اليد    تداول ورقة مزعومة لامتحان الهندسة ب«إعدادية القليوبية»    طقس شديد الحرارة نهارًا.. والقاهرة تُسجل 38 درجة    طلب تحريات حول انتحار فتاة سودانية صماء بعين شمس    اليوم.. محاكمة 12 متهمًا بتلقي رشوة في قضية «فساد وزارة الري»    وزيرة الثقافة تشهد احتفالية الأوبرا بالموسيقار الراحل عمار الشريعي    الأوبرا تحتضن عُرس « إيزيس لمسرح المرأة » حتي 22 مايو    أعراض الإصابة بالإجهاد الحراري خلال الموجة الحارة |إنفوجراف    خبيرة تغذية توجه نصائح للتعامل مع الطقس الحار الذي تشهده البلاد (فيديو)    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لمنطقة أبو غليلة    بشير التابعي: معين الشعباني لم يكن يتوقع الهجوم الكاسح للزمالك على نهضة بركان    وزير الصحة يوجه بسرعة الانتهاء من تطبيق الميكنة بكافة المنشآت الطبية التابعة للوزارة    بنك مصر يوقع عقد قرض طويل الأجل ب 990 مليون جنيه مع إيديتا للصناعات الغذائية لتمويل خطوط إنتاج جديدة    اليوم.. «محلية النواب» تناقش طلب إحاطة بشأن إزالة 30 عقارًا بالإسماعيلية    زلزال يضرب محيط مدينة نابولي جنوبي إيطاليا    مبعوث أممي يدعو إلى استئناف المحادثات بين إسرائيل وحماس    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    موعد عرض مسلسل دواعي السفر الحلقة 3    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    رقم تاريخي لعدد أهداف موسم 2023/24 بالدوري الإنجليزي    الحالة الثالثة.. التخوف يسيطر على الزمالك من إصابة لاعبه بالصليبي    جهات لا ينطبق عليها قانون المنشآت الصحية الجديد، تعرف عليها    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    بعد رحلة 9 سنوات.. ماذا قدم كلوب لفريق ليفربول؟    موعد إجازة عيد الأضحى 2024 في مصر: توقيت وقفة عرفات وعدد أيام العطلة    براتب 5000 جنيه.. وزارة العمل تعلن عن وظائف جديدة بالقاهرة    قبل طرحه في السينمات.. أبطال وقصة «بنقدر ظروفك» بطولة أحمد الفيشاوي    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    عاجل.. مصرع شاب إثر غرقه بمياه نهر النيل بمنشأة القناطر    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    المقاومة الفلسطينية تستهدف قوات الاحتلال قرب مفترق بلدة طمون جنوب مدينة طوباس    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    «زي النهارده».. وفاة الشاعر أمل دنقل 21 مايو 1983    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عمرو أديب عن وفاة الرئيس الإيراني في حادث الطائرة: «إهمال وغباء» (فيديو)    على باب الوزير    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مذكرات طبيبة" لنوال السعداوي.. لن تقرأ سطوراً بمثل هذه الجرأة!!
نشر في بص وطل يوم 09 - 11 - 2010

المذكرات تمثل متعة خاصة لمحبي القراءة، وتحتل دائماً مكاناً دائماً على رفوف الكتب بداخل مكتبة كل منا، وقال عنها الراحل عبد الوهاب مطاوع: "لو أصدر بواب عمارة مذكراته لقرأتها".. وأتصور أن السبب وراء هذا الاهتمام العظيم بها، أنها تمثل تجربة حياة طويلة بين دفتي كتاب صغير، مهما كثرت صفحاتها؛ فأنت كما لو كنت عرّافاً؛ فبدلاً من أن تقرأ المستقبل تضع يدك على ماضٍ وحاضر ومستقبل شخصية، كانت بالنسبة لك صورة أو اسم يتردد على صفحات الجرائد.
لوقت قريب كان بيني وبينها جدار عالٍ من الجليد، لا أعرف كيف نما، كنت مثل الذي حاول اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ، وعندما سُئل: لماذا حاولت اغتياله؟ قال: شيخي قال لي إنه كافر، وعادوا ليسألوه: هل قرأت له للتأكد من كفره؟ رد: لم أقرأ له حرفاً واحداً!!
وكذلك أنا، هاجمتها ولم أقرأ لها أبداً، وعندما ذهبت يوماً لأُجري حواراً مع الحاج "مدبولي" -صاحب دار النشر- رحمه الله، قلت له: لماذا تنشر لنوال السعداوي.. ألا تخشى النقد؟!! وفوجئت به يدافع عنها بشراسة تعجبت لها وقتها، وأتذكّر أنه أبدى إعجابه بها كأديبة؛ ولكن كان له بعض التحفظات على كتاباتها الأخيرة.
والآن بعد قراءتي لمذكراتها، أحسست بالحرج لأن هذا الرجل الذي لم يعرف القراءة ولا الكتابة قد أدرك ما لم أدركه فيها.. ولأني أعرف أنك ربما تكون مثلي (لديك نفس الحاجز الثلجي) اخترتُ أن أعرض لك مذكراتها، لعلّك تنضم إليّ.. جرب.
بكيت على أنوثتي قبل أن أعرفها
بدون مقدمات ولا إهداء تبدأ نوال السعداوي في سرد الحكاية منذ البداية، منذ أن كانت طفلة في التاسعة تعيش حالة صراع مبكرة جداً مع أنوثتها؛ حتى قبل أن تظهر هذه الأنوثة "فكل ما كنت أعرفه في ذلك الوقت أنني بنت كما أسمع من أمي، ولم يكن لكلمة بنت في نظري سوى معنى واحد، هو أنني لست ولداً.. لست مثل أخي".
تريد أن تقول إنها عانت من التمييز بينها وبين أخيها؛ "فهو يخرج إلى الشارع ليلعب بلا إذن ويعود في أي وقت.. وأنا لا أخرج إلا بإذن، يأخذ قطعة أكبر من اللحم، ويأكل بسرعة، ويشرب بصوت مسموع، وأمي لا تقول شيئاً".
"أما أنا.. أنا بنت! عليّ أن أراقب حركاتي وسكناتي؛ عليّ أن أخفي شهيتي للأكل ببطء وأشرب بلا صوت..".
أغلقت عليها غرفتها وجلست تبكي بدموع حارة؛ ليس لأنها فشلت في الدراسة أو لأنها كسرت شيئاً غالياً؛ ولكن لأنها بنت؛ "بكيت على أنوثتي قبل أن أعرفها، فتحت عيني على الحياة وبيني وبين طبيعتي عداء"!!
صراحة مدهشة وقوة صادمة
وبعد هذه البداية الحزينة لن تتركك "السعداوي" دون أن تُدهشك تارة وتصدمك أخرى، دهشة من تلك الصراحة التي تمتلكها، والقوة التي جعلتها تستدعي حدثاً مؤلماً من ذاكرتها لتسرده لنا بهذه البساطة.

فتقول إنها تعرّضت في طفولتها للتحرش الجنسي من البواب الأسمر: "رأيت عيني البواب وأسنانه تلمع وسط وجهه الأسود سواد الفحم.. فاقترب مني وأنا أجلس وحدي على دكته الخشبية أتابع بعينيّ أخي ورفاقه وهم يلعبون، وأحسست بطرف جلبابه الخشن يلمس ساقي فابتعدت في اشمئزاز؛ لكنه اقترب مني مرة أخرى، وعندما حاولت أن أخفي عنه خوفي بمراقبة أبي أحسست بأصابعه الغليظة تتحسس ساقي، ووقفت مذعورة واندفعت أجري بعيداً عنه، وسألتني أمي عن سبب انزعاجي، لم أستطع أن أقول لها؛ لعلي شعرت بالخوف أو الخزي، أو لعلي ظننت أنها ستعنّفني، وأنه لن يكون بيننا ذلك الودّ الذي يجعلني أحكي لها أسراري"!!
الحاج "مدبولي" كان له بعض التحفظات على الكتابات الأخيرة للدكتورة "نوال"
أما الصدمة؛ فكانت أنها -وهي الأولى على فرقتها في الابتدائية- قرر أبواها أن يزوجاها لرجل تُصوّره بأنه ذو وجه غريب مخيف، ونظرة مدققة فاحصة تحوم حول جسدها؛ فما كان منها إلا أن خرجت مذعورةً وكأن عفريتاً يطاردها، وعندما تلقّتها أمها وجدتها على الباب صرخت في وجهيهما صرخةً واحدةً، وأسرعت إلى غرفتها تنظر إلى نفسها في المرآة، وتقرر في نفس الوقت قراراً خطيراً -وقتها طبعاً- أن تتخلص من شعرها الطويل، وأن تخفي أي ملامح ظاهرة لأنوثتها المبكرة.

فخرجت لأول مرة في حياتها من البيت دون إذن، وفي داخلها تحدٍّ وقلب يخفق من الخوف، وعندما لمحت لافتة كُتب عليها "حلاق السيدات"، ترددت لحظة ثم دخلت لتتخلص من تلك الخصلات التي تقول عنها أمها إنها تاج المرأة وعرشها، وعادت وهي مشدودة القامة تقف أمام والدتها بشعرها القصير وفي عينيها نظرة استخفاف لتجد أمها قد صرخت في وجهها، وناولتها صفعات حادة على وجهها؛ ومع ذلك لم تبكِ كعادتها؛ بل تجمدت في مكانها؛ كأن انتصارها على أمها جعل جسدها صلباً لا يُحسّ بالصفعات!!
سأصبح طبيبة لكي ترتجف أمي أمامي من الخوف
انتقلنا في هذا الفصل من مرحلة الطفولة إلى الشباب، مرحلة الجامعة وبالتحديد دخولها كلية الطب، أما تفسيرها لدخولها هذه الكلية بالتحديد فكان تفسيراً عجيباً حقاً؛ فتقول: "سأكون طبيبة، سأتعلم الطب، سأجعل أصابعي قوية مدببة أمسك بها إبرة طويلة حادة مخيفة، سأجعل أمي ترتجف من الخوف، وتتطلع إليّ في ضراعة وخشوع، وسأجعل أخي ينتفض أمامي من الهلع، وسأجعل أبي ينظر إليّ في استجداء واسترحام"!!
برغم ما في كلامها من غرابة وعجب؛ لكن بعد فترة تفكير ضئيلة ستكتشف أنها طريقة تفكير طبيعية جداً لمن عاش في مثل ظروفها، يشعر بالاضطهاد والتمييز؛ فبمجرد أن اكتشفت في طفولتها كم تحترم أسرتها الطبيب وتهابه، قررت بطريقة أوتوماتيكية أن تكون مثله؛ حتى يخافها والداها وأخوها بعد أن اضطهدوها جميعاً!!
وكان لأول يوم لها في الكلية -وبالتحديد في المشرحة- أهمية كبيرة بالنسبة لمستقبلها كله؛ فتقول: "وقفت على باب المشرحة، رائحة نفاذة عجيبة، جثث آدمية عارية، اقتربت من إحدى الجثث ووقفت إلى جوارها، كانت جثة لرجل، والطلَبة من حولي ينظرون إليّ ويبتسمون في مكرٍ وينظرون ماذا أفعل..
كِدت أُشيح بوجهي بعيداً عن الجسد العاري، وأجري خارجة من المشرحة؛ ولكن لا.. لن أفعل.. وسلّطْت نظراتي على جثة الرجل في جرأة وقوة.. وأمسكتُ المِشرط في يدي!!
كان هذا أول لقاء لها مع رجل، وكانت النتيجة أن هذا الرجل الذي كان دوماً أفضل منها في كل شيء، أصبح فاقداً للهيبة والجلال والعظمة الموهومة "نزل من فوق عرشه وارتمى على منضدة التشريح"، وهنا وردت إليها العشرات من الأسئلة منها:
"لماذا كانت أمي تضع هذه الفروق الهائلة بيني وبين أخي، وتصنع من الرجل إلهاً عليّ أن أقضي عمري كله أطبخ له طعامه؟ لماذا يحاول المجتمع دائماً أن يُقنعني بأن الرجولة امتياز وشرف وأن الأنوثة مهانة وضعف؟".
د. نوال السعداوي: أصبحت طبيبة لكي ترتجف أمي أمامي من الخوف!
ومع هذه البداية الكئيبة التي اكتشفتْ فيها حقيقة أن أمها كانت تكذب عليها، عندما صوّرت لها الرجل كائناً أرقى، له كل الطاعة، وها هي تقف أمامه، بل تنتقم منه، فتنظر له بغثيان وتمزّقه إرباً بمشرطها؛ إلا أنها كانت بالنسبة لها فترة غنية انفتح لها فيها عالم جديد واسع، أوغلت فيه بنَهَم، عالم كشف لها سرّ الإنسان وألغى تلك الفروق الهائلة، التي حاولت والدتها أن تضعها بينها وبين أخيها، وأهم هذه الأسرار هو أن المرأة تحتوي في أعماقها رجلاً، والرجل يخفي في أعماقه امرأة!!
بداية جديدة لطفلة في الخامسة والعشرين
موعدنا مع بداية جديدة تماماً في إحدى القرى النائية بداخل مسكن صغير، بعيداً عن الأم والأهل وبعيداً أيضاً عن النساء والرجال على حد سواء..
كانت تلك هي المرة الأولى التي تجلس فيها وحيدة مع نفسها، متجردة من كل شيء "تجردت من علمي وطبي، من السنين التي عشتها، من الناس الذين رأيتهم، من الصراعات التي أسلمتني إلى ذلك السدّ الهائل الذي وقف في طريق تفكيري، وتجردّت من تفكيري أيضاً، وبدأت أحسّ"؛ فاكتشفت أن العاطفة أكثر ذكاءً من العقل، وأكثر رسوخاً في قلب الإنسان وأكثر صدقاً، وتنبّهَتْ لأول مرة أنها ضيّعت عمرها، الذي فات في صراع ليس له أرض؛ "فضاعت طفولتي في الصراع ضد أمي وأخي ونفسي.. والتهمَتْ كتب العلم والطب مراهقتي وشبابي.. وها أنا ذا الآن طفلة في الخامسة والعشرين من عمرها.. طفلة تريد أن تجري وتلعب وتنطلق و..".

أتعرف ماذا بعد "و" الأخيرة، تصوّر أنها تريد الآن أن "تحب" بعد أن مضت خمسة وعشرون عاماً، دون أن تشعر لحظة واحدة أنها امرأة، دون أن يخفق قلبها مرة واحدة لرجل و"دون أن أعرف تلك الفترة الملتهبة من عمر الإنسان.. المراهقة"!!
عادت من جديد امرأة لا تُكنّ كراهيةً أو حقداً لمخلوق اسمه الرجل؛ بل تريد أن تصبح الآن مثل أي امرأة أخرى طبيعية، لم يكن هناك أبداً مرحلة في حياتها اسمها تمرّد على تلك العلاقة الأزلية التي تربط آدم بحواء؛ فحزمت متاعها وركبت القطار ليحملها بعيداً، لتعود إلى بيتها وأهلها وعملها.. "فتحتُ ذراعي للحياة وعانقت أمي، ولأول مرة أحس أنها أمي.. وعانقت أبي وفهمت معنى بنوّتي.. وعانقت أخي وعرفت شعور الأخوة.. و.. وتلفّتُّ حولي أبحث عن شيء.. شيء لايزال ينقصني.. عن أحد لا يزال غائباً عني.. من هو؟"
زواج سريع وطلاق أسرع
إنه الفصل الرابع، ونحن على مشارف أن نبدأ مع د. نوال السعداوي قصة حب انتهت بالزواج؛ ولكن المشهد الأخير من هذا الفصل كان بطله المأذون وفي يده دفتر الطلاق.
كان أول رجل تقع عليه عيناها، وكان الأول الذي يُشعرها باحتياجه لها، وينظر إليها نظرة احتياج وضعف فيها طفولة وسذاجة؛ فأحبّته بعد أن قال لها: "أنا لست هذا الرجل الذي يريد المرأة أن تكون خادمة أو تابعاً؛ بل أريد أن تكون شريكتي.. إني فخور بعقلك، ولا يمكن أن تتصوري مبلغ سعادتي حين أدخل عيادتك وأشهد بعينيّ ذلك العدد الكبير من النساء والرجال الذين ينتظرون أن تمنحيهم الصحة والشفاء.. هل يمكن لامرأة لها مثل عقلك أن تُحبس في البيت لتطبخ"!!!
د. نوال السعداوي: انتهت المعارك وآن لي أن أجلس بلا حراك
أتدري لمَ وضعتُ كل علامات التعجب هذه؛ لأن هذه المثالية التي عبّر عنها هذا الرجل، وهو يجلس هادئاً على صخرة من صخور الهرم، وينظر إلى الأفق، وأمامه قرص الشمس يتسلل من وراء السحُب الرمادية؛ سرعان ما نسِيَها بمجرد أن أمسك في يده قسيمة الزواج، فتحوّل إلى رجل عادي مثل كل رجل شرقي، يرفض أن تخرج امرأته إلى العمل وتمارس مهنتها، ويريد لها أن تكون مثل أي زوجة عادية تطبخ وتنظّف، فقال لها كلمات تشبه: "إني صاحب السلطة.. لا أريد أن تخرجي كل يوم.. يجب أن تتفرغي لزوجك وبيتك"، وكان الطلاق بعد أن جلست تقول لنفسها إنها أخطأت حين غرّتها نظرة الضعف والاحتياج، ولم تعرف "أن الإنسان الضعيف يُخفي تحت جلده عدداً من العُقَد والصفات الدنيئة التي يترفّع عنها الإنسان القوي"، و"أن الخطأ الذي وقعت فيه لا يساوي كل هذا العقاب.. لا يساويه".
على القمة ولكن وحيدة
نحن الآن على مشارف النهاية.. نهاية هذه الفترة من حياة د. نوال السعداوي؛ فقد "امتلأت عيادتي بالرجال والنساء والأطفال.. وامتلأت خزينتي بالذهب والمال.. وأصبح اسمي لامعاً كأسماء النجوم.. وامتلأ درج مكتبي بالتوصيات والرَّجَوَات والاستعطافات.. وجلستُ على قمتي العالية أنظر تحت قدمي إلى المجتمع"!!
ولكنها على هذه القمة تشعر بالوحدة، بعد أن قرّرت أن تعيش بمفردها في شقة منفصلة متحدّية نظرات وهمهمات الجميع تقول: "ما أبرد الوحدة! ما أقسى السكون! ماذا أفعل؟ هل أقفز من فوق قمتي؟ ولكن عنقي سَيُدَكّ في الأرض دكاً.. هل أعود أدراجي؟ ولكن عمري سينقضي ولن أبلغ ما أريد.. انتهت المعارك وآن لي أن أجلس بلا حراك.. آه.. ما أفظع الفراغ".
ويبدو أيضاً أن مع إحساسها العميق بالفراغ، بعد أن حققت كل أحلامها ما عدا حلم واحد هو حقّها في اختيار رجلها، ومن أجل ذلك كان لا مفرّ من أن تخوض التجربة.. أخطر تجربة في حياة المرأة.. تجربة اختيار الرجل.. تجربة البحث عن الحب!!
والحقيقة أنها لم تكن تجربة واحدة بل تجربتين؛ إحداهما كانت مؤلمة، أما الأخرى فأتصور أنها ناجحة، وسأترك لك أن تكتشفها بنفسك في رحلتك بداخل قلب وعقل د. نوال السعداوي؛ ولكن قبل أن ترحل، أريد أن أقول لك على درس تعلّمته حقاً من قراءة تجربة د. "نوال": إن الإنسان يحتاج أحياناً -بل كثيراً- لأن يخوض عراكاً من أجل الحصول على أبسط حقوقه وأعظمها؛ مهما كانت النتائج، كما أنه ليس من المشرّف أبداً، أن ننتقد ونكر ونحتقر دون أن نبحث في أنفسنا ونعرف أبسط الحقائق بشأن من نحتقره؛ فإما أن نظلّ نحتقره، أو أن نقف بجواره ندعمه -ولو معنوياً- في صدامه مع الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.