هل كان حادث الطلاق الذي وقع بين الدكتور شريف حتاتة، والدكتورة نوال السعداوي متوقعاً؟ وإذا كان متوقعاً، فهل كنا نتوقع أن يحدث بهذه الطريقة العنيفة، والتي لا تليق بكاتب كبير له تاريخ نضالي، لا يكف الدكتور عن إعلانه في كل ما يكتبه، وكاتبة كبيرة اقترن اسمها دوماً بحركة تحرير المرأة، أعتقد أن الموضوع حساس، وربما يكون الضغط عليه مفجراً لقضايا عديدة، وهنا أتذكر التحقيق المتميز الذي أجراه الصديق إيهاب الحضري في جريدة الشرق الأوسط تحت عنوان: »رجل وامرأة وثالثهما الأدب«، وتناول التعقيدات التي تنشأ بين الزوج الأديب عندما تكون زوجته أديبة، وكشف فيه عن بعض الزوايا التي تعطل أو تعوق النمو الطبيعي للعلاقة العاطفية أو الزوجية، وأظن أن الأدب مظلوم جداً لو كان سبباً في تعطيل أو تدمير علاقة، خاصة لو دامت لأكثر من 54 عاماً، مثل علاقة السعداوي/ حتاتة، وأظنها أطول علاقة دامت بين أديبين رغم التناقضات أو الخلافات الحادة التي لم تظهر إلا في لحظة الانفصال، بعدما أرسل الدكتور حتاتة رسالة قصيرة إلي الصحف تقول: »قمت بتطليق زوجتي نوال السعداوي في أول مايو الماضي«.. وعندما تساءلت وسألته الصحف عن أسباب هذا الطلاق، رفض التعليق، وعندها تكلمت السعداوي بعدما أعلنت أن حياتها الشخصية ليست مشاعاً، وليست مضغة في أفواه الناس، وبالتالي فأي اقتراب منها، سيكون اقتراباً ملغوماً، خاصة أن الأمور كادت أن تصل إلي المحاكم، كما صرحت السعداوي في »المصري اليوم« وخصت الصديق محمد الباز- في الفجر- بأخبار ومعلومات خاصة، أراد الباز أن يتجنب الخوض فيها!! وبعيداً عما حدث وجري، وبعيداً عن الخوض في مياه عكرة، وبعيداً أيضاً عن أي شماتة رخيصة تجلت وتبدت في تعليقات سخيفة علي شبكة الإنترنت، فالموضوع يحتاج إلي قراءة خاصة لمجمل العلاقات الزوجية بين الأدباء والأديبات خاصة لو كانت هذه العلاقات مجالاً وحقلاً للكتابة والإبداع، وذلك عبر مذكرات شخصية، أو إبداع روائي، أو شعري، حتي لو ظهرت في حوارات صحفية، وما أكثر الأديبات والأدباء الذين كتبوا وخاضوا في تسجيل لحظات جميلة من الحياة الزوجية، أو العكس أي سرد وقائع مُرّة، وما أكثر ما كتب حتاتة، وكتبت السعداوي حول هذه الأمور، وربط كل منهما حياته الخاصة، بالأفق العام الذي يعيشانه، وهنا سأطوف بشكل سريع حول بعض ما جاءت به قرائح هؤلاء الأدباء، للكشف عن بعض الحقائق أو الأوهام التي يعيش فيها الأديب أو الأديبة بعض الوقت. ولو غضضنا البصر عن النهايات المنتكسة لبعض العلاقات، سنجد أن البدايات كانت مضيئة، ووردية، ومشرقة، ففي مذكراته يكتب الدكتور شريف حتاتة فصلاً تحت عنوان: »امرأة اسمها نوال السعداوي« عن البداية المشرقة، أو إشراق السعداوي في حياة حتاتة التي كانت رتيبة أو باردة، بعد انفصاله عن زيجة كانت غير موفقة، من »ديدار فوزي« وهو يصف هذه العلاقة السابقة بالفشل رغم أنها استقبلته عندما خرج من السجن عام 4691، ولكنه كان استقبالاً شبه رسمي، أو كنوع من الواجب، يقول حتاتة: »عشت ألم الرفض بعد أن كنت أتخيل هذا اللقاء وأتشوق إليه، أصبحت أتساءل عن مدي حبها لي، فأنا أشتاق إليها، ولكنها لا تبادلني هذا الشوق«.. ورغم هذا تزوجا حتاتة وديدار زواجاً قصيراً، أي لمدة شهور، تخللته رحلة إلي الجزائر، حيث كانت تعمل ديدار مستشارة في وزارة الشباب، وكتب حتاتة عن تلك التجربة كتاباً أسماه: »رحلة الربيع إلي الجزائر« وأجري فيه حواراً طويلاً مع أحمد بن بيلا، ولكن العلاقة سرعان ما انتهت، إذن كان حتاتة يعيش أزمة عاطفية في ذلك الوقت. أي منتصف عام 4691 عندما التقي بالسعداوي في إحدي الرحلات العملية: »في لحظة التفت، لمحتها تجلس إلي جوار النافذة علي بعد قليل مني، ترتدي سترة من الجلد بنية اللون، وحذاء منخفض الكعب«، وحدث التقارب والحوار والجلسات ثم الحب، وبادلته نفس المشاعر: »لمحت نوال السعداوي وهي تنظر إليّ وقد أشرقت في وجهها السعادة« ثم: »أحسست أنني أقترب منها، إنسانة قوية فيها إشراق غريب يصعد من داخلها، وفيها حزن المرأة الفنانة في مواجهة عالم لا يكف عن ممارسة التفرقة والقهر، أجد معها الاطمئنان والراحة، المسائل بالنسبة إليها واضحة، لا تعرف الالتواء الذي يمارسه النساء والرجال في علاقتهم، أصبحت الساعات التي أقضيها معها كالملاذ، أركن إليها«، وتزوجا في 01 ديسمبر 4691، وجاءتها منحة من اتحاد الجامعات الأمريكي بعد الزواج بشهور، وكانت حاملاً في ابنها، وذهبت بالفعل وتركت حتاتة والابنة الوحيدة »مني«، بل ان حتاتة شجعها علي السفر، ويكتب حتاتة: »مع نوال: فللحياة منطق جديد، خارج البيت يتحمل كل منا مسئوليته، نتعاون سوياً مع الآخرين، أو نتصارع معاً حسب الموقف، بيننا تضامن قومي، لا أرضي لها الظلم، ولا ترضاه لي، الأفكار الأساسية والقيم التي نؤمن بها متقاربة، هي اشتراكية بالنشأة والسليقة، عاشت في أسرة مكافحة من أب وأم وتسعة من البنات والبنين، وأنا تأثرت بالفكر الاشتراكي ولم أهجره رغم ما عانيته في سبيله، يجمع بيننا الفن وحب الثقافة ومحاولة، ومحاولة فهم ما يدور في المجتمع والعالم«.. أي صارت العلاقة الزوجية حقلاً لإنتاج كل المعاني النبيلة والجميلة، بل يسرد حتاتة في مذكراته »النوافذ المفتوحة، كيف كان ملهماً لها عندما حكي لها حكايات عن السجن، فكتبت من وحيها روايتها الأولي »الغائب«، والتي كتبتها عام 7691 وكتب إهداء رقيقاً: »إلي صديقي شريف« في 3 سبتمبر 7691، ونشرت الرواية عام 0791 في الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفي هذه الفترة انضم حتاتة والسعداوي لصفوف الاتحاد الاشتراكي، وأصبحا مؤمنين برسالته، كتب هو كتاباً أصبح الآن مجهولاً ولا نقرأ عنه ضمن قائمة مؤلفاته، وكانت الكتاب تحت عنوان: »عندما يتحرك الشعب« وكتبه حتاتة بعد هزيمة يونيو، ومن واقع مسيرة يونيو التي طالبت ببقاء جمال عبدالناصر في الحكم. وكما كان حتاتة ملهماً للسعداوي في روايتها، فيقر هو ويسجل في مذكراته، أن »نوال« كانت السبب الأول والرئيسي في دفعه بقوة نحو الكتابة، تحت إلحاحها وتشجيعها له، وتوفير المناخ الذي يجعله كاتباً ومبدعاً«! هذا عن الدكتور شريف حتاتة واعترافاته، والذي قابل نوال السعداوي في أعقاب خروجه من السجن، وخروجه من علاقة غير مثمرة، ولم تكن السعداوي أقل حالاً، بل كانت خارجة- أيضاً- من زيجتين لم يكتملا، رغم أنها إحدي هاتين الزيجتين أثمرت ابنتها »مني«، ورغم عدم الاكتمال فهي تكن للزواج الأول تقديراً خاصاً.. تقول السعداوي في مذكراتها: »أوراق حياتي« الجزء الأول: »ذات يوم في خريف 7591، بعد أن وقعنا قسيمة الطلاق وأنهينا قصة الحب التي دامت ست سنوات، كنا نتمشي علي شاطئ النيل بجوار قصرالعيني، حين سالني أحمد فجأة: أتعرفين يا نوال ماذا تفعل القاهرة بالحب؟ قلت: ماذا تفعل؟ قال: القاهرة تفعل بالحب ما يفعله وابور الطحين، الخارج من تحته إما أن يكون رجلاً مسحوقاً مجروحاً بعمق في رجولته، أو روحاً طاهرة تعاني الوحدة يعني نبياً«.. وتعلق نوال: »كانت ورقة الطلاق تعني الفراق بين الزوج وزوجته، إلا أننا كنا نلتقي ويدور بيننا حوار أجمل من العلاقات الزوجية، أدركنا أن »الزواج« يفسد الحوار بين الرجل والمرأة، يفسد الصداقة والحب، يدمر الأشياء يسحقها يطحنها مثل وابور الطحين، يعيدها إلي ما كانت عليه في العصور القديمة زمن العبودية«. ورغم ذلك تزوجت السعداوي للمرة الثالثة من شريف حتاتة، إنها دورة الحياة، وحكم الطبيعة، وطبيعة الإنسان، وطقوس الحب الملكية، والتي يجد الإنسان نفسه يمارسها بوعي أو دون وعي، رغم أن السعداوي تعترف وتقول: »اللي متغطي بالحب عريان«.. وتعيش مع حتاتة عقوداً من الزمان لا يكف كل منهما عن أن يتحدث عن الآخر بمودة نادرة، وألفة فريدة، ووفاء كبير.. فعندما دخلت نوال المعتقل عام 1891، كان حتاتة يزورها كل ثلاثاء ويترك لها رسالة، ولكن الظروف لم تكن مواتية ليقابلها.. ولكنها تفصح في »مذكراتي في السجن« عن مكنونها، وتقول: »منذ شتاء 4691 وشريف في حياتي، لحظات الحب، لمسات دافئة كشعاع الشمس