سلطان قانون الوجود الذي صنع بيتا من لحم في لحظة حرجة من ليلة صيف.. إنه الطبيب الأديب يوسف إدريس الكاتب الروائي والمسرحي اليوم نلقي عليه الضوء أبا لثلاثة أبناء من السيدة رجاء الرفاعي، هم المهندس سامح وبهاء رحمه الله ونسمة أستاذ اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة. والتي تحدثنا عن يوسف إدريس الأب فتقول:"يوسف إدريس الكاتب أثره في حياة قرائه لا يقل أهمية عن دوره وأثره كأب في حياتي أنا و إخوتي فالمسئولية في التربية لم تكن واقعة علي كاهل أمي وحدها فلم تشغله كتاباته عن دوره كأب الذي أحدث نوعا من الاتزان النفسي والدعم في حياتنا .. فهو أب حنون صديق نلجأ إليه في أدق المواقف مهما بلغت حساسيتها دون أن نخشي رفع الأمر إليه لذا فقد كانت علاقتي به يغلفها الحب كصديق أكثر منه أبا لا أتخذ قرارا في حياتي دون استشارته حتي في اختياري للأصدقاء كان له رؤية صائبة. كانت نصيحته لي ولأخوتي عدم محاولة الدخول إلي مجال الكتابة فحياة الكاتب صعبة تجعله دائما علي أعصابه يفكر في تقديم الجديد ولا يستطيع الاستمتاع بحياته وعلينا أن نستمتع بحياتنا كما ينبغي وأن نؤدي العمل الذي نستمتع بالقيام به..وعندما فاجأته بأولي كتاباتي كان سعيدا وقال: " مع الأسف جيدة" كان يقولها خشية منه أن يجرفني تيار الكتابة بعيدا عن حياتي الطبيعية. أما هو فكان إنسانا هادئا وأبا مثاليا وديموقراطيا علي عكس ما عرف عنه فيمتعه الجلوس معنا وبخاصة أمي والاستماع إلي مشاكلنا في الدراسة وفي الحياة عامة كما كان عاشقا للسفر والقراءة والموسيقي وحضور المعارض الفنية.. أما كتاباته فكانت ليلا وفي ضوء خافت وإذا أراد الكتابة نهارا سارع بإغلاق النوافذ. وتقول نسمة: إن أكثر ما كان يغضبه ان تتعرض أعماله للتحريف إذا ماتحولت إلي دراما تليفزيونية أو سينمائية كما حدث في فيلم العسكري الأسود وفيلم حدوتة مصرية للمخرج يوسف شاهين فكلاهما لم يظهر بالشكل الذي أراده.. وعلي المستوي السياسي كان والدي رجل معارك ينفعل بشدة مع قضايا الشارع المصري الداخلية والخارجية وكان من المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد. وعن اكثر الأزمات التي أثرت في حياة يوسف إدريس تقول :نبأ غزو العراق للكويت هبط علي والدي كالصاعقة هذا لأن أخي كان يعمل في الكويت وكان محاصرا هناك وماكان ليخرج من هذا الموقف لولا أنه أخبر المسئولين بانه ابن يوسف ادريس وقد تسبب الخبر في إصابة والدي بمرض السكر من شدة خوفه عليه.. أما بالنسبة لأزمة جائزة نوبل فتؤكد نسمة أن للموضوع ملابسات وظروف خاصة لا يعيها الكثير فتقول إن هناك مجموعة من القائمين علي الجائزة من ستوكهولم كانوا يترددون بشكل مستمر علي منزلنا وأكدوا لأبي أنه ما من مرشح غيره لتلك الجائزة في الآداب وعندما تم إعلان الأديب الكبير نجيب محفوظ لم تكن صدمة والدي في الشخصية ولكن صدمته كانت في القائمين علي هذا العمل فلماذا لم يخبروه بأن هناك آخر مرشحاً للجائزة .. ولماذا أقنعوه بأنه المرشح الوحيد؟ سؤال بلا إجابة حتي الآن. وتنفي نسمة ما تردد حول وجود خلاف بين يوسف إدريس ويوسف السباعي فتقول: الاثنان من جيل محترم جدا من الكتاب فخلافهم في بعض الأراء لا يعني خلافا علي المستوي الشخصي أو المنافسة علي العكس كانا صديقين لكل منهم لونه واتجاهه الخاص وطابعه المميز في الكتابة وكلاهما محبوب .. وهنا كان لابد من سؤالها عن المرأة في حياة يوسف إدريس فتقول المرأة التي استهوت يوسف إدريس في أدبه المرأة المقهورة الباحثة عن حقها في الحياة وهو باحث في تاريخ هذا القهر .. فإذا ما أضفنا هذا لشخصية رجل وسيم خفيف الظل له كاريزما مثل يوسف إدريس يظهر في حوارات تليفزيونية كنجوم السينما تكتمل بذلك مقومات فارس الأحلام ومعشوق النساء و بالتالي صار له آلاف المعجبات اللاتي يطاردنه برسائل غرامية ومكالمات تليفونية . وعن موقف والدها تجاه تلك المضايقات تقول زواج أبي وأمي لم يكن زواجا تقليديا وإنما كان بعد قصة حب قوية فقد كانت والدتي مخطوبة عندما تعرفت إلي أبي ولكنها أنهت الخطوبة وتزوجت به .. ليس من السهل بعد كل هذا ان تهتز أمي لشائعات وقصص تختلقها الصحف أو مضايقات من بعض المعجبات فهي تعرف جيدا أن زوجها كاتب مشهور ومن الطبيعي ان تحيط به مثل هذه الأجواء. وبسؤالها عما تعرفه عن القصة التي ترددت حول علاقة والدها بإحدي نجمات الغناء العربي فتجيب بتلقائية "نجاة.. في الحقيقة أنا لم أعاصر القصة وماتردد عنها ولكن كل ما اعرفه أن والدي كان أحد أفراد صالون الشاعر الغنائي كامل الشناوي ولانه اعزب كان يتردد عليه العديد من الفنانين والأدباء وكان من الطبيعي ان تجد الصحف مادة خصبة للحديث عنها.. مايمكنني تأكيده أن هناك العديد من الفنانات دون ذكر أسماء من حاولن لفت انتباهه لهن حتي لو بالشائعات أما هو فكان شخصا مجاملا لايؤذي مشاعر النساء ويحاول أن يخرج من تلك المواقف بدبلوماسية إلا إذا ما تطلب الأمر وقفة لردع بعضهن . وعن اللحظات الأخيرة في حياته تقول د. نسمة يوسف إدريس .. إنه قبل وفاته اصيب بنزيف في المخ وتم نقله بطائرة خاصة إلي إنجلترا للعلاج وعندما أفاق من غيبوبته فاجأنا جميعا فلم نره بصحة جيدة مثل تلك الفترة قبل وفاته بأيام حيث توقف عن التدخين وكان ضحوكا بشوشا عكس ما عهدناه عنه من حالة عدم التفاؤل والاكتئاب وقرر السفر لأداء فريضة الحج وعندما أصيب بضيق بالتنفس وأزمة قلبية كان واقفا علي قدميه ولكن الأطباء لم يستطيعوا إسعافه.