استيقظت "سامية" -التي تسكن في بيت قديم بمنطقة "فم الخليج"- مفزوعة من نومها، بعدما سمعت صرخات طفلها التي كانت تدوي بأحد أزقّة المنطقة، وعندما هرولت إليه اكتشفت أن سبب صرخاته هو لدغة ثعبان، والتي أصابته أثناء لهوه مع أصدقائه بإحدى "خرابات" المنطقة، وكاد الطفل يلقى حتفه لولا تدخّل الجيران وقيامهم بإسعافه، حتى تم نقله إلى المستشفى لاستكمال علاجه. وفي منطقة "الزاوية الحمراء"، وأثناء قيام "عمّ مسعود" بتناول إفطاره مع أسرته، اكتشفوا اشتعال النيران في الجانب الأيسر من منزلهم المتهالك، بعدما امتدّت إليهم من نيران المخلّفات التي تمتلئ بها "الخرابة" المجاورة، وبسبب وجودهم في أحد الأزقة الضيقة؛ لم تستطع سيارات الإسعاف دخول المنطقة لإطفاء الحريق، وكانت النتيجة وفاة ابنة "عم مسعود" والتي لم تتجاوز عمرها الثلاثة أعوام، علاوة على التهام النيران لأثاث المنزل البسيط، لتجد الأسرة نفسها في الشارع دون سقف يحميها. "الخرابات" منتشرة بالأحياء القديمة الحادثان السابقان يعكسان مشكلة كبيرة تعانيها أغلب أحياء القاهرة، خاصة القديمة منها؛ مثل: مصر القديمة، والزاوية الحمراء، والوايلي، والخليفة، والسيدة زينب، ومنشأة ناصر... وغيرها، والتي تضمّ أكثر من 5 آلاف "خرابة" -حسب إحصاءات محافظة القاهرة- وهي عبارة عن أرض فضاء تتواجد بين الأحياء السكنية يُهمل أصحابها بناءها، لتتحول إلى مصدر للتلوث وكل أنواع المخاطر التي تهدّد حياة وصحّة المواطنين. "الخرابات" مأوى للثعابين والعقارب والفئران التي تهاجم المنازل ليل نهار يقول "محمد المرسي"، صاحب ورشة بمنطقة الوايلي: "قبل 10 سنوات انهار أحد المنازل القديمة بالشارع الذي أقيم به، ومن وقتها لم يهتمّ صاحبه بإعادة بنائه، أو حتى إزالة مخلّفات الهدم ليتحول إلى مقلب كبير للقمامة -التي وصل ارتفاعها لأكثر من 12 مترا- وأغلَقت نوافذ المنازل المجاورة لها". أضاف: "حياة السكان تحوّلت إلى جحيم بعدما تحولت "الخرابة" إلى مأوى للثعابين والعقارب والفئران، التي تهاجم منازلنا ليل نهار، وتلتهم أجساد الأطفال الصغيرة، علاوة على الروائح الكريهة التي تنبعث منها؛ لأن شركات النظافة تقوم برفع القمامة من الشوارع العمومية فقط، ولا تهتم برفعها من مثل هذه الخرابات". المسجّلون خطر والمدمنون يُرعبون السكان أما "منصور الشامي" -من سكان منطقة "السيدة زينب"- فأشار إلى انتشار "الخرابات" بالمنطقة بشكل كبير، خاصة أن معظم منازلها قديمة وتنهار واحدا تلو الآخر، وتتحول إلى بؤر لمتعاطي المخدرات، الذين وجدوا فيها ملاذا آمنا بعيدا عن أعين رجال الأمن، وأصبحت أيضا مكانا لتمركز المسجلين خطر الذي يُرهبون الأهالي خاصة في ساعات الليل، ولذلك يخشى السكان على أولادهم الخروج إلى الشارع بعد أذان المغرب. اغتصاب وصدمات نفسية أما "وفاء إبراهيم" -ربة منزل من منطقة "الزاوية الحمراء"- فتحكي عن مأساة حقيقية تعرّضت لها ابنتها -التي لم يتجاوز عمرها 17 عاما- فعندما كانت عائدة من عملها بأحد المحالّ القريبة من منزلها خرج عليها 5 أشخاص من إحدى "الخرابات"، وقاموا باغتصابها، ولاذوا بالفرار دون أن يأخذوا عقابهم، وأصيبت البنت بصدمة نفسية وعصبية واكتئاب، ولم تعد تخرج من البيت إلا للضرورة. شركات النظافة تقوم برفع القمامة من الشوارع العمومية فقط الأطفال يلهون في قمامة "الخرابات"! "شوقي عوف" -من حي الخليفة- أوضح أنه يسكن بشارع "القادرية" الذي يعتبر مثالا صارخا للعشوائية؛ فالبيوت القديمة و"الخرابات" موجودة في كل شارع وحارة، ولأن معظم أهل المنطقة من الفقراء فلا يقدرون على نفقات اشتراك أبنائهم في النوادي أو حتى الخروج بهم إلى المتنزهات والملاهي، فلا يوجد أمام الأطفال سوى اللهو واللعب في "الخرابات"، والتي يتعرّضون فيها لكل أنواع الأذى، وتعرّضهم للأمراض؛ بسبب المخلّفات العفنة الموجودة بها، علاوة على إصابة معظم السكان المجاورين ل"الخرابات" بالأمراض الصدرية والجلدية وأمراض العين؛ بسبب الروائح الكريهة، والدخان المتصاعد منها طوال اليوم. وأشار إلى أن السكان طالبوا صاحب "الخرابة" بعمل سور حولها، إلا أنه ضرب بشكواهم عرض الحائط، خاصة أنه يقيم بأحد الأحياء الراقية، ولا يدرك حجم المآسي التي يعيشون فيها. سرقات وتهديد الأمن تستطرد "منال خليل" –من منطقة فم الخليج- قائلة إنها ذات مرة وهي عائدة من زيارة أقاربها، وكانت الساعة قد اقتربت من الحادية عشرة ليلا، فوجئت عند دخولها لأحد الشوارع بشخصين خرجا عليها من "الخرابة"، يحملان سكاكين ومطاوي، وهدّداها بالقتل إذا لم تدفع لهما ما معها من أموال، ولم تجد مفرًا سوى أن تعطيهما ما يريدان، وكذلك حصلا على سلسلة ذهبية كانت معلّقة في رقبتها، وهو ما أشعرها بانعدام الأمان، ومن وقت هذا الحادث وهي تخشى العبور من هذا الشارع أو أي شارع به "خرابات"، خاصة في ساعات الليل المتأخرة. أصحاب "الخرابات" يمتنعون عن تطهيرها أما أصحاب "الخرابات" فقد أكدوا أنهم لا يسارعون في إزالتها وإعادة بنائها؛ لأن الأمر مكلّف بالنسبة لهم، والبعض الآخر يتركها كما هي؛ طمعا في زيادة سعر أرضها عند بيعها. "الخرابات" تنتشر بشكل ملحوظ في الأحياء القديمة يوضح "حسين زكي" أن المنزل الذي يمتلكه بمنطقة "السيدة زينب" انهار قبل خمس سنوات؛ لأن عمره يزيد على 100 عام، ولم يفكر في إعادة بنائه مرة أخرى؛ لأنه لا يمتلك المال لذلك، كما قال: لم أفكر في إزالة مخلّفاته؛ لأن الأمر مكلّف جدا، خاصة أن "الخرابة" تقع في حارة ضيقة، يتعذّر على السيارات الدخول إليها، وهناك العديد من شكاوى الأهالي بسبب "الخرابة"، ولكنه لا يستطيع مساعدتهم في شيء. "أحمد موسى" يمتلك قطعة أرض فضاء "خرابة" بمنطقة "الخليفة" أشار إلى أنه يرفض البناء عليها في الوقت الحالي؛ لأن سعر الأرض يزيد بالمنطقة بشكل ملحوظ، وأنه لن يفكّر في بيعها سوى في حالة وصول سعر المتر بها إلى 4 آلاف جنيه. حملات مستمرّة من مسئولي المحافظة وفي هذا الإطار أكد مصدر مسئول بمحافظة القاهرة أن "الخرابات" تنتشر بشكل ملحوظ في الأحياء القديمة بالقاهرة، وأن هناك حملات مستمرة لتطهيرها، من خلال مخاطبة أصحابها لبنائها أو بناء سور حولها، وإذا لم يستجيبوا تتولى المحافظة هذه المهمة، مع إلزام صاحب "الخرابة" بدفع تكاليف هذه العملية بعد انتهائها، وقد نطالبه بالاستفادة منها، وتحويلها إلى "جراج" للسيارات بدلا من أن تتحول إلى صداع وسط الكتل السكنية. وتبقى المشكلة موجودة في أحياء الفقراء والبسطاء الذين ينتظرون الموت في كل لحظة، بعدما انعدم الأمان في حياتهم، وباتوا لقمة سائغة للمجرمين، لا تحميهم منهم تصريحات المسئولين الوردية رغم أن الحل في أيديهم؛ فلو قاموا بحملات دورية للقضاء على مثل "الخرابات"، وفرض الغرامات والعقوبات الرادعة على أصحابها، لتنفس البسطاء الصعداء ووجدوا الأمان المفقود.