في الحلقة السابقة تحدّثنا عن حياة السفير "سعد مرتضى" -أول سفير مصري لإسرائيل بعد معاهدة السلام- وعن الشخصيات التي قابلها وبعض المؤسسات المهمة هناك، وكانت هناك مفاجئتان مهمتان؛ الأولى أن الخريطة التي سمع عن وجودها والتي كُتب تحتها -كما قيل- "إسرائيل.. من النيل إلى الفرات" غير موجودة بالكنيست، وتأكيده بأنه سأل عنها ولم يجدها، وبهذا ينفي ذريعة مهمة لدى معظم العرب حول طموحات إسرائيل التوسعية في الشرق الأوسط، والثانية كانت زيارته لسيناء وهي تحت الاحتلال الإسرائيلي وقبل الانسحاب الكامل منها، واليوم نتابع المزيد من المفاجآت المثيرة الموجودة بداخل كتاب "مهمتي في إسرائيل". بداية من الفصل السادس، يُفرد المؤلف فصلاً كاملاً حول مسيرة التطبيع، التي تضمّنت 42 اتفاقاً فرعياً في كل الميادين، مثل الاقتصاد والثقافة والتجارة والزراعة والسياحة من جانب واحد فقط، وكيفية وجود خلاف بين تصوّر الدولتين للتطبيع، وهو فصل مهم؛ خاصة وأن الشعب المصري أيضاً بأغلبيته على خلاف مع حكوماته المتعاقبة حول فكرة التطبيع بسبب التصرفات الإسرائيلية، والتي حوّلت التطبيع إلى سلام بارد، والذي يرى "سعد مرتضى" أنه أفضل من الحرب على أية حال. في الفصول التالية للكتاب يتحدث "سعد مرتضى" عن محادثات الحكم الذاتي، وتجربته خلال عمله مع حكومة الليكود المتعنّتة والتي كادت بقراراتها في استمرار الاستيطان أن تسيء إلى مسيرة السلام وتعطل محادثات الحكم الذاتي، ولكن وقوف مصر بجانب الشرعية الدولية هو ما ساعدها على طاولة المفاوضات. كما أن إتمام الانسحاب من سيناء والاتفاق بشأنه احتلّ الفصل التاسع من الكتاب؛ فتحدث المؤلف عن مراحل الانسحاب والخلاف على الحدود، وتصلب الإسرائيليين بشأنه والوصول إلى اتفاق مؤقت وَضَع طابا تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة؛ ولكن انسحاب الإسرائيليين من سيناء حدث في موعده كما تمّ الاتفاق في كامب ديفيد. ويرى الكاتب أنه رغم أن الاتفاقات بين مصر وإسرائيل كانت محل نقد الكثيرين في مصر والدول العربية؛ ولكن المؤكد أنه لولا هذه الاتفاقات لظلّت سيناء ترزح تحت الاحتلال مثل الجولان والضفة الغربية وغزة.. والذين يستخفون في مصر والعالم العربي بعودة سيناء، يقابلهم في إسرائيل متطرفون كثيرون، يستنكرون إعادة 22 ألف كيلو متر مربع إلى مصر مقابل "قصاصة ورق" كما يسمّون معاهدة السلام. في الفصل العاشر يتحدث "سعد مرتضى" عن "السلام" و"السلام البارد"؛ وخاصة بعد اغتيال الرئيس السادات وتولي الرئيس مبارك -والذي كان أميناً في وصف سياسته منذ البداية- فقال إنه يعتزم اتباع السياسة وإن كانت امتداداً لسياسة السادات في جوهرها؛ فإنها قد تختلف عنها من حيث طريقة الأداء أو التنفيذ. وكانت هناك رغبة في تحسين علاقة مصر بالدول العربية وإزالة التوتر الذي ساد في عصر السادات؛ وخاصة بعد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. ولهذا اتخذ الرئيس مبارك قراراً بعدم زيارة القدس نظراً للخلاف حول المدينة المقدسة وعدم اعترافه بها كعاصمة لإسرائيل، وعندئذ اتخذ "بيجين" موقفاً متعنتاً، ورَبَط بين زيارة القدس أو إلغاء الزيارة، وهكذا لم يترك للرئيس مبارك أي خيار.. وأدركت إسرائيل أنها تواجِه رئيساً مصرياً يختلف عن الرئيس السادات. وكادت أزمة إلغاء الزيارة وتداعيات الموقف أن تؤثر على الانسحاب النهائي؛ ولكنه والحمد لله تمّ في موعده في منتصف ليل 25/26 أبريل سنة 1982، في الموعد الذي سبق وحدده الرئيس السادات في معاهدة السلام. وفي الفصل الأخير من الكتاب يتحدث "سعد مرتضى" عن غزو لبنان، وفيه تحليل شيّق للأوضاع التي كانت سائدة في لبنان والتي عرفت في ذلك الوقت ب"سويسرا الشرق"، وكيف أرجعت إسرائيل ضرباتها الانتقامية وغزوها للبنان إلى الأعمال الفدائية الفلسطينية والسورية ضد الإسرائيليين في شمال الجليل؛ إلا أنه بعد التأمل في الأوضاع السائدة بلبنان في ذلك الوقت يتضح أن اجتياح الجيش الإسرائيلي لجنوب لبنان لم يكن سوى طمع إسرائيلي في لبنان الجميلة التي أنهكتها الصراعات الطائفية، فأصبحت صيداً سهلاً. وبالفعل تمّ الغزو الغاشم في 3 يونيو 1982، وكان للعدوان الإسرائيلي على لبنان وحصار بيروت صدى واسع في إسرائيل وخارجها، وتمّت إدانته من المجتمع الدولي؛ خاصة وأن إسرائيل قد ارتكبت فيه الكثير من المذابح البشعة ضد الشعب الفلسطيني في مخيّماته، وبدأت تجتاح الشعب المصري موجة غضب هائلة تطالب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. وبالفعل في صباح 21 سبتمبر 1982 تمّ استدعاء السفير "سعد مرتضى" للتشاور، وعاد إلى مصر بعد أن أدى مهمته في إسرائيل التي استغرقت 31 شهراً وعلى حدّ قوله: "بغضّ النظر عما يقال عن هذه المهمة، وهل كانت مهمة سلام كما اعتبرتها، أو كانت مهمة "ملعونة"، كما يقول خصوم كامب ديفيد؛ فإنني عشت تجربة فريدة في حياتي الدبلوماسية الطويلة".. وقد شهد فيها السفير أحداثاً مهمة عديدة وعلى رأسها استرداد مصر لسيناء بالكامل. اقرأ أيضاً مهمتي في إسرائيل.. مذكرات أول سفير مصري في تل أبيب (1) خريطة الكنيست الشهيرة "إسرائيل.. من النيل إلى الفرات" ليس لها وجود