ما الذي يميز المصريين؟ سألني صديق مصري -أثناء إجازتي بمصر- عما يميّز أهل مصر.. كان سؤالاً من النوع الذي يدفعك دفعا لإجابة معينة إذا أخذنا في الاعتبار الأعين الدامعة والنظرة الحانية والآذان "المطرطأة" في انتظار عبارات على غرار: "الأصالة وخفية الدم والجدعنة والشهامة... إلخ"، ولكن رغما عني قفزت إلى فمي كلمة كانت "ولا مؤاخذة" محشورة في حلقي منذ وصولي إلى مصر.. "حِشَري". الحشرية التاريخية و"حشرية" المصريين مستويات، ولها أصول تاريخية؛ فقد حشرنا أنفسنا في حروب إفريقية وعربية أيام زعيم العروبة "جمال عبد الناصر" دعمت مكانتنا الإقليمية وخسفت الأرض بمكانتنا الاقتصادية.. فقد كان الزعيم الراحل "سُخْن حبتين" على المعارك، فلم ينتظر حتى يبني خلفية اقتصادية تتحمل كل هذه الحروب، ثم انهزمنا في أهم حرب وهي 67. ولكنه يبقى مثالا ل"الحشرية الإيجابية" التي رسّخت زعم الريادة المصرية، والذي نعيش عليه حتى الآن. وتأتي "الحشرية المصرية" بشكل سافر في الشوارع, أتذكّر حينما كنت أسير بمدينة "إدمنتن" بكندا، حينما وجدت أمامي فتى يرتدي رداء أزرق يغطي وجهه وكل جسده، وفوقه -لا مؤاخذة- "بوكسر"، وكان الناس لا يكادون ينظرون إليه، وكأنما هذا هو النمط المعتاد، وتخيلت إذا حدث هذا في مصر كان هيتهري عبارات على غرار: "جيل ابن....... ههههه بص العبيط ده.. ده من عبدة الشيطان... إلخ". أتذكّر كنت أضع سماعات الأذن أثناء سفري إلى القاهرة بالقطار لأضيع الوقت مع بعض نغمات "هانز زيمر"، وتذكّرت نظرات الحاجّ المشمئزة بجانبي -وهو من جيل النكسة إياه الذي يحتلّ مصر حتى اللحظة- كأنما يطالع صرصورا ما.. والتمتمات غير المفهومة التي التقطت منها "جيل آخر زمن"، مع أني متأكد أن الحاج كان يعلّق صور تحية كاريوكا على الحائط، ويبكي مع أغاني عبد الحليم ويرقص تويست كنوع من "الروشنة". الحشرية النصوحة وهناك "الحشرية النصوحة"، وتلك رأيتها أثناء زيارة والدي بمكتبه بالجامعة، حينما وجدت صديقي السابق "مازن" وقد أطلق لحيته، وحسب ما فهمت ما زال يدرس بالكلية رغم تخرجي منذ حوالي 6 أعوام, كان "مازن" في السابق شاب "روش طحن" يعزف الجيتار في الكلية كوسيلة لجذب الفتيات البُلْه, لكن "مازن" تغيّر وتديّن وأطلق لحيته، واعتبر الجيتار والفتيات البُله ماضيا ماجنا يجب التكفير عنه, كل هذا له احترامه لحسن نيته وحريته الشخصية التي يجب أن تُحترم. لكن ما لفت نظري هو ما مارسه "مازن" من "حشرية نصوحة" في اللحظات القليلة التي لمحته فيها, كانت هناك فتاتان تسيران في الحرم الجامعي تضحكان سويا، فما كان من الكابتن "مازن" أثناء مروره بجوارهما إلا أن صفّق بيده قائلا في صرامة "الحجاااب".. لم أفهم ما يعنيه "مازن"؛ فالفتاتان محجّبتان.. هل يعني مثلا أن من آداب الحجاب عدم الضحك والتكشير؟ أم مثلا يتساءل بأسلوب مقتضب عن مكان شرائهم للطُرَح على سبيل المدح، وفي هذه الحالة تكون الجملة كالتالي: "الحجاااااب منييين". على أي حال فقد أعطى "مازن" لنفسه حق التدخل النصوح الذي بالتأكيد جعل الفتاتين المسكينتين تبتلعان الضحكة. حشرية البنات وهناك "حشرية البنات" وهي حشرية من شأنها خراب بيت عامر.. كان صديقي يحكي لي عن أصدقاء خطيبته اللائي لا يكففن عن النصائح الخاصة بعلاقتها به.. تلك النصائح التي بالطبع تكتسب حكمة السنين المزعومة، والتي تعتنقها كل فتاة في سن المراهقة كنوع من الحكمة المبكّرة.. "اتعاملي معاه بالشوكة والسكينة, خدي اللي بيحبك وما تاخديش اللي بتحبيه, اختاري الرفيق قبل الطريق, اشتري منه وما تبيعيلوش, ما دام بيغير يبقى مش واثق من نفسه ولا واثق فيكِ... إلخ". ختاما وأخيرا الحشرية غير المبررة، وتلك وجدتها في كل من عرف أنني أدرس بكندا "إنت بتدرس إيه؟ هه؟؟! هه؟؟!, طب ناوي تهاجر؟؟ بتاخد كام بقى في المنحة دي؟؟!! بتقبض كويس يعني؟؟!! وأخبار البنات إيه؟؟ أيوه يا عم.. أيوه يابا!!" ولا أعرف ما نوع النفع الذي سيعود على من يسأل إذا حصل على إجابة شافية. "حِشَري".. هزّ صديقي رأسه متسائلاً: "إيه يا طارق؟ كِشَري؟".. كرّرت: "حِشَري.. المصريين حشريين!" ضحك قائلا: "سيبك إنت.. إنت بقى بتقبض كويس في المنحة؟؟!!