"ماذا تحب أن تطلب اليوم؟" سألني النادل بابتسامة ودودة أثناء جلوسي بأحد المطاعم بمدينة "أدمنتن" بكندا... حقاً ماذا أحبّ أن أطلب؟
منذ يومين كنت قد انتهيت من قراءة كتاب بعنوان "مجتمع عالم المخاطر- world risk society"، وهو كتاب يعدّ أحد أركان علم الاجتماع وتحليل المخاطر بالعالم الغربي. وكم صدمتني تلك النظرة الساذجة للعالم العربي والإسلامي؛ فهي نظرة ثنائية الأبعاد؛ حيث يوجد الشرّ المطلق لمجرد الشر، وهي بالطبع نظرة غير واقعية أو منطقية؛ فكل العرب إرهابيون، وكل العرب مسلمون؛ وذلك غير صحيح.
فلا كل العرب إرهابيون ولا كل العرب مسلمون.. ولا ربط بين الإرهاب والعرب أو الإرهاب والإسلام.
الأغرب هو تفسيره -الأقرب لمنطق أفلام الكارتون- لهذا الاستنتاج المذهل: إن العالم العربي والعالم الإسلامي يحقد على العالم الغربي لأنه أكثر تطوّراً.
بهذا المنطق كان من المفترض أن أنهال على رأس صديقي "عبد الله" ضرباً "بالشاكوش" لأنه يمتلك سيارة؛ بينما أنا لا أعرف كيفية القيادة.
نظرت في خلفية الكتاب؛ فوجدت إشادات كثيرة بتحليله المتفرّد والعبقري لظاهرة الإرهاب.. لم أفهم.
هل من الممكن أن أطلب اليوم العدل وعدم إصدار الأحكام الساذجة؟
كيف يمكن أن يفهمونا؟
"أهذا كل شيء؟" سألني النادل بعدما طلبت بعض الطعام.. أهذا كل شيء؟
كنت قد كتبت أطروحة نقدية بهذا الكتاب، وكان تقديري امتياز؛ ليس لعبقريتي أو لذكائي الخارق مثلاً؛ ولكن بكل بساطة لأنني أملك المنطق.. بل نحن العرب نملك كل المنطق.. وهم بالغرب ليسوا بالوحوش المتعطشة للدماء؛ بل هم فقط لا يفهموننا، هم يحتاجون أن يسمعوا عن ثقافتنا منا؛ بدلاً من أن يستقوها من"ألفريد بيك" مؤلف الكتاب الساذج وأمثاله.
فأين نحن؟.. أين إعلامنا الموجّه إلى الغرب؟ بدلاً من أن "نتحدى الملل"، ونعرف "الحقيقة وراء روكي" ونقول للغرب "إديني".. لماذا لا نتحدث معهم؟.. لماذا لا نعرّفهم بأنفسنا؟.. لماذا بدلاً من أن تتفرغ قنواتنا الإخبارية لكشف عوراتنا والبكاء والعويل على ما كان والاستسلام لما سيكون، أن تبدأ في تعريف العالم بنا؟... هم يحتاجون أن يعرفونا.
أستاذة المادة قررت عدم تدريس الكتاب مرة أخرى بعد ما أوضحت ما به من أخطاء وسذاجة، قد يقرر المجتمع الغربي عدم تدعيم العدوان على عالمنا إذا ما أوضحنا ما بمنطق هذا العدوان من همجية وسذاجة.
عايزين نرج الزجاجة
"استمتع بوجبتك" لا لن أقدر يا سيدي أن أستمتع.. نحن نحتاج أن نوضّح أنفسنا لأننا الأضعف ولأنني درست علم التنمية بمصر لمدة 7سنوات ولم أدرس مفهوم "الصورة النمطية - stereotype ".
وهذه هي مشكلتنا مع الغرب؛ فالعرب كلهم إرهابيون، وإن مات عربي مات إرهابياً، وإن مات مليون عربي كأنما مات عربي واحد؛ فكلهم "صورة نمطية" لا يختلفون عن بعضهم في شيء.
نحن نحتاج توضيح أنفسنا لأننا الأضعف، ولأننا كما -أخبرني صديقي محمد صلاح أثناء مكالمتي معه- نعيش في عنق الزجاجة.. سألته: "تفتكر يا محمد ممكن تكون زجاجة فينيك عشان كده العنق طويل شوية".. ضحك قائلاً: "أفتكر أنها زجاجة حاجة ساقعة، وبيتهيأ لي لو رجيناها ممكن نطلع".
وكان معه حق، علينا "رجّ الزجاجة"، علينا أن نتحرك اجتماعياً وسياسياً... علينا أن نستيقظ.