وجدت نفسى معتاداً أن أنظر إلى أعلى من موقعى على رأس هذا العمود الصحفى لأجد دائماً الدكتور عمارة أعلى الصفحة، وهذا أمر يسعدنى لما تربطنى به من صلة الحب والمودة والروح الرياضية التى جمعت بيننا فى كثير من المواقف، بالإضافة إلى وجه التشابه بيننا، إنه اختار أن يكون أبا لابنته داليا مثلى لتصبح داليا عاملاً مشتركاً بيننا، لقد قبل د.عمارة دعوتى فى النزول قفزاً بين سطور وأعمدة مقالاته بعد أن نصحته باختيار السطور السهلة وتفادى الأعمدة العالية، وأيضاً تفادى القفز على رأس حسن شحاتة، لأنه غالٍ علينا هذه الأيام حتى وجدته أمامى يتصبب عرقاً فقلت له مرحباً: «الله أكبر على اللياقة، طول عمرك عاشق للرياضة»، وشكرته مداعباً أن نزوله ضرورة وليس تواضعاً، وسألنى عايز إيه يا جلال.. قلت لى تعليق على عنوان مقالك الأحد الماضى «العيال كبرت وكرة القدم هى الحرية»، كان لازم تشرح للناس يا د.عمارة أكثر، لأن فيه ناس متعلمين افتكروا إنه فى عيال تانية بيقف نموها ولا تكبر، أنا طبعاً فهمت قصدك بذكائى ولو حاولت تحقيق اقتراحك بعرض صورهم القديمة حتى يفيقوا - طيب من حقهم أن يطلبوا منك تطبيق هذه القاعدة على الجميع، هتعمل إيه يا «عماارااا» يبقى أنت عايز تعمل ثورة فى البلد، وبما أنك كنت وزيراً ومحافظاً لن تأخذهم بك رحمة، وبصراحة أنا زهقت من حركات الرجولة والمجدعة سأتركك وحدك، إنت ناسى إن الهرم اتقلب و«القوالب نامت والأنصاص قامت»، إنت عايز المناخ ده يفرز إيه؟ نحن بين الهواية والاحتراف والانفلات والعنجهية والخوازيق وتسلق كل شىء حتى أشجار الجميز والتوت والنبق أردأ وأرخص أنواع الفاكهة، إن أشجار نخيل الزغلول الشامخة العالية لا تجد الآن من يعتليها، أين «القدوة» بعد جيل صالح سليم وعادل هيكل وعصام بهيج؟ وأين القدوة بصفة عامة، وعندما يهدد عضو مجلس إدارة زملاءه بأنه سيخلع لهم البنطلون فى الجلسة فيخافون من أى شىء تحت البنطلون، من الذى سيعرض الصور القديمة التى صال وجال أصحابها حتى أصبحوا رموزاً مزيفة وترك كثير من الرموز الحقيقية الساحة لهم، واسترسلت مع د.عمارة الذى وجدته لا يقاطعنى وقلت إن استيائى شديد من اللهجة التى أرسلت بها اللجنة الأوليمبية الدولية خطابها إلى اللجنة الأوليمبية المصرية، أنا أعلم جيداً بحكم احتكاكى وإقامتى بالخارج أن هذه الصياغة يعطونها لمن يستحقها، وبعد أن يفيض الكيل، إن تاريخ مصر الرياضى مع الهيئات الدولية لم يشهد هذا الموقف من قبل، لقد قال اللواء منير ثابت رأيه فى وقته ولم يسمع له أحد، بل اتهموه من انفلتوا عنه من أعضاء اللجنة الأوليمبية المصرية بكل شىء أثبتت الأيام عكسه. لقد تناسوا أن اللواء منير ثابت شخصياً يتمتع باحترام كبير لدى رئيس وأعضاء اللجنة الأوليمبية الدولية، وأنه محل ثقة فى كل ما ينقله أو يقرره فى حدود اللوائح والميثاق الأوليمبى، لقد ترك اللواء منير هذ اليخت المضىء العظيم ووضع قدمه خارجه فى الوقت الصحيح ليتحول إلى قارب صيد سمك فى مياه ضحلة بمجاديف يتبادلها من لا يجيدون «اللعب مع الكبار»، وهذا فن افتقدوه، وقلت لنفسى فرصة د.عمارة يسمعنى ولا يقاطعنى، فقلت له ما رأيك فيما يحدث فى ملاعب كرة السلة أسوأ رياضة جماعية فى مصر؟ وما رأيك فى الأندية التى تسمح للاعبين فى فرقهم بأن يطلقوا لحيتهم ليكونوا قدوة ومثلاً للباقى، وسألت هل يمكن لك أن تبنى عمارة «لا مؤاخذه يا باشا» على تربة رخوة وهشة؟ وعندما أفهمته أن نهاية العمود اقتربت، استأذننى فى العودة إلى مكانه أعلى الصفحة، فداعبته قائلاً: «لن تستطيع يا صديقى لأن الصعود أصعب من النزول.. ضع يدك على كتفى أنا كنت كويس فى تسلق جبال المقطم.. فأجابنى مبتسماً كفاية لحد هنا.. متشكر يا جلال».