لم يتمالك (جو) نفسه من الارتجاف في انفعال، عندما أحضر رجل الأمن تلك الأسطوانة، التي تحوي الخريطة الفلكية الرقمية... كانت خريطة ثلاثية الأبعاد، يمكنك أن تتجوَّل عبرها، باستخدام منظار خاص، وكأنك داخل مركبة فضائية، تجوب عُباب الكون... والأهم، أنك تستطيع رؤية كل ما فيها، من أية زاوية تشاء... وفي حالتهم هذه، كان هذا شديد الأهمية... إلى حد لا يمكن تصوّره... فذلك الفضائي جاء من كوكب آخر... وربما من مجرّة أخرى... ووفقاً لما رواه، هناك احتمال أن يكون قد أتى من بُعد آخر... أو ربما حتى من زمن آخر!!.. والوسيلة الوحيدة، لحسم هذا الأمر، هي تلك الخريطة... وفي انفعال، هتف (جو): - دعنا نريه إياها فوراً. غمغم (تروتسكي): - لست أظن هذا سهلاً. التفت إليه (جو)، يسأله في انفعال: - ولم لا؟! أجابه في حزم بارد: - لأنه حتماً لا يفهم أجهزة الكمبيوتر في عالمنا، فكيف سيمكنه التعامل معها. انعقد حاجبا رجل الأمن، وهو يقول في عصبية: - ولم تنتبها إلى هذا سوى الآن؟!.. غمغم (جو) في توتر: - هناك حتماً وسيلة ما. قال رجل الأمن، وعصبيته تتزايد: - اسمعا... لقد اتخذت هذا الإجراء على مسئوليتي الخاصة، و... قبل أن يكمل عبارته، قاطعه (موجال) بعبارة ما... عبارة بدت هادئة... حاسمة... وحازمة... وفي عصبية، هتف رجل الأمن: - ماذا يريد هذا الشيء؟! انتقل (جو) في سرعة إلى الشاشات، وترجم في دهشة: - لماذا لا تشركونني فيما تتجادلون فيه؟!.. هتف (تروتسكي)، في دهشة وانفعال: - هل يريد أن يشترك معنا؟! وهتف رجل الأمن في حدة: - مستحيل! أحنقه أن تجاهله (جو) و(تروتسكي) تماماً، والأوَّل يقول، عبر الأجهزة المتطوَّرة: - لدينا مشكلة خاصة بنُظم التشغيل. أشار الفضائي إلى الأسطوانة، التي يحملها (جو)، وتساءل في اهتمام: - أهذه الأسطوانة البدائية، تحوي المعلومات المطلوبة. قال (تروتسكي) في دهشة: - بدائية؟! ثم بدا شديد اللهفة والحماس، وهو يستطرد: - ما الذي يستخدمونه إذن في كوكبه؟! نقل (جو) السؤال إلى (موجال)، الذي أجاب في سرعة: - نوع من الجيلاتين الحيوي... علماؤنا كشفوا أن سرعة انتقال البيانات، عبر الخلايا الحيوية، أسرع بألفي ضعف على الأقل، من انتقالها عبر الجوامد. كان الانبهار يبدو واضحاً، على وجهي (جو) و (تروتسكي)، فهتف رجل الأمن في توتر غاضب: - هل سيستخدم البرنامج الفلكي أم لا؟! لا توجد أية حياة عاقلة على ذلك الكوكب لم يترجم (جو) هذه العبارة، أو لم يمهله (موجال) وقتاً لترجمتها، وهو ينظر إلى رجل الأمن، قائلاً: - أخبر رجل أمنك أنني قد درست كيفية التعامل مع تلك الأشياء البدائية. ثم استطرد، وملامحه تحمل لمحة ساخرة: - رجال الأمن لا يختلفون في طبيعتهم، مهما اختلفت عوالمهم. لم يحاول (جو) ترجمة العبارة، وهو يعاون بعض الرجال في المكان، على نقل شاشة كبيرة، مع جهاز كمبيوتر حديث، إلى قفص (موجال) الزجاجي، وترك الأسطوانة أمامه، وهو يقول: - أتعشّم أن تفيدنا. ربما لم يفهم الفضائي العبارة جيداً... أو لم يستوعبها... أو ربما تجاهلها تماماً... ولكنه، وفي كل الأحوال، تحسَّس الأسطوانة في حذر، ثم التقطها، ووقف يتأمَّل جهاز الكمبيوتر قليلاً، في شيء من الامتعاض، قبل أن يسأل: - أيها زرّ التشغيل بالضبط؟! أرشده (جو) إلى كيفية ومكان وضع الأسطوانة، وهو يغمغم: - بعد إدخالها، سيقوم الكمبيوتر بالعمل كله. بدأ البرنامج عمله تلقائياً بالفعل، وارتسمت الخريطة الفلكية الرقمية على شاشة الكمبيوتر الكبيرة... ولثوان، بدا الفضائي مندهشاَ لرؤيتها، ثم لم يلبث أن تحسَّس أزرار الكمبيوتر في حذر، ثم راح يستخدمها لتحريك المشهد، والغوص عبره... ولقد بدا، في تلك اللحظات، شديد الذكاء بالفعل... فعلى الرغم من أنه يتعامل مع جهاز ينتمي إلى كوكب آخر، وحضارة أخرى؛ فقد نجح في فهمه واستيعابه، في سرعة كبيرة
وبسرعة، اكتسبت أصابعه الثقة... والمهارة... وفي صمت تام، راح الرجال الثلاثة يتابعونه، ويتابعون شاشة الكمبيوتر الكبيرة، وحركة الفضائي عبر الكواكب... والمجرّات... والفضاء... ولقد بدا، وهو يفعل هذا، شديد التوتر... شديد الارتباك... وشديد العصبية...| ثم فجأة، وبكل انفعاله، التفت إلى (جو)، متسائلاً: - أين كوكبك هنا؟! ترجم (جو) العبارة، فهتف رجل الأمن في صرامة: - إياك أن تخبره. ولكن (تروتسكي) قال في سرعة: - هل ترى ذلك النجم في الركن؟!... إننا ثالث كوكب يدور حوله هتف رجل الأمن في غضب: - أيها الأحمق! قال (جو) في عصبية: - أتظنه يجهل هذا؟! صاح رجل الأمن في حدة: - لقد سأل أيها العبقريان. كانت صيحته مثيرة للاهتمام بالفعل... لقد سأل (موجال) عن موضع الأرض، وكأنه يجهله... أو كأنه يريد التيقّن من شيء ما... وهذا بالفعل مثير للاهتمام... إلى أقصى حد... ولكن المثير للاهتمام أكثر، هو ردّ فعل الفضائي... لقد حدَّق في الأرض، على تلك الخريطة الرقمية الفضائية، لبضع لحظات، حملت ملامحه خلالها مزيجاً عجيباً، من الدهشة والاستنكار، قبل أن يهزَّ رأسه في قوة، هاتفاً: - مستحيل! بدا (تروتسكي) شديد الاهتمام، وهو يسأل: - ولماذا مستحيل؟! واصل الفضائي دهشته واستنكاره لبضع لحظات، قبل أن يقول في عصبية واضحة: - إنني أحفظ تلك الخريطة عن ظهر قلب. سأله (جو): - وماذا في هذا؟! عاد (موجال) يهزَّ رأسه في حدة، وهو يقول: - لا توجد أية حياة عاقلة على ذلك الكوكب الذي تشيرون إليه. قال (جو) في دهشة: - بمَ تصفنا إذن؟! التفت إليه الفضائي في اضطراب شديد، وعاد يحدَّق في الخريطة الفلكية على الشاشة، ويقول، وكأنما يحادث نفسه: - إنني أعرفه جيداً... أعرفه منذ طفولتي... هناك فقط مخلوقات ضخمة، وطبيعة ثائرة غير مستقرة. غمغم رجل الأمن، في عصبية شديدة: - أي قول أحمق هذا؟! أجاب (جو)، ما بين الدهشة والانبهار: - إنه يصف كوكب الأرض، كما كان منذ ملايين السنين! قال رجل الأمن، في عصبية أشد: - هذا مستحيل! وهنا قال (تروتسكي): - بل إنه منطقي تماماً... ولديّ تفسير علمي له أيضاً. والتفت إليه (جو) ورجل الأمن في سرعة... فقد كانت عبارته مدهشة... بكل الحق يتبع لقراءة الأعداد السابقة من "أكشن" إضغط على لينك أكشن الموجود بجوار اسم د. نبيل فاروق