بالرغم من أن الإنسان لا يرغب في عقد مقارنة بين الإسلام وغيره من الديانات الأخرى حتى لا تُفهم الأمور خطأ، بأن هناك تسفيهاً لديانة أحد، أو ازدراء لأحد في زمن العولمة وحقوق الإنسان والمواطنة.. نقول برغم أننا لا نرغب في عقد هذه المقارنات؛ إلا أن غيرنا -من غير المسلمين- يضطرنا إلى ذلك، وأؤكد على كلمة "يضطرنا إلى ذلك" من خلال تصويب رماحه تجاه هذا الدين، ووصمُه بأمور ليست فيه مثل النغمة السائدة قديماً وحتى وقتنا الراهن بأن الإسلام انتشر بالسيف، وأن الدين الإسلامي هو دين إرهاب وليس دين تسامح، وهو الأمر الذي دفع فريقاً من علماء المسلمين بالردّ على هذه الدعاوى من أجل إحقاق الحق؛ فقام هؤلاء العلماء -جزاهم الله خيراً- بالردّ على هؤلاء الذين يرغبون في وصم الدين بأمور ليست فيه، استناداً -للأسف- لتصرّفات فئة قليلة من المسلمين أساءت الفهم، وأخطأت التصرّف. هؤلاء العلماء الأفاضل ناقشوا الأمر من زاويتين؛ الأولى مما جاء في العهد القديم "التوراة" التي يؤمن بها اليهود والنصارى حالياً، من نصوص بشأن التعامل مع الآخر غير اليهودي وغير المسيحي. وعلى الرغم من أنهم -أي هؤلاء العلماء- أوردوا ما جاء فيها؛ إلا أنهم اعتبروها محرّفة؛ لأن اليهودية والمسيحية لا تنصّ على ذلك؛ لأن هذه النصوص ضد مبادئ الإنسانية وضد الفطرة السليمة، أما الزاوية الثانية؛ فهو الإتيان ببعض الاستشهادات من الممارسات العملية ليس فيما يتعلق بتعامل هؤلاء مع المسلمين؛ ولكن في تعاملهم مع بعضهم البعض؛ وذلك وَفْق ما جاء في الكتب الغربية وليست الإسلامية؛ حتى لا يتّهمهم البعض بالتحيّز والفبركة ضدهم. هذه النماذج منها ما يتعرض لاضطهاد المسيحيين لليهود، وبعضها الآخر يتعلق باضطهاد المسيحيين لبعضهم البعض "الكاثوليك ضد البروتستانت.. والعكس أيضاً". إبادة غير اليهودي في التوراة! الدكتور يوسف القرضاوي في كتابة "فقه الجهاد" اضطر لإظهار هذه الحقائق وعلّق عليها بقوله "لا أدري أَقَرأَ الغربيون -المسيحيون في جملتهم- الذين يتّهمون الإسلام بأنه دين السيف، والذين يزعمون أنهم يؤمنون بالكتاب المقدس ومنه التوراة، هل قرأ هؤلاء النصوص التي سأُوردها؟ وإذا قرءوها فهل وَعَوْها أي فهموها؟". قتال أهل المُدن البعيدة تقول التوراة في "سِفر تثنية - الإشتراع" في "الإصحاح العشرين": "وحين تتقدمون -والكلام لإله موسى- لمحاربة مدينة فادعوها للصلح أولاً؛ فإن أجابتكم للصلح واستسلمت لكم؛ فكل الشعب الساكن فيها يصبح عبيداً لكم، وإن أبَت -أي رفضت- الصلح وحاربتكم فحاصروها؛ فإذا أسقطها الرب -إلهكم- في أيديكم؛ فاقتلوا جميع ذكورها بالسيف، وأما النساء والأطفال والبهائم، وكل ما في المدينة من أسلاب فاغنموها لأنفسكم". يقول القرضاوي معلّقاً على ذلك "هذا هو أمر التوراة الصارم لبني إسرائيل بشأن حصار المدن البعيدة وفتحها، إذا أجابت دعوة السِّلم؛ فجميع أهلها عبيد بدون استثناء، وإذا لم تُسلّم لهم فليحاربوا، وإذا سقطت في أيديهم؛ فعليهم أن يقتلوا جميع ذكورها بحدّ السيف؛ هكذا أمرهم الرب.. ولم تقبل شريعة التوراة من هؤلاء بديلاً لقتلهم بحد السيف، مثل أن يدخلوا في دين اليهودية أو يدفعوا الجزية أو غير ذلك، ولم يستثنِ أمر الربّ أحداً من الذكور لا شيخاً كبيراً ولا طفلاً صغيراً". أما القرآن فقد قال تعالى في سورة محمد {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 4]. فاكتفى القرآن في قتال الأعداء أن يُثْخِنوهم (أي يُضعفوهم ويكسروا شوكتهم)، وفي هذه الحالة عليهم أن يشدّوا الوثاق، أي يأسروهم بدلاً من أن يقتلوهم، كما جعل القرآن في موضع آخر باختيارات لهؤلاء الأعداء الكفار الذين بدءوا بالعداوة، كما قال تعالى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. فجعل لهم بدائل عن القتل أو الدخول في الإسلام قسراً.. هذه البدائل هي إعطاء الجزية، وهي مبلغ زهيد مقابل تكفّل المسلمين بحمايتهم والدفاع عنهم، وهذه الجزية يدفعها -فقط- القادرون على القتال؛ فلا تدفعها النساء ولا الصبيان ولا العميان ولا الرهبان ولا غيرهم. إذن هذا هو الفارق بين شريعة القرآن وشريعة التوراة "المحرّفة" من وجهة نظر القرضاوي. التوراة وإبادة أهل فلسطين كان الحكم السابق فيما يتعلق بالعدوّ البعيد عن اليهود والنصاري، أما بالنسبة لشعوب المنطقة التي يطلق عليها أرض الميعاد -أي سكان فلسطين- فتقول التوراة في شأنها في "سفر التثنية" "الإصحاح العشرين": "أمّا مُدن الشعوب التي يَهَبُها الرب -إلهكم- لكم ميراثاً فلا تستبقوا فيها نسمة حية -أي لا تُبقوا فيها إنساناً- بل دمّروها عن بَكْرة أبيها، كمُدن الحيثيين والأموريين والكنعانيين (العرب) الفرزيين والحويين واليبوسيين". هذه الشعوب الستة التي كانت تقطن فلسطين يجب أن تُباد جميعاً بأمر التوراة، دون أن يبدأ اليهود هؤلاء بالدعوة للدخول في اليهودية أو يعقدوا معهم صلحاً أو هدنة؛ على عكس ما يفعل المسلمون من الدعوة إلى الإسلام أو الصلح أو الجزية مقابل الحماية أو القتال. الإبادة جماعية وهكذا يقول القرضاوي: إن التوراة تنصّ على الإبادة الكاملة -أي الجماعية- لأهل أرض الميعاد من غير اليهود، وكذلك إبادة من لا يرغب في الاستسلام وقبول وضع العبيد من أهل الأرض البعيدة. لذا لا تستبعد ما صنعه الأوربيون النصارى حين نزلوا بأرض أمريكا الشمالية من محاولة استئصال الهنود الحمر من أهل البلاد الأصليين؛ تم إبادة عدة ملايين من هؤلاء، ولا تستغرب ما صنعه البريطانيون وغيرهم عندما ذهبوا إلى أستراليا واكتشفوها، وقضوْا على سكانها الأصليين. كما لا تستبعد ما فعلَتْه العصابات الصهوينية في فلسطين، وهم يطبّقون شريعة التوراة التي تطالبهم بعدم ترك نسمة حيّة على هذه الأرض؛ لذا لا غرابة فيما فعله هؤلاء في "دير ياسين" وغيرها من وحشية وقتل بلا هوادة، تمثّلت في بَقْرِ بطون الحوامل وإخراج الأجِنّة من أحشائها والعبث بها بسنان أسلحتهم، وهم يضحكون، وغيرها.
رفض الإسلام الإبادة إن فكرة استئصال الأمم والشعوب، هذه الموجودة لدى اليهود والنصارى، فكرة مرفوضة تماماً في الإسلام الذي أنكر على فرعون هذه الفعلة عندما أراد قتل أولاد بني إسرائيل حتى لا يظهر من ينازعه مُلكه، على اعتبار أن هذه إبادة جماعية؛ حيث قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [التوبة: 4]. اقرأ أيضاً: في معنى الجهاد.. جاهد نفسك قبل مجاهدة عدوك مع القرضاوي.. الجهاد ولا التربية.. ربّي نفسك أولاً (2) مع القرضاوي: رسالة للفنانات المحجبات.. الاعتزال ليس الحل(3) مع القرضاوي: الجهاد بالنفس من أجل أرض فلسطين (4) مع القرضاوي: هل يجب الجهاد مرة كل سنة؟ (5) مع القرضاوي: هل لازم نجاهد في فلسطين؟ (6) مع القرضاوي: انتشار الإسلام بالسيف.. قول مردود عليه (7) هل تجاهد المرأة مثل الرجل؟ (8) الجهاد السلميّ في ظل سلطان جائر (9) الصح والغلط في مفهوم الجهاد المسلح (10) لا تستطيع الجهاد المسلح؟.. يمكنك الجهاد عبر الإنترنت (11) تُذاكِر وتَبَرّ بوالديك وتعمل.. أنت مجاهد في سبيل الله (12) هل الإسلام دين لسفك الدماء؟ (13) هل يجاهد المسلم لمحو الكفر من العالم؟ (14)