الاثنين 19 مايو 2025.. الذهب يتراجع 5 جنيهات في بداية التعاملات.. وعيار21 يسجل 4535 جنيها    كفر الشيخ: إزالة فورية لحالتي تعد على أرض زراعية بالحامول على مساحة 250 مترا    البنك المركزي: 30.6% معدل نمو السيولة المحلية في الربع الأول من 2025    البابا ليو الرابع عشر يبحث مع نائب الرئيس الأمريكي إحراز تقدم بوقف إطلاق النار بالحرب الروسية الأوكرانية    ليبيا.. لجنة من مجلسي النواب والدولة تباشر فرز مرشحي رئاسة حكومة جديدة    ميسي يخرج عن صمته بتصريحات نارية ويهاجم التحكيم في الدوري الأمريكي    صدامات نارية في إياب ربع نهائي كأس عاصمة مصر مساء اليوم    مكتبة الإسكندرية تستضيف وفد منحة ناصر للقيادة الدولية في نسختها الخامسة    نسيت مفاتيح الشقة.. مصرع سيدة سقطت من الطابق الثاني في أبو النمرس    المنوفية.. مصرع ممرضة جراء حادث تصادم سيارتين في أشمون    ضبط 179 مخالفة خلال حملة تموينية في الفيوم    ورش حكي ومحاضرات.. قصور الثقافة تقدم أنشطة توعوية بالجيزة احتفالا باليوم العالمي للمتاحف    لتكريم إرثه.. مكتبة الإسكندرية تفتتح ركنا خاصا لأدب نجيب محفوظ    الرعاية الصحية تطلق «دمتم سند» لتعزيز خدمات كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بالإسماعيلية    الحكومة: لا وجود لأي متحورات أو فيروسات وبائية منتشرة بين الدواجن.. والتحصينات متوفرة دون عجز    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 بالمنيا.. التفاصيل الكاملة لجميع الشعب والمواعيد الرسمية    "الإدارة المركزية" ومديرية العمل ينظمان احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية    "بدوي": تكوين ذراع فنى لشركة ثروة للبترول لاكتشاف فرص استثمارية جديدة    شوبير يكشف مفاجأة حول الجهاز الفني ل الأهلي بقيادة ريفيرو    أسطورة مانشستر يونايتد: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    GAC الصينية تعلن ضخ استثمارات بقيمة 300 مليون دولار لإنشاء مصنع سيارات في مصر    البنك المركزي المصري يستأنف إصدار تقرير السياسة النقدية ربع السنوي    ما حقيقة الفيروس الخطير الذي أصاب مزارع الدواجن؟ «منتجي الدواجن» يكشف (فيديو)    مغارة علي بابا.. نوال الدجوي رئيسة جامعة أكتوبر تتعرض لسرقة 50 مليون جنيه و3 ملايين دولار و15 كيلو ذهب من منزلها    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    محافظ الإسماعيلية يتابع انطلاق فوج حجاج الجمعيات الأهلية للأراضى المقدسة    "القومي للمرأة" يستقبل وفدا من كلية الشرطة الرواندية وكبار الضباط الأفارقة    تخصص 50 فرصة عمل لطلاب جامعه سوهاج    غزة تحت القصف.. 22 شهيدا في مجازر متواصلة    رئيسة وزراء إيطاليا: أكدت لترامب أهمية وقف إطلاق النار بشكل فوري في أوكرانيا    نائب وزير الصحة يتابع ميكنة خدمات الغسيل الكلوي ومشروع الرعايات والحضانات    بعد إصابة «بايدن».. أعراض الإصابة بسرطان البروستاتا    إثيوبيا تتعنت، خبير يكشف سر تأخر فتح بوابات سد النهضة    متحف الحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف 2025    القاهرة الإخبارية: أكثر من 20 شهيدا جراء غارات الاحتلال على غزة منذ فجر اليوم    أمين الفتوى: الوصية الشفوية يُعتد بها إذا أقر بها الورثة أو سمعوها من المتوفى    تقارير: مودريتش يرغب في تمديد عقده مع ريال مدريد حتى 2026    ضبط متجرى المواد المخدرة ومصرع عنصرين جنائيين عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة    رفضت رد قائمة المنقولات.. الإعدام شنقاً لقاتل طليقته في الإسكندرية    قبل إعدامه بساعات.. ماذا كتب الجاسوس الإسرائيلى إيلى كوهين فى وصيته؟ اعرف التفاصيل    الرعاية الصحية تطلق مبادرة "دمتم سند" لتعزيز خدمات كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفالية مرور 17 قرنا على مجمع نيقية بالكاتدرائية المرقسية    تركي آل الشيخ يشارك متابعيه كواليس «الأسد» ل محمد رمضان |فيديو    مصطفى الفقي.. 40 كتابا بين السياسة والثقافة والدبلوماسية    انخفاض البلدي.. أسعار البيض اليوم الاثنين 19-5-2025 في الأسواق (موقع رسمي)    البث العبرية: ساعر طلب إدخال مساعدات لغزة بعد ضغط أوروبي وأمريكي    بولندا تتجه إلى جولة إعادة للانتخابات الرئاسية    إسرائيل تواصل تصعيدها.. استشهاد 171 فلسطينيا في قطاع غزة    هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر .. دار الإفتاء توضح    عمرو دياب وحماقي والعسيلي.. نجوم الغناء من العرض الخاص ل المشروع x    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    من بين 138 دولة.. العراق تحتل المرتبة ال3 عالميًا في مكافحة المخدرات    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    قرار تعيين أكاديمية «منتقبة» يثير جدلا.. من هي الدكتورة نصرة أيوب؟    وزير الرياضة يشهد تتويج جنوب أفريقيا بكأس الأمم الإفريقية للشباب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"تلك الأيام".. فيلم يعتمد على رقص من نوع آخر
نشر في بص وطل يوم 24 - 05 - 2010

عندما يسمع الجمهور عن فيلم سياسي، فالأمر لا يختلف عن سماعه لنشرة الأخبار أو برنامج تحليلي لأزمة الشرق الأوسط، التي يفضّل المُشاهِد حلها على طريقته الخاصة، بضغطة زر على الريموت كنترول تنقله إلى "ميلودي" أو "مزيكا" أو "روتانا كليب" حيث رقصات هيفاء وهبي، أو دلع نانسي عجرم، أو إعلان فيلم تامر حسني الجديد.
لذا بات مصير فيلم "تلك الأيام" معروفاً من إعلاناته قبل حتى أن يعرض بدور العرض، رغم أنه يحلّ أزمة الشرق الأوسط فعلاً بطريقة صحيحة، وواقعية، بعيداً عن الرقص الجسدي، وإن كان يعتمد على رقص من نوع آخر.
أدب السينما من جديد
في نفس المكان تناولت الشهر الماضي بمقالي عن فيلم "عصافير النيل"، عودة ظاهرة "تأديب" السينما، وصنع أفلام بنكهة الروايات الشهيرة لكبار الكتاب، بعد ذلك النجاح الذي حققته رواية "عمارة يعقوبيان"، مؤكداً أن غالب الأعمال الأدبية الجيدة عندما يتم تحويلها إلى عمل سينمائي تفقد بريقها؛ ذلك لأن العمل السينمائي في الأساس مبني على عملية تجارية.. يخاطب المواطن العادي، وملزم بوقت معين، وليس كالرواية، كما أن تحويل الرواية لفيلم سينمائي يرتبط بتقديم "نص سينمائي" منفصل، لا يشترط أن يكون نسخة كربونية من الرواية، ليس فقط على المستوى البصري ولكن حتى على زاوية التناول، ومن هنا تنشأ المجازفة؛ ذلك لأنك أثناء قراءتك لرواية ما فأنت تُخرجها بصرياً في خيالك.. تتخيل الأثاث الذي تعيش حوله الشخصيات, والملامح الشكلية لكل شخصية، وحين يقوم مخرج بتحويل الرواية التي قرأتها أنت إلى فيلم سينمائي، فهو بطريقة أو بأخرى يتحدّى خيالك, عارضاً عليك خياله الخاص ورؤيته البصرية، والضمنية، لما قرأه كلاكما, وبالرغم من أن فيلم "تلك الأيام" قام بتغيير العديد من الأحداث الأصلية في الرواية التي حملت الاسم نفسه، للمبدع الكبير فتحي غانم -رحمه الله- بدءاً من الزمن الذي كان يدور في الستينيات، فأصبح يدور في الألفية الثالثة، مروراً بالبطل "عمر النجار" أحد أفراد الإخوان المسلمين الذي أصبح "علي النجار" الضابط السابق في قوات مكافحة الإرهاب، وصولاً للمؤرخ "سالم عبيد" الذي أصبح محللاً سياسياً وأستاذاً أكاديمياً، وهو مرشح لمنصب وزراي، فإن التغيير جاء هذه المرة لصالح الرواية، ربما لأن المخرج هو الابن "أحمد غانم" الذي بذل جهداً كبيراً ليحافظ على روح رواية والده وتراثه، وفي الوقت نفسه يُثبت ذاته وموهبته في أولى تجاربه الإخراجية، فربطت تغييراته الماضي بالحاضر، وجعلت من الرواية تحفة أدبية صالحة لعصور عبد الناصر، والسادات، ومبارك.

أراجوزات السياسة
في كل عصر، هناك حفنة من الأراجوزات التي تتراقص، وتغني، وتلعب على كل الحبال على خشبة الكباريه السياسي، لتحقيق أهدافها الشخصية على أكتاف الأمم وأحلام الشعوب، تارة تسبّح بحمد الحكام والمسئولين الكبار، وتارة أخرى تستقوي بالقوى العظمى الخارجية، وتارة ثالثة تتشدق بالحريات ومناصرة الفرد ضد الديكتاتورية المستبدّة التي تحاصره، ولا مانع من تغيير هذا كله وتبني وجهة نظر جديدة إذا كان صاحبها سيدفع أكثر.. هذا هو د."سالم عبيد - محمود حميدة" الذي يطلب من الضابط المتقاعد "علي النجار- أحمد الفيشاوي" مهمة خاصة من أجل تدعيم مركزه في الترشيح لمنصب وزراي مهم، قبل أن تكشفه زوجته الشابة "أميرة - ليلى سالم" التي وقعت في حب الضابط ورأت فيه الأمل الأخير لإنقاذها من ظلم واستبداد زوجها.. فكيف تسير اللعبة بين ضابط متقاعد، وسياسي محنك يؤمن تماماً "أن الخسارة في السياسة تعني الموت"، وامرأة شابة تغامر بحياتها للفرار من السجن الذهبي الذي سجنها فيه زوجها العجوز؟

تصفيق حاد
رغم إيقاع الفيلم البطيء نسبياً خاصة في بدايته، فإن حرفية ربط ماضي كل شخصية من أبطال الفيلم بواقعها المعاصر من خلال عدد كبير من ال"فلاش باك" جاء موفّقاً للغاية، ليرسم لنا كلا السيناريستين علا عز الدين وأحمد غانم، شخصيات متكاملة من لحم ودم، تشعر بها وتتوحد معها، دون أن تشعر أنها مجرد شخصيات درامية "بتاعة وقتها"، بخلاف استخدام المخرج الموهوب أحمد غانم أرقى أدوات الإخراج، لشرح الأحداث وتفسير طباع كل شخصية وطريقة تفكيرها، بعناصر بسيطة للغاية، فنرى لوحة معلّقة على الجدار لامرأة شابة وقط أعمى ذي عينين سوداوين، لتفسير العلاقة بين "أميرة" الزوجة الشابة و"سالم" السياسي المحنّك، كما أن رقعة الشطرنج الكلاسيك الفخمة التي يلعب بها السياسي "سالم" تستخدم مع كل خطة يحيكها لتحقيق مصالحه الشخصية، حتى بات المشاهد يدرك مع الوقت أن رؤيتها في أي مشهد تعني حدثاً جديداً، قبل أن يسقط الملك وعدد من العساكر في نهاية الأحداث، بخلاف استخدام الأضواء الخافتة والظلال العميقة؛ للتأكيد على معنى الصفقات السياسية التي تُحاك في الخفاء، وغيرها وغيرها من الرموز والجمل البصرية، التي أعطت معاني ودلالات عميقة بعد أن غزلها المخرج بحرفية عبقرية مع الجمل الحوارية والأحداث التي تسير ببطء محسوب، بشكل أجبرني على التساؤل: هل من الممكن أن تكون أولى التجارب الإخراجية لمخرج شاب بهذه العبقرية؟!
كما ساهمت الموسيقى التصويرية الأكثر من رائعة للفنان "عبده داغر" على تأكيد معاني الفيلم وإسقاطاته في نفوس المشاهدين، رغم عدم تنوّع مقاطعها وجملها، إلا أنها صارت جزءاً لا يتجزّأ من الفيلم.
أما عن التمثيل، فحدّث ولا حرج عن شهادة ميلاد جديدة للفيشاوي الابن الذي أحسست وكأنني أشاهده لأول مرة، في هذا الدور الصعب المليء بالانفعالات الداخلية، لشخص يحاصره الماضي ويسجنه بين جدرانه، والحق يقال إنني ما كنت لأتوقع أن يؤدي أحمد الفيشاوي دوراً بهذه الصعوبة على هذا القدر من الاحتراف والعبقرية التي شاهدتها، فشعرت أن "تلك الأيام" شهادة ميلاد جديدة له، لا تجُب ما قبلها من أدوار، ولكن تصعّب ما بعدها من اختيارات، كما بهرني الوجه الجديد ليلى سالم في دور "أميرة" الزوجة الشابة، بكل ما حملته من موهبة عالية في عكس ما يدور داخلها من بقايا فتاة ذبل شبابها مبكراً، ورغبة حبيسة في الانطلاق والتحرر، بعد أن أيقنت فشل زواج الثروة والسلطة ما لم يرتبط بالاحترام المتبادل بين الزوج والزوجة، أو النظام الحاكم والدولة التي يتزوجها، أو الحكومة والشعب، لتجسد "أميرة" دور مصر التي باعت نفسها لنظام مستبدّ متلوّن عجوز، لم يعد جديراً بها، وصارت من حق شاب صاحب ضمير يقظ، يملك الرؤية لغدٍ أفضل!
وليبقى التصفيق الأخير للنجم المخضرم محمود حميدة، الذي ظلمته الظروف، ولم يأخذ حقه كنجم ثقيل، معجون بالموهبة، والقدرة على التشخيص، ولو كنا في وسط فني عادل، لوقف حميدة على قدم المساواة مع نور الشريف وعادل إمام إن لم يتفوق عليهم، بثرائه الفني، ونظراته الرهيبة التي تخترقك، وتتغلل في أعماقك.

كلمات أخيرة:
• "تلك الأيام" تحفة فنية ظلمتها نشرات الأخبار الكئيبة، وفضائيات "الردح" السياسي التي شوهت معنى السياسة في نفوسنا، وصنعت من السياسة "نكتة بايخة"، ما إن يرتبط بها شيء حتى ينصرف عنه الجمهور، حتى وإن كان عملاً فنياً عبقري الفكر والأداء.
• طالما تساءلت عن سر اختيار هذا الاسم سواء للقصة أو الفيلم، قبل أن أكتشف أن القرآن الكريم جاء في آية منه قوله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} في سورة "آل عمران"، تماماً مثلما تتداول الأمم والحضارات على كرسي القوة والسلطة، ومثلما يُتداول أراجوزات السياسة على مقاعد المصلحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.