رواية «تلك الأيام» لفتحي غانم لا تخص زمنًا محددًا، اسمها يحمل دلالة علي دوران الأيام والرغبة في التغيير المفروض أن الأحداث الرئيسية للرواية تدور في 6 أشهر فقط تبدأ من شهر فبراير عام 1962 لتنتهي في 22 يونيه من نفس العام وقد ارتبطت هذه الفترة علي أرض الواقع بإعادة تشكيل النظام السياسي حيث أصدر الرئيس عبدالناصر بيانه السياسي عام 1961 الذي حدد فيه معالم التنظيم الشعبي الديمقراطي، فكرة الرواية الأساسية قائمة علي علاقة الإنسان بالسلطة، المفروض أن بطل الرواية سالم عبيد تعلم من أستاذه الفرنسي في السوربون أن بلده لا يحتمل الحقيقة بحكم أنظمتها السياسية وثقافتها السائدة، وإن ذلك هو السبب في أن أغلب الكتابات الجادة عن بلده مكتوبة بأقلام أجنبية لكن سالم عبيد لم يقبل هذا الاتهام من أستاذه وأصر علي كتابة تاريخ وطنه موضحا الحقائق كاملة من خلال مقال «السخرية والكرباچ» وبمجرد نشر المقال قامت الحكومة وطردته من الجامعة، وظل سالم عبيد مقصيا مقموعا إلي أن قدم التنازلات الكافية وأرضي جلالة الملك والحكومات المتحالفة معه في خدمة الاحتلال البريطاني ليعود إلي الجامعة بعد هذه السقطة التي حددت علاقته مع السلطة سواء في العهد الملكي أو العهد الجمهوري. رواية «تلك الأيام» تتعدد بها الشخصيات المحيطة ببطل الرواية سواء في قريته أو حياته بالقاهرة، في الرواية نري زوجته لاتتردد في خيانته مع كثير من الرجال لذلك يستعين بإرهابي قديم لقتلها وبغض النظر عن أوجه الاختلاف بين الرواية والفيلم المؤكد أن العمود الفقري للرواية هو الذي استند عليه كل من علا عز الدين وأحمد غانم في كتابة السيناريو والحوار للفيلم. • الرواية في شريط سينمائي نحن في الفيلم نغوص داخل العالم النفسي لثلاث شخصيات رئيسية. الأولي هي د. سالم عبيد «محمود حميدة» الأستاذ الجامعي الذي يسعي لدراسة الإرهاب ليستفيد به في أحد أبحاثه لذلك يستعين بالضابط المتقاعد علي النجار «أحمد الفيشاوي» الذي كان يطارد الإرهابيين أثناء تواجده في الخدمة وقتل أحدهم بدلا من تقديمه للمحاكمة وظل يشعر بعقدة الذنب لأنه في لحظة اعتبر نفسه قاضيًا وجلادًا، وفي خط متوازٍ كانت هناك وعود من قبل المسئولين لسالم عبيد بأنه سيكون ضمن التشكيل الوزاري الجديد وبالطبع تزداد مساحة التنازلات التي يقدمها سالم عبيد للوصول لأهدافه بغض النظر عن اقتناعه بما يفعله. فهو لا ينسي كلمات أستاذه الفرنسي في السوربون مسيو لافارچ «طارق التلمساني» الذي علمه أن نصف الحقيقة التي ستذكرها ستجعلك «تحيا» بينما كل الحقيقة مصيرك «المقصلة»، أيضا أبرز الفيلم علاقة د.سالم عبيد بالسفيرة الأمريكية واحتفاظه بالجنسية الأمريكية، وفي ظل هذه الأحداث نجد سالم عبيد مشغولاً بمراقبة زوجته أميرة «ليلي سامي» بطريقته الخاصة فهو يعلم جيدا أنها تحتقره ولا تحبه لمشاهدتها له وهو يقدم تنازلات لأحد الذين سيستفيد منهم للوصول لأغراضه، ورغم ذلك فهو يرفض طلاقها فهو أحبها عندما كانت تلميذته في الجامعة ولاحظ حبها لأحد زملائها «عمر حسن يوسف» وبمجرد علمه بوفاته يتقدم للزواج منها وكان قبولها له من منطلق أنه سيوفر لها ولأسرتها حياة غاية في الرفاهية. بعد استغناء د. سالم عبيد عن خدمات علي النجار يعاود الاتصال به بعد تأكده أن زوجته أميرة معُجبة به وتذهب لزيارته لذلك حاول إقناع علي النجار بسوء سلوك زوجته الذي سيؤثر بالتبعية علي مستقبله السياسي ويعقد معه صفقة بمقتضاها يقتل علي النجار «أميرة» إلا أن النجار يرفض الصفقة، مع تصاعد الأحداث يجد سالم عبيد نفسه بعيدا عن الترشيح لأي منصب وزاري بعد سماع المسئولين بطريق الخطأ مكالمة هاتفية له أظهرت لهم حقيقته وكذب ولائه لهم، في ذات الوقت يكتشف علي النجار أن سالم عبيد ادعي كذبا أن زوجته تخونه مع كثير من الرجال لذلك يسعي لمساعدتها في الحصول علي الطلاق من سالم عبيد ليلتقي الثلاثة في منزل والده سالم عبيد القروية والتي لعبت دورها صفية العمري وبعد مواجهة الثلاثة ينهي سالم عبيد حياته بقتل نفسه عندما يتأكد أن زوجته لن تعيش معه. فهي بالنسبة له الحياة. • الأبطال يعتبر سالم عبيد في «تلك الأيام» من الشخصيات المهمة التي جسدها محمود حميدة وبهذا الدور استطاع إحراز هدف جديد يضيف لرصيده الفني المحترم، لا أعتقد أن هناك من كان سيلعب هذا الدور بنفس روعة أداء «حميدة» أو سالم عبيد الذي تنازل وخضع لأوامر المسئولين من أجل حلم الوزارة وأحب زوجته لدرجة قتل نفسه. أما أحمد الفيشاوي فأعتبره نجم ماركة مختلفة عن أبناء جيله يجيد اختيار الأدوار التي تضيف له، في أدائه لدور علي النجار استطاع أن يضيف للشخصية بإحساسه وجعل المتفرج يتعاطف معه عكس ما هو موجود في الرواية. أما مفاجأة الفيلم السارة فكانت متمثلة في ظهور سمية الألفي كضيف شرف عندما ظهرت لابنها علي النجار في مشهد الحلم. صفية العمري فاجأت جمهورها بدور الأم القروية وهذا الدور نقلها لمنطقة مختلفة لم تتطرق لها من قبل سواء علي مستوي الأداء أو علي مستوي اختياراتها الفنية والتي كان أغلبها يدور في فلك أدوار الهوانم. ليلي سامي اجتهدت في دور الزوجة التي فشل زوجها في شراء حبها له، مسيو لافارچ «طارق التلمساني» كان مقنعًا للغاية في أداء دوره وكذلك ماجد المصري وعادل أمين. • وأخيرا: تحية للمنتج محمد العدل المغامر المجنون الذي أنتج فيلما تراجيديا جيد الصنع في ظل أزمة الإنتاج السينمائي، حتي إذا لم يحقق فيلمه «تلك الأيام» مكاسب مادية المؤكد أنه سيظل علامة مهمة في مشواره كمنتج سينمائي يحترم ما يقدمه لجمهوره. وتحية أيضا لأحمد غانم مخرج الفيلم والمشارك في كتابة السيناريو والحوار له لاختياره نوعية فيلم في غاية الصعوبة ليكون هو أولي تجاربه السينمائية التي يقدم نفسه من خلالها للجمهور.