لم يقرأ الكثيرون تصريحاتي الموجودة بين السطور قبل أسبوعين في نفس المكان، عندما أشرت إلى قراري بإنهاء عملي الاحترافي في مجال الإعلام الرياضي بنهاية العام الحالي. واندهشت الأغلبية من قراري عند إعلانه مع الإعلامي الرائع تامر أمين مساء الإثنين الماضي في برنامج "مصر النهارده".. وتأكيدي القاطع أن عملي سينتهي في كل القنوات والبرامج والصحف اعتبارا من الأول من يناير 2011. ولن أقبل مطلقاً أي عرض في مجال الإعلام الرياضي للعمل محترفاً، مع استعدادي التام لقبول أي دعوة للظهور كضيف في أي برنامج أو لإجراء أي حديث بشرط ألا يكون الأمر منتظماً أو مكرراً أو وفيراً، حتى لا يتحول الأمر أيضاً من اعتزال مُعلن إلى احتراف مستتر أو مقنّع. هذا القرار ليس مفاجئاً للقريبين من محيطي، وهم محدودون للغاية. ولكنه كان مفاجئاً للملايين الذين ارتبطت بهم وارتبطوا بي على مدار العشرات من الأعوام، لا سيما اعتبارا من 1990 إلى 2010 وهي السنوات التي منحني الله عز وجل فيها نعمة الظهور الدائم على الشاشات، اعتباراً من الفقرة الرياضية في النشرة الرئيسية للتليفزيون المصري في تمام التاسعة مساء على شاشة القناة الأولى.. ومروراً بالعشرات من البرامج والحلقات، مع الاحتراف المؤقت في إيطاليا مع قناة الرياضة في شبكة راديو وتليفزيون العرب إيه آر تي؛ حيث كنت بفضل من الله أحد مؤسسيها مع الراحل العظيم صلاح زكي والعمالقة الشيخ صالح كامل والسعودي علي داود والزميلين الغاليين حسن عثمان وسيد حامد.. وهم الخماسي الذي حضر الاجتماع التأسيسي الأول للقناة في المكتب البيضاوي الأرابيسك للشيخ صالح في مقر الشبكة في شارع جامعة الدول العربية. وانتهى بي الأمر الآن في بيتي الأول وهو التليفزيون المصري محترفاً في قناة النيل للرياضة مع برنامج ظلال وأضواء يوميا من السبت إلى الأربعاء، وفي القناة الأولى أسبوعيا مساء الإثنين مع برنامج "طاب مساؤكم". والآن يحين موعد الجدل الثائر والدائر حول قرار الاعتزال.. وهو القرار الذي أراح الآلاف من "الكارهين" للحق في مجال الرياضة والآلاف من العاملين بالباطل في مجال الرياضة، ومعهم الآلاف من "الجهلاء" الذين اقتحموا مجال الرياضة. وأسعد عشرات الآلاف من جماهير الأندية التي انتُقد مسئولوها ولاعبوها ومدربوها، وما ينالون من حقوق زائدة سواء في الإدارة أو التحكيم، ولكنه وفي الوقت نفسه أغضب وأحزن عشرات الآلاف وربما الملايين من جمهور الرياضة الحقيقي العاشق للثقافة والمتعطش للصراحة والباحث عن الصدق والحق والمواجهة، في زمن عزَّت فيه الشفافية وانتشر الكذب والخداع وتغلغلت الأفكار السيئة وانتصر الجهل والتعصب في مجال الإعلام الرياضي. أعلم كثيرا أن غيابي عن الساحة يُفسح المجال للجهلاء لمزيد من الهجوم المستمر والعنيف على شخصي المتواضع دون أن يجد أحدهم من يرد عليهم ويوقفهم عند حدهم. ويطالبني الكثيرون بالبقاء لمواجهتهم. ولكنني لا أفكر في نفسي ولا في مصالحي ومكانتي، وكل ما أسعى إليه هو الخير أولا والحق ثانيا والراحة النفسية ثالثاً. إذن لماذا اعتزلت؟ هل كان الأمر هروبا؟ وهل تعرضت لضغوط للاعتزال؟ اعتزلت لأنني أريد أن أعيش حياتي بعد عناء دام 37 عاما.. اعتزلت لأنني أمتلك أكثر من ألفي كتاب رياضي بينها خمسمائة كتاب جديد لم أتمكن من قراءتها حتى الآن، وأبحث عن متسع من الوقت لقراءتها وأنهل من علمها وأنقل ما فيها من ثقافة للناس. اعتزلت لأنني أمتلك أكثر من ألف شريط رياضي حديث لمباريات وبطولات وأندية ومنتخبات وأحداث، بينها أكثر من خمسمائة فيلم جديد لم أتمكن من مشاهدتها وحان الوقت لأتابعها وأستفيد منها. اعتزلت لأنني عاجز عن إنتاج أكثر من عشرين كتاباً رياضياً جديدا وتقديمها إلى الساحة الفقيرة والمكتبة الرياضية المعدومة.. وكنت قد بدأت بالفعل في تأليف خمسة منها ولكنها لم تكتمل في كل حالة ولا أجد الوقت حاليا لإكمالها. اعتزلت لأنني قدمت على مدار 37 عاماً في مجالات الصحافة المكتوبة والإعلام التليفزيوني والإذاعي ما حلمت به وتمنيت أن أصل إليه.. ولأنني نلت من الثناء والتقدير وحب الناس أكثر مما حلمت.. ولأنني وثّقت العلاقة بين المشاهد والرياضة العالمية من خلال فقرة قصيرة في نشرات الأخبار، حتى أصبحت محببة ومطلوبة من جمهور السياسة في نشرات الأخبار.. ولأنني حصدت توفيقا زائدا بل كاملا في مجالات كانت غائبة أو مفقودة في الصحافة والإعلام مثل الإحصاءات والتحليل الفني المباشر وتحليل التحكيم على الهواء مباشرة.. ولا أرى جديدا يمكنني تقديمه.. اعتزلت دون أي ضغوط أو مخاوف أو هروب. ولو كان الأمر هروبا أو ضغطا أو استبعادا لكانت النهاية أقرب، والتوقيت أسرع، والاستبعاد معلنا. عقدي مع التليفزيون المصري بدأ في مطلع نوفمبر الماضي مع مباراة مصر والجزائر.. وينتهي مع الأيام الأولى من نوفمبر المقبل، ولن أتركه إلا مع نهايته الطبيعية. ولنا المزيد من التفاصيل في العدد المقبل. عن اليوم السابع الثلاثاء 30 مارس 2010