نائب مشيدا بقرار العفو الرئاسي: خطوة وطنية تعزز حقوق الإنسان في مصر    وسط فرحة الطلاب.. محافظ المنوفية يفتتح مدرستين ببروى وبكفر القلشى للتعليم الأساسي    الرئيس السيسي يقرر العفو عن علاء عبد الفتاح و5 آخرين    رئيس المعهد القومي للتخطيط..5 مليارات جنيه لدعم االمشروعات الصغيرة والمتوسطة بالموازنة الحالية    ب256 مليون جنيه.. بدء التشغيل التجريبي لمحطة معالجة صرف صحي الكمايشة بالمنوفية    عمرو سليمان: رؤية استراتيجية لسوق عقاري صلب ومتين    رفع علم دولة فلسطين فوق مبنى السفارة الفلسطينية في لندن.. وزيرة الخارجية البريطانية تحذر إسرائيل من ضم أجزاء من الضفة الغربية    رئيس جمهورية سنغافورة يزور مقر الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالسخنة    البرلمان العربي: الهجوم الإرهابي على مسجد بالفاشر انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني    المدينة التي يجتاحها جيش الاحتلال.. إطلاق صاروخ من غزة صوب مستوطنة ناحل عوز    صلاح محسن يقود هجوم المصري أمام فاركو    فى تصفيات كأس العالم .. منتخب مصر يطير إلى المغرب 6 أكتوبر لمواجهة جيبوتي    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب لقيادة الأهلي الفترة الحالية    سقوط عصابة النصب على المواطنين بقطع آثار مقلدة ومبالغ مزيفة في أكتوبر    ضبط 13 مليون جنيه حصيلة الإتجار غير المشروع في النقد الأجنبي    حبس البلوجر «أم سجدة» 6 أشهر وغرامة 100 ألف جنيه لنشر فيديوهات خادشة    مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدا يكرم النجمة حنان مطاوع    20.9% تراجعا فى أعداد العاملين الأجانب بالقطاع الحكومي والقطاع العام- الأعمال العام خلال 2024    برشلونة يعلن غياب فيرمين لوبيز لمدة 3 أسابيع بسبب الإصابة    هشام نصر: ديون الزمالك 2.5 مليار جنية.. وقريبا سيتم دفع مستحقات اللاعبين    مصرع فتاة وإصابة 6 آخرين إثر حادث تصادم على طريق العوايد في الإسكندرية    عبد الله السعيد: أتمنى تتويج منتخب مصر بكأس الأمم وجاهز للعودة إذا طُلب مني    دعم مستشفيات الشيخ زايد وأبوالنمرس والتحرير العام وأم الأطباء في الجيزة بأجهزة طبية حديثة    إحالة 9 من العاملين المقصرين في عملهم بالشرقية للتحقيق    "طلاب من أجل مصر" ترحب بدفعة طب الجديدة بجامعة بورسعيد الأهلية (صور)    إنجاز جديد لجامعة بنها بمؤشر نيتشر للأبحاث العلمية Nature Index    تعرف علي تفاصيل البرنامج العلاجي ل إمام عاشور لمواجهة فيروس A    إحياءً لليالي رمضان 1447.. أمين «البحوث الإسلاميَّة» يتفقَّد المقابلات الشخصيَّة للوعاظ والقراء بالأزهر    اللجنة المصرية لإغاثة أهالي غزة تتوصل لطفلي طريق الرشيد بغزة.. ووالدتهما: بشكر الرئيس السيسي    باستثناء ديمبيلي.. غياب نجوم باريس سان جيرمان عن حفل الكرة الذهبية    بالصور - محافظ أسوان يتفقد 1540 مدرسة استعدادًا للعام الدراسي    مدير أمن الفيوم يقود حملة لإعادة الانضباط المروري استجابة لشكاوى المواطنين    ما دور"طارق المصري" في واقعة تزوير "رمضان صبحي".. شريف إكرامي يجيب؟(تحقيقات)    ضبط 6 آلاف علبة جبنة فاسدة داخل مخزن خلال حملة تموينية في الأقصر    «الداخلية» تضبط تشكيلا يضم شخصين و3 سيدات بتهمة الترويج للأعمال المنافية للآداب بالقاهرة    "البحوث الزراعية" ينظم المنتدى العلمي الأول حول تطبيقات الإدارة المتكاملة    ب "التايجر".. ريم سامي تخطف الأنظار بإطلالة أنيقة    "بحب الفسيخ وكانت بتخدم علينا".. وفاء عامر تكشف سر علاقتها ب"أم مكة"    متحدث فتح للقاهرة الإخبارية: الاعتراف بالدولة الفلسطينية لحظة تاريخية فارقة    أمير كرارة: معايا صورة ل هنا الزاهد ممكن تدمرها لو نزلتها    مهرجان الغردقة لسينما الشباب يكشف عن لجان تحكيمه    هينسحبوا تمامًا.. 3 أبراج لا تقبل العلاقات السامة «التوكسيك»    هل يجوز للأخ الزواج من امرأة أخيه بعد الطلاق أو الوفاة؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير الأوقاف يشهد احتفال نقابة الأشراف بالمولد النبوي الشريف    العوارى: ما يحدث للأبرياء من تدمير منازلهم لا يمت بصلة للأخلاق التي جاء بها الأنبياء جميعا    «الإحصاء»: 20.9% انخفاضًا في العاملين الأجانب بالقطاع الحكومي خلال 2024    رئيس جامعة القاهرة يتلقى تقريرا عن مؤشرات الأداء بمستشفيات قصر العيني    محافظ المنوفية يوجه بزيادة منافذ صرف الأدوية ودراسة تعلية دورين للتأمين الصحي بتلا    وزارة الصحة: تقديم 17 ألف خدمة طبية في طب نفس المسنين    تحذير من أدوية البرد للأطفال دون وصفة طبية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-9-2025 في محافظة قنا    ارتفاع أسعار النفط مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بأوروبا والشرق الأوسط    موعد أذان الظهر ليوم الإثنين ودعاء النبي عند ختم الصلاة    سعر الفراخ البيضاء بعد آخر هبوط.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 22 سبتمبر 2025 للمستهلك    الدوري المصري بشكل حصري على "أبليكشن ON APP".. تعرف على طريقة تحميل التطبيق    بعد الظهور الأول لهما.. ماذا قال ترامب عن لقائه ب ماسك؟    وزير الخارجية يلتقى مع رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    أحمد العوضي: لو هتجوز مش هقول.. ومشغول بمسلسل «علي كلاي» لرمضان 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رموز الأشياء البديلة والتراسل عبر الحواس
نشر في صوت البلد يوم 02 - 06 - 2018

ليس من المهم أن يُشحن النّص بطاقات رمزية تستند الى المراجع الأسطورية والتاريخية كي تكون أساسا في الحداثة الشعرية الجديدة، أي أن التجارب التاريخية لا تشكل إلا بعض الأبعاد للماضي، وهذا الماضي لا يُجير بالإنسجام طواعية مع متحولات وحاجة اللغة الشعرية، وهذا ما ينطبق الى حد ما على مفهوم التعامل مع التاريخ الرمزي للأسماء، فالكثير من رواد الحداثة استلهموا في تجاربهم الشعرية شخصيات حاضرة في التاريخ العربي الإسلامي، وجعلوا من هذه الشخصيات القاعدة التي ترتب عليها نصوصهم الشعرية، لشرح سيرة ما، أو تقمص شخصية ما، او أخذ غرض لغرض ما، لذلك نجد في أغلب النصوص التي استعارت تلك الشخصيات أو استعارت حوادثَ ما، وألبستها ثوبا شعريا سرعان ما يتحول الشاعر عن غرضه لينتقل لغرض آخر كي ينجو من رتابة تدجين ذلك المحتوى الشخصي.
بنية القصيدة العربية
ولا شك أن أغراض الشعر العربي القديم، ومن بينها المديح والهجاء والوصف، قد جعلت من المراد مديحه أو من المراد هجاءه أو من المراد وصفه كان بشرا أنسيا أو جنيا أو وصفا للطبيعة بملحقاتها، القاعدة الأساسية التي تقوم عليها بنية القصيدة العربية التي تسخر قدرات الشاعر اللغوية لتوفير أقصى ما يمكن من الدالات للوصول الى غاية الشاعر مع اهتمامهم بما عرف ب "الفيلولوجيا" والإهتمام بالتراث.
وكان لا بد لنا أن نرث من تلك اللغة ما يمكن من موروثاتها. ولم تكن الواجهة التنظيرية لشعراء الحداثة غير كسر توازن تلك اللغة وإحياء تناقضاتها وإحالة نتائجها التفكيرية الى نتائج مشوشة.
إختراق الماضي
وبدلا من العمل بقاعدة الأساسيات اقتضى العمل بتحريك قاعدة الجزئيات ضمن ما تمنحه من المساحات الكلية التي تهيئ قدرات قابلة للإنشطار والتوالد.
وذلك لإغناء مساحات الرؤيا المدعومة بالأنساق الجمالية التي وفرها ذلك الإنفتاح، ليتم اختراق الماضي بحرية كلمة الحاضر المستكشف الجديد دون الرجوع إلى المراجع الكلاسيكية القديمة، وهذه الكلمة لا تقتصر على جزء من أجزاء الخطاب بل يشمل هذا التجديد محتويات الجملة التامة المفيدة، وبذلك يكون للإنفعال والتجربة مداها في إطلاق مكونات التجربة الشعرية في وصف هذه التجربة بالسحر الغامض والذي يتواجد مع كل شيء يستطيع الشاعر إطلاق سراحه سواء في تغيير مسار حركته الأساسية أو حركته الجزئية.
وحدة التناقض الملائم
إن اللغة قادرة على الإستجابة للمتغيرات لأن بناءها قابل على التحول والإنسجام مع مجمل عمليات التطور التي يكون الإنسان هدفها، فاللغة هي لغة داخل امتداد لغة في امتدادها وتعابيرها وصياغتها، وصحيح أن اللغة تسمي الأشياء بمسمياتها، ولكن قوة المخيلة وسعة الإلهام تكمنان لماضي اللغة بالمرصاد وتكون أشياء بديلة عوض تلك الأشياء المألوفة كي تسمى هذه الأشياء بأسماء جديدة بعد أن تتواصل عملية البناء في المنتج الشعري.
إن استخدام أنصاف الجمل وشبه الجملة أصبح من العلامات البارزة في التكوين الجديد وهذا الاستخدام يمنح الشاعر قدرا من الضبابية والإستفهامية وعدم تكامل التقدير، وفيه شيء من عدم القدرة على القبض على المعنى بشكل مباشر من قبل المتلقي، وهذا الإستخدام يقدم تأويلا أخر للتأويل وامتداداته التخيلية لا نهاية لها ضمن نشاط متواصل تقوم به المخيلة مع اقتراب محدد للذهن بتفكيك كل شيء لإيجاد التناقض الملائم ما بين الوحدات القصيرة في النص الشعري الواحد.
الزمن - اللغة - الصورة الشّعرية
يرى برغسون أن الزمن يقسمُ إلى قسمين وهما: الزمن المكاني وهو قطعا الزمن الذي نعيشه نحن ويكون جزءا من أفعالنا التي ترتبط بشتى الأمور الحياتية ومتطلبات حاجة الإنسان ضمن حركته اليومية أمام وجوده الظاهر، والآخر ما أسماه زمن الذات الشاعرة وهو كما نعتقد مستويات التدفق في الأحاسيس والمشاعر والتي تشكل قدرات الذات للنفاذ للأشياء المجهولة والتوقع بمستكشف الغد، أي الرؤيا المبصرة للتحولات التي تصاحب الإفرازات النفسية ونتائج هذه الإفرازات، وبالتالي فإن الزمن في المفهوم الأول يشير إلى التعامل والوجود الخارجي، وفي المفهوم الآخر يشير إلى التعامل مع المفهوم الباطني أي بالبعد الإدراكي لما ترتبه المشاعر من غير المألوف.
هذه الأفكار البرغسونية كانت أحد الأسس التي اعتمدها التصويريون ضمن مفاهيم أخرى في التعامل مع المفردات البنائية للنص الشعري، وقد شاعت التصويرية في أميركا وبريطانيا وكان من أهم روادها عزرا باوند وأليوت وكبير منظريهم هيوم.
وقد كثف التصويريون تنظيراتهم في مجال اللغة والصورة الشعرية وكذلك موقفهم من الشعر التقليدي والشعر الحر فهم يعتقدون وفي مجال اللغة:أنه لا ضير من استخدام اللغة الشائعة والتي يعنون بها باللغة المحكية ولكنهم في نفس الوقت لم يتركوا هذا المفهوم سائبا بل يربطونه بضرورة الإستخدام الدقيق لهذه اللغة خشيتهم في ذلك أن لا تتداخل أو تسطو اللغة المقارنة أو البديعية على هذا الاستخدام اللغوي، وبالتالي يؤدي ذلك إلى خلق إشكاليات عديدة أثناء عملية الخلق، وبالتأكيد أيضا فإن مفهوم اللغة لدى التصويريين يكاد يصل بعض الشيء لمفهوم فلاسفة الوضعية المنطقية الذين يرون أن اللغة تؤدي وظيفتين وهما: الوظيفة الأولى تقرير الوقائع، والثانية إثارة الانفعال.
وهذا يشبه إلى حد ما رأى التصويريين بأن اللغة تتعامل مكانيا وباطنيا مع الموجودات.
وقد التزم التصويريون بمفهوم الشعر الحر بأعتقادهم بأنه الأنسب والملائم لإثارة القوى النفسية والوصول إلى الجمال وهاجموا الشعر التقليدي واعتبروه لا يقدم القدر الكافي من الصوتية المطلوبة ونغماته غير قابلة للتجديد لذلك حذروا الشعراء الجدد حينها من إحلال النغمات القديمة في الألسنية الموسيقية للشعر الحر، وقد انعكست آراؤهم تلك على مفاهيم أخرى ومهمة حول وظيفة الأدب واستخداماته ودعوا إلى التركيز والوضوح من خلال البينية ما بين المحدود واللامحدود.
ولا شك أن هذه الآراء تدعو إلى التساؤل عن مدى التصاقهم بالفيزيقية ومديات تفريقهم ما بين اللغة المباشرة والتي تعمل كما أسموها بالصور، وما بين لغة النثر التي دعوا إليها واعتبروها المحرك والإلهام، وربما بآرائهم هذه أرادوا الإبتعاد عن الكثير من المفاهيم النقدية ومنها المفهوم المضموني أو ما رأته الوضعية المنطقية في فك ارتباط الأدب بالمعرفة أو المفاهيم التي دأب عليها النقاد الشكليون، لكنهم كانوا - أي التصويريين - امتدادا للرمزية، وذهبوا بأنفسهم لإحياء كلاسيكيتهم الجديدة حين اتسعوا بمفهوم التجربة وفتحوا نافذة الأساطير القديمة.
دلالة جودة النّص
وقد عمل الشعر تارة في مجال التعارض الظاهري واعتبر أحد معايير الشعر استنادا إلى ما تؤدي العبارات فيه من التناقض الذي يؤدي مظهرا فكريا وهو بذلك قد قُننت فيه المستويات الشعورية، ولكن هذا التناقض يتحرك في مجالات التضخيم تارة وتارة في مجالات الدقة وفي المجالات التي تسمح لتسيير جزء من دفق الباطن ضمن الجزء الأكبر من الإكتناز الفكري الذي يتعاطف بقدر ما مع اللاشعور.
وتبدو هذه المساجلة وكأنها شكل من أشكال التعقيد لكن هناك من يعتبرها أو بالأحرى يعتبر هذا التعقيد هو الدلالة التي من خلالها يقوم النص وتلك أراءُ وردزورث وكذلك كولردج، كما عمل الشعر تارة أخرى على ما يسمى بمقولات العقل.
ولاشك أن "كانت" صاحب الفلسفة المثالية التي تناولت الكم والكيف والزمانية والجهوية وتعاملت مع الصورة الشعرية على أساس التنوع في الدلالات والقدرات المتوفرة في بناها التحتية، ولذلك فإن الصورة الشعرية تتفاقم بتفاقم التوتر فتتكون لدى الشاعر صيغه القيمية والتي بموجبها يستطيع الحكم على الغرض من إستخدام تلك الصورة من عدمها فيجد أن ذلك التحديد يقع ضمن التفسير الذي يكون خارج مخيلة الشاعر وبه يحتكم إلى ظاهر النص وبنائه.
وقد تكون الإشارات تلك بمثابة العملية التصحيحية ضمن الحذف والاستبدال والذي لا يخل بالشكل العام لبنية النص ووحدته العضوية سواء بالجزئية أو الكلية اللتان تتبادلان أدوارهما في محتوياتهما التي تنفصل تارة وتتصل تارة أخرى بعضها مع البعض، لإشباع مناطق معينة لرفع كفاءة علاقاتها الإنتاجية ليتم البناء في الخيال على قدر من الوهمية والانفلات، فكولردج يرى أن الصورة بذاتها لا تدل رغم جماليتها على خصائص الشاعر حتى لو نقلت نقلا أمينا أنها لن تكون بتلك العبقرية ما لم تكن محكومة بإنفعال عال أو أفكار منفصلة أو صورا أنتجها ذلك الإنفعال.
وبين هذه الحدود وتلك يرى تارة ثالثة ما يعنيه الرمزيون بالقوى التي تجتاز عالم الواقع ويتصلون بالسحر والغرائبية من خلال رموز الأشياء البديلة فهم يتراسلون بالحواس ويضربون على جذور الأعماق في أقل وعي ممكن كونهم يجدون أن حواسهم تنشطر لأنتقاء المُعبر الرمزي إن كان تراسلهم قد تم ضمن التراسل الرأسي أو التراسل الأفقي فكلاهما يصلان مستويات اللذة المطلوب بلوغها في الأفق الذي يقصدونه.
إن الاشتغالات التي بنى عليها الشعراء واجهاتهم الإنتاجية هي تلك نفس المشاغل الكونية التي ابتلاها الإنسان مذ وجوده على الأرض وكانت الظواهر وعللها والإستدلال عليها هما أقطاب المحركات التي حركت المخيلة إلى بعدها الآخر ضمن مناشيء الإتجاهات والتيارات الفلسفية والتحولات في الأدب والفن والإتجاهات الجديدة في ألسنة اللغة ونظريات دي سوسير عنها ولحظة كشفه الشهير عن أنظمتها ضمن مفاهيمها الثلاثة ومسمى المدلول وكذلك مفاهيم نظرية المعرفة وقضايا الجدلية في الفلسفة الماركسية وفلسفة هيجل في الروح المطلق والوعي والتاريخ وإغناءات الفلسفة الوجودية وفلسفة التحليل النفسي وما أفرزت بعد ذلك دراسة الأساطير والمكتشفات الأثرية والتطور الذي حفلت بها ميادين العلوم كافة.
كل تلك التطورات ساهمت بأن يزيد الشعر من غموضه مادام الكون يزيد من وضوحه.
ليس من المهم أن يُشحن النّص بطاقات رمزية تستند الى المراجع الأسطورية والتاريخية كي تكون أساسا في الحداثة الشعرية الجديدة، أي أن التجارب التاريخية لا تشكل إلا بعض الأبعاد للماضي، وهذا الماضي لا يُجير بالإنسجام طواعية مع متحولات وحاجة اللغة الشعرية، وهذا ما ينطبق الى حد ما على مفهوم التعامل مع التاريخ الرمزي للأسماء، فالكثير من رواد الحداثة استلهموا في تجاربهم الشعرية شخصيات حاضرة في التاريخ العربي الإسلامي، وجعلوا من هذه الشخصيات القاعدة التي ترتب عليها نصوصهم الشعرية، لشرح سيرة ما، أو تقمص شخصية ما، او أخذ غرض لغرض ما، لذلك نجد في أغلب النصوص التي استعارت تلك الشخصيات أو استعارت حوادثَ ما، وألبستها ثوبا شعريا سرعان ما يتحول الشاعر عن غرضه لينتقل لغرض آخر كي ينجو من رتابة تدجين ذلك المحتوى الشخصي.
بنية القصيدة العربية
ولا شك أن أغراض الشعر العربي القديم، ومن بينها المديح والهجاء والوصف، قد جعلت من المراد مديحه أو من المراد هجاءه أو من المراد وصفه كان بشرا أنسيا أو جنيا أو وصفا للطبيعة بملحقاتها، القاعدة الأساسية التي تقوم عليها بنية القصيدة العربية التي تسخر قدرات الشاعر اللغوية لتوفير أقصى ما يمكن من الدالات للوصول الى غاية الشاعر مع اهتمامهم بما عرف ب "الفيلولوجيا" والإهتمام بالتراث.
وكان لا بد لنا أن نرث من تلك اللغة ما يمكن من موروثاتها. ولم تكن الواجهة التنظيرية لشعراء الحداثة غير كسر توازن تلك اللغة وإحياء تناقضاتها وإحالة نتائجها التفكيرية الى نتائج مشوشة.
إختراق الماضي
وبدلا من العمل بقاعدة الأساسيات اقتضى العمل بتحريك قاعدة الجزئيات ضمن ما تمنحه من المساحات الكلية التي تهيئ قدرات قابلة للإنشطار والتوالد.
وذلك لإغناء مساحات الرؤيا المدعومة بالأنساق الجمالية التي وفرها ذلك الإنفتاح، ليتم اختراق الماضي بحرية كلمة الحاضر المستكشف الجديد دون الرجوع إلى المراجع الكلاسيكية القديمة، وهذه الكلمة لا تقتصر على جزء من أجزاء الخطاب بل يشمل هذا التجديد محتويات الجملة التامة المفيدة، وبذلك يكون للإنفعال والتجربة مداها في إطلاق مكونات التجربة الشعرية في وصف هذه التجربة بالسحر الغامض والذي يتواجد مع كل شيء يستطيع الشاعر إطلاق سراحه سواء في تغيير مسار حركته الأساسية أو حركته الجزئية.
وحدة التناقض الملائم
إن اللغة قادرة على الإستجابة للمتغيرات لأن بناءها قابل على التحول والإنسجام مع مجمل عمليات التطور التي يكون الإنسان هدفها، فاللغة هي لغة داخل امتداد لغة في امتدادها وتعابيرها وصياغتها، وصحيح أن اللغة تسمي الأشياء بمسمياتها، ولكن قوة المخيلة وسعة الإلهام تكمنان لماضي اللغة بالمرصاد وتكون أشياء بديلة عوض تلك الأشياء المألوفة كي تسمى هذه الأشياء بأسماء جديدة بعد أن تتواصل عملية البناء في المنتج الشعري.
إن استخدام أنصاف الجمل وشبه الجملة أصبح من العلامات البارزة في التكوين الجديد وهذا الاستخدام يمنح الشاعر قدرا من الضبابية والإستفهامية وعدم تكامل التقدير، وفيه شيء من عدم القدرة على القبض على المعنى بشكل مباشر من قبل المتلقي، وهذا الإستخدام يقدم تأويلا أخر للتأويل وامتداداته التخيلية لا نهاية لها ضمن نشاط متواصل تقوم به المخيلة مع اقتراب محدد للذهن بتفكيك كل شيء لإيجاد التناقض الملائم ما بين الوحدات القصيرة في النص الشعري الواحد.
الزمن - اللغة - الصورة الشّعرية
يرى برغسون أن الزمن يقسمُ إلى قسمين وهما: الزمن المكاني وهو قطعا الزمن الذي نعيشه نحن ويكون جزءا من أفعالنا التي ترتبط بشتى الأمور الحياتية ومتطلبات حاجة الإنسان ضمن حركته اليومية أمام وجوده الظاهر، والآخر ما أسماه زمن الذات الشاعرة وهو كما نعتقد مستويات التدفق في الأحاسيس والمشاعر والتي تشكل قدرات الذات للنفاذ للأشياء المجهولة والتوقع بمستكشف الغد، أي الرؤيا المبصرة للتحولات التي تصاحب الإفرازات النفسية ونتائج هذه الإفرازات، وبالتالي فإن الزمن في المفهوم الأول يشير إلى التعامل والوجود الخارجي، وفي المفهوم الآخر يشير إلى التعامل مع المفهوم الباطني أي بالبعد الإدراكي لما ترتبه المشاعر من غير المألوف.
هذه الأفكار البرغسونية كانت أحد الأسس التي اعتمدها التصويريون ضمن مفاهيم أخرى في التعامل مع المفردات البنائية للنص الشعري، وقد شاعت التصويرية في أميركا وبريطانيا وكان من أهم روادها عزرا باوند وأليوت وكبير منظريهم هيوم.
وقد كثف التصويريون تنظيراتهم في مجال اللغة والصورة الشعرية وكذلك موقفهم من الشعر التقليدي والشعر الحر فهم يعتقدون وفي مجال اللغة:أنه لا ضير من استخدام اللغة الشائعة والتي يعنون بها باللغة المحكية ولكنهم في نفس الوقت لم يتركوا هذا المفهوم سائبا بل يربطونه بضرورة الإستخدام الدقيق لهذه اللغة خشيتهم في ذلك أن لا تتداخل أو تسطو اللغة المقارنة أو البديعية على هذا الاستخدام اللغوي، وبالتالي يؤدي ذلك إلى خلق إشكاليات عديدة أثناء عملية الخلق، وبالتأكيد أيضا فإن مفهوم اللغة لدى التصويريين يكاد يصل بعض الشيء لمفهوم فلاسفة الوضعية المنطقية الذين يرون أن اللغة تؤدي وظيفتين وهما: الوظيفة الأولى تقرير الوقائع، والثانية إثارة الانفعال.
وهذا يشبه إلى حد ما رأى التصويريين بأن اللغة تتعامل مكانيا وباطنيا مع الموجودات.
وقد التزم التصويريون بمفهوم الشعر الحر بأعتقادهم بأنه الأنسب والملائم لإثارة القوى النفسية والوصول إلى الجمال وهاجموا الشعر التقليدي واعتبروه لا يقدم القدر الكافي من الصوتية المطلوبة ونغماته غير قابلة للتجديد لذلك حذروا الشعراء الجدد حينها من إحلال النغمات القديمة في الألسنية الموسيقية للشعر الحر، وقد انعكست آراؤهم تلك على مفاهيم أخرى ومهمة حول وظيفة الأدب واستخداماته ودعوا إلى التركيز والوضوح من خلال البينية ما بين المحدود واللامحدود.
ولا شك أن هذه الآراء تدعو إلى التساؤل عن مدى التصاقهم بالفيزيقية ومديات تفريقهم ما بين اللغة المباشرة والتي تعمل كما أسموها بالصور، وما بين لغة النثر التي دعوا إليها واعتبروها المحرك والإلهام، وربما بآرائهم هذه أرادوا الإبتعاد عن الكثير من المفاهيم النقدية ومنها المفهوم المضموني أو ما رأته الوضعية المنطقية في فك ارتباط الأدب بالمعرفة أو المفاهيم التي دأب عليها النقاد الشكليون، لكنهم كانوا - أي التصويريين - امتدادا للرمزية، وذهبوا بأنفسهم لإحياء كلاسيكيتهم الجديدة حين اتسعوا بمفهوم التجربة وفتحوا نافذة الأساطير القديمة.
دلالة جودة النّص
وقد عمل الشعر تارة في مجال التعارض الظاهري واعتبر أحد معايير الشعر استنادا إلى ما تؤدي العبارات فيه من التناقض الذي يؤدي مظهرا فكريا وهو بذلك قد قُننت فيه المستويات الشعورية، ولكن هذا التناقض يتحرك في مجالات التضخيم تارة وتارة في مجالات الدقة وفي المجالات التي تسمح لتسيير جزء من دفق الباطن ضمن الجزء الأكبر من الإكتناز الفكري الذي يتعاطف بقدر ما مع اللاشعور.
وتبدو هذه المساجلة وكأنها شكل من أشكال التعقيد لكن هناك من يعتبرها أو بالأحرى يعتبر هذا التعقيد هو الدلالة التي من خلالها يقوم النص وتلك أراءُ وردزورث وكذلك كولردج، كما عمل الشعر تارة أخرى على ما يسمى بمقولات العقل.
ولاشك أن "كانت" صاحب الفلسفة المثالية التي تناولت الكم والكيف والزمانية والجهوية وتعاملت مع الصورة الشعرية على أساس التنوع في الدلالات والقدرات المتوفرة في بناها التحتية، ولذلك فإن الصورة الشعرية تتفاقم بتفاقم التوتر فتتكون لدى الشاعر صيغه القيمية والتي بموجبها يستطيع الحكم على الغرض من إستخدام تلك الصورة من عدمها فيجد أن ذلك التحديد يقع ضمن التفسير الذي يكون خارج مخيلة الشاعر وبه يحتكم إلى ظاهر النص وبنائه.
وقد تكون الإشارات تلك بمثابة العملية التصحيحية ضمن الحذف والاستبدال والذي لا يخل بالشكل العام لبنية النص ووحدته العضوية سواء بالجزئية أو الكلية اللتان تتبادلان أدوارهما في محتوياتهما التي تنفصل تارة وتتصل تارة أخرى بعضها مع البعض، لإشباع مناطق معينة لرفع كفاءة علاقاتها الإنتاجية ليتم البناء في الخيال على قدر من الوهمية والانفلات، فكولردج يرى أن الصورة بذاتها لا تدل رغم جماليتها على خصائص الشاعر حتى لو نقلت نقلا أمينا أنها لن تكون بتلك العبقرية ما لم تكن محكومة بإنفعال عال أو أفكار منفصلة أو صورا أنتجها ذلك الإنفعال.
وبين هذه الحدود وتلك يرى تارة ثالثة ما يعنيه الرمزيون بالقوى التي تجتاز عالم الواقع ويتصلون بالسحر والغرائبية من خلال رموز الأشياء البديلة فهم يتراسلون بالحواس ويضربون على جذور الأعماق في أقل وعي ممكن كونهم يجدون أن حواسهم تنشطر لأنتقاء المُعبر الرمزي إن كان تراسلهم قد تم ضمن التراسل الرأسي أو التراسل الأفقي فكلاهما يصلان مستويات اللذة المطلوب بلوغها في الأفق الذي يقصدونه.
إن الاشتغالات التي بنى عليها الشعراء واجهاتهم الإنتاجية هي تلك نفس المشاغل الكونية التي ابتلاها الإنسان مذ وجوده على الأرض وكانت الظواهر وعللها والإستدلال عليها هما أقطاب المحركات التي حركت المخيلة إلى بعدها الآخر ضمن مناشيء الإتجاهات والتيارات الفلسفية والتحولات في الأدب والفن والإتجاهات الجديدة في ألسنة اللغة ونظريات دي سوسير عنها ولحظة كشفه الشهير عن أنظمتها ضمن مفاهيمها الثلاثة ومسمى المدلول وكذلك مفاهيم نظرية المعرفة وقضايا الجدلية في الفلسفة الماركسية وفلسفة هيجل في الروح المطلق والوعي والتاريخ وإغناءات الفلسفة الوجودية وفلسفة التحليل النفسي وما أفرزت بعد ذلك دراسة الأساطير والمكتشفات الأثرية والتطور الذي حفلت بها ميادين العلوم كافة.
كل تلك التطورات ساهمت بأن يزيد الشعر من غموضه مادام الكون يزيد من وضوحه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.