الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    بعد إعلان المجاعة.. الهلال الأحمر الفلسطيني: لم نعد نتوقع شيئا من المجتمع الدولي    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    استخراج القيد العائلي 2025 أون لاين.. الخطوات والشروط والأوراق المطلوبة    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    بورسعيد.. أجمل شاطئ وأرخص مصيف| كيف كانت الحياة في المدينة الباسلة عام 1960؟    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    «الشمس هتغيب قبل المغرب».. كسوف الشمس الكلي يظهر في سماء 9 دول بهذا التوقيت    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    أبطال فيلم "وتر واحد" يشاركون ويجز تألقه على مسرح العلمين    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    طريقة عمل الملبن الأحمر في المنزل ل المولد النبوي (خطوة بخطوة)    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحقوق غير محفوظة للمؤلف
نشر في صوت البلد يوم 06 - 03 - 2018

كنا نقرأ على الصفحة الثانية من كل كتاب مؤلف عبارة (الحقوق محفوظة للمؤلف) وأما اليوم فلقد انقلبت الموازين، وذلك مع تحكم الرأسمالية المتوحشة بموازين القوى الإنسانية، في عصر يزداد فيه التشدق ب "حقوق الملكية الفكرية"، إذ يزداد انتهاك الملكية الفكرية، وبالتحديد تزداد حقوق المؤلف انتهاكاً، إذ أنني أقرأ كثيراً من العقود التي يوقعها كتاب ومبدعون ونقاد أدب، لا أريد أن أقول أنهم جهلة بحقوقهم، ولكنهم مضطرون لإصدار كتبهم بأي شكل حتى ولو تنازلوا عن حقوقهم المالية إلى الأبد.
إذ أن العقد الذي أصبح مسيطراً في دور النشر والذي يقول إن المؤلف يتنازل بموجب هذا العقد تنازلاً كليا عن حقوقه في الطباعة والنشر لهذا الكتاب، ولا يحق له إصدار هذا الكتاب الذي سيصدر عن دار النشر منذ اليوم وإلى الأبد، مقابل خمس وعشرين إلى خمسين نسخة تتصدق بها بعض دور النشر على المؤلف، ولا أعمم.
شاهدت عقداً لأستاذ دكتور عربي – أستطيع ذكر اسمه لو طلب مني ذلك في تحقيق - كان قد قدم عشرة كتب، هي مؤلفاته كلها إلى دار نشر، ووقع عقداً ملزماً له معهم، ينص على تنازله عن حقوقه إلى الأبد، مقابل طباعة كتبه ونشرها، وإعطائه خمسة وأربعين نسخة من كل كتاب (مجانا) ثمن جهوده في التأليف والكتابة. لاحظوا عبارة (مجاناً) وكأنها صدقة محسنين.
وشكا لي صديق قائلاً إن صاحب دار النشر قدم له عقداً ينص على أن يتم نشر كتابه مقابل أن (تمنحه) دار النشر ثلاثين نسخة مجانية من الكتاب لا أكثر، وبالمقابل يتنازل المؤلف عن حقوقه كاملة في الطباعة والنشر، وإلى الأبد. لاحظوا عبارة (تمنحه).
لم أدهش من هذا العقد الذي يُعقِّد من لم يتعقد، ذلك لأنني شاهدته من قبل. أما وقد صار هذا "العقد شريعة المتعاقدين" يتعامل بها كثير من الناشرين، ولا أقول كلهم، فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة، بدأت ثم انتشرت بقرار "الرأسمالية المتوحشة" بما أسموه: "تجفيف منابع دعم الكِتاب، أو ما يكتبه الكُتاب" وكأن الكُتاب إرهابيون، مطلوب تجفيف منابع تمويلهم.
وكانت المؤسسات الثقافية التي تدّعي بكونها مفلسة، أو كي لا تفلس، قد بدأت بنشر مقالات الكُتاب بدون مكافآت، ولم تنته بحرمانهم من حقوق نشر كتبهم وإلى الأبد. ذلك لأن كثيرا من الكتاب وجدوا أنفسهم في السجون، وبعضهم غادر الحياة على جناح سطر أو بيت شعر كتبه لم يعجب الحاكم، أو لم يعجب رجل الدين، فقضى مشنوقا إلى جنات النعيم.
مثال ذلك الشاعر العراقي أحمد النعيمي الذي قال في قصيدته:
"نحن شعب لا يستحي
ألسنا من بايع الحسين ثم خنّاه؟
ألم تكن قلوبنا معه وبسيوفنا ذبحناه؟
ألم نبكي الحسن بعد أن سممناه؟
ألسنا من والى علياً، وفي صلاته طعناه؟"
فكان جواب رجال الظلام أن رفعوه برافعة "حداثية، قوية عملاقة الطول والضخامة" لتسقط رقبته مشنوقة أمام رجال التسلط والسلطة الغاشمة. وكثير غيره أغلقت عليهم زنزانات معتمة لقاء تفسير سطر من قصيدة، لم يكن أحد لينتبه لها، لولا جبروت المتجبرين بالسلطة.
وكان قد حكم على شاعر فلسطيني بالإعدام لكتابة سطر تم تفسيره ظلما وبهتانا على أنه يخالف الشريعة. أية شريعة؟ فالشرائع هذه الأيام ما شاء الله كثيرة، وكل شريعة تنطح أختها، من قول المفتي بضرورة إرضاع الكبير، إلى دعوة المفتي إلى البحلقة في مؤخرات النساء، إلى الزواج السياحي وزواج المسيار و(المكفار). وهذه الأخير ربما لم أسمع عنها.
لا أفهم كيف يسمح بفتاوى يصعب عليّ ذكرها هنا، وقد قرأتها لمفتنين منشورة في صحف شهيرة، وكيف لا يسمح لكاتب أن يكتب قصيدة أو مقالاً يتعرض فيه لفكرة خطرت بباله.
هل نحن نعيش في العصر الذي أحرقوا فيه من قال إن الأرض تدور، وما يزال بعض المتفيقهين يؤلفون مجلدات تحوي تفاسير مطولة لمعتقدهم ونحن في القرن الحادي والعشرين أن الأرض لا تدور، بينما لا يسمح لشخص يستنجد بالله قائلاً: "أين أنت يا الله عن عذاباتي التي لا أحتملها" فيجد نفسه في سجن مآله الإعدام أو المؤبد.
قرأت فقرة في كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي، لا أستطيع نقلها هنا، في هذا المقال، نعم، لا أجرؤ على مجرد النسخ، رغم أن الكتاب لفقيه مسلم حفظ القرآن وعمره تسع سنوات. لا أستطيع ذكرها قطعياً لأنني لو ذكرتها لقامت الدنيا ولم تقعد. تستطيعون التدقيق فيها في إحدى صفحات الكتاب. ولا أنصحكم بذلك. ولكن مؤلف الكتاب لم يُشنق ولم يحرق كتابه. كيف كانت سعة صدر الحكام ورجال الدين في عصر التنوير الإسلامي، وكيف صارت سيطرتهم المجحفة في بعض الأحيان.
كيف حكم رجال الدين بحرق "ألف ليلة وليلة"، بينما يُقام لها في ألمانيا كل سنة أسبوعا احتفالياً، كمهرجان بحث وقراءة وتدبُّر وتمجيد، في جامعة ألمانية مختلفة.
نعود إلى حقوق المؤلف الذي يتقاضى في أوروبا لقاء أية أمسية ثقافية يقرأ فيها قصيدة أو قصة قصيرة، أو قضية ثقافية مبلغ خمسمائة يورو، ولكننا اعتدنا في وطننا العربي على دعوة أي مفكر أو قاص أو روائي أو شاعر ليقول ما يقول، وفي نهاية الأمسية، قد نقدم له كوب ماء ليشربه، وإذا لم يتوفر الماء النقي، نقول له: "اشرب البحر"!
واسمحوا لي أن أتساءل: لماذا يغتني الكاتب في بلاد الغرب، بينما يفقر الكاتب العربي الذي يقدم عصارة فكره في كتاب، لتنوير أبناء وطنه، وتقديم فكر الأمة هادفا التطوير والتثقيف والإمتاع، إذ لا يجد المؤلف أمامه وقد جفت مصادر طباعة كتابه من قبل وزارات الثقافة العتيدة، أو المؤسسات الثقافية المعتمدة وطنياً لدعم الكتاب، إلا أن يدفع ما لا يقل عن ألف دولار لتقبل دار نشر خاصة طباعة كتابه، وإعطائه خمسين إلى مائة نسخة، لا تحق له بعدها أية مطالبة. وهذا الدفع قد يكون استدانة من بنك أو جهة تمويل أو بيع عقار له أو ذهب زوجته، ليرسخ أفكاره كي لا تفنى بموته، بينما كان الكاتب يأخذ وزن كتابه ذهباً في عصر المأمون العباسي.. لاحظوا الفرق!
نحن لا نحيا في عصر حروب تدميرية لبعضنا بعضاً فقط، بل نحيا ونحن يعتصر بعضنا بعضاً. وهنيئاً لمن تعلّق بوظيفة ثقافية حكومية، أو بعقد، يكون فيه ناقداً مقرراً لجائزة ثقافية عربية، ليقرر التقديم والتأخير لمن يشاء وكما يشاء.
وبناء على هذا الهوان الثقافي، أعود لعقود بعض الناشرين، فأطالب وزارات الثقافة التي لا تقدم شيئاً معقولاً لدعم كتب الكتاب، أن توقف مثل هذه العقود، وأطالب دائرة المطبوعات والنشر، ومؤسسة حماية حقوق الملكية الفكرية، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، التحقيق في هذه العقود المجحفة بحق الكتاب المساكين الذين يقفون على أبواب ال... وتجريم المنتفعين منها زورا وبهتاناً، الذين يسطون على مقدرات كُتّاب يعملون ويفكرون ويُنهِكون جهودهم لتقديم إبداعاتهم وأفكارهم، ولكنهم لا يجنون إلا ما يجعلهم بجدارة فئة المستضعفين في الأرض.
كنا نقرأ على الصفحة الثانية من كل كتاب مؤلف عبارة (الحقوق محفوظة للمؤلف) وأما اليوم فلقد انقلبت الموازين، وذلك مع تحكم الرأسمالية المتوحشة بموازين القوى الإنسانية، في عصر يزداد فيه التشدق ب "حقوق الملكية الفكرية"، إذ يزداد انتهاك الملكية الفكرية، وبالتحديد تزداد حقوق المؤلف انتهاكاً، إذ أنني أقرأ كثيراً من العقود التي يوقعها كتاب ومبدعون ونقاد أدب، لا أريد أن أقول أنهم جهلة بحقوقهم، ولكنهم مضطرون لإصدار كتبهم بأي شكل حتى ولو تنازلوا عن حقوقهم المالية إلى الأبد.
إذ أن العقد الذي أصبح مسيطراً في دور النشر والذي يقول إن المؤلف يتنازل بموجب هذا العقد تنازلاً كليا عن حقوقه في الطباعة والنشر لهذا الكتاب، ولا يحق له إصدار هذا الكتاب الذي سيصدر عن دار النشر منذ اليوم وإلى الأبد، مقابل خمس وعشرين إلى خمسين نسخة تتصدق بها بعض دور النشر على المؤلف، ولا أعمم.
شاهدت عقداً لأستاذ دكتور عربي – أستطيع ذكر اسمه لو طلب مني ذلك في تحقيق - كان قد قدم عشرة كتب، هي مؤلفاته كلها إلى دار نشر، ووقع عقداً ملزماً له معهم، ينص على تنازله عن حقوقه إلى الأبد، مقابل طباعة كتبه ونشرها، وإعطائه خمسة وأربعين نسخة من كل كتاب (مجانا) ثمن جهوده في التأليف والكتابة. لاحظوا عبارة (مجاناً) وكأنها صدقة محسنين.
وشكا لي صديق قائلاً إن صاحب دار النشر قدم له عقداً ينص على أن يتم نشر كتابه مقابل أن (تمنحه) دار النشر ثلاثين نسخة مجانية من الكتاب لا أكثر، وبالمقابل يتنازل المؤلف عن حقوقه كاملة في الطباعة والنشر، وإلى الأبد. لاحظوا عبارة (تمنحه).
لم أدهش من هذا العقد الذي يُعقِّد من لم يتعقد، ذلك لأنني شاهدته من قبل. أما وقد صار هذا "العقد شريعة المتعاقدين" يتعامل بها كثير من الناشرين، ولا أقول كلهم، فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة، بدأت ثم انتشرت بقرار "الرأسمالية المتوحشة" بما أسموه: "تجفيف منابع دعم الكِتاب، أو ما يكتبه الكُتاب" وكأن الكُتاب إرهابيون، مطلوب تجفيف منابع تمويلهم.
وكانت المؤسسات الثقافية التي تدّعي بكونها مفلسة، أو كي لا تفلس، قد بدأت بنشر مقالات الكُتاب بدون مكافآت، ولم تنته بحرمانهم من حقوق نشر كتبهم وإلى الأبد. ذلك لأن كثيرا من الكتاب وجدوا أنفسهم في السجون، وبعضهم غادر الحياة على جناح سطر أو بيت شعر كتبه لم يعجب الحاكم، أو لم يعجب رجل الدين، فقضى مشنوقا إلى جنات النعيم.
مثال ذلك الشاعر العراقي أحمد النعيمي الذي قال في قصيدته:
"نحن شعب لا يستحي
ألسنا من بايع الحسين ثم خنّاه؟
ألم تكن قلوبنا معه وبسيوفنا ذبحناه؟
ألم نبكي الحسن بعد أن سممناه؟
ألسنا من والى علياً، وفي صلاته طعناه؟"
فكان جواب رجال الظلام أن رفعوه برافعة "حداثية، قوية عملاقة الطول والضخامة" لتسقط رقبته مشنوقة أمام رجال التسلط والسلطة الغاشمة. وكثير غيره أغلقت عليهم زنزانات معتمة لقاء تفسير سطر من قصيدة، لم يكن أحد لينتبه لها، لولا جبروت المتجبرين بالسلطة.
وكان قد حكم على شاعر فلسطيني بالإعدام لكتابة سطر تم تفسيره ظلما وبهتانا على أنه يخالف الشريعة. أية شريعة؟ فالشرائع هذه الأيام ما شاء الله كثيرة، وكل شريعة تنطح أختها، من قول المفتي بضرورة إرضاع الكبير، إلى دعوة المفتي إلى البحلقة في مؤخرات النساء، إلى الزواج السياحي وزواج المسيار و(المكفار). وهذه الأخير ربما لم أسمع عنها.
لا أفهم كيف يسمح بفتاوى يصعب عليّ ذكرها هنا، وقد قرأتها لمفتنين منشورة في صحف شهيرة، وكيف لا يسمح لكاتب أن يكتب قصيدة أو مقالاً يتعرض فيه لفكرة خطرت بباله.
هل نحن نعيش في العصر الذي أحرقوا فيه من قال إن الأرض تدور، وما يزال بعض المتفيقهين يؤلفون مجلدات تحوي تفاسير مطولة لمعتقدهم ونحن في القرن الحادي والعشرين أن الأرض لا تدور، بينما لا يسمح لشخص يستنجد بالله قائلاً: "أين أنت يا الله عن عذاباتي التي لا أحتملها" فيجد نفسه في سجن مآله الإعدام أو المؤبد.
قرأت فقرة في كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي، لا أستطيع نقلها هنا، في هذا المقال، نعم، لا أجرؤ على مجرد النسخ، رغم أن الكتاب لفقيه مسلم حفظ القرآن وعمره تسع سنوات. لا أستطيع ذكرها قطعياً لأنني لو ذكرتها لقامت الدنيا ولم تقعد. تستطيعون التدقيق فيها في إحدى صفحات الكتاب. ولا أنصحكم بذلك. ولكن مؤلف الكتاب لم يُشنق ولم يحرق كتابه. كيف كانت سعة صدر الحكام ورجال الدين في عصر التنوير الإسلامي، وكيف صارت سيطرتهم المجحفة في بعض الأحيان.
كيف حكم رجال الدين بحرق "ألف ليلة وليلة"، بينما يُقام لها في ألمانيا كل سنة أسبوعا احتفالياً، كمهرجان بحث وقراءة وتدبُّر وتمجيد، في جامعة ألمانية مختلفة.
نعود إلى حقوق المؤلف الذي يتقاضى في أوروبا لقاء أية أمسية ثقافية يقرأ فيها قصيدة أو قصة قصيرة، أو قضية ثقافية مبلغ خمسمائة يورو، ولكننا اعتدنا في وطننا العربي على دعوة أي مفكر أو قاص أو روائي أو شاعر ليقول ما يقول، وفي نهاية الأمسية، قد نقدم له كوب ماء ليشربه، وإذا لم يتوفر الماء النقي، نقول له: "اشرب البحر"!
واسمحوا لي أن أتساءل: لماذا يغتني الكاتب في بلاد الغرب، بينما يفقر الكاتب العربي الذي يقدم عصارة فكره في كتاب، لتنوير أبناء وطنه، وتقديم فكر الأمة هادفا التطوير والتثقيف والإمتاع، إذ لا يجد المؤلف أمامه وقد جفت مصادر طباعة كتابه من قبل وزارات الثقافة العتيدة، أو المؤسسات الثقافية المعتمدة وطنياً لدعم الكتاب، إلا أن يدفع ما لا يقل عن ألف دولار لتقبل دار نشر خاصة طباعة كتابه، وإعطائه خمسين إلى مائة نسخة، لا تحق له بعدها أية مطالبة. وهذا الدفع قد يكون استدانة من بنك أو جهة تمويل أو بيع عقار له أو ذهب زوجته، ليرسخ أفكاره كي لا تفنى بموته، بينما كان الكاتب يأخذ وزن كتابه ذهباً في عصر المأمون العباسي.. لاحظوا الفرق!
نحن لا نحيا في عصر حروب تدميرية لبعضنا بعضاً فقط، بل نحيا ونحن يعتصر بعضنا بعضاً. وهنيئاً لمن تعلّق بوظيفة ثقافية حكومية، أو بعقد، يكون فيه ناقداً مقرراً لجائزة ثقافية عربية، ليقرر التقديم والتأخير لمن يشاء وكما يشاء.
وبناء على هذا الهوان الثقافي، أعود لعقود بعض الناشرين، فأطالب وزارات الثقافة التي لا تقدم شيئاً معقولاً لدعم كتب الكتاب، أن توقف مثل هذه العقود، وأطالب دائرة المطبوعات والنشر، ومؤسسة حماية حقوق الملكية الفكرية، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، التحقيق في هذه العقود المجحفة بحق الكتاب المساكين الذين يقفون على أبواب ال... وتجريم المنتفعين منها زورا وبهتاناً، الذين يسطون على مقدرات كُتّاب يعملون ويفكرون ويُنهِكون جهودهم لتقديم إبداعاتهم وأفكارهم، ولكنهم لا يجنون إلا ما يجعلهم بجدارة فئة المستضعفين في الأرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.