عودة انقطاع الكهرباء في مناطق بالجيزة وخروج كابل محطة محولات جزيرة الذهب عن الخدمة    هآرتس: ترامب يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لضم أجزاء من غزة    200 مليون دولار، ليفربول يجهز عرضا خرافيا لحسم صفقة مهاجم نيوكاسل    رابطة الأندية: بدء عقوبة "سب الدين والعنصرية" فى الدوري بالموسم الجديد    السيسي يوجه بتوفير الرعاية الصحية اللازمة والاهتمام الطبي الفوري للكابتن حسن شحاتة    المعمل الجنائي يعاين حريق شقة في المريوطية    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    الكشف الطبي على 540 مواطنًا بقرية جلبانة ضمن القافلة الطبية لجامعة الإسماعيلية    بمناسبة اليوم العالمي.. التهاب الكبد خطر صامت يمكن تفاديه    نقيب الإعلاميين: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة رد عملي على حملات التضليل    سميرة صدقي: عبلة كامل أفضل فنانة قدمت دور المرأة الشعبية    بدء الدراسة بجامعة الأقصر الأهلية.. رئيس الجامعة والمحافظ يعلنان تفاصيل البرامج الدراسية بالكليات الأربع    «ما تراه ليس كما يبدو».. شيري عادل تستعد لتصوير حكاية "ديجافو"    قبل عرضه.. تفاصيل فيلم بيج رامى بطولة رامز جلال    علاج الحموضة بالأعشاب الطبيعية في أسرع وقت    الداخلية: لا توجد تجمعات بالمحافظات والإخوان وراء هذه الشائعات    برومو تشويقى ل مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو".. سبع حكايات ومفاجآت غير متوقعة    محافظ جنوب سيناء يتابع تطوير محطة معالجة دهب والغابة الشجرية (صور)    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    رفقة العراق والبحرين .. منتخب مصر في المجموعة الثانية بكأس الخليج للشباب    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    حزب الجيل: السيسي يعيد التأكيد على ثوابت مصر في دعم فلسطين    أمانة الشؤون القانونية المركزية ب"مستقبل وطن" تبحث مع أمنائها بالمحافظات الاستعدادات لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    كم سنويا؟.. طريقة حساب عائد مبلغ 200 ألف جنيه من شهادة ادخار البنك الأهلي    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    هندسة المنوفية الأولى عالميًا في المحاكاة بمسابقة Formula Student UK 2025    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    السفارة الأمريكية: كتائب حزب الله تقف وراء اقتحام مبنى حكومي ببغداد    قنا: القبض على شاب متهم بالاعتداء على طفل داخل منزل أسرته في قرية الدرب بنجع حمادي    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    12 راحلا عن الأهلي في الانتقالات الصيفية    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    تصعيد خطير ضد الوجود المسيحي بفلسطين.. مستوطنون يعتدون على دير للروم الأرثوذكس    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    منال عوض تتابع ملفات وزارة البيئة وتبحث تطوير منظومة إدارة المخلفات    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    إطلاق حملة لتعقيم وتطعيم الكلاب الضالة بمدينة العاشر من رمضان (صور)    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    تعرف على مواعيد مباريات المصري بالدوري خلال الموسم الكروي الجديد    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحقوق غير محفوظة للمؤلف
نشر في صوت البلد يوم 06 - 03 - 2018

كنا نقرأ على الصفحة الثانية من كل كتاب مؤلف عبارة (الحقوق محفوظة للمؤلف) وأما اليوم فلقد انقلبت الموازين، وذلك مع تحكم الرأسمالية المتوحشة بموازين القوى الإنسانية، في عصر يزداد فيه التشدق ب "حقوق الملكية الفكرية"، إذ يزداد انتهاك الملكية الفكرية، وبالتحديد تزداد حقوق المؤلف انتهاكاً، إذ أنني أقرأ كثيراً من العقود التي يوقعها كتاب ومبدعون ونقاد أدب، لا أريد أن أقول أنهم جهلة بحقوقهم، ولكنهم مضطرون لإصدار كتبهم بأي شكل حتى ولو تنازلوا عن حقوقهم المالية إلى الأبد.
إذ أن العقد الذي أصبح مسيطراً في دور النشر والذي يقول إن المؤلف يتنازل بموجب هذا العقد تنازلاً كليا عن حقوقه في الطباعة والنشر لهذا الكتاب، ولا يحق له إصدار هذا الكتاب الذي سيصدر عن دار النشر منذ اليوم وإلى الأبد، مقابل خمس وعشرين إلى خمسين نسخة تتصدق بها بعض دور النشر على المؤلف، ولا أعمم.
شاهدت عقداً لأستاذ دكتور عربي – أستطيع ذكر اسمه لو طلب مني ذلك في تحقيق - كان قد قدم عشرة كتب، هي مؤلفاته كلها إلى دار نشر، ووقع عقداً ملزماً له معهم، ينص على تنازله عن حقوقه إلى الأبد، مقابل طباعة كتبه ونشرها، وإعطائه خمسة وأربعين نسخة من كل كتاب (مجانا) ثمن جهوده في التأليف والكتابة. لاحظوا عبارة (مجاناً) وكأنها صدقة محسنين.
وشكا لي صديق قائلاً إن صاحب دار النشر قدم له عقداً ينص على أن يتم نشر كتابه مقابل أن (تمنحه) دار النشر ثلاثين نسخة مجانية من الكتاب لا أكثر، وبالمقابل يتنازل المؤلف عن حقوقه كاملة في الطباعة والنشر، وإلى الأبد. لاحظوا عبارة (تمنحه).
لم أدهش من هذا العقد الذي يُعقِّد من لم يتعقد، ذلك لأنني شاهدته من قبل. أما وقد صار هذا "العقد شريعة المتعاقدين" يتعامل بها كثير من الناشرين، ولا أقول كلهم، فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة، بدأت ثم انتشرت بقرار "الرأسمالية المتوحشة" بما أسموه: "تجفيف منابع دعم الكِتاب، أو ما يكتبه الكُتاب" وكأن الكُتاب إرهابيون، مطلوب تجفيف منابع تمويلهم.
وكانت المؤسسات الثقافية التي تدّعي بكونها مفلسة، أو كي لا تفلس، قد بدأت بنشر مقالات الكُتاب بدون مكافآت، ولم تنته بحرمانهم من حقوق نشر كتبهم وإلى الأبد. ذلك لأن كثيرا من الكتاب وجدوا أنفسهم في السجون، وبعضهم غادر الحياة على جناح سطر أو بيت شعر كتبه لم يعجب الحاكم، أو لم يعجب رجل الدين، فقضى مشنوقا إلى جنات النعيم.
مثال ذلك الشاعر العراقي أحمد النعيمي الذي قال في قصيدته:
"نحن شعب لا يستحي
ألسنا من بايع الحسين ثم خنّاه؟
ألم تكن قلوبنا معه وبسيوفنا ذبحناه؟
ألم نبكي الحسن بعد أن سممناه؟
ألسنا من والى علياً، وفي صلاته طعناه؟"
فكان جواب رجال الظلام أن رفعوه برافعة "حداثية، قوية عملاقة الطول والضخامة" لتسقط رقبته مشنوقة أمام رجال التسلط والسلطة الغاشمة. وكثير غيره أغلقت عليهم زنزانات معتمة لقاء تفسير سطر من قصيدة، لم يكن أحد لينتبه لها، لولا جبروت المتجبرين بالسلطة.
وكان قد حكم على شاعر فلسطيني بالإعدام لكتابة سطر تم تفسيره ظلما وبهتانا على أنه يخالف الشريعة. أية شريعة؟ فالشرائع هذه الأيام ما شاء الله كثيرة، وكل شريعة تنطح أختها، من قول المفتي بضرورة إرضاع الكبير، إلى دعوة المفتي إلى البحلقة في مؤخرات النساء، إلى الزواج السياحي وزواج المسيار و(المكفار). وهذه الأخير ربما لم أسمع عنها.
لا أفهم كيف يسمح بفتاوى يصعب عليّ ذكرها هنا، وقد قرأتها لمفتنين منشورة في صحف شهيرة، وكيف لا يسمح لكاتب أن يكتب قصيدة أو مقالاً يتعرض فيه لفكرة خطرت بباله.
هل نحن نعيش في العصر الذي أحرقوا فيه من قال إن الأرض تدور، وما يزال بعض المتفيقهين يؤلفون مجلدات تحوي تفاسير مطولة لمعتقدهم ونحن في القرن الحادي والعشرين أن الأرض لا تدور، بينما لا يسمح لشخص يستنجد بالله قائلاً: "أين أنت يا الله عن عذاباتي التي لا أحتملها" فيجد نفسه في سجن مآله الإعدام أو المؤبد.
قرأت فقرة في كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي، لا أستطيع نقلها هنا، في هذا المقال، نعم، لا أجرؤ على مجرد النسخ، رغم أن الكتاب لفقيه مسلم حفظ القرآن وعمره تسع سنوات. لا أستطيع ذكرها قطعياً لأنني لو ذكرتها لقامت الدنيا ولم تقعد. تستطيعون التدقيق فيها في إحدى صفحات الكتاب. ولا أنصحكم بذلك. ولكن مؤلف الكتاب لم يُشنق ولم يحرق كتابه. كيف كانت سعة صدر الحكام ورجال الدين في عصر التنوير الإسلامي، وكيف صارت سيطرتهم المجحفة في بعض الأحيان.
كيف حكم رجال الدين بحرق "ألف ليلة وليلة"، بينما يُقام لها في ألمانيا كل سنة أسبوعا احتفالياً، كمهرجان بحث وقراءة وتدبُّر وتمجيد، في جامعة ألمانية مختلفة.
نعود إلى حقوق المؤلف الذي يتقاضى في أوروبا لقاء أية أمسية ثقافية يقرأ فيها قصيدة أو قصة قصيرة، أو قضية ثقافية مبلغ خمسمائة يورو، ولكننا اعتدنا في وطننا العربي على دعوة أي مفكر أو قاص أو روائي أو شاعر ليقول ما يقول، وفي نهاية الأمسية، قد نقدم له كوب ماء ليشربه، وإذا لم يتوفر الماء النقي، نقول له: "اشرب البحر"!
واسمحوا لي أن أتساءل: لماذا يغتني الكاتب في بلاد الغرب، بينما يفقر الكاتب العربي الذي يقدم عصارة فكره في كتاب، لتنوير أبناء وطنه، وتقديم فكر الأمة هادفا التطوير والتثقيف والإمتاع، إذ لا يجد المؤلف أمامه وقد جفت مصادر طباعة كتابه من قبل وزارات الثقافة العتيدة، أو المؤسسات الثقافية المعتمدة وطنياً لدعم الكتاب، إلا أن يدفع ما لا يقل عن ألف دولار لتقبل دار نشر خاصة طباعة كتابه، وإعطائه خمسين إلى مائة نسخة، لا تحق له بعدها أية مطالبة. وهذا الدفع قد يكون استدانة من بنك أو جهة تمويل أو بيع عقار له أو ذهب زوجته، ليرسخ أفكاره كي لا تفنى بموته، بينما كان الكاتب يأخذ وزن كتابه ذهباً في عصر المأمون العباسي.. لاحظوا الفرق!
نحن لا نحيا في عصر حروب تدميرية لبعضنا بعضاً فقط، بل نحيا ونحن يعتصر بعضنا بعضاً. وهنيئاً لمن تعلّق بوظيفة ثقافية حكومية، أو بعقد، يكون فيه ناقداً مقرراً لجائزة ثقافية عربية، ليقرر التقديم والتأخير لمن يشاء وكما يشاء.
وبناء على هذا الهوان الثقافي، أعود لعقود بعض الناشرين، فأطالب وزارات الثقافة التي لا تقدم شيئاً معقولاً لدعم كتب الكتاب، أن توقف مثل هذه العقود، وأطالب دائرة المطبوعات والنشر، ومؤسسة حماية حقوق الملكية الفكرية، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، التحقيق في هذه العقود المجحفة بحق الكتاب المساكين الذين يقفون على أبواب ال... وتجريم المنتفعين منها زورا وبهتاناً، الذين يسطون على مقدرات كُتّاب يعملون ويفكرون ويُنهِكون جهودهم لتقديم إبداعاتهم وأفكارهم، ولكنهم لا يجنون إلا ما يجعلهم بجدارة فئة المستضعفين في الأرض.
كنا نقرأ على الصفحة الثانية من كل كتاب مؤلف عبارة (الحقوق محفوظة للمؤلف) وأما اليوم فلقد انقلبت الموازين، وذلك مع تحكم الرأسمالية المتوحشة بموازين القوى الإنسانية، في عصر يزداد فيه التشدق ب "حقوق الملكية الفكرية"، إذ يزداد انتهاك الملكية الفكرية، وبالتحديد تزداد حقوق المؤلف انتهاكاً، إذ أنني أقرأ كثيراً من العقود التي يوقعها كتاب ومبدعون ونقاد أدب، لا أريد أن أقول أنهم جهلة بحقوقهم، ولكنهم مضطرون لإصدار كتبهم بأي شكل حتى ولو تنازلوا عن حقوقهم المالية إلى الأبد.
إذ أن العقد الذي أصبح مسيطراً في دور النشر والذي يقول إن المؤلف يتنازل بموجب هذا العقد تنازلاً كليا عن حقوقه في الطباعة والنشر لهذا الكتاب، ولا يحق له إصدار هذا الكتاب الذي سيصدر عن دار النشر منذ اليوم وإلى الأبد، مقابل خمس وعشرين إلى خمسين نسخة تتصدق بها بعض دور النشر على المؤلف، ولا أعمم.
شاهدت عقداً لأستاذ دكتور عربي – أستطيع ذكر اسمه لو طلب مني ذلك في تحقيق - كان قد قدم عشرة كتب، هي مؤلفاته كلها إلى دار نشر، ووقع عقداً ملزماً له معهم، ينص على تنازله عن حقوقه إلى الأبد، مقابل طباعة كتبه ونشرها، وإعطائه خمسة وأربعين نسخة من كل كتاب (مجانا) ثمن جهوده في التأليف والكتابة. لاحظوا عبارة (مجاناً) وكأنها صدقة محسنين.
وشكا لي صديق قائلاً إن صاحب دار النشر قدم له عقداً ينص على أن يتم نشر كتابه مقابل أن (تمنحه) دار النشر ثلاثين نسخة مجانية من الكتاب لا أكثر، وبالمقابل يتنازل المؤلف عن حقوقه كاملة في الطباعة والنشر، وإلى الأبد. لاحظوا عبارة (تمنحه).
لم أدهش من هذا العقد الذي يُعقِّد من لم يتعقد، ذلك لأنني شاهدته من قبل. أما وقد صار هذا "العقد شريعة المتعاقدين" يتعامل بها كثير من الناشرين، ولا أقول كلهم، فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة، بدأت ثم انتشرت بقرار "الرأسمالية المتوحشة" بما أسموه: "تجفيف منابع دعم الكِتاب، أو ما يكتبه الكُتاب" وكأن الكُتاب إرهابيون، مطلوب تجفيف منابع تمويلهم.
وكانت المؤسسات الثقافية التي تدّعي بكونها مفلسة، أو كي لا تفلس، قد بدأت بنشر مقالات الكُتاب بدون مكافآت، ولم تنته بحرمانهم من حقوق نشر كتبهم وإلى الأبد. ذلك لأن كثيرا من الكتاب وجدوا أنفسهم في السجون، وبعضهم غادر الحياة على جناح سطر أو بيت شعر كتبه لم يعجب الحاكم، أو لم يعجب رجل الدين، فقضى مشنوقا إلى جنات النعيم.
مثال ذلك الشاعر العراقي أحمد النعيمي الذي قال في قصيدته:
"نحن شعب لا يستحي
ألسنا من بايع الحسين ثم خنّاه؟
ألم تكن قلوبنا معه وبسيوفنا ذبحناه؟
ألم نبكي الحسن بعد أن سممناه؟
ألسنا من والى علياً، وفي صلاته طعناه؟"
فكان جواب رجال الظلام أن رفعوه برافعة "حداثية، قوية عملاقة الطول والضخامة" لتسقط رقبته مشنوقة أمام رجال التسلط والسلطة الغاشمة. وكثير غيره أغلقت عليهم زنزانات معتمة لقاء تفسير سطر من قصيدة، لم يكن أحد لينتبه لها، لولا جبروت المتجبرين بالسلطة.
وكان قد حكم على شاعر فلسطيني بالإعدام لكتابة سطر تم تفسيره ظلما وبهتانا على أنه يخالف الشريعة. أية شريعة؟ فالشرائع هذه الأيام ما شاء الله كثيرة، وكل شريعة تنطح أختها، من قول المفتي بضرورة إرضاع الكبير، إلى دعوة المفتي إلى البحلقة في مؤخرات النساء، إلى الزواج السياحي وزواج المسيار و(المكفار). وهذه الأخير ربما لم أسمع عنها.
لا أفهم كيف يسمح بفتاوى يصعب عليّ ذكرها هنا، وقد قرأتها لمفتنين منشورة في صحف شهيرة، وكيف لا يسمح لكاتب أن يكتب قصيدة أو مقالاً يتعرض فيه لفكرة خطرت بباله.
هل نحن نعيش في العصر الذي أحرقوا فيه من قال إن الأرض تدور، وما يزال بعض المتفيقهين يؤلفون مجلدات تحوي تفاسير مطولة لمعتقدهم ونحن في القرن الحادي والعشرين أن الأرض لا تدور، بينما لا يسمح لشخص يستنجد بالله قائلاً: "أين أنت يا الله عن عذاباتي التي لا أحتملها" فيجد نفسه في سجن مآله الإعدام أو المؤبد.
قرأت فقرة في كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي، لا أستطيع نقلها هنا، في هذا المقال، نعم، لا أجرؤ على مجرد النسخ، رغم أن الكتاب لفقيه مسلم حفظ القرآن وعمره تسع سنوات. لا أستطيع ذكرها قطعياً لأنني لو ذكرتها لقامت الدنيا ولم تقعد. تستطيعون التدقيق فيها في إحدى صفحات الكتاب. ولا أنصحكم بذلك. ولكن مؤلف الكتاب لم يُشنق ولم يحرق كتابه. كيف كانت سعة صدر الحكام ورجال الدين في عصر التنوير الإسلامي، وكيف صارت سيطرتهم المجحفة في بعض الأحيان.
كيف حكم رجال الدين بحرق "ألف ليلة وليلة"، بينما يُقام لها في ألمانيا كل سنة أسبوعا احتفالياً، كمهرجان بحث وقراءة وتدبُّر وتمجيد، في جامعة ألمانية مختلفة.
نعود إلى حقوق المؤلف الذي يتقاضى في أوروبا لقاء أية أمسية ثقافية يقرأ فيها قصيدة أو قصة قصيرة، أو قضية ثقافية مبلغ خمسمائة يورو، ولكننا اعتدنا في وطننا العربي على دعوة أي مفكر أو قاص أو روائي أو شاعر ليقول ما يقول، وفي نهاية الأمسية، قد نقدم له كوب ماء ليشربه، وإذا لم يتوفر الماء النقي، نقول له: "اشرب البحر"!
واسمحوا لي أن أتساءل: لماذا يغتني الكاتب في بلاد الغرب، بينما يفقر الكاتب العربي الذي يقدم عصارة فكره في كتاب، لتنوير أبناء وطنه، وتقديم فكر الأمة هادفا التطوير والتثقيف والإمتاع، إذ لا يجد المؤلف أمامه وقد جفت مصادر طباعة كتابه من قبل وزارات الثقافة العتيدة، أو المؤسسات الثقافية المعتمدة وطنياً لدعم الكتاب، إلا أن يدفع ما لا يقل عن ألف دولار لتقبل دار نشر خاصة طباعة كتابه، وإعطائه خمسين إلى مائة نسخة، لا تحق له بعدها أية مطالبة. وهذا الدفع قد يكون استدانة من بنك أو جهة تمويل أو بيع عقار له أو ذهب زوجته، ليرسخ أفكاره كي لا تفنى بموته، بينما كان الكاتب يأخذ وزن كتابه ذهباً في عصر المأمون العباسي.. لاحظوا الفرق!
نحن لا نحيا في عصر حروب تدميرية لبعضنا بعضاً فقط، بل نحيا ونحن يعتصر بعضنا بعضاً. وهنيئاً لمن تعلّق بوظيفة ثقافية حكومية، أو بعقد، يكون فيه ناقداً مقرراً لجائزة ثقافية عربية، ليقرر التقديم والتأخير لمن يشاء وكما يشاء.
وبناء على هذا الهوان الثقافي، أعود لعقود بعض الناشرين، فأطالب وزارات الثقافة التي لا تقدم شيئاً معقولاً لدعم كتب الكتاب، أن توقف مثل هذه العقود، وأطالب دائرة المطبوعات والنشر، ومؤسسة حماية حقوق الملكية الفكرية، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، التحقيق في هذه العقود المجحفة بحق الكتاب المساكين الذين يقفون على أبواب ال... وتجريم المنتفعين منها زورا وبهتاناً، الذين يسطون على مقدرات كُتّاب يعملون ويفكرون ويُنهِكون جهودهم لتقديم إبداعاتهم وأفكارهم، ولكنهم لا يجنون إلا ما يجعلهم بجدارة فئة المستضعفين في الأرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.