استقبال رسمي مهيب، لحظة وصول شيخ الأزهر إلى قصر الرئاسة الإيطالي في روما (فيديو)    هزة في "أسطول الظل"، ثاني أكبر شركة للنفط الروسي تعلن بيع أصولها بعد العقوبات الأمريكية    عماد النحاس يحقق فوزه الأول مع الزوراء العراقي    قرار مُهم بشأن المتهم بدهس طفل بسيارته على طريق مصر أسيوط الزراعي    رئيس الوزراء: توجيهات رئاسية لضمان افتتاح يليق بمكانة مصر العالمية    أمريكا تُجلي نحو ألف شخص من قاعدتها في جوانتانامو بسبب اقتراب «ميليسا»    أردوغان يدعو إلى "سلام عادل" لإنهاء الحرب في أوكرانيا    المتحف المصري الكبير يحصد 8 شهادات ISO دولية تأكيدًا لالتزامه بمعايير الجودة والاستدامة العالمية    يختبر أعصاب المشترين..أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في بني سويف    موسكو تفند اتهام واشنطن لها بنيتها البدء بسباق تسلح نووي    سعر الخوخ والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025    انهيار عدد من المباني جراء زلزال باليكسير التركية ولا أنباء عن ضحايا    في طريقه إلى «الطب الشرعي».. وصول جثة أسير جديد ل إسرائيل (تفاصيل)    #عبدالله_محمد_مرسي يتفاعل بذكرى مولده .. وحسابات تستحضر غموض وفاته ..فتش عن السيسي    «لاماسيا مغربية» تُبهر العالم.. وإشراقة تضيء إفريقيا والعرب    الزناتي يشارك في احتفالية اليوبيل الماسي للهيئة القبطية الإنجيلية    والد ضحايا جريمة الهرم يفجر مفاجأة: بنتي مازالت عذراء    رئيس محكمة النقض يزور الأكاديمية الوطنية للتدريب    «زي النهارده».. وفاة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين 28 أكتوبر 1973    حالق زلبطة.. أحمد الفيشاوى يتعاقد على فيلم حين يكتب الحب مع جميلة عوض    لتعزيز الانتماء.. وكيل نقابة المرشدين السياحيين يطالب الحكومة بزيادة إجازة احتفال المتحف الكبير ل 3 أيام    تصل إلى الحرائق.. 6 أخطاء شائعة في استخدام الميكرويف تؤدي إلى كوارث    دراسة| تأخير الساعة يرفع معدلات الاكتئاب بنسبة 11%    إصابة واحدة من كل خمس، دراسة تكشف علاقة التهاب المسالك البولية بنظافة المطبخ    شبانة عن أزمة دونجا: كل يوم مشكلة جديدة في الكرة المصرية    مفاجأة.. الزمالك يفكر في إقالة فيريرا قبل السوبر وتعيين هذا المدرب    عضو المجلس الأعلى للشباب والرياضة الفلسطيني يطمئن على الدباغ وكايد    ماذا يحدث في الفاشر؟    خيبة أمل من شخص مقرب.. حظ برج العقرب اليوم 28 أكتوبر    الحاجة نبيلة بلبل الشرقية: البامية شوكتني وش السعد ولسة بشتغل في الغيط    رياضة ½ الليل| الخطيب يعترف بالعجز.. موقف انسحاب الزمالك.. ثقة تخوف بيبو.. وصدمة قوية للملكي    الأرصاد تحذر من شبورة كثيفة وتقلبات مفاجئة.. تفاصيل طقس الثلاثاء 28 أكتوبر في جميع المحافظات    الداخلية تكشف حقيقة ادعاء محاولة اختطاف فتاة في أكتوبر    سعر الدولار الآن مقابل الجنيه والعملات الأخرى ببداية تعاملات الثلاثاء 28 أكتوبر 2025    محافظ قنا يشهد تخريج مدارس المزارعين الحقلية ضمن مشروع تحديث الري    تقرير أمريكى: تقييم «الخارجية» لمقتل شيرين أبو عاقلة مشوب ب«الالتباس»    من حقك تعرف.. ما هى إجراءات حصول المُطلقة على «نفقة أولادها»؟    تأييد المشدد 7 سنوات لمتهم بتزوير عقد سيارة وبيعها    عودة الحركة المرورية على طريق بنها شبرا الحر بعد حادث التصادم    أمن القليوبية يكثف جهوده لضبط المتهم بسرقة مشغولات ذهبية من عيادة طبيب أسنان    وزير الاتصالات يختتم زيارته لفيتنام بلقاءات استراتيجية| تفاصيل    32.7 مليار جنيه إجمالى قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة اليوم الإثنين    البابا تواضروس يلتقي وفود العائلتين الأرثوذكسيتين في مركز "لوجوس"    «العمل» تُحرر 338 محضرًا ضد منشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    مجلس جامعة المنيا يشيد بنجاح منظومة الاختبارات الإلكترونية بكلية الطب    ذاكرة الكتب| تدمير «إيلات».. يوم أغرق المصريون الكبرياء الإسرائيلى فى مياه بورسعيد    رقصت معه وقبّل يدها.. تفاعل مع فيديو ل سيدة تمسك بذراع عمرو دياب في حفل زفاف    زاهي حواس: كنت أقرب صديق ل عمر الشريف وأصيب بألزهايمر فى أخر أيامه ولم يعرفنى    أبوريدة يحسم الملفات الحائرة بالجبلاية.. المفاضلة بين ميكالي وغريب لقيادة المنتخب الأولمبي    الأولى للفريقين هذا الموسم.. محمود بسيوني حكم مباراة الأهلي وبتروجت    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025    بعد مأساة الطفل عمر.. كيف تكشف لدغة ذبابة الرمل السوداء التي تُخفي موتًا بطيئًا تحت الجلد؟    انتبه إذا أصبحت «عصبيًا» أو «هادئًا».. 10 أسئلة إذا أجبت عنها ستعرف احتمالية إصابتك ب الزهايمر    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    هل يضاعف حساب الذنوب حال ارتكاب معاصي بعد العمرة أو الحج؟.. فيديو    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    مفتي الجمهورية: الجماعات المتطرفة توظف العاطفة الدينية للشباب لأغراضها الخاصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالله البصيّص : الحداثة الشعرية ابنة الموروث
نشر في صوت البلد يوم 24 - 01 - 2018

حصدت رواية “طعم الذئب” للكاتب الكويتي عبدالله البصيّص جائزة أفضل كتاب عربي في مجال الرواية لعام 2017، في النسخة ال36 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب. وتأتي هذه الرواية بعد مجموعة إصدارات، قدم من خلالها تجربته الأدبية على مستوى الشعر والسرد، فقد صدرت له مجموعتان قصصيتان “الديوانية” و”السور”، ورواية “ذكريات ضالة”، وديوان شعر نبطي حمل عنوان “ديوان الأفكار”. وقد منعت روايتاه في الكويت. وهو الآن على وشك الانتهاء من رواية لها طابع الجريمة، وليست من أدب الجريمة، ربما ستكون في متناول القراء في منتصف السنة القادمة.
الذئب والبوادي
بداية يحدثنا البصيّص عن فوز “طعم الذئب” قائلاً “لا شك أنني سعدت بفوز روايتي في جائزة مرموقة ومشهود لنزاهتها كجائزة معرض الشارقة، وهذا يعني أنها اختيرت على أكثر من خمسمئة رواية؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنها جاءت في وقت منعت فيه الرواية من النشر في وطني الكويت، ومن إمارة الشارقة المعروفة كإمارة محافظة ذات طابع إسلامي معتدل، لتؤكد للرقابة أن الرواية خالية من المحاذير التي حاول الرقيب إلصاقها بها. وعموما أنا أعتبر هذا الفوز فوزا للرواية الكويتية وتأكيدا على حضورها في المشهد الثقافي العربي”.
تمثّل رواية “طعم الذئب” الصادرة في 2016 عن المركز الثقافي العربي، الصراع الأبدي بين الذات والكون، بين الأنا والطبيعة بكل حمولاتها الثقافية والفلسفية، حيث تستنطق حقيقة الإنسان في أعقد تفاصيله الغائبة عن الوعي، لترسم بذلك كله حالات التحوّل العميقة لطبيعة الإنسان وحقيقته. إنها إلى حد كبير تستشرف من منطق التحليل النفسي سلوكاً في تركيبها البنائي. خصوصاً في منطقة الصراع المتعالي بين بطلها “ذيبان” ممثلاً لضعف الإنسان، وبين الذئب الممثل الموازي لقوة وشراسة الحياة والطبيعة.
وحول هذا المعنى يرى ضيفنا أنه لا يمكن أن تخلو الرواية من الصراع، فهو أساس الحدث وهو معْقَد الحبكة. يقول “من خلال الصراع يمكن معرفة سلوك الإنسان الحقيقي دون تصنّع. عندما كتبت ‘طعم الذئب‘ اخترت أن يكون البطل بدويا بعيدا عن مواطن الحضارة حتى يكون ذهنه متجردا من أي تصور مسبق أتت به العلوم والمعرفة عن الكون والحياة والذات، وتركته يواجه مخاوفه وحيدا في الفلاة، لأن المخاوف من وجهة نظري هي التي تحرك توقنا إلى المعرفة، ومن خلال سلوكه وتحليل هذا السلوك قلت ما أريد أن أقوله بصوت البطل ذيبان البدوي الذي يفهم الأشياء بتجرّد”.
تذكرنا الرواية في منحناها الغريزي برواية “الشيخ والبحر” لآرنست همنغواي، ويعتقد البصيص أن “وجه الشبه بينهما هو في جزئها الثاني فقط، عندما يتحول الصراع بين البطل والذئب، ويتكاثف حديث ‘ذيبان‘ مع نفسه وتبرز هنا، بطبيعة الحال، غريزة ‘الصراع على البقاء‘. لكن الرواية في مجملها بعيدة عمّا كتبه همنغواي. مع العلم أنه يسعدني أن تقارن برائعة عالمية كالشيخ والبحر”.
يتكئ اشتغال البصيّص الروائي في رواية “طعم الذئب” على الموروث عبر سبر أسرار الصحراء ومفاتنها وألغازها. ويرى أن الحداثة في الأصل هي ابنة الموروث ووريثته الشرعية. يقول “الحداثة التجديد الواعي، والموروث أيضا كان في يوم من الأيام حداثة في زمنه، وما وصلنا إليه الآن من نصوص حداثية ليست سوى كميات موروثة أحدث تراكمها نقلة نوعية في الشكل فقط دون المساس بالمضمون، لأن لكل زمن تطلعاته ومشاكله، والموروث الشعبي هو أحد أفضل تلك المرتكزات التي دفعت بالنصوص الحداثية لتصبح على ما هي عليه الآن، لا يمكن أن نفهم أي ثقافة شعبية دون الرجوع إلى موروثها، ودون أن نراها وفق ما توصلنا إليه من الحداثة”.
هوية جامعة
ينتقل ضيفنا البصيّص من منصة الشعر إلى منصة السرد، ويوزّع كتاباته الإبداعية بينهما شاعراً وروائياً، فلا فرق لديه ساعة التجلي الإبداعي بين المنصتين، فكلتاهما عالم واحد. يقول موضحاً انتقاله بين العالمين الشعري والسردي “لماذا نفرق بين الشعر والسرد؟ إذا علمنا أن الشعر في نشأته الأولى كان سردا للأساطير الإغريقية، كما جاءت الإلياذة والأوديسة وحتى مسرحيات الرومانيين. ولمّا كتب أفلاطون كتابه الشهير ‘الشعر‘ كان يتحدث فيه عن الرواية وليس عن الشعر، ففكرة أن نفصل بين الشعر والسرد ليست منطقية من وجهة نظري، لكن ربما يمكن القول إن هناك شعراً بصورة ‘قصيدة‘، وشعراً بصورة ‘رواية‘، وأنا كتبت الرواية بلغة شعرية، لأن الشعر هو المادة الخام التي تتكون منها كافة الأجناس الأدبية، والرواية من وجهة نظري تفوقت على القصيدة في عدة جوانب، منها عمق التحليل، وإثارة التعاطف، وأن تأثيرها لا يحتاج إلى عوامل خارجية، وأيضا إمكانية اشتمالها على القصيدة، أما القصيدة فتأثيرها يعتمد على مقومات أخرى، كالإلقاء والمَوقف، وأمور أخرى يطول الحديث عنها”.
وإثر سؤال عن ملف المبدعين البدون في الكويت وكيف يتعامل معه كمثقف، يجيب الكاتب “البدون قضية كتبت عنها في روايتي ‘ذكريات ضالة‘، وقد منعت في الكويت. ولعلي لا أبوح بسر إذا قلت إن البدون في الكويت هم الأجود إبداعا في الوطن العربي؛ في الشعر لدينا دخيل الخليفة وسعدية المفرح، في الرواية لدينا ناصر الظفيري، وهؤلاء يعتبر كل واحد منهم علما في مجاله، وليس إبداعهم في حاجة لاعتراف الحكومات، وتشهد شهرتهم بذلك، لكن هذا يضر بالمؤسسات التي تهمش مثل هؤلاء دون أن يفرض عليها إلتزامها الإنساني الالتفات إليهم، عندما يتم تهميشهم فهذا يضر المؤسسة ولا يضرهم كمبدعين لا يزال لديهم الكثير ليقدموه”.
وفي الشأن العربي “الربيع وما بعده” توقفنا مع روائينا حول مفهوم الهوية الجامعة للمثقف العربي، لا سيما وأن الحرب مزّقتهم، خصوصاً بعد انعكاسات الربيع، وتكشّف المواقف والاتهامات والتخوينات بين طرفين كانا في يوم من الأيام في الصف النضالي ذاته ضد إسرائيل.
يعلّق قائلاً “هنالك أصلا هوية جامعة بين الثقافات الإنسانية جمعاء فما بالك بالهوية العربية القوية للثقافة العربية والمثقف العربي، ومن واقع تجربتنا في الكويت نتشارك مع كافة المثقفين العرب همومهم الثقافية دون النظر إلى الانتماء -شريطة عدم دعم الطغاة-، لأن هنالك مثقفين دخلوا معترك السياسة لاستقطاب الجماهير وليس لتوعيتها، متناسين أن من أهم خصائص الثقافة العربية حميّة الروح العربية. وبالفعل لدينا أكثر من مئة قلم عربي يتثاقف لسياسات فاسدة تستهدف تقسيم الشعوب والأوطان. ربما كان هذا خافيا في زمن سابق لكن بعد الربيع العربي سقطت الأقنعة، وكشفت الأقلام خطورة الفكر الذي كانت تكتب به. واستهدف العربي بعروبته ووطنيته، ولم أكن أتصور أن كاتبا عربيا سيدعو يوما إلى التطبيع مع إسرائيل بنفس الأساليب التي كان يدعو بها لدعم القضية الفلسطينية، والمحزن أن هناك من يتقيأ بقلمه على أن القضية الفلسطينية قضية الفلسطينيين وحدهم ضاربا بالعروبة عرض الحائط. ومع هذا أنا متفائل، وتفائلي مبعثه رفض المتلقي العربي الأصيل للأصوات الداعية إلى الخضوع للمحتل وإلى فصل تلك القضية المفصلية عن العروبة”.
حصدت رواية “طعم الذئب” للكاتب الكويتي عبدالله البصيّص جائزة أفضل كتاب عربي في مجال الرواية لعام 2017، في النسخة ال36 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب. وتأتي هذه الرواية بعد مجموعة إصدارات، قدم من خلالها تجربته الأدبية على مستوى الشعر والسرد، فقد صدرت له مجموعتان قصصيتان “الديوانية” و”السور”، ورواية “ذكريات ضالة”، وديوان شعر نبطي حمل عنوان “ديوان الأفكار”. وقد منعت روايتاه في الكويت. وهو الآن على وشك الانتهاء من رواية لها طابع الجريمة، وليست من أدب الجريمة، ربما ستكون في متناول القراء في منتصف السنة القادمة.
الذئب والبوادي
بداية يحدثنا البصيّص عن فوز “طعم الذئب” قائلاً “لا شك أنني سعدت بفوز روايتي في جائزة مرموقة ومشهود لنزاهتها كجائزة معرض الشارقة، وهذا يعني أنها اختيرت على أكثر من خمسمئة رواية؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنها جاءت في وقت منعت فيه الرواية من النشر في وطني الكويت، ومن إمارة الشارقة المعروفة كإمارة محافظة ذات طابع إسلامي معتدل، لتؤكد للرقابة أن الرواية خالية من المحاذير التي حاول الرقيب إلصاقها بها. وعموما أنا أعتبر هذا الفوز فوزا للرواية الكويتية وتأكيدا على حضورها في المشهد الثقافي العربي”.
تمثّل رواية “طعم الذئب” الصادرة في 2016 عن المركز الثقافي العربي، الصراع الأبدي بين الذات والكون، بين الأنا والطبيعة بكل حمولاتها الثقافية والفلسفية، حيث تستنطق حقيقة الإنسان في أعقد تفاصيله الغائبة عن الوعي، لترسم بذلك كله حالات التحوّل العميقة لطبيعة الإنسان وحقيقته. إنها إلى حد كبير تستشرف من منطق التحليل النفسي سلوكاً في تركيبها البنائي. خصوصاً في منطقة الصراع المتعالي بين بطلها “ذيبان” ممثلاً لضعف الإنسان، وبين الذئب الممثل الموازي لقوة وشراسة الحياة والطبيعة.
وحول هذا المعنى يرى ضيفنا أنه لا يمكن أن تخلو الرواية من الصراع، فهو أساس الحدث وهو معْقَد الحبكة. يقول “من خلال الصراع يمكن معرفة سلوك الإنسان الحقيقي دون تصنّع. عندما كتبت ‘طعم الذئب‘ اخترت أن يكون البطل بدويا بعيدا عن مواطن الحضارة حتى يكون ذهنه متجردا من أي تصور مسبق أتت به العلوم والمعرفة عن الكون والحياة والذات، وتركته يواجه مخاوفه وحيدا في الفلاة، لأن المخاوف من وجهة نظري هي التي تحرك توقنا إلى المعرفة، ومن خلال سلوكه وتحليل هذا السلوك قلت ما أريد أن أقوله بصوت البطل ذيبان البدوي الذي يفهم الأشياء بتجرّد”.
تذكرنا الرواية في منحناها الغريزي برواية “الشيخ والبحر” لآرنست همنغواي، ويعتقد البصيص أن “وجه الشبه بينهما هو في جزئها الثاني فقط، عندما يتحول الصراع بين البطل والذئب، ويتكاثف حديث ‘ذيبان‘ مع نفسه وتبرز هنا، بطبيعة الحال، غريزة ‘الصراع على البقاء‘. لكن الرواية في مجملها بعيدة عمّا كتبه همنغواي. مع العلم أنه يسعدني أن تقارن برائعة عالمية كالشيخ والبحر”.
يتكئ اشتغال البصيّص الروائي في رواية “طعم الذئب” على الموروث عبر سبر أسرار الصحراء ومفاتنها وألغازها. ويرى أن الحداثة في الأصل هي ابنة الموروث ووريثته الشرعية. يقول “الحداثة التجديد الواعي، والموروث أيضا كان في يوم من الأيام حداثة في زمنه، وما وصلنا إليه الآن من نصوص حداثية ليست سوى كميات موروثة أحدث تراكمها نقلة نوعية في الشكل فقط دون المساس بالمضمون، لأن لكل زمن تطلعاته ومشاكله، والموروث الشعبي هو أحد أفضل تلك المرتكزات التي دفعت بالنصوص الحداثية لتصبح على ما هي عليه الآن، لا يمكن أن نفهم أي ثقافة شعبية دون الرجوع إلى موروثها، ودون أن نراها وفق ما توصلنا إليه من الحداثة”.
هوية جامعة
ينتقل ضيفنا البصيّص من منصة الشعر إلى منصة السرد، ويوزّع كتاباته الإبداعية بينهما شاعراً وروائياً، فلا فرق لديه ساعة التجلي الإبداعي بين المنصتين، فكلتاهما عالم واحد. يقول موضحاً انتقاله بين العالمين الشعري والسردي “لماذا نفرق بين الشعر والسرد؟ إذا علمنا أن الشعر في نشأته الأولى كان سردا للأساطير الإغريقية، كما جاءت الإلياذة والأوديسة وحتى مسرحيات الرومانيين. ولمّا كتب أفلاطون كتابه الشهير ‘الشعر‘ كان يتحدث فيه عن الرواية وليس عن الشعر، ففكرة أن نفصل بين الشعر والسرد ليست منطقية من وجهة نظري، لكن ربما يمكن القول إن هناك شعراً بصورة ‘قصيدة‘، وشعراً بصورة ‘رواية‘، وأنا كتبت الرواية بلغة شعرية، لأن الشعر هو المادة الخام التي تتكون منها كافة الأجناس الأدبية، والرواية من وجهة نظري تفوقت على القصيدة في عدة جوانب، منها عمق التحليل، وإثارة التعاطف، وأن تأثيرها لا يحتاج إلى عوامل خارجية، وأيضا إمكانية اشتمالها على القصيدة، أما القصيدة فتأثيرها يعتمد على مقومات أخرى، كالإلقاء والمَوقف، وأمور أخرى يطول الحديث عنها”.
وإثر سؤال عن ملف المبدعين البدون في الكويت وكيف يتعامل معه كمثقف، يجيب الكاتب “البدون قضية كتبت عنها في روايتي ‘ذكريات ضالة‘، وقد منعت في الكويت. ولعلي لا أبوح بسر إذا قلت إن البدون في الكويت هم الأجود إبداعا في الوطن العربي؛ في الشعر لدينا دخيل الخليفة وسعدية المفرح، في الرواية لدينا ناصر الظفيري، وهؤلاء يعتبر كل واحد منهم علما في مجاله، وليس إبداعهم في حاجة لاعتراف الحكومات، وتشهد شهرتهم بذلك، لكن هذا يضر بالمؤسسات التي تهمش مثل هؤلاء دون أن يفرض عليها إلتزامها الإنساني الالتفات إليهم، عندما يتم تهميشهم فهذا يضر المؤسسة ولا يضرهم كمبدعين لا يزال لديهم الكثير ليقدموه”.
وفي الشأن العربي “الربيع وما بعده” توقفنا مع روائينا حول مفهوم الهوية الجامعة للمثقف العربي، لا سيما وأن الحرب مزّقتهم، خصوصاً بعد انعكاسات الربيع، وتكشّف المواقف والاتهامات والتخوينات بين طرفين كانا في يوم من الأيام في الصف النضالي ذاته ضد إسرائيل.
يعلّق قائلاً “هنالك أصلا هوية جامعة بين الثقافات الإنسانية جمعاء فما بالك بالهوية العربية القوية للثقافة العربية والمثقف العربي، ومن واقع تجربتنا في الكويت نتشارك مع كافة المثقفين العرب همومهم الثقافية دون النظر إلى الانتماء -شريطة عدم دعم الطغاة-، لأن هنالك مثقفين دخلوا معترك السياسة لاستقطاب الجماهير وليس لتوعيتها، متناسين أن من أهم خصائص الثقافة العربية حميّة الروح العربية. وبالفعل لدينا أكثر من مئة قلم عربي يتثاقف لسياسات فاسدة تستهدف تقسيم الشعوب والأوطان. ربما كان هذا خافيا في زمن سابق لكن بعد الربيع العربي سقطت الأقنعة، وكشفت الأقلام خطورة الفكر الذي كانت تكتب به. واستهدف العربي بعروبته ووطنيته، ولم أكن أتصور أن كاتبا عربيا سيدعو يوما إلى التطبيع مع إسرائيل بنفس الأساليب التي كان يدعو بها لدعم القضية الفلسطينية، والمحزن أن هناك من يتقيأ بقلمه على أن القضية الفلسطينية قضية الفلسطينيين وحدهم ضاربا بالعروبة عرض الحائط. ومع هذا أنا متفائل، وتفائلي مبعثه رفض المتلقي العربي الأصيل للأصوات الداعية إلى الخضوع للمحتل وإلى فصل تلك القضية المفصلية عن العروبة”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.