ذلك سؤال ستسأله لنفسك أو لصديق فور انتهائك من قراءة رواية «طعم الذئب» للكاتب الكويتى عبدالله البصيص، الذى يعكس من خلال هذين الحيوانين مفاهيم ودلالات تكشف عمق الصراع داخل النفس البشرية، فيغوص فى خباياها وتناقضاتها اللانهائية، فى قالب روائى ممتع لرحلة إنسان نبذته الحياة، وتركته فريسة مستساغة للذئاب الجائعة والطبيعة الصحراوية الغامضة، لتنتهى رحلته بإعادة ميلاده من جديد. برشاقة صاغ البصيص حوارا بين ذئب وإنسان، قال فيه الأول للثاني: «الكلاب تلوم نفسها إذا أخطأت، وتظل تلوم نفسها حتى ترضى على نفسها الذل، ونحن الذئاب لكى نكون ذئابا علينا أولا ألا نأسف على أى خطأ اقترفناه، وألا نندم على زلة بدرت منا، أتعرف لماذا؟ لأنه يحق لنا أن نخطئ ولا يحق لأحد أن يحاسبنا، هل عرفت لماذا الذئب لا يخنع؟». اعتمد «البصيص» فى روايته، الحائزة على جائزة أفضل كتاب عربى فى مجال الرواية بمعرض الشارقة الدولى للكتاب العام 2017، بعدا فلسفيا شديد العمق فى الكشف عن طبيعة النفس البشرية، وهو ما تجلى فى حكايات العجائز وهي: «أن أصل الذئب يعود لكلب وفىّ، جاع مرة فافترس من قطيع صاحبه نعجة، أكل رقبتها ويدها، فجاع بعد أسبوع وأكل جزءا من أخرى، هكذا ظل لمدة شهر، كل أسبوع يأكل عضوا من نعجة، حتى اكتشف الراعى فى ليلة ما يفعله الكلب فدعا عليه بألا يشبع، وأن يجعل الله الجوع سبب موته هو وذريته، فاستجاب له الله وأتت من تلك الكلاب، الذئاب التى تنتشر فى الصحراء، تتواصى فيما بينها على نهش قطعان الرعاة انتقاما من دعوة الراعي». كما اعتمد الكاتب على عدة مفارقات لتعميق هوة الصراع النفسى الأزلى بين الإنسان وذاته، وبات ذلك واضحا عندما اختبأ بطل الرواية فى جحر صغير، فاتخذ وضعية الجنين، التى اعتبرها فألا سيئا ينبئ بالمفارقة الهزيلة فى أن تكون «كيفية موته فى الجحر كما كيفية حياته فى بطن أمه»، ويكرس المفارقة بالقول «الدنيا أيضا جحر.. لكنها جحر كبير»، وعن المسافة التى تفصل بينه وبين الذئب يقول الكاتب: «قريب كأنه يستعد للفراق، بعيد كأنه يروم الوصل». وعلى الرغم من أن الكاتب البصيص شاب لم يتجاوز الثلاثين عاما، فإنه استطاع أن يعكس خبرة كهل، فقدم لنا الصراع الإنسانى فى أعنف صوره، وإن كان انتصر لحقيقة الذئب القابع داخلنا، إلا أنه ترك للقارئ حرية الاختيار بين أن يعيش غالبا كالذئاب، أو مغلوبا كالكلاب.