نقيب المحامين يقرر صرف 500 جنيه منحة استثنائية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    إعلان نتائج طرح الوحدات الصناعية الجاهزة ب10 محافظات عبر منصة مصر الرقمية    رئيس "العربية للتصنيع": نتطلع لتصنيع قطع الغيار بطريقة رقمية    البنك المركزى يعلن عطلة البنوك لعيد الأضحى تبدأ الخميس وتنتهى الإثنين.. فيديو    محافظ القليوبية يكلف رؤساء المدن برفع درجة الطوارئ خلال إجازة عيد الأضحى    استعدادا للعيد.. تعقيم المجازر ورش وتجريع الماشية في المنيا    محافظ المنوفية يوجه بصرف مساعدات مالية وغذائية عاجلة لحالات إنسانية    «الأونروا» في غزة: آلية توزيع المساعدات الإنسانية لا تلبي الاحتياجات وإمداداتنا جاهزة    تقارير: النصر يعرض خطته على رونالدو لإقناعه بالتجديد    «غصب عن الرابطة».. مدرب بيراميدز يحتفل ب دوري أبطال أفريقيا بطريقة مفاجئة    تقارير: ليفركوزن يرفض العرض الثاني من ليفربول لضم فيرتز    رومانو: إنزاجي يعقد اجتماعا مع إنتر.. وحسم مستقبله الثلاثاء    الطريق تحول إلى نار .. تصادم مروع بين سيارة مواد بترولية وأخرى بطريق الواحات | صور    حالة الطقس اليوم في السعودية.. رياح مثيرة للغبار والأتربة على مناطق عدة    خطوات بسيطة للحصول على "فيش وتشبيه"    وزيرة التنمية المحلية توجه برفع درجة الاستعداد بالقطاعات الخدمية والتنفيذية بالمحافظات استعداداً لعيد الأضحي المبارك    السجن المؤبد ل4 أشخاص بتهمة قتل مواطن في المنيا    المراجعة النهائية في مادة الكيمياء للثانوية العامة .. لن يخرج عنها الامتحان    الكشف عن موعد عرض مسلسل "فات الميعاد"    المدير التنفيذي: أنجزنا 99% من مشروع حدائق تلال الفسطاط    تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور    أحدث ظهور ل نادين نسيب نجيم بإطلالة جريئة والجمهور يعلق (صور)    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو    نائب وزير الصحة: 65 مليون جرعة تطعيمات سنويا في مصر.. ونبحث عن مرضى فيروس B    نائب وزير الصحة: إعطاء 65 مليون جرعة تطعيمات سنويا لحديثي الولادة وطلاب المدارس    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    مهندس صفقة شاليط: مواقف إسرائيل وحماس متباعدة ويصعب التوصل لاتفاق    أسعار النفط ترتفع بعد تزايد المخاوف من الصراعات الجيوسياسية    الإصلاح والنهضة: صالونات سياسية لصياغة البرنامج الانتخابي    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    إدارة ترامب تواجه انتقادات قضائية بسبب تضليل في ملف الهجرة علنًا    الرئيس السيسي يستقبل وزير الخارجية الإيراني    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل القيادة البولندية الجديدة العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    منافس الأهلي.. بالميراس يفرط في صدارة الدوري البرازيلي    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    الإسكان : مد فترة حجز وحدات "سكن لكل المصريين 7" لمتوسطى الدخل حتى 18 يونيو    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    ختام دوري حزب حماة الوطن لعمال الشركات الموسم الثاني    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    أشرف نصار: نسعى للتتويج بكأس عاصمة مصر.. وطارق مصطفى مستمر معنا في الموسم الجديد    أحفاد نوال الدجوي يتفقون على تسوية الخلافات ويتبادلون العزاء    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة.. 10 كلمات تفتح أبواب الرزق (ردده الآن)    "زمالة المعلمين": صرف الميزة التأمينية بعد الزيادة لتصل إلى 50 ألف جنيه    محمد أنور السادات: قدمنا مشروعات قوانين انتخابية لم ترَ النور ولم تناقش    محمود حجازي: فيلم في عز الضهر خطوة مهمة في مشواري الفني    محافظ الشرقية يشهد فعاليات المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار العائلة المقدسة بمنطقة آثار تل بسطا    رئيس قسم النحل بمركز البحوث الزراعية ينفي تداول منتجات مغشوشة: العسل المصري بخير    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    «قولت هاقعد بربع الفلوس ولكن!».. أكرم توفيق يكشف مفاجأة بشأن عرض الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من بيرة الفراعنة المُبرَّدة إلى حانات الثورة
نشر في صوت البلد يوم 25 - 07 - 2017

من النبيذ الذي كان يرتشفه العمال الذين بنوا الأهرامات إلى تحفّظ الأقباط عن تصنيع الخمر في بعض فترات العهود الإسلامية، إلى الدور الثوري الذي لعبته الحانات... قد يكون ممكناً أن نتعرّف على حياة المصريين من خلال الحديث عن علاقاتهم بالخمور.
كان النبيذ مصاحباً للعمال الذين بنوا الأهرامات خلال عملهم. ولفت محمود خير الله، في كتابه "بارات مصر... قيام وانهيار دولة الأنس"، إلى أنه عُرفت أربعة أنواع من النبيذ وخمسة أنواع من البيرة التي كانت تعرف باسم "هاكت" في عصر الفراعنة.
وأضاف خير الله أن البيرة كانت في مصر القديمة مشروباً للصغار والكبار، وبلغ اهتمامهم بها حداً لا يمكن تصديقه، حيث استطاعوا تبريدها بواسطة هواء الأنهار. أما النبيذ المصري فكان أفضل ما يُقدم للفراعنة والآلهة، وحصل على درجة من القدسية لدرجة أنه كان يُحفظ مع الموتى، وكان اسمه الفرعوني هو "يورب".
وأشار أحمد محمد عبد العال، أستاذ الآثار في جامعة المنيا، إلى أن كلمة "نبيذ" في مصر القديمة كانت تشير عادة إلى العصير المخّمر من العنب الطازج، وكان النبيذ بهذا المعني أهم الخمور عند قدماء المصريين بجانب أنواع أخرى مصنوعة من النخيل والبلح ونوع آخر كان يصنع من ثمر المخيط.
وقال : إن النبيذ كان من المشروبات المحببة لدى المصريين القدماء، وهذا ما توضحه النقوش على جدران المعابد والمقابر مثل مقبرة "بتاح حتب" التي يوجد فيها نقش يوضح كيفية صناعة النبيذ، وكذلك مقبرة من عهد الأسرة الخامسة في منطقة سقارة، وأخرى من عهد الأسرة الثانية عشرة في قرية البرشا ومقابر عدّة من هذا العهد أيضاً في قرية بني حسن في المنيا في شمال صعيد مصر.
كان عدد كبير من الرجال يجمعون عناقيد العنب الكبيرة في سلال ويحملونها على ظهورهم إلى مكان العصر، وهنالك يفرغونها في أوعية كبيرة ليست عميقة، ثم يدوسون العنب بأرجلهم، ويقوم بذلك خمسة أو ستة رجال مجتمعين وعلى إيقاع الموسيقى. هكذا وصف عبد العال طريقة صناعة النبيذ من العنب عند قدماء المصريين.
كما كانت ثمار البلح ذات قيمة خاصة عند المصريين القدماء. ووفقاً لعبد العال، فقد استخرجوا منها نوعاً من نبيذ البلح يسمونه في صعيد مصر ب"عرفي"، وتشتهر بعض مدن محافظة قنا مثل نقادة بصناعته حتى اليوم، ويستخدم في العقاقير الطبية، كما يستخدم شراباً.
أما نبيذ النخيل فكان يتألف من عصارة شجرة النخيل، ويُحصل على هذه العصارة بحزّ ثمار الشجرة تحت قاعدة أغصانها العليا مباشرة. هذا ما قاله أستاذ الآثار الذي أشار إلى أن السائل فور أخذه من النخيل لا يكون مسُكراً، ولكنه يكتسب الصفة بالتخمر.
الخمر والجعة في مصر القديمة كانا جزءاً أساسياً من الوليمة، تقول الباحثة ماجدة المهداوي في بحث كتبته بعنوان "وليمة من العصر الفرعوني"، شارحةً أنهما كانا يُقدّمان للضيوف في أباريق كبيرة تنتهي بطرف رفيع ومصفاة تمسك باليد لتصفية الشراب. وعندما كان أحد المدعوين يفرط في الشراب، كان الخدم يضعونه على السرير في زاوية الغرفة حتى يستعيد وعيه مرة أخرى.
العصر الإسلامي
بعد دخول الإسلام مصر أصبح الأقباط أكثر تحفظاً في تصنيع الخمور. هذا ما يقوله المستشرق البريطاني ستانلي لين بول فى كتابه "تاريخ مصر في العصور الوسطى"، ذاكراً أن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله أمر بمنع الجعة ومصادرة الخمر تماماً.
وأشار لين بول إلى أن دولة المماليك الأولى التي تأسست في القرن السابع الهجري لم تكن تحفل كثيراً بتعاليم الدين الإسلامي في قصور الحكم، وهذا ما ظهر من خلال قصائد الشاعر بهاء الدين زهير التي احتلت فيها قصائد الخمر مكانةً بارزةً. كذلك وُصف العديد من سلاطين المماليك بأنهم مدمنون للخمر مثل الأمير "بيسري" الذي كان عاجزاً عن المشاركة فى إدارة الأمور العامة لأنه كان مستغرقاً تماماً في الشرب.
أم السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، فقد كان صارماً في ما يتعلق بالآداب العامة، لذا لم يسمح بالخمر رغم أن ضريبته كانت تدرّ عليه ستة آلاف دينار سنوياً، كما قام بإغلاق الحانات والمواخير، بحسب لين بول.
جلسات السُكر في العصر المملوكي كانت أيضاً محلاً لحبك المؤامرات والتخلص من الأعداء. هذا ما ذكره المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، مدللاً على ذلك باتفاق علي بك المعروف ب"أبي العذب" مع مجموعة من الأمراء على قتل أعدائهم خلال جلسة سُكر.
في زمن الحملة الفرنسية
وفي كتابهم "وصف مصر"، دوّن علماء الحملة الفرنسية (1798- 1801) الكثير عن صناعة الخمور في مصر في ذلك الوقت، ورسموا صورة واضحة لمهنة "المُقطر" الذي يُعتبر العنصر الرئيسي في إنتاج الخمور.
وجاء في الكتاب: "تحرّم الشريعة الإسلامية الخمور، ويراعي المسلمون المتمسكون بدينهم ذلك، أما الكبار والتجار والجنود فيرتكبون هذه المعصية في الخفاء، ويصنع المصريون عدداً من المشروبات الروحية أحسنها وأجودها هو المشروب المصنوع من العنب المجفف، أما ما يُستخرج من التين والجميز والبلح وثمار التين الشوكي فهي أدنى قيمة، ويفرط الأقباط في تناول الخمور".
وشرح الكتاب أماكن وطريقة صنع النبيذ فقال: "لعلّ الفيوم هي الولاية الوحيدة التي يُصنع فيها النبيذ، فبعد أن يُهرس العنب لمدة ساعة في إناء فخاري اسطواني الشكل، يوضع في جوال كبير مصنوع من قماش صوفي بالغ السُمك، ثم يعتصر الجوال بشدة، ويستقبل عصير العنب الذي يسيل من الجوال على هذا النحو في إناء فخار يشبه الإناء الأول، لتتم فيه عملية التخمير التي تستغرق مدة تبلغ من 8 إلى 15 يوماً، يُصب بعدها السائل في قوارير كبيرة، تُدفن تحت الأرض حتى رقبتها، وتغلق فتحتها بسدادة خشبية، ويُحكم إقفالها بالجبس، ورغم هذا الاحتياط، فإن النبيذ لا يظل على حاله لأكثر من بضعة شهور، حيث نجده عادة في حالة خل".
السُكر في القرن التاسع عشر
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تأثرت صناعة الخمور في مصر بالاحتلال البريطاني، عام 1882، بسبب تناول جنود الاحتلال لكميات كبيرة من الكحوليات لتخفيف الضغط العصبي الواقع عليهم، وهو ما أدى إلى رواج كبير لهذه الصناعة.
وفي كتابه "خبايا القاهرة... عن ليالي القاهرة وخفاياها في بداية القرن العشرين" الصادر عام 1958، رصد الكاتب أحمد محفوظ أماكن البارات خلال هذه الفترة قائلاً: "حانات القاهرة في أيام الفاطميين والأيوبيين والمماليك، كانت تقع في أطرافها على النيل، مثل طموه والجيزة وناهية وطرة. وفي قلب القاهرة كانت هناك حارة الروم وحارة النصارى وقنطرة الوز وبركة الأزبكية، وكان يديرها غير المسلمين من الأقباط واليهود".
ويتابع: "في أوائل القرن العشرين تركزت البارات في شارع وش البركة (نجيب الريحاني لاحقاً) حيث محلات "الألدراتو" و"الألكزندري" و"باميه بار" و"الكستبان الأحمر" و"بار ماري" و"أوبلسك" و"شولار"، إلى شارع "كلوت بك" حيث حانات "السبعة أبواب" و"حلواني اللوفر" إلى شارع "البواكي" حيث ملهى "ألف ليلة".
دور ثوري للحانات
ويشير الكاتب في كتابه المذكور إلى أن البارات شكّلت على مدار ثلاثة قرون في مصر قصص كفاح كبيرة، كما ساهمت في ترسيخ الدولة المدنية والحفاظ عليها من الاندثار والزوال. بل إن بعضها لعب دوراً في الثورات التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث ، ففي الأربعينيات من القرن العشرين، كما يروى خير الله، أنفقت شركات الخمور العاملة في مصر أموالاً طائلة للدعاية لمنتجاتها، واضطرت إلى المشاركة في إنتاج أفلام سينمائية كان موضوعها رصد حروب الشرطة ضد تجارة المخدرات لتكريس الصورة الذهنية التي تعتبر تناول المسكرات فعلاً طبيعياً كما جرى تصوير الأمر في أغلب الأفلام السينمائية.
وروى أن بعض المطاعم المعروفة كحانات لعبت "أدواراً عظيمة وملهمة في تاريخ هذا البلد، عبر انحيازها الدائم إلى جانب الثوار في أيام الثورات المصرية الكثيرة، خلال القرن العشرين".
قبو "ريش"، كان مخبئاً لسعد زغلول ورفاقه إبان ثورة 1919، ولا يزال يحتفظ بأبوابه السرية من بينها باب سري خلف البار يلتف دائرياً لينفتح ويقود مباشرة إلى شارع هدى شعرواي.
ويضيف: ما يزال القبو يحتفظ أيضاً بالمطبعة القديمة وهي التي وفّرها المالك اليوناني القديم للبار لسعد زغلول ورفاقه من الثوار حينما بدأوا يدرسون طبع المنشورات ضد الاحتلال الإنجليزي في مكان آمن وسط القاهرة، فكان قبو ومطبعة "كافيه ريش" هما المكان الذي أعلنت منه ثورة 1919 مطالبها للعالم.
ويتطرق إلى بار الحرية الذي يقع في وسط القاهرة مشيراً إلى أنه واحد من البارات القليلة التي تميّزت بطابعها الشعبي في الوقت الذي اعتبرت فيه أيضاً دليلاً نخبوياً على ممارسة الحرية.
فقد احتضن بار الحرية على مدار تاريخه، ومنذ تأسيسه قبل ثمانية عقود، مَن ثاروا ضد فساد حاشية الملك فاروق الأول ومَن رفضوا القبضة الأمنية النافذة لنظام ما بعد ثورة يوليو 1952. وأيضاً بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، كان "الحرية" ملاذاً آمناً للثوار، يكمل خير الله.
من النبيذ الذي كان يرتشفه العمال الذين بنوا الأهرامات إلى تحفّظ الأقباط عن تصنيع الخمر في بعض فترات العهود الإسلامية، إلى الدور الثوري الذي لعبته الحانات... قد يكون ممكناً أن نتعرّف على حياة المصريين من خلال الحديث عن علاقاتهم بالخمور.
كان النبيذ مصاحباً للعمال الذين بنوا الأهرامات خلال عملهم. ولفت محمود خير الله، في كتابه "بارات مصر... قيام وانهيار دولة الأنس"، إلى أنه عُرفت أربعة أنواع من النبيذ وخمسة أنواع من البيرة التي كانت تعرف باسم "هاكت" في عصر الفراعنة.
وأضاف خير الله أن البيرة كانت في مصر القديمة مشروباً للصغار والكبار، وبلغ اهتمامهم بها حداً لا يمكن تصديقه، حيث استطاعوا تبريدها بواسطة هواء الأنهار. أما النبيذ المصري فكان أفضل ما يُقدم للفراعنة والآلهة، وحصل على درجة من القدسية لدرجة أنه كان يُحفظ مع الموتى، وكان اسمه الفرعوني هو "يورب".
وأشار أحمد محمد عبد العال، أستاذ الآثار في جامعة المنيا، إلى أن كلمة "نبيذ" في مصر القديمة كانت تشير عادة إلى العصير المخّمر من العنب الطازج، وكان النبيذ بهذا المعني أهم الخمور عند قدماء المصريين بجانب أنواع أخرى مصنوعة من النخيل والبلح ونوع آخر كان يصنع من ثمر المخيط.
وقال : إن النبيذ كان من المشروبات المحببة لدى المصريين القدماء، وهذا ما توضحه النقوش على جدران المعابد والمقابر مثل مقبرة "بتاح حتب" التي يوجد فيها نقش يوضح كيفية صناعة النبيذ، وكذلك مقبرة من عهد الأسرة الخامسة في منطقة سقارة، وأخرى من عهد الأسرة الثانية عشرة في قرية البرشا ومقابر عدّة من هذا العهد أيضاً في قرية بني حسن في المنيا في شمال صعيد مصر.
كان عدد كبير من الرجال يجمعون عناقيد العنب الكبيرة في سلال ويحملونها على ظهورهم إلى مكان العصر، وهنالك يفرغونها في أوعية كبيرة ليست عميقة، ثم يدوسون العنب بأرجلهم، ويقوم بذلك خمسة أو ستة رجال مجتمعين وعلى إيقاع الموسيقى. هكذا وصف عبد العال طريقة صناعة النبيذ من العنب عند قدماء المصريين.
كما كانت ثمار البلح ذات قيمة خاصة عند المصريين القدماء. ووفقاً لعبد العال، فقد استخرجوا منها نوعاً من نبيذ البلح يسمونه في صعيد مصر ب"عرفي"، وتشتهر بعض مدن محافظة قنا مثل نقادة بصناعته حتى اليوم، ويستخدم في العقاقير الطبية، كما يستخدم شراباً.
أما نبيذ النخيل فكان يتألف من عصارة شجرة النخيل، ويُحصل على هذه العصارة بحزّ ثمار الشجرة تحت قاعدة أغصانها العليا مباشرة. هذا ما قاله أستاذ الآثار الذي أشار إلى أن السائل فور أخذه من النخيل لا يكون مسُكراً، ولكنه يكتسب الصفة بالتخمر.
الخمر والجعة في مصر القديمة كانا جزءاً أساسياً من الوليمة، تقول الباحثة ماجدة المهداوي في بحث كتبته بعنوان "وليمة من العصر الفرعوني"، شارحةً أنهما كانا يُقدّمان للضيوف في أباريق كبيرة تنتهي بطرف رفيع ومصفاة تمسك باليد لتصفية الشراب. وعندما كان أحد المدعوين يفرط في الشراب، كان الخدم يضعونه على السرير في زاوية الغرفة حتى يستعيد وعيه مرة أخرى.
العصر الإسلامي
بعد دخول الإسلام مصر أصبح الأقباط أكثر تحفظاً في تصنيع الخمور. هذا ما يقوله المستشرق البريطاني ستانلي لين بول فى كتابه "تاريخ مصر في العصور الوسطى"، ذاكراً أن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله أمر بمنع الجعة ومصادرة الخمر تماماً.
وأشار لين بول إلى أن دولة المماليك الأولى التي تأسست في القرن السابع الهجري لم تكن تحفل كثيراً بتعاليم الدين الإسلامي في قصور الحكم، وهذا ما ظهر من خلال قصائد الشاعر بهاء الدين زهير التي احتلت فيها قصائد الخمر مكانةً بارزةً. كذلك وُصف العديد من سلاطين المماليك بأنهم مدمنون للخمر مثل الأمير "بيسري" الذي كان عاجزاً عن المشاركة فى إدارة الأمور العامة لأنه كان مستغرقاً تماماً في الشرب.
أم السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، فقد كان صارماً في ما يتعلق بالآداب العامة، لذا لم يسمح بالخمر رغم أن ضريبته كانت تدرّ عليه ستة آلاف دينار سنوياً، كما قام بإغلاق الحانات والمواخير، بحسب لين بول.
جلسات السُكر في العصر المملوكي كانت أيضاً محلاً لحبك المؤامرات والتخلص من الأعداء. هذا ما ذكره المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، مدللاً على ذلك باتفاق علي بك المعروف ب"أبي العذب" مع مجموعة من الأمراء على قتل أعدائهم خلال جلسة سُكر.
في زمن الحملة الفرنسية
وفي كتابهم "وصف مصر"، دوّن علماء الحملة الفرنسية (1798- 1801) الكثير عن صناعة الخمور في مصر في ذلك الوقت، ورسموا صورة واضحة لمهنة "المُقطر" الذي يُعتبر العنصر الرئيسي في إنتاج الخمور.
وجاء في الكتاب: "تحرّم الشريعة الإسلامية الخمور، ويراعي المسلمون المتمسكون بدينهم ذلك، أما الكبار والتجار والجنود فيرتكبون هذه المعصية في الخفاء، ويصنع المصريون عدداً من المشروبات الروحية أحسنها وأجودها هو المشروب المصنوع من العنب المجفف، أما ما يُستخرج من التين والجميز والبلح وثمار التين الشوكي فهي أدنى قيمة، ويفرط الأقباط في تناول الخمور".
وشرح الكتاب أماكن وطريقة صنع النبيذ فقال: "لعلّ الفيوم هي الولاية الوحيدة التي يُصنع فيها النبيذ، فبعد أن يُهرس العنب لمدة ساعة في إناء فخاري اسطواني الشكل، يوضع في جوال كبير مصنوع من قماش صوفي بالغ السُمك، ثم يعتصر الجوال بشدة، ويستقبل عصير العنب الذي يسيل من الجوال على هذا النحو في إناء فخار يشبه الإناء الأول، لتتم فيه عملية التخمير التي تستغرق مدة تبلغ من 8 إلى 15 يوماً، يُصب بعدها السائل في قوارير كبيرة، تُدفن تحت الأرض حتى رقبتها، وتغلق فتحتها بسدادة خشبية، ويُحكم إقفالها بالجبس، ورغم هذا الاحتياط، فإن النبيذ لا يظل على حاله لأكثر من بضعة شهور، حيث نجده عادة في حالة خل".
السُكر في القرن التاسع عشر
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تأثرت صناعة الخمور في مصر بالاحتلال البريطاني، عام 1882، بسبب تناول جنود الاحتلال لكميات كبيرة من الكحوليات لتخفيف الضغط العصبي الواقع عليهم، وهو ما أدى إلى رواج كبير لهذه الصناعة.
وفي كتابه "خبايا القاهرة... عن ليالي القاهرة وخفاياها في بداية القرن العشرين" الصادر عام 1958، رصد الكاتب أحمد محفوظ أماكن البارات خلال هذه الفترة قائلاً: "حانات القاهرة في أيام الفاطميين والأيوبيين والمماليك، كانت تقع في أطرافها على النيل، مثل طموه والجيزة وناهية وطرة. وفي قلب القاهرة كانت هناك حارة الروم وحارة النصارى وقنطرة الوز وبركة الأزبكية، وكان يديرها غير المسلمين من الأقباط واليهود".
ويتابع: "في أوائل القرن العشرين تركزت البارات في شارع وش البركة (نجيب الريحاني لاحقاً) حيث محلات "الألدراتو" و"الألكزندري" و"باميه بار" و"الكستبان الأحمر" و"بار ماري" و"أوبلسك" و"شولار"، إلى شارع "كلوت بك" حيث حانات "السبعة أبواب" و"حلواني اللوفر" إلى شارع "البواكي" حيث ملهى "ألف ليلة".
دور ثوري للحانات
ويشير الكاتب في كتابه المذكور إلى أن البارات شكّلت على مدار ثلاثة قرون في مصر قصص كفاح كبيرة، كما ساهمت في ترسيخ الدولة المدنية والحفاظ عليها من الاندثار والزوال. بل إن بعضها لعب دوراً في الثورات التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث ، ففي الأربعينيات من القرن العشرين، كما يروى خير الله، أنفقت شركات الخمور العاملة في مصر أموالاً طائلة للدعاية لمنتجاتها، واضطرت إلى المشاركة في إنتاج أفلام سينمائية كان موضوعها رصد حروب الشرطة ضد تجارة المخدرات لتكريس الصورة الذهنية التي تعتبر تناول المسكرات فعلاً طبيعياً كما جرى تصوير الأمر في أغلب الأفلام السينمائية.
وروى أن بعض المطاعم المعروفة كحانات لعبت "أدواراً عظيمة وملهمة في تاريخ هذا البلد، عبر انحيازها الدائم إلى جانب الثوار في أيام الثورات المصرية الكثيرة، خلال القرن العشرين".
قبو "ريش"، كان مخبئاً لسعد زغلول ورفاقه إبان ثورة 1919، ولا يزال يحتفظ بأبوابه السرية من بينها باب سري خلف البار يلتف دائرياً لينفتح ويقود مباشرة إلى شارع هدى شعرواي.
ويضيف: ما يزال القبو يحتفظ أيضاً بالمطبعة القديمة وهي التي وفّرها المالك اليوناني القديم للبار لسعد زغلول ورفاقه من الثوار حينما بدأوا يدرسون طبع المنشورات ضد الاحتلال الإنجليزي في مكان آمن وسط القاهرة، فكان قبو ومطبعة "كافيه ريش" هما المكان الذي أعلنت منه ثورة 1919 مطالبها للعالم.
ويتطرق إلى بار الحرية الذي يقع في وسط القاهرة مشيراً إلى أنه واحد من البارات القليلة التي تميّزت بطابعها الشعبي في الوقت الذي اعتبرت فيه أيضاً دليلاً نخبوياً على ممارسة الحرية.
فقد احتضن بار الحرية على مدار تاريخه، ومنذ تأسيسه قبل ثمانية عقود، مَن ثاروا ضد فساد حاشية الملك فاروق الأول ومَن رفضوا القبضة الأمنية النافذة لنظام ما بعد ثورة يوليو 1952. وأيضاً بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، كان "الحرية" ملاذاً آمناً للثوار، يكمل خير الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.