قطع المياه 6 ساعات ببعض مناطق الجيزة لتحويل خط رئيسي    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    جوتيريش:نصف مليون شخص بغزة محاصرون في مجاعة    ضبط 50 محلًا بدون ترخيص وتنفيذ 40 حكمًا قضائيًا بحملة أمنية بالفيوم    لمحبي الآكلات الجديدة.. حضري «الفاصوليا البيضاء» على الطريقة التونسية (الخطوات والمكونات)    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    جامعة أسوان تهنئ البروفيسور مجدي يعقوب لتكريمه من جمعية القلب الأمريكية    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    بورسعيد.. أجمل شاطئ وأرخص مصيف| كيف كانت الحياة في المدينة الباسلة عام 1960؟    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    الأمم المتحدة تعلن المجاعة رسميًا.. ماذا يحدث في غزة؟    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    أسوان يستضيف بلدية المحلة في الجولة الأولى بدوري المحترفين    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الحليم قنديل ردا على السيسي: متى بدأ انهيار مصر؟
نشر في صوت البلد يوم 08 - 05 - 2017

رد الكاتب الصحفي المعروف "عبد الحليم قنديل" على تصريحات الرئيس "عبد الفتاح السيسي" بمؤتمر الشباب الأخير، بالإسماعيلية.

وقال "قنديل" في مقاله المنشور بصحيفة "القدس العربي"، تحت عنوان "ردًا على السيسى": "منذ متى -بالضبط- بدأ الانهيار في مصر؟ وهل هو صحيح أن مصر اندبحت؟ واندبح اقتصادها من وقتها؟ وعلى نحو ما ذهب إليه الرئيس السيسي في لقائه بمؤتمر الشباب بالإسماعيلية، وهو ما يستحق المناقشة والتدقيق، وبالحقائق الصلبة وحدها، وليس بالآراء المرسلة".

وأضاف: "فلسنا بصدد ولع مجاني بالتقليب في أوراق التاريخ، بل بصدد فهم له أثره المباشر في اختيارات الاقتصاد والسياسة الآن، والذي لا يقرأ الماضي على نحو صحيح، والماضي الأقرب بالذات، يكتب عليه أن يعيش في خطاياه للأبد".

وفيما يلي نص المقال كاملًا:

ردًا على السيسي

منذ متى -بالضبط- بدأ الانهيار في مصر؟ وهل هو صحيح أن مصر "اندبحت"، و"اندبح" اقتصادها من وقتها؟ وعلى نحو ما ذهب إليه الرئيس السيسي في لقائه بمؤتمر الشباب بالإسماعيلية، وهو ما يستحق المناقشة والتدقيق، وبالحقائق الصلبة وحدها، وليس بالآراء المرسلة، فلسنا بصدد ولع مجاني بالتقليب في أوراق التاريخ، بل بصدد فهم له أثره المباشر في اختيارات الاقتصاد والسياسة الآن، والذي لا يقرأ الماضي على نحو صحيح، والماضي الأقرب بالذات، يكتب عليه أن يعيش في خطاياه للأبد.

وليس بوسع أحد أن ينكر فداحة الهزيمة الكاسحة في 1967، ولا ما كشفت عنه من خلل مريع، وصفه جمال عبد الناصر نفسه بأنه «انفجار عصبي في المخ» العسكري، أدى إلى فوضى عارمة، وانسحاب عشوائي مذل من ميادين القتال على جبهات النار، وإلحاق هزيمة مفزعة بمصر في معركة لم يخضها الجيش أصلاً، وسقوط 15600 شهيد في حرب الستة أيام، وخسارتنا لسيناء ثانية بعد استعادتها كاملة في حرب 1956، وانكشاف العجز والأمية العسكرية الكاملة لقيادة عبد الحكيم عامر وصحبه، وهو خطأ لا يسأل عنه عامر، بل يسأل عنه جمال عبد الناصر، الذي ترك قيادة الجيش بعد حرب 1956 لشلة عاجزة عابثة مريبة، حاصرت أي دور فعال للفريق أول محمد فوزي الذي كان رئيساً لأركان الجيش قبل الهزيمة، وصار بعد الهزيمة قائداً للجيش، ومعه الفريق الشهيد عبد المنعم رياض رئيساً للأركان، وأدارا عملية إعادة البناء من نقطة الصفر، بإشراف ومتابعة يومية مباشرة من جمال عبد الناصر.

نعم، كانت الهزيمة المهولة قد وقعت، ولم يتردد جمال عبد الناصر في تحمل المسؤولية الكاملة عما جرى، وأعلن قراره بالتنحي والاستعداد للمحاكمة، ثم لم يعد عبد الناصر إلى موقع القيادة بقرار منه، بل بقرار تلقائي مذهل من الشعب المصري، الذي خرجت جماهيره المليونية الزاحفة في 9 و10 حزيران/يونيو 1967، في وقت كان الجيش فيه مبعثراً بالكامل، وكانت الدولة وأجهزتها قد توارى أثرها، ولم يعد سوى الشعب وحده في الميدان، يأمر القائد أن يعود إلى موقعه، ويؤدي عهده بتحمل مسؤولية إعادة البناء، وقد كان، وجرى خلق جيش مصري عصري حديث، استأنف المعارك على خط النار، بعد أيام من الهزيمة، وخاض حرب الاستنزاف لثلاث سنوات، وقدم فيها 4600 شهيد، إضافة لستة آلاف شهيد مدني، وإلى أن تم بناء حائط الصواريخ العظيم قبل أن يلقى عبد الناصر ربه، وكان لايزال بعد في عامه الثاني والخمسين، في واقعة مزلزلة لوجدان الناس، وكانت جنازة عبد الناصر الشعبية الأسطورية ذات الخمسة ملايين إنسان، وهي الأكبر من نوعها بطول وعرض التاريخ الإنساني من قبل ومن بعد، فقد صعدت روح عبد الناصر في قلب المعركة وعلى خطوط النار، لكنه ترك لمصر جيش المليون جندي وضابط، الذي حقق المعجزة في حرب أكتوبر 1973، وأضاف لسجل التضحيات الجليلة 16300 شهيد، هم إلى الآن عناوين الفداء العظمى في ملاحم الجيش المصري.

كانت تلك إشارة عابرة إلى ما جرى على خط النار، وبغير تفاصيل لا يتسع لها مقام، وهي تثبت بغير جدال كثير ولا فوائض لغط، أن مصر لم تنته بعد هزيمة 1967، وأن أعظم سنوات عبد الناصر هي التي تلت الهزيمة، وأن أمجد سنوات الشعب المصري امتدت من هزيمة 1967 إلى انتصار 1973، وليس صحيحًا بالمرة، أن النظام الناصري هو الذي هزم في 1967، بل كانت الهزيمة عسكرية محضة، وكان الخلل الأكثر جوهرية في قيادة الجيش، وبدليل أن إعادة بناء الجيش هي التي حققت النصر، وقدمت لمصر جنرالات حرب من طراز فائق العظمة، فقد كانت مصر تمتحن نفسها، وتخرج من صلبها، ومن صلب جيشها المظلوم في حرب 1967، ومن صلب شعبها الجبار، ومن صلب مؤسساتها الإنتاجية التي بنتها ثورة جمال عبد الناصر، كانت مصر تفرز قادة واستحكامات حرب من مستوى رفيع، وتعلن جدارتها بقبول التحدي والنهوض السحري، وتعبئ مواردها وطاقاتها من أجل النصر، وفي ظل ذات النظام السياسي والاقتصادي، الذي ظل قائماً إلى ما بعد وقف إطلاق النار في حرب 1973، وبجوانب الإيجاب والنقص فيه، ربما بسبب ميزة فارقة كانت لعبد الناصر، وهي المقدرة الفائقة على التعلم بعد الرغبة فيه، والمقدرة العبقرية على التصحيح الذاتي مع إدراك ضروراته، فقد تمكن عبد الناصر من إزالة ورم العجز في رأس الجيش، وأعاد البناء من جديد، وأعاد تنظيم الجيش على نحو انضباطي محترف وعلمي، وفك الاحتقان السياسي الموروث من إجراءات الثورة الاستثنائية، وقرر إنهاء تسلط ما سماه وقتها «دولة المخابرات» والتعذيب، وواصل موجات الإفراج وإخلاء سبيل المحتجزين لأسباب سياسية، ولم يكن في مصر، يوم وفاة جمال عبد الناصر على نحو مفاجئ، سوى 273 سجيناً سياسياً، كان أغلبهم من جماعة الإخوان، وجرى كل ذلك دون أن تتراجع قضية الثورة، ولا أن تذوي أولويات التنمية والتصنيع الشامل، ودون أن يغفل عبد الناصر عن ضرورة التقدم لنظام ديمقراطي تعددي، جرى وضع خططه ووثائقه، وعلى أن يتم التنفيذ مع «إزالة آثار العدوان»، وهو التعبير المستخدم وقتها للإشارة إلى أولوية الحرب مع كيان الاغتصاب الإسرئيلي.

والمفارقة الكبرى في التاريخ المصري المعاصر، أن هزيمة 1967 انتهت إلى «هزيمة خاطفة»، لم تستغرق سوى أيامها، ووقع الصدمة فيها، لكنها استفزت واستنفرت في الشعب المصري قدراته الهائلة، وخلقت جيلاً ذهبياً من البنائين والعسكريين العظام، بينما حرب 1973 كانت نصراً حقيقياً لا شبهة فيه، لكنه تحول إلى «نصر مخطوف» بسبب السياسة التي تلته، فقد انتصر «الذين عبروا» على خطوط النار، لكن «الذين هبروا» هزموا مصر كلها بعد الحرب، وخذلت السياسة نصر السلاح، وجعلت حرب 1973 آخر نفس عفي في سيرة النهوض المصري، ومن وقتها بدأ الانهيار مع انفتاح «السداح مداح» والنهب العام، والانقلاب على ثورة لم تكمل دورتها، وبالطبع كان غياب جمال عبد الناصر سبباً أساسياً، خصوصاً في تجربة ثورة بلا تنظيم سياسي شعبي مستقل، ولم يكن بوسع السادات أن ينقلب على عبد الناصر قبل حرب 1973، فقد كانت البلد كلها في حالة تعبئة شاملة، وكانت القضية الوطنية هي البوصلة المرجحة، وكان ظل عبد الناصر ممدوداً، وكانت مصر تواصل أشواط التنمية والتصنيع بصورة عفية، وكانت مصر إلى ما بعد حرب 1973 في الصف الأمامي لتجارب التنمية الدولية، كانت مصر حتى حرب 1973، تمضي رأساً برأس مع كوريا الجنوبية، وكانت المنافسة على أشدها في معدلات التنمية والتصنيع والاختراق التكنولوجي، وقد كان تخصيص غالب موارد البلد للمجهود الحربي بعد هزيمة 1967، وغلبة التزامات وأعباء السلاح، مما يؤثر بالطبيعة على قوة اندفاع التنمية، لكن الأثر كان محدوداً، وهو ما تؤكده أرقام وتقارير البنك الدولى.

وقد كان معادياً بالخلقة لتجربة جمال عبد الناصر، وبحسب الأرقام الدولية، كان اقتصاد مصر قد بلغ ذروة التنمية الحقيقية طوال عقد كامل ممتد من 1956 إلى 1966، وكان معدل التنمية في المتوسط 6.7%، زاد في سنوات الخطة الخمسية الأولى إلى (من 1960 إلى 1965) إلى نحو 10% سنوياً، وكان متوسط معدل التنمية السنوي يزيد على ثلاثة أمثال معدل النمو في الزيادة السكانية، وفاقت التنمية التي تحققت في عشر سنوات، ما تحقق في أربعين سنة قبلها، وكانت مصر تحقق أعلى معدل تنمية فيما كان يسمى بالعالم الثالث وقتها، بما فيه الصين، وبرغم أعباء السلاح المتزايدة بعد 1967، كانت قوة اندفاع التنمية تواصل أثرها، وإن انخفضت قليلاً إلى متوسط معدل تنمية سنوي في حدود 4% بين عامي 1967 و1969، ثم عاود الارتفاع إلى 5.19% بين عامي 1969 و 1973، وبالجملة كان متوسط معدل التنمية السنوي في حدود 6% بين عامي 1956 و 1973، أي أننا كنا نحقق في زمن الحروب معدلات التنمية الأعلى بامتياز، وكانت ديوننا الخارجية العسكرية والمدنية لا تزيد في جملتها عن ملياري دولار وقت رحيل جمال عبد الناصر، وكان سعر الدولار وقتها أقل من 40 قرشاً مصرياً، وكانت مصر تواصل قفزاتها الصناعية والإنشائية الكبرى بعد هزيمة 1967، وعلى طريقة إتمام بناء السد العالي وإنشاء مجمع صناعات الألومنيوم، ثم بدأ الانهيار الاقتصادي بعد انقلابات السياسة عقب حرب 1973، وانتقلنا إلى المأساة كاملة الأوصاف بعد عقد ما يسمى «معاهدة السلام»، وكانت ديون مصر الخارجية قد بلغت حاجز الخمسين مليار دولار وقت اغتيال السادات، وتراجع معدل التنمية إلى 2% سنوياً مع مبارك طوال الثمانينيات من القرن الفائت، وإلى ما تحت الصفر أوائل التسعينيات، ولم يزد معدل التنمية إلى 7% سنوياً، سوى في ثلاث سنوات من 2004 إلى 2007، وكانت الزيادة صورية وزائفة تماماً، فقد سرقوا أموال التأمينات والمعاشات، وأضافوها لتحسين أرقام الموازنة الرسمية، فوق إضاقات أخرى موقوتة من الخصخصة و»المصمصة»، وتجريف القلاع الإنتاجية الكبرى، وسيادة اقتصاد الريع والفساد والتسول، برغم أن مصر حصلت من 1973 إلى 2011 على نحو 300 مليار دولار معونات وقروضاً خارجية، ولم يكن لها من أثر سوى أن صنعت مآسينا الممتدة إلى اليوم.
رد الكاتب الصحفي المعروف "عبد الحليم قنديل" على تصريحات الرئيس "عبد الفتاح السيسي" بمؤتمر الشباب الأخير، بالإسماعيلية.
وقال "قنديل" في مقاله المنشور بصحيفة "القدس العربي"، تحت عنوان "ردًا على السيسى": "منذ متى -بالضبط- بدأ الانهيار في مصر؟ وهل هو صحيح أن مصر اندبحت؟ واندبح اقتصادها من وقتها؟ وعلى نحو ما ذهب إليه الرئيس السيسي في لقائه بمؤتمر الشباب بالإسماعيلية، وهو ما يستحق المناقشة والتدقيق، وبالحقائق الصلبة وحدها، وليس بالآراء المرسلة".
وأضاف: "فلسنا بصدد ولع مجاني بالتقليب في أوراق التاريخ، بل بصدد فهم له أثره المباشر في اختيارات الاقتصاد والسياسة الآن، والذي لا يقرأ الماضي على نحو صحيح، والماضي الأقرب بالذات، يكتب عليه أن يعيش في خطاياه للأبد".
وفيما يلي نص المقال كاملًا:
ردًا على السيسي
منذ متى -بالضبط- بدأ الانهيار في مصر؟ وهل هو صحيح أن مصر "اندبحت"، و"اندبح" اقتصادها من وقتها؟ وعلى نحو ما ذهب إليه الرئيس السيسي في لقائه بمؤتمر الشباب بالإسماعيلية، وهو ما يستحق المناقشة والتدقيق، وبالحقائق الصلبة وحدها، وليس بالآراء المرسلة، فلسنا بصدد ولع مجاني بالتقليب في أوراق التاريخ، بل بصدد فهم له أثره المباشر في اختيارات الاقتصاد والسياسة الآن، والذي لا يقرأ الماضي على نحو صحيح، والماضي الأقرب بالذات، يكتب عليه أن يعيش في خطاياه للأبد.
وليس بوسع أحد أن ينكر فداحة الهزيمة الكاسحة في 1967، ولا ما كشفت عنه من خلل مريع، وصفه جمال عبد الناصر نفسه بأنه «انفجار عصبي في المخ» العسكري، أدى إلى فوضى عارمة، وانسحاب عشوائي مذل من ميادين القتال على جبهات النار، وإلحاق هزيمة مفزعة بمصر في معركة لم يخضها الجيش أصلاً، وسقوط 15600 شهيد في حرب الستة أيام، وخسارتنا لسيناء ثانية بعد استعادتها كاملة في حرب 1956، وانكشاف العجز والأمية العسكرية الكاملة لقيادة عبد الحكيم عامر وصحبه، وهو خطأ لا يسأل عنه عامر، بل يسأل عنه جمال عبد الناصر، الذي ترك قيادة الجيش بعد حرب 1956 لشلة عاجزة عابثة مريبة، حاصرت أي دور فعال للفريق أول محمد فوزي الذي كان رئيساً لأركان الجيش قبل الهزيمة، وصار بعد الهزيمة قائداً للجيش، ومعه الفريق الشهيد عبد المنعم رياض رئيساً للأركان، وأدارا عملية إعادة البناء من نقطة الصفر، بإشراف ومتابعة يومية مباشرة من جمال عبد الناصر.
نعم، كانت الهزيمة المهولة قد وقعت، ولم يتردد جمال عبد الناصر في تحمل المسؤولية الكاملة عما جرى، وأعلن قراره بالتنحي والاستعداد للمحاكمة، ثم لم يعد عبد الناصر إلى موقع القيادة بقرار منه، بل بقرار تلقائي مذهل من الشعب المصري، الذي خرجت جماهيره المليونية الزاحفة في 9 و10 حزيران/يونيو 1967، في وقت كان الجيش فيه مبعثراً بالكامل، وكانت الدولة وأجهزتها قد توارى أثرها، ولم يعد سوى الشعب وحده في الميدان، يأمر القائد أن يعود إلى موقعه، ويؤدي عهده بتحمل مسؤولية إعادة البناء، وقد كان، وجرى خلق جيش مصري عصري حديث، استأنف المعارك على خط النار، بعد أيام من الهزيمة، وخاض حرب الاستنزاف لثلاث سنوات، وقدم فيها 4600 شهيد، إضافة لستة آلاف شهيد مدني، وإلى أن تم بناء حائط الصواريخ العظيم قبل أن يلقى عبد الناصر ربه، وكان لايزال بعد في عامه الثاني والخمسين، في واقعة مزلزلة لوجدان الناس، وكانت جنازة عبد الناصر الشعبية الأسطورية ذات الخمسة ملايين إنسان، وهي الأكبر من نوعها بطول وعرض التاريخ الإنساني من قبل ومن بعد، فقد صعدت روح عبد الناصر في قلب المعركة وعلى خطوط النار، لكنه ترك لمصر جيش المليون جندي وضابط، الذي حقق المعجزة في حرب أكتوبر 1973، وأضاف لسجل التضحيات الجليلة 16300 شهيد، هم إلى الآن عناوين الفداء العظمى في ملاحم الجيش المصري.
كانت تلك إشارة عابرة إلى ما جرى على خط النار، وبغير تفاصيل لا يتسع لها مقام، وهي تثبت بغير جدال كثير ولا فوائض لغط، أن مصر لم تنته بعد هزيمة 1967، وأن أعظم سنوات عبد الناصر هي التي تلت الهزيمة، وأن أمجد سنوات الشعب المصري امتدت من هزيمة 1967 إلى انتصار 1973، وليس صحيحًا بالمرة، أن النظام الناصري هو الذي هزم في 1967، بل كانت الهزيمة عسكرية محضة، وكان الخلل الأكثر جوهرية في قيادة الجيش، وبدليل أن إعادة بناء الجيش هي التي حققت النصر، وقدمت لمصر جنرالات حرب من طراز فائق العظمة، فقد كانت مصر تمتحن نفسها، وتخرج من صلبها، ومن صلب جيشها المظلوم في حرب 1967، ومن صلب شعبها الجبار، ومن صلب مؤسساتها الإنتاجية التي بنتها ثورة جمال عبد الناصر، كانت مصر تفرز قادة واستحكامات حرب من مستوى رفيع، وتعلن جدارتها بقبول التحدي والنهوض السحري، وتعبئ مواردها وطاقاتها من أجل النصر، وفي ظل ذات النظام السياسي والاقتصادي، الذي ظل قائماً إلى ما بعد وقف إطلاق النار في حرب 1973، وبجوانب الإيجاب والنقص فيه، ربما بسبب ميزة فارقة كانت لعبد الناصر، وهي المقدرة الفائقة على التعلم بعد الرغبة فيه، والمقدرة العبقرية على التصحيح الذاتي مع إدراك ضروراته، فقد تمكن عبد الناصر من إزالة ورم العجز في رأس الجيش، وأعاد البناء من جديد، وأعاد تنظيم الجيش على نحو انضباطي محترف وعلمي، وفك الاحتقان السياسي الموروث من إجراءات الثورة الاستثنائية، وقرر إنهاء تسلط ما سماه وقتها «دولة المخابرات» والتعذيب، وواصل موجات الإفراج وإخلاء سبيل المحتجزين لأسباب سياسية، ولم يكن في مصر، يوم وفاة جمال عبد الناصر على نحو مفاجئ، سوى 273 سجيناً سياسياً، كان أغلبهم من جماعة الإخوان، وجرى كل ذلك دون أن تتراجع قضية الثورة، ولا أن تذوي أولويات التنمية والتصنيع الشامل، ودون أن يغفل عبد الناصر عن ضرورة التقدم لنظام ديمقراطي تعددي، جرى وضع خططه ووثائقه، وعلى أن يتم التنفيذ مع «إزالة آثار العدوان»، وهو التعبير المستخدم وقتها للإشارة إلى أولوية الحرب مع كيان الاغتصاب الإسرئيلي.
والمفارقة الكبرى في التاريخ المصري المعاصر، أن هزيمة 1967 انتهت إلى «هزيمة خاطفة»، لم تستغرق سوى أيامها، ووقع الصدمة فيها، لكنها استفزت واستنفرت في الشعب المصري قدراته الهائلة، وخلقت جيلاً ذهبياً من البنائين والعسكريين العظام، بينما حرب 1973 كانت نصراً حقيقياً لا شبهة فيه، لكنه تحول إلى «نصر مخطوف» بسبب السياسة التي تلته، فقد انتصر «الذين عبروا» على خطوط النار، لكن «الذين هبروا» هزموا مصر كلها بعد الحرب، وخذلت السياسة نصر السلاح، وجعلت حرب 1973 آخر نفس عفي في سيرة النهوض المصري، ومن وقتها بدأ الانهيار مع انفتاح «السداح مداح» والنهب العام، والانقلاب على ثورة لم تكمل دورتها، وبالطبع كان غياب جمال عبد الناصر سبباً أساسياً، خصوصاً في تجربة ثورة بلا تنظيم سياسي شعبي مستقل، ولم يكن بوسع السادات أن ينقلب على عبد الناصر قبل حرب 1973، فقد كانت البلد كلها في حالة تعبئة شاملة، وكانت القضية الوطنية هي البوصلة المرجحة، وكان ظل عبد الناصر ممدوداً، وكانت مصر تواصل أشواط التنمية والتصنيع بصورة عفية، وكانت مصر إلى ما بعد حرب 1973 في الصف الأمامي لتجارب التنمية الدولية، كانت مصر حتى حرب 1973، تمضي رأساً برأس مع كوريا الجنوبية، وكانت المنافسة على أشدها في معدلات التنمية والتصنيع والاختراق التكنولوجي، وقد كان تخصيص غالب موارد البلد للمجهود الحربي بعد هزيمة 1967، وغلبة التزامات وأعباء السلاح، مما يؤثر بالطبيعة على قوة اندفاع التنمية، لكن الأثر كان محدوداً، وهو ما تؤكده أرقام وتقارير البنك الدولى.
وقد كان معادياً بالخلقة لتجربة جمال عبد الناصر، وبحسب الأرقام الدولية، كان اقتصاد مصر قد بلغ ذروة التنمية الحقيقية طوال عقد كامل ممتد من 1956 إلى 1966، وكان معدل التنمية في المتوسط 6.7%، زاد في سنوات الخطة الخمسية الأولى إلى (من 1960 إلى 1965) إلى نحو 10% سنوياً، وكان متوسط معدل التنمية السنوي يزيد على ثلاثة أمثال معدل النمو في الزيادة السكانية، وفاقت التنمية التي تحققت في عشر سنوات، ما تحقق في أربعين سنة قبلها، وكانت مصر تحقق أعلى معدل تنمية فيما كان يسمى بالعالم الثالث وقتها، بما فيه الصين، وبرغم أعباء السلاح المتزايدة بعد 1967، كانت قوة اندفاع التنمية تواصل أثرها، وإن انخفضت قليلاً إلى متوسط معدل تنمية سنوي في حدود 4% بين عامي 1967 و1969، ثم عاود الارتفاع إلى 5.19% بين عامي 1969 و 1973، وبالجملة كان متوسط معدل التنمية السنوي في حدود 6% بين عامي 1956 و 1973، أي أننا كنا نحقق في زمن الحروب معدلات التنمية الأعلى بامتياز، وكانت ديوننا الخارجية العسكرية والمدنية لا تزيد في جملتها عن ملياري دولار وقت رحيل جمال عبد الناصر، وكان سعر الدولار وقتها أقل من 40 قرشاً مصرياً، وكانت مصر تواصل قفزاتها الصناعية والإنشائية الكبرى بعد هزيمة 1967، وعلى طريقة إتمام بناء السد العالي وإنشاء مجمع صناعات الألومنيوم، ثم بدأ الانهيار الاقتصادي بعد انقلابات السياسة عقب حرب 1973، وانتقلنا إلى المأساة كاملة الأوصاف بعد عقد ما يسمى «معاهدة السلام»، وكانت ديون مصر الخارجية قد بلغت حاجز الخمسين مليار دولار وقت اغتيال السادات، وتراجع معدل التنمية إلى 2% سنوياً مع مبارك طوال الثمانينيات من القرن الفائت، وإلى ما تحت الصفر أوائل التسعينيات، ولم يزد معدل التنمية إلى 7% سنوياً، سوى في ثلاث سنوات من 2004 إلى 2007، وكانت الزيادة صورية وزائفة تماماً، فقد سرقوا أموال التأمينات والمعاشات، وأضافوها لتحسين أرقام الموازنة الرسمية، فوق إضاقات أخرى موقوتة من الخصخصة و»المصمصة»، وتجريف القلاع الإنتاجية الكبرى، وسيادة اقتصاد الريع والفساد والتسول، برغم أن مصر حصلت من 1973 إلى 2011 على نحو 300 مليار دولار معونات وقروضاً خارجية، ولم يكن لها من أثر سوى أن صنعت مآسينا الممتدة إلى اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.