توقيع بروتوكول تعاون بين جامعتي مطروح والأزهر    جيروم باول: تحول توازن المخاطر قد يستدعي إعادة النظر في أسعار الفائدة؟    مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة: نحن في أسوأ وأخطر مرحلة في تاريخ القطاع.. والأوضاع أشد سوءا في الشمال    مستقبل الدور الفرنسي في إفريقيا بين الشراكة والقطيعة    تشريح الجثة.. القصة الكاملة لوفاة رزاق أوموتويوسي ومستحقاته لدى الزمالك    الزمالك يدعم «قدم السيدات» بصفقة ثلاثية    إقبال كثيف على شواطئ الإسكندرية رغم التحذيرات وارتفاع الأمواج وحرارة الجو    الداخلية تكشف ملابسات فيديو واقعة اعتداء وسرقة مزعومة بالدقهلية    إصابة 6 أشخاص إثر حادث تصادم سيارتين بالبحيرة    انطلاق حفل عازفة الماريمبا نسمة عبد العزيز في محكي القلعة بعد قليل    متحف الشرطة القومي.. رحلة فى ذاكرة مصر الأمنية بين الوثائق والأسلحة    حسام حبيب ينفي وجود خلافات مع شيرين عبد الوهاب: متواجد معها في منزلها وعلاقتهما تسير بشكل طبيعي    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محمود فوزي: الحكومة جادة في تطبيق قانون الإيجار القديم وحماية الفئات الضعيفة    مدرب توتنهام: هؤلاء من نريد التعاقد معهم    فانتازي يلا كورة.. ارتفاع سعر ريتشارليسون.. وانخفاض عدة لاعبين    بروكسي يتعادل مع مالية كفر الزيات في افتتاح مباريات دوري المحترفين    «حماة الوطن» ينظم حلقة نقاشية حول تعديل قانون الرياضة    «التنظيم والإدارة» يعلن توقف الامتحانات بمركز تقييم القدرات.. لهذا السبب    وزير الشؤون النيابية: الحكومة تقدم أجندة تشريعية مرنة كل دورة برلمانية    حماس: تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي اعتراف بجرم يرقى للتطهير العرقي    «تسريب غاز».. مصدر أمني يكشف سبب صوت الانفجار بموقف سيارات ملحق بمطار القاهرة    بعد مداهمة وكر التسول.. حملات مكثفة لغلق فتحات الكباري بالجيزة| صور    المجاعة تهدد نصف مليون في غزة.. كيف يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل؟    حماس: تصريحات كاتس «اعتراف بجرم يرقى للتطهير العرقي»    وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يدينون خطة إسرائيل الاستيطانية الجديدة    الوادي الجديد تبحث إنشاء منصة إلكترونية للمواقع السياحية والأثرية    الفائزون بجوائز المهرجان القومي للمسرح يتحدثون ل«الشروق»: حققنا أحلامنا.. والتتويج من الوطن له طعم خاص    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة في ماليزيا.. أحمد كريمة يكشف الحكم الشرعي    نجاح عملية دقيقة لاستئصال ورم بالمخ وقاع الجمجمة بمستشفى العامرية العام بالإسكندرية    الكروم ومرض السكر.. مكمل غذائي مساعد لا يغني عن العلاج الدوائي    عميد طب القصر العيني يتابع جاهزية البنية التحتية استعدادًا لانطلاق العام الدراسي    "درويش" يحقق قفزة كبيرة ويتخطى 20 مليون جنيه في 9 أيام    ضبط لص حاول سرقة حقيبة من شخص فى العمرانية    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    الكشف الطبى على 276 مريضا من أهالى قرى البنجر فى قافلة مجانية بالإسكندرية    فورين بوليسي: منطقة "دونباس" مفتاح الحرب والسلام في أوكرانيا    مصر تحصد فضية الريشة الطائرة بالبطولة العربية المدرسية بالأردن    حقيقة حرمان خريجي البكالوريا من الالتحاق بعدد من الكليات    بالأرقام.. الأمن الاقتصادي يضبط آلاف القضايا خلال 24 ساعة    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    العين مرآة العقل.. وهذه العلامة قد تكشف مرضًا عقليًا أو اضطراب نفسي    محافظ مطروح يستقبل رئيس جامعة الازهر لافتتاح مقر لكلية البنات الأزهرية    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    صحيفة عبرية: نتنياهو يشجع بن جفير وسموتريتش على تقويض فرص التوصل إلى اتفاق    «التسامح والرضا».. وصفة للسعادة تدوم مدى الحياة    الاقتصاد المصرى يتعافى    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    وزير الثقافة يستقبل وفد الموهوبين ببرنامج «اكتشاف الأبطال» من قرى «حياة كريمة»    دعمًا للأجيال الواعدة.. حماة الوطن يكرم أبطال «UC Math» في دمياط    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل يوسف الشاروني .. أحد أهم رواد القصة المصرية القصيرة
نشر في صوت البلد يوم 22 - 01 - 2017

«الكتابة الإبداعية تستمد مصداقيتها من واقع الأحداث ومن واقع حياة الناس، وتفقد أهم مقوماتها وهو الصدق إذا لم تأت معبرة عن قضايا المجتمع ومشكلاته». هكذا يرى أحد رواد القصة القصيرة المصرية والعربية (يوسف الشاروني 1924 2017) مهمة ومعنى أن تكون مُبدعاً أدبياً، ورغم بعض من تحفظات على إطلاق العبارات، إلا أن معظم الكتابات تأتي انعكاساً بشكل أو بآخر وفق المناخ السائد، ويصبح الصدق هو المعيار الوحيد للحالة الإبداعية. رحل الشاروني تاركاً العديد من الأعمال الإبداعية والنقدية، التي ربما لا يلتفت إليها الجيل الجديد، كما أنه كان سباقاً في فتح آفاق جديدة للقصة القصيرة، نهجاً تعبيرياً أكثر منه وقائعياً، ذلك في رحلة امتدت لأكثر من نصف قرن، بدأها بالقصة القصيرة في الأربعينيات من القرن الفائت، ثم ما أطلق عليه «النثر الغنائي» في ديوانه (المساء الأخير) عام 1963 وهو ما عُرف في ما بعد بقصيدة النثر. أضافة إلى أعماله في النقد الأدبي، والتي بدأت في العام 1964. ويعد هذا المقال تحية سريعة إلى الرجل الذي رحل أمس الخميس في التاسع عشر من كانون الثاني/يناير 2017.
بين محفوظ والشاروني
العبارة الشهيرة التي قالها يوماً نجيب محفوظ والتي أعادها يوسف الشاروني كثيراً، هي: «لقد انتهيت في القصة القصيرة بما بدأ به يوسف الشاروني». وهي إشادة بما يكتبه الرجل وما يخلقه من عالم قصصي مختلف، يمتلك جماليات الفن القصصي الخاص به. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل كان التجريب تجريباً في ظل الوقائع الحياتية هدفاً آخر، وقد تناول الشاروني شخصيتين من شخصيات محفوظ الشهيرة في «زقاق المدق»، وخلق منهما قصصاً تتراوح ما بين الترميز دون الاغتراب. وعن هذه التجربة يذكر الشاروني في إحدى محاوراته الصحافية «يمكن هنا أن ترى رؤية جديدة مختلفة وهذا ما يظهر في قصة (مصرع عباس الحلو) و(زيطة صانع العاهات) والشخصيتان عندما جلبتهما من (زقاق المدق) أصبح كل منهما بمفرده محوراً لقضية من القضايا نتجت من اختلاف زاوية الرؤية عندي عنها في رواية محفوظ، وقد خرجت مثلا من القصة الأولى بأن العالم كله مسؤول عن مصرع عباس الحلو، بما فيهم أقرب الناس إليه. وفي الثانية طالبت بإقامة تمثال ل (زيطة) على رأس زقاق المدق، لأنه يصنع التشوّه ليتكسب الفقراء عيشهم، بينما العالم غير السوي يقيم تماثيل لجنرالات صنعوا التشوّه على نطاق واسع ليزحموا العالم بالمعاقين».
الرؤى الكابوسية واللامعقول
تناول الراحل في العديد من أعماله القصصية عالماً كابوسياً يحيط بشخوصه، ويتحكم في مصائرهم، وهم وإن كانوا أسرى له، فبالضرورة ستأتي رؤيتهم وأفعالهم كرد فعل لهذا العالم. أسقف منازل واطئة يعيشون فيها، وتصبح أجسادهم المنحنية هي ما يملكونه في مواجهة هذا العالم، إضافة إلى نفسياتهم المشوّهة، فهم نتاج ما يحدث حولهم. وحول هذه الرؤية التي يصوغ من خلالها الشاروني عالمه اللامعقول هذا يقول «لم يعد اللامعقول بسبب داخلي مثل شخصيات إدغار آلن بو التي تكون على حافة الجنون أو اللاشعور، أو تعيش في جو أسطوري مثل القلاع الخالية والقصور القوطية ما يجعل رؤاها أقرب إلى الهذيان، بل انقلبت الآية اليوم، إذ أصبح الإنسان العادي يعيش في عالم غير عادي، وبدلاً من أن يكون تجاوز الواقع انعكاساً لرؤية إنسان شاذ لعالم سوي، أصبح اللامعقول انعكاساً للعالم الشاذ في رؤيا الإنسان السوي في حضارتنا، وهكذا لم يعد التمرد على الواقع نابعا من ذات إنسانية مريضة تبرره، بل واقعاً مريضا يدركه كل إنسان سوي».
من الواقع إلى التنبؤات
ووفق النهج الإبداعي الذي ينتهجه يوسف الشاروني ويحكم رؤاه الفكرية والفنية، تأتي بعض الأعمال في شكل التنبؤات بما سيحدث، نتيجة استقراء واعٍ بالتغيرات الاجتماعية والمشكلات الاقتصادية والسياسية. وكما يؤكد هو نفسه دون تأويل أحد لهذه الأعمال قائلاً «عندي شعور بالأزمات التي تواجه المجتمع، أستطيع أن أتوقعها وأكتب عنها في قصصي، ومن ذلك قصة (الزحام) والتي تنبأت فيها بثورة يوليو/تموز 1952 وتحكي عن ساع يعمل في مكتب حكومي وهو فقير إلى الدرجة التي جعلته يرتق حذاءه أكثر من مرة، حتى أن آخر مرة ذهب فيها إلى الإسكافي أخبره أن حذاءه يجب أن يُستبدل بآخر، بعدها يعود إلى منزله وعندما يستقر في البيت يشعر أن حدثاً كبيراً سوف يحدث، حدثاً خطيراً وعظيماً سوف يغير حياته. الشيء نفسه حدث مع هزيمة 1967. ففي قصة (نظرية الجلدة الفاسدة) حاولت أن أشير إلى الإهمال الذي ينخر في المجتمع، وعدم قيام الموظفين بواجبهم، وحصولهم على مكافآت لأعمال لم يقدموها، وقد جعلتُ بطل القصة يقول في النهاية إنه لكي تطلق أي دولة في العالم قمراً صناعياً لا بد ان لا يضيع جردل أو مقشة من مخزن إهمالا أو سرقة، لأن المسؤول في المخزن ربما كان أخاً أو أباً أو قريباً لرائد فضاء قد يأتي في المستقبل. وما قصدته هو أن أشير إلى ضرورة أن تنتظم المجتمع حالة من الاتساق والوعي والنظام تشمل كل قطاعاته دون تفريق بينها في الأهمية. أما نصر اكتوبر/تشرين الأول 1973، فقد تنبأت قصة (الأم والوحش) بقدرتنا على تحقيق الانتصار على العدو الإسرائيلي، وفيها تصارع الأم الوحش وتتفوق عليه وتقتله في النهاية دفاعاً عن ابنها. وأخيراً روايتي الوحيدة (الغرق) التي تدور حول غرق السفينة سالم إكسبريس، وسميتها في الرواية المحروسة كنوع من السخرية، وهي لا تتحدث فقط عن غرق العبارة ولكنها تنبه وتحذر من غرق البلد إذا استمرت تصرفاتنا المتسببة التي نتج عنها الغرق من عبارات في البحر إلى معديات في النهر، إضافة إلى كوارث القطارات وانهيار العمارات وتصادم الشاحنات بالأتوبيسات، هذه التي نشرتها عام 2006 كانت نبوءة وتحذيراً بما وقع في نهاية كانون الثاني/يناير 2011 وأقصد بها وقائع ثورة 25 يناير». (بتصرّف من حوارات الشاروني)
بيبلوغرافيا :
يوسف الشاروني من مواليد 14 تشرين الأول/أكتوبر 1924، وتخرّج في قسم الفلسفة في كلية الآداب جامعة القاهرة في 1945.
الأعمال الإبداعية:
مجموعات قصصية: العشاق الخمسة، رسالة إلى امرأة، الزحام، حلاوة الروح، مطاردة منتصف الليل، آخر العنقود، الأم والوحش، الكراسي الموسيقية، الضحك حتى البكاء، أجداد وأحفاد. رواية بعنوان الغرق، وديوان بعنوان المساء الأخير، ومن السيرة الذاتية كتاب بعنوان ومضات الذاكرة.
الأعمال النقدية:
مع الرواية، من جراب الحاوي، دراسات في القصة القصيرة، دراسات في الأدب العربي المعاصر، القصة القصيرة نظرياً وتطبيقياً، الخيال العلمي في الأدب العربي المعاصر، الحكاية في التراث العربي، اللامعقول في الأدب المعاصر، القصة والمجتمع، القصة تطوراً وتمرداً، والآدان في مالطة.
الترجمات:
أوديب سينيكا، الآلية لصوفي تريدويل، ميدان باركلي لجون بولدستون، وهي نصوص مسرحية صدرت ضمن سلسلة المسرح العالمي في الكويت. إضافة إلى كتاب الخليج الفارسي لروبرت هاي، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة.
دراسات عن عالمه الأدبي:
يوسف الشاروني وعالمه القصصي لنعيم عطية 1994، معجم أسماء قصص يوسف الشاروني لمصطفى بيومي 1999، مدركات النفس والآخر في قصص يوسف الشاروني (رسالة دكتوراه) ، تأليف كيت دانيالز، وترجمة محمد الحديدي عام 2003.
المناصب والجوائز :
عمل كأستاذ غير متفرغ للنقد الأدبي في كلية الإعلام جامعة القاهرة بين عامي 1980 و1982، ثم عمل مستشارا ثقافيا في سلطنة عمان من 1983 حتى 1990. ترأس نادي القصّة في القاهرة بين عامي 2001 و2006، ثُم أصبح رئيساً شرفياً للنادي. حصل على جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عام 1969، والجائزة نفسها في النقد الأدبي عام 1979، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 2001، وجائزة العويس الثقافيّة عام 2007.
«الكتابة الإبداعية تستمد مصداقيتها من واقع الأحداث ومن واقع حياة الناس، وتفقد أهم مقوماتها وهو الصدق إذا لم تأت معبرة عن قضايا المجتمع ومشكلاته». هكذا يرى أحد رواد القصة القصيرة المصرية والعربية (يوسف الشاروني 1924 2017) مهمة ومعنى أن تكون مُبدعاً أدبياً، ورغم بعض من تحفظات على إطلاق العبارات، إلا أن معظم الكتابات تأتي انعكاساً بشكل أو بآخر وفق المناخ السائد، ويصبح الصدق هو المعيار الوحيد للحالة الإبداعية. رحل الشاروني تاركاً العديد من الأعمال الإبداعية والنقدية، التي ربما لا يلتفت إليها الجيل الجديد، كما أنه كان سباقاً في فتح آفاق جديدة للقصة القصيرة، نهجاً تعبيرياً أكثر منه وقائعياً، ذلك في رحلة امتدت لأكثر من نصف قرن، بدأها بالقصة القصيرة في الأربعينيات من القرن الفائت، ثم ما أطلق عليه «النثر الغنائي» في ديوانه (المساء الأخير) عام 1963 وهو ما عُرف في ما بعد بقصيدة النثر. أضافة إلى أعماله في النقد الأدبي، والتي بدأت في العام 1964. ويعد هذا المقال تحية سريعة إلى الرجل الذي رحل أمس الخميس في التاسع عشر من كانون الثاني/يناير 2017.
بين محفوظ والشاروني
العبارة الشهيرة التي قالها يوماً نجيب محفوظ والتي أعادها يوسف الشاروني كثيراً، هي: «لقد انتهيت في القصة القصيرة بما بدأ به يوسف الشاروني». وهي إشادة بما يكتبه الرجل وما يخلقه من عالم قصصي مختلف، يمتلك جماليات الفن القصصي الخاص به. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل كان التجريب تجريباً في ظل الوقائع الحياتية هدفاً آخر، وقد تناول الشاروني شخصيتين من شخصيات محفوظ الشهيرة في «زقاق المدق»، وخلق منهما قصصاً تتراوح ما بين الترميز دون الاغتراب. وعن هذه التجربة يذكر الشاروني في إحدى محاوراته الصحافية «يمكن هنا أن ترى رؤية جديدة مختلفة وهذا ما يظهر في قصة (مصرع عباس الحلو) و(زيطة صانع العاهات) والشخصيتان عندما جلبتهما من (زقاق المدق) أصبح كل منهما بمفرده محوراً لقضية من القضايا نتجت من اختلاف زاوية الرؤية عندي عنها في رواية محفوظ، وقد خرجت مثلا من القصة الأولى بأن العالم كله مسؤول عن مصرع عباس الحلو، بما فيهم أقرب الناس إليه. وفي الثانية طالبت بإقامة تمثال ل (زيطة) على رأس زقاق المدق، لأنه يصنع التشوّه ليتكسب الفقراء عيشهم، بينما العالم غير السوي يقيم تماثيل لجنرالات صنعوا التشوّه على نطاق واسع ليزحموا العالم بالمعاقين».
الرؤى الكابوسية واللامعقول
تناول الراحل في العديد من أعماله القصصية عالماً كابوسياً يحيط بشخوصه، ويتحكم في مصائرهم، وهم وإن كانوا أسرى له، فبالضرورة ستأتي رؤيتهم وأفعالهم كرد فعل لهذا العالم. أسقف منازل واطئة يعيشون فيها، وتصبح أجسادهم المنحنية هي ما يملكونه في مواجهة هذا العالم، إضافة إلى نفسياتهم المشوّهة، فهم نتاج ما يحدث حولهم. وحول هذه الرؤية التي يصوغ من خلالها الشاروني عالمه اللامعقول هذا يقول «لم يعد اللامعقول بسبب داخلي مثل شخصيات إدغار آلن بو التي تكون على حافة الجنون أو اللاشعور، أو تعيش في جو أسطوري مثل القلاع الخالية والقصور القوطية ما يجعل رؤاها أقرب إلى الهذيان، بل انقلبت الآية اليوم، إذ أصبح الإنسان العادي يعيش في عالم غير عادي، وبدلاً من أن يكون تجاوز الواقع انعكاساً لرؤية إنسان شاذ لعالم سوي، أصبح اللامعقول انعكاساً للعالم الشاذ في رؤيا الإنسان السوي في حضارتنا، وهكذا لم يعد التمرد على الواقع نابعا من ذات إنسانية مريضة تبرره، بل واقعاً مريضا يدركه كل إنسان سوي».
من الواقع إلى التنبؤات
ووفق النهج الإبداعي الذي ينتهجه يوسف الشاروني ويحكم رؤاه الفكرية والفنية، تأتي بعض الأعمال في شكل التنبؤات بما سيحدث، نتيجة استقراء واعٍ بالتغيرات الاجتماعية والمشكلات الاقتصادية والسياسية. وكما يؤكد هو نفسه دون تأويل أحد لهذه الأعمال قائلاً «عندي شعور بالأزمات التي تواجه المجتمع، أستطيع أن أتوقعها وأكتب عنها في قصصي، ومن ذلك قصة (الزحام) والتي تنبأت فيها بثورة يوليو/تموز 1952 وتحكي عن ساع يعمل في مكتب حكومي وهو فقير إلى الدرجة التي جعلته يرتق حذاءه أكثر من مرة، حتى أن آخر مرة ذهب فيها إلى الإسكافي أخبره أن حذاءه يجب أن يُستبدل بآخر، بعدها يعود إلى منزله وعندما يستقر في البيت يشعر أن حدثاً كبيراً سوف يحدث، حدثاً خطيراً وعظيماً سوف يغير حياته. الشيء نفسه حدث مع هزيمة 1967. ففي قصة (نظرية الجلدة الفاسدة) حاولت أن أشير إلى الإهمال الذي ينخر في المجتمع، وعدم قيام الموظفين بواجبهم، وحصولهم على مكافآت لأعمال لم يقدموها، وقد جعلتُ بطل القصة يقول في النهاية إنه لكي تطلق أي دولة في العالم قمراً صناعياً لا بد ان لا يضيع جردل أو مقشة من مخزن إهمالا أو سرقة، لأن المسؤول في المخزن ربما كان أخاً أو أباً أو قريباً لرائد فضاء قد يأتي في المستقبل. وما قصدته هو أن أشير إلى ضرورة أن تنتظم المجتمع حالة من الاتساق والوعي والنظام تشمل كل قطاعاته دون تفريق بينها في الأهمية. أما نصر اكتوبر/تشرين الأول 1973، فقد تنبأت قصة (الأم والوحش) بقدرتنا على تحقيق الانتصار على العدو الإسرائيلي، وفيها تصارع الأم الوحش وتتفوق عليه وتقتله في النهاية دفاعاً عن ابنها. وأخيراً روايتي الوحيدة (الغرق) التي تدور حول غرق السفينة سالم إكسبريس، وسميتها في الرواية المحروسة كنوع من السخرية، وهي لا تتحدث فقط عن غرق العبارة ولكنها تنبه وتحذر من غرق البلد إذا استمرت تصرفاتنا المتسببة التي نتج عنها الغرق من عبارات في البحر إلى معديات في النهر، إضافة إلى كوارث القطارات وانهيار العمارات وتصادم الشاحنات بالأتوبيسات، هذه التي نشرتها عام 2006 كانت نبوءة وتحذيراً بما وقع في نهاية كانون الثاني/يناير 2011 وأقصد بها وقائع ثورة 25 يناير». (بتصرّف من حوارات الشاروني)
بيبلوغرافيا :
يوسف الشاروني من مواليد 14 تشرين الأول/أكتوبر 1924، وتخرّج في قسم الفلسفة في كلية الآداب جامعة القاهرة في 1945.
الأعمال الإبداعية:
مجموعات قصصية: العشاق الخمسة، رسالة إلى امرأة، الزحام، حلاوة الروح، مطاردة منتصف الليل، آخر العنقود، الأم والوحش، الكراسي الموسيقية، الضحك حتى البكاء، أجداد وأحفاد. رواية بعنوان الغرق، وديوان بعنوان المساء الأخير، ومن السيرة الذاتية كتاب بعنوان ومضات الذاكرة.
الأعمال النقدية:
مع الرواية، من جراب الحاوي، دراسات في القصة القصيرة، دراسات في الأدب العربي المعاصر، القصة القصيرة نظرياً وتطبيقياً، الخيال العلمي في الأدب العربي المعاصر، الحكاية في التراث العربي، اللامعقول في الأدب المعاصر، القصة والمجتمع، القصة تطوراً وتمرداً، والآدان في مالطة.
الترجمات:
أوديب سينيكا، الآلية لصوفي تريدويل، ميدان باركلي لجون بولدستون، وهي نصوص مسرحية صدرت ضمن سلسلة المسرح العالمي في الكويت. إضافة إلى كتاب الخليج الفارسي لروبرت هاي، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة.
دراسات عن عالمه الأدبي:
يوسف الشاروني وعالمه القصصي لنعيم عطية 1994، معجم أسماء قصص يوسف الشاروني لمصطفى بيومي 1999، مدركات النفس والآخر في قصص يوسف الشاروني (رسالة دكتوراه) ، تأليف كيت دانيالز، وترجمة محمد الحديدي عام 2003.
المناصب والجوائز :
عمل كأستاذ غير متفرغ للنقد الأدبي في كلية الإعلام جامعة القاهرة بين عامي 1980 و1982، ثم عمل مستشارا ثقافيا في سلطنة عمان من 1983 حتى 1990. ترأس نادي القصّة في القاهرة بين عامي 2001 و2006، ثُم أصبح رئيساً شرفياً للنادي. حصل على جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عام 1969، والجائزة نفسها في النقد الأدبي عام 1979، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 2001، وجائزة العويس الثقافيّة عام 2007.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.